507-الاصفهاني: عدم مضي المعاملة اما لعدم المقتضي أو الشرط أو لوجود المانع
الاثنين 22 جمادى الأولى 1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(507)
الاصفهاني: ((لَا يَجُوزُ)) يعني انه موقوف على الإذن فلا إطلاق له
وأما المحقق الاصفهاني فقد بيّن كلام الشيخ أولاً ثم أشكل عليه: قال: (قوله (قدس سره): (لكن الانصاف أنّ جواز الأمر في هذه... الخ)([1]).
حاصله: أنّ الجواز مرادف للمضي، والمضي مساوق لعدم كون العقد موقوفاً على الإذن، فعدم الجواز يساوق كونه موقوفاً، ومثله عبارة أخرى عن عدم استقلاله في التصرف، أي لا ينفذ عقده بلا إذن ممن له الإذن، وهذا المعنى من عدم الجواز لا يعقل أنّ يكون له اطلاق لصورة الإذن من الولي)([2]).
وبعبارة أخرى: ان ((لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) لا يعقل فيه الإطلاق لصورتي إذن الولي وعدمه، كما ادعاه المشهور([3]) وإلا للزم إطلاق الشيء وشموله لنفسه وضده وذلك لأن يمضي (الذي هو معنى يجوز) مستبطن في ذاته معنى (عدم الوقوف على الإذن) فـ(لا يمضي) يعني إذاً: الوقوف على الإذن أي متوقف أمره على الإذن، والمتوقف أمره على الإذن (الذي هو نفس معنى لا يمضي) لا يعقل إطلاقه لنفسه وضده بان يكون معنى ((لَا يَجُوزُ)) هو: سواء أذن أم لم يأذن إذ عدم المضي مع الإذن ضد جوهري لمعنى ((لَا يَجُوزُ)) الذي هو: (متوقف أمره على الإذن).
جوابه: عدم الجواز إما لعدم المقتضي أو الشرط، أو لوجود المانع، فالإطلاق تام
وأجاب عنه بقوله: (والتحقيق: أن الجواز والمضي والنفوذ مفاهيم متقاربة، ومقتضى ثبوتها في الخارج ترتّب الأثر فعلاً على العقد الموصوف بفعلية الجواز والمضي والنفوذ، ولا يكون ذلك إلا بفعلية العلة التامة، من وجود المقتضي والشرط وعدم المانع.
وعليه فعدم الجواز وعدم المضي فعلاً بعدم فعلية ترتّب الأثر، وعدم ترتّب الأثر فعلاً إمّا بعدم المقتضي أو بفقد الشرط أو بوجود المانع، فليس عدم الجواز مساوقاً لعدم الاهلية والاقتضاء للأثر، ولا مساوقاً لعدم الأثر من حيث فقد الشرط أو وجود المانع، حتى يكون مساوقاً لكونه موقوفاً بل أعم من كل ذلك، من دون اختصاص للمفاهيم المزبورة اثباتاً ونفياً بجهة من تلك الجهات، بل هي جهات التأثير وعدمه لا دخلية([4]) في المفهوم، وعليه فعدم جواز الأمر في الغلام قابل للاطلاق من حيث إذن الولي)([5]).
وتوضيح كلامه مع بعض الإضافات في ضمن بيان الأمور التالية:
ثلاث تفسيرات للمضي
أ- ان الشيخ فسّر المضي بـ(غير الموقوف على الإذن) فالعقد الماضي الجائز هو العقد غير الموقوف على الإذن، ولكن المحقق الاصفهاني عدل إلى تفسير آخر، وهو انه (ما يترتب عليه الأثر) فالعقد الماضي، النافذ الجائز هو ما يترتّب عليه الأثر.
أقول: كلا التفسيرين تفسير بالمساوق لا المرادف، ومع ذلك فان الأدق هو تفسير المضي بـ(التحقق في عالم الاعتبار) أي العقد الماضي الجائز هو ذلك العقد الذي يتحقق ويوجد في عالم الاعتبار، والتفسيرات الثلاثة تختلف في ان الشيخ فسر المضي بما ينسبه إلى عالم علله إذ التوقف على أمر كالإذن وعدم التوقف عليه، إنما هو نسبةٌ للعقد إلى علته أو ما هو في عالمها كالشرط (الذي هو الإذن) أما الاصفهاني ففسّره بما ينسبه إلى عالم معاليله إذ ترتّب الأثر إنما هو نسبةٌ للعقد إلى رتبة آثاره وهي معاليله، أما تفسيرنا فهو في رتبة ذات المضي إذ فسرناه بتحقق العقد في عالم الاعتبار، فتحققه في عالم الاعتبار مُضِيُّة.
