بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(485)
لا فرق بين الاعتباري والانتزاعي والإضافة
تتمة: إذا امتنع توارد الملكيتين والسلطنتين على شيء واحد، كما ارتآه الميرزا النائيني قدس سره، استناداً إلى كون الملكيتين والسلطنتين إضافتين حسب استدلاله، امتنع تواردهما على الشيء الواحد على القول بكونهما اعتباريين أيضاً إذ المحال محال حتى في عالم الاعتباريات إلا إذا قصد منه مجرد صورته أو عنوانه واسمه لا واقعه، فتدبر.
امرُ بشرط لا بيدنا بل بيد الشارع
تتمة: مضى: (وفي الملكية بل في السلطنة الأمر كذلك أيضاً، فان كون سلطنتي كاملة على الشيء لا تتضاد مع كون سلطنته كاملة على الشيء إلا إذا ضممنا مفهوم بشرط لا إليها بان نقول: (سلطنتي الكاملة على الشيء مشروطةً بعدم سلطنة غيري عليه، تتضاد مع سلطنة غيري عليه)، وذلك بديهي لكنه من الضرورة بشرط المحمول)([1]).
ونضيف: وإذا انيط الأمر بِضمّنا مفهوم بشرط لا إليه، كان مما أمره بيدنا ولم يكن محالاً بذاته كما هو ظاهر عبارته قدس سره حيث ادخله في عالم امتناع اجتماع الاضافتين، وعلى أية حال فان أخذ مفهوم بشرط لا في السلطنة عَمَل الشارع وليس شأننا فالمرجع إليه، وعندما نستنطق الأدلة لا نجد في شيء منها ما يدل على ان السلطان (الولي) قد جعل الشارع سلطنته بشرط لا عن سلطنة غيره أي لم يسمح له حتى بان يأذن لغيره فيه أي ألغى سلطنة الصبي الناقصة تماماً فلم يكن مجال لتصرفه حتى بالإذن (حسب مبنى كلامه قدس سره) وسيجيء بيانه غداً بإذن الله تعالى.
السلطنة التامة ملأت ثبوتاً أركان ممتلكات الصبي
تتمة: مضى (يرد عليه: انه إذا افترضنا انه ليس للولي الإذن في تصرف الغير (كما هو مبناه) فانها ستكون سلطنة ناقصة لا تامة، هذا خلف)([2]) نعم، يبدو انه قدس سره افترض سلطنة الولي قد ملأت ثبوتاً أركان كل ممتلكات الصبي نظير (وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلاَتْ اَرْكانَ كُلِّ شَيء)([3]) فإذا ملأت ثبوتاً أركان كل الممتلكات فلا يبقى مجال لسلطنةٍ حتى ناقصةٍ للصبي، وفيه:
الجواب: 1- لا تزاحم رغم ذلك
أولاً: ما سبق من انه لا تزاحم بين الانتزاعيات والإضافات والاعتباريات إذ التزاحم يقع بين الأمور المتاصلة التي لها ما بإزاء في الخارج لا بين الأمور المنتزعة سواءً أكانت من سنخ واحد كالاخوّتين والملكيتين أم من سنخيتين كملكيةٍ وسلطنةٍ، وكالإمكان والفوقية والفردية وغيرها التي تجتمع في الشيء الواحد (السقف مثلاً) من غير تزاحم بينها أصلاً.
2- يلزم من وجوده عدمه
ثانياً: سلّمنا، لكن هذا الفرض مما يلزم من وجوده عدمه، إذ كون سلطنته قد ملأت أركان كل شيء طارد لسلطنة الصبي الناقصة، كما ارتآه، وإذا كان طارداً لها فليس للولي ان يأذن للصبي في التصرف، إذ الفرض ان الإذن، عكس الوكالة، يستبطن وجود سلطنة ناقصة للصبي فيلحقها الإذن، وقد فرض انها مطرودة بسلطنته التامة، فإذا لم يكن له أن يأذن كان سلطنته ناقصة، بالمعنى الاسم مصدري، وإن عُلِّلت بان عدم إمكان إذنه للصبي من باب انتفاء الموضوع في الصبي (والموضوع: السلطنة الناقصة) فإذا كانت سلطنة الولي ناقصة، أمكن ان تكون للصبي سلطنة ناقصة إلى جواره فأمكن له ان يأذن له، إذ وجد الموضوع فيه. وهو ما ذكرنا من انه يلزم من وجوده عدمه وهو ما مرّ من: (فإذا فرضنا السلطنة تامة استبطنت كونها غير تامة، كان فرض السلطنة التامة محالاً (فكيف بدعوى ثبوتها للولي؟) بل يكفي ان ما يلزم من وجوده عدمه محال، فلا محالة تكون ناقصة وهو المطلوب إذ لا تتزاحم الناقصة مع الناقصة)([4]). فتأمل([5]).
(القدرة على المحال) كلام متهافت
تتمة: افترض قدس سره (السلطنة التامة للولي) سبباً لامتناع إذنه للصبي في التصرف لامتناع اجتماع السلطنة التامة مع سلطنة تامة أو ناقصة أخرى في عرضها. وأشكلنا عليه بانه كلام متناقض أو خلف أي ان نفس تركيب (السلطنة) مع (التامة) بالمعنى الذي أراده (أي بحيث ليس له ان يأذن لغيره) متناقض أو به خلف، أقول: وهو نظير قولك (القدرة على المحال) أو (القدرة التامة تتعلق بالمحال) كجمع النقيضين والضدين والمثلين، وخلق شريك الباري مثلاً فان هذا الكلام في حد ذاته متناقض أو خلف وذلك لأنه إذا كانت القدرة مما تتعلق بالمحال وتشمله أي كانت لله تعالى، مثلاً، القدرة على إيجاد المحال، لم يكن محالاً، هذا خلف إذ فرضناه محالاً، وإن لم تتعلق بالمحال لم تكن قدرة تامة ففرض القدرة التامة يستلزم عدمها أو الخلف، وأما في الله تعالى فنقول: ان القدرة أخذ في حدها وجوهرها ومفهومها كون متعلقها محلاً قابلاً أي ممكناً فإن لم يكن ممكناً كان خارجاً موضوعاً عن حيطة دائرة مفهوم القدرة، فلا يصح أصل السؤال بانه قادر على خلق المحال أو لا أي هو سؤال غلط، بعبارة أخرى: فلا يصح ان ننفي عنه القدرة ولا ان نثبتها كالعمى والبصر للحائط فانه لا يصح إثباتهما له أو نفيهما.
ولكن مثل هذا الجواب والتخريج لا يجري في كلام المحقق النائيني؛ إذ ليس كلامه في السلطنة التامة كمصطلح بل في واقعها وان سلطنة الولي ملأت أركان ممتلكات الصبي فكيف تكون للصبي سلطنة ناقصة، ولذا فرّع عليه عدم صحة إذنه للصبي، فالمدار عنده على الواقع ولو كان عن المصطلح لوجب ان يلتزم بان له ان يأذن للصبي وإن لم يصح إطلاق مصطلح السلطنة عليه. فتدبر.
3- كلامه قدس سره تعارضه الفطرة والوجدان
بل يكفي في الجواب عن دعوى المحقق النائيني استحالة إذن الولي للصبي في التصرف؛ لأنها إضافة... الخ، ان نقول: ان هذه شبهة في مقابل البديهة والفطرة والوجدان فلا يصغى لها؛ إذ مما ندركه بالبداهة ان لولي الطفل المميّز الراشد ان يأذن له في البيع والشراء (ولو في حدود ما يراه مصلحة له) ولا نرى