506- الشيرازي: المضي أعم من الاقتضاء، والمناقشة -عدم ذكر الروايات لاذن الولي دليل عدم جدواه والجواب
الأحد 21 جمادى الأولى 1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(506)
الشيرازي: المضي والجواز أعم من الفعلية والأهلية
ثم ان الميرزا الشيرازي الثاني أشكل على استدلال الشيخ في تفسيره ((يَجُوزُ)) في الرواية([1]) بالمضي وان عدم مضي معاملات الصبي لا ينافي ثبوت وقوفها على الإجازة؛ لظهور لا يجوز في عدم المضي الاستقلالي، فلا يشمل ((لَا يَجُوزُ)) صورة الإذن، أشكل بقوله: (هذا، مع إمكان منع ما ذكر من كون المراد بالجواز المضيّ، بمعنى أنه لو ترتّبت الآثار([2]) المطلوبة من المعاملات عليها حين وقوعها، بل الأعمّ من ذلك ومن الأهليّة والاقتضاء لرتّب([3]) تلك الآثار عليها ولو معلّقاً على شرط مترقّب، كما في بيع المكره المتوقّف مضيّه على الرضا، وكذا بيع مال الغير، وبيع السّفيه، والعبد قبل إذن السيد والولي، وكذا بيع الرّهن قبل إذن المرتهن، فإنّ الصبيّ الموضوع للحكم أعمّ من الحرّ والعبد والرشيد والسّفيه، كما يشهد به استثناء السّفيه في بعض روايات الباب([4]).
وكذا المراد من بيعه وشرائه أعمّ من بيعه أو شرائه لمال غيره، أو مال نفسه المتعلّق لحقّ غيره كالرهن وغيره.
ومن المعلوم عدم تحقق المضيّ الفعليّ في الجميع بمجرد البلوغ، فلا بدَّ من أن يكون المراد من المضيّ في طرف المفهوم هو ما ذكرناه من المعنى الأعمّ، فيكون هو المنفيّ في طرف المنطوق أيضاً.
فيصير المحصّل: أن المضيّ بالمعنى الأعم الشامل للأهلية والاقتضاء غير ثابت لمعاملات الصبي مادام صبيّاً، فإذا بلغ ثبت الجواز على أحد الوجهين، فإن كان رشيداً حرّاً مختاراً بائعاً مثلاً لمال نفسه الغير المتعلّق لحق الغير حقّاً مانعاً عن نفوذ تصرفاته الفعلية لا مطلقاً ترتّب عليها الأثر الفعلي، وإن فقد بعض تلك القيود ترتّب عليه الأهلية والاقتضاء وتوقّف الفعلية على حصول شرطها من إذن المالك، أو المرتهن، أو نفسه بعد رفع الإكراه ونحو ذلك من شرائط الفعليّة، وحصرُ الموضوع على القسم الأول ممّا لم أعرف له وجهاً)([5]).
بعبارة أخرى أوضح وأكثر اختصاراً مع بعض الإضافات، ان استدلاله يتركب من نقاط:
أ- ان المضيّ أعم المضي الفعلي والاقتضائي، أي أعم من الفعلية والشأنية (وذلك وإن كان خلاف الظاهر لأن ظاهر الأفعال الفعلية لا الشأنية ألا ترى ان قولك ذهب، يذهب، هو ذاهب، وكذا لم يذهب، هو انه ذهب بالفعل لا ان له شأنية الذهاب، ويذهب بالفعل لا انه سيكون له اقتضاء الذهاب وذاهب بالفعل، وكذلك قولك علم، يعلم، هو عالم، أكل، يأكل، آكل... الخ)([6]).
قرينتان على الأعمية
ب- إلا ان الذي دفعنا إلى ارتكاب خلاف الظاهر قرينتان:
الأولى: الإطلاق في مفردة ((الْغُلَامُ))([7]) الوارد في الروايات ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)).
الثانية: الإطلاق في (بيعه وشرائه) إذ يراد بالأخير الأعم من أ- بيعه لمال غيره ولمال نفسه المحجور عليه كالمرتهن، فالجواز اقتضائي موقوف على إذن صاحب المال لأنه فضولي، ب- ومن بيعه مال نفسه فالجواز فعلي، ويراد بالأول (الإطلاق في الغلام) الأعم من المكره والمختار والحر والعبد والسّفيه والراشد إذ يقول (عليه السلام): ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) و((الْيَتِيمِ مَتَى يَجُوزُ أَمْرُهُ؟)) إذ لا شك ان الغلام واليتيم المأخوذ كموضوع لعدم جواز الأمر، مطلق يشمل المكره وغيره (أي اليتيم المكره والمختار) والسّفيه وغيره والعبد وغيره، والمرتهنة عينه المملوكة له وغيره.
فالمفهوم أعم فكذا المنطوق
ج- ولا شك ان قولنا في طرف مفهوم الرواية (انه إذا بلغ خمس عشرة سنة جاز أمره) و(إذا بلغ أشده جاز أمره) يراد به الأعم من الجواز والمضي الاقتضائي والمضي الفعلي؛ لمكان إطلاق الغلام لأنه إن بلغ وهو سفيه فمضي أمره اقتضائي وإن بلغ راشداً ففعلي وكذا لو بلغ مكرهاً (على البيع) فاقتضائي وإلا ففعلي وكذا لو بلغ عبداً أو حراً، مرهونة عينه أو لا.
د- فإذا كان مفهوم الرواية (الجواز الأعم من الاقتضائي والفعلي) كان منطوقها (والغلام لا يجوز أمره) الأعم كذلك؛ لضرورة لزوم التطابق بين المفهوم والمنطوق، أي لا يجوز أمره إما اقتضاءً أي لعدم الاقتضاء فيه وإما فعليةً أي لعدم تحقق الشرط وهو إذن الولي رغم وجود الاقتضاء فيه.
ولو انحصر معنى (لا يجوز) في الأخير لصح كلام الشيخ (لا يجوز استقلالاً) لكنه كما اتضح أعم من الأخير (الفعلية) وسابقه (الاقتضاء).
الجواب: المفهوم والمنطوق أخص، والفعلية من هذه الحيثية
أقول: لكن الظاهر عدم تمامية إشكاله:
أما قوله: (وحصرُ الموضوع على القسم الأول ممّا لم أعرف له وجهاً) فوجهه واضح وهو ما سبق من ظهور الأفعال في الفعلية والاقتضاء مجاز لا شك فيه.
وأما قرينتاه فغير دالتين وذلك لأن قوله ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) يراد به ظاهره وهو لا يجوز فعلاً، كمفهومه (إذا بلغ خمس عشرة سنة يجوز أمره) فانه يراد به ظاهره أي يجوز فعلاً، لا غير؛ وذلك([8]) لأن الغلام واليتيم المأخوذ موضوعاً قد أخذ مفروضاً جامعيته لكافة الجهات الأخرى (ككونه مختاراً، حراً، راشداً، غير مرهونة أمواله) وإنما الكلام من جهة بلوغه وعدمه، فإذا بلغ هذا كان جواز أمره فعلياً.
وبعبارة أخرى: الكلام في أمثال هذا الكلام إنما هو من هذه الحيثية (حيثية البلوغ وعدمه) مع قطع النظر عن الحيثيات الأخرى ومع سدّ باب العدم من جهتها؛ ألا ترى أن قولك (إذا بلغ الغلام وجب عليه الصيام) يراد به عرفاً ودقة وجب عليه فعلاً الصيام، وذلك بأخذ سائر الشروط مفروغاً عنها (ككونه عاقلاً، حاضراً غير مسافر... الخ) فهذا تقييد ارتكازي عقلائي للكلام في أذهان جميع الناس في كافة أمثال تلك الكلمات المعلق فيها الحكم على شروط ثم افترض تحقق احداها ورتب عليه الحكم، وهو أولى جداً من حمل الفعل على الاقتضاء بافتراض سائر الشروط مفقودة أو على الأعم بافتراض سائر الشروط مفقودة تارة وموجودة أخرى.
أربع وجوه لعدم إشارة الاخبار لصحة عقود الصبي مع الإذن
وقال (قدس سره): (ويؤيد ذلك كله فهم العلماء الأعلام (قدس سرهم) وعدم الإشارة في شيء من أخبار الباب على الجواز مع إذن الوليّ، كما ورد في العبد)([9]).
أقول: لا يصلح عدم الإشارة في سائر الأخبار إلى جواز معاملات الصبي بإذن الولي، دليلاً ولا مؤيداً، وذلك لأن لعدم الإشارة وجوهاً عديدة صالحة للاعتماد عليها فانه:
1- قد يكون لارتكازيتيه وعقلائيته لأن الحق لا يعدوهما؛ إذ الصبي الراشد مالك والولي مسلط والفرض فيه ان لا يأذن إلا مع لحاظ المصلحة للصبي في تلك المعاملة أو عدم المفسدة، فلا يرى العقلاء وجهاً أبداً للحجر عليه مع كونه راشداً ورغبته في البيع أو الشراء ومع إذن الولي له، فيكون ترك ذكر الجواز مع الإذن، راجعاً إلى إرتكازيته العقلائية إن لم نقل لاستقلال العقل به، وإن شئت فقل ان احتفاف الرواية ((لَا يَجُوزُ...)) بالمستقل العقلي أو المرتكز العقلائي، يصرفها إلى تصرف الصبي بدون إذن الولي.
2- وقد يكون لجريان سيرة العقلاء عليه إذ السيرة المسلّمة على الإذن للصبيان الراشدين في بعض المعاملات، وليست من باب الإباحة قطعاً بل الباعة يتعاملون مع الصبيان الراشدين كما يتعاملون مع الكبار في قصد البيع والشراء.. الخ وسيأتي تفصيله.
3- وقد يكون للإتكال على إطلاقات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وشبهها، وقد خرج منها معاملات الصبي بدون الإذن، فيبقى فيها ما كان بالإذن. وسيأتي مزيد تفصيل لذلك.
4- بل قد يكون لوجود الروايات المصرحة بمدارية الرشد في صحة معاملات الصبي كصحيحة العيص بن قاسم التي سبق الكلام عنها مفصّلاً([10]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((الْعِلْمُ خَزَائِنُ، وَالْمَفَاتِيحُ السُّؤَالُ، فَاسْأَلُوا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي الْعِلْمِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُسْتَمِعُ وَالْمُحِبُّ لَهُمْ))
(الخصال: ج1 ص244)
-------------
([1]) ((عَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَجُوزُ أَمْرُهُ؟)) و((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) وغيرهما.
([2]) هنا أخطاء مطبعية والصحيح: بمعنى ترتّب الآثار.
([4]) الحر العاملي، الوسائل: ج19/369.
([5]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص11.
([6]) ما بين القوسين إضافة توضيحية منّا.
([8]) تعليل للاغير، أي لنفي الشمول للاقتضاء.
([9]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص11.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
-------------
([1]) ((عَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَجُوزُ أَمْرُهُ؟)) و((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) وغيرهما.