وأما مفهوم الجواز لغة فهو العبور فالعقد جائز معناه الحقيقي عابرٌ ومعناه الكنائي متحقق، فـ((لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) أي لا يتحقق فتدبر.
وعلى أي فان تلك الثلاثة متساوقة متلازمة إذ كلما تحقق العقد في عالم الاعتبار ترتّب عليه الأثر، وكان معلولاً لوجود علته بشرائطها (التي منها الإذن)، فليس إشكالنا على الاصفهاني إشكالاً على التعريف بل هو تدقيق وإيضاح لمركز التفسير.
وأما إشكال الاصفهاني على الشيخ فليس إشكالاً على تعريفه، لأنه متساوق معه وكلاهما متساوقان مع تعريفنا كما سبق، بل لأن تفسيره يوضح وجه الإشكال على الشيخ إذ مع صحة تفسيره يرد إشكاله بان الإطلاق منعقد لصورتي الإذن وعدمه.
الوجود يتوقف على ثلاثة أمور أما العدم فيكفيه عدم احدها
ب- ان الاصفهاني فرّق بين أحكام الوجود وأحكام العدم، ومن الواضح اختلاف أحكامهما إلا ان الكلام هو اختلافهما في جهة البحث بما سيثبت انعقاد الإطلاق لـ(لا يجوز) عكس ما ادعاه الشيخ، فان:
أ- وجود المضي أي ترتّب الأثر موقوف على تحقق ثلاثة أمور، ككل أمر وجودي آخر: وجود مقتضيه وشرطه وانتفاء مانعه، فأَما مقتضِي مُضيِّ العقد (أي نفوذه وصحته) فهو الملكية أو السلطنة (فمن له الملكية أو السلطنة فإن المقتضي لنفوذ عقده متحقق) وأما شرطه فهو إذن من بيده السلطنة، للمالك وهو الصبي في مورد البحث، وأما المانع فهو كونه مرهوناً مثلاً (أي المانع الحجر عليه لِحقٍ تعلّق بالعين التي يراد بيعها).
ب- وأما عدم المضي الذي يعني عدم ترتّب الأثر فلا يتوقف على عدمها بأجمعها بل يكفي فيه عدم احدها؛ إذ عدم الشيء (كالاحتراق وكنفوذ العقد) إما لعدم مقتضِيه (كعدم وجود النار، وعدم كونه مالكاً أو مسلطاً) أو لعدم شرطه (كعدم المحاذاة للنار، وعدم إذن وليه له رغم كونه مالكاً) أو لوجود المانع (كوجود طلاء كيماوي على الخشب يمنع احتراقه وككون العين مرهونة).
فإذا اتضح ذلك (وان عدم المضي إما لعدم مقتضيه أو لعدم شرطه أو لوجود مانعه) اتضح الإطلاق في قوله (عليه السلام) ((لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) إذ ان عدم جواز الأمر لا ينحصر في الصورة الثانية التي حصره بها الشيخ (عدم المضي لعدم الإذن إذ عبّر بـ(عدم الجواز يساوق كونه موقوفاً على الإذن) بل قد يكون لعدم المقتضي أو لوجود المانع، فيصح القول ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) سواء ءاذن الولي (لأنه قد لا يكون المقتضي حينئذٍ موجوداً، أو لوجود المانع) أم لم يأذن (لأن الشرط منتف حينئذٍ، وهذه هي صورة الشيخ). هذا وستأتي مناقشتنا للمحقق الاصفهاني غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى (عليه السلام): يَا رُوحَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ)) (الكافي: ج1 ص39)
-----------
([1]) كتاب المكاسب ص 114 سطر 17.
([2]) الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، حاشية كتاب المكاسب، منشورات أنوار الهدى ـ قم: ج2 ص10.
([5]) الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، حاشية كتاب المكاسب، منشورات أنوار الهدى ـ قم: ج2 ص10.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
([1]) كتاب المكاسب ص 114 سطر 17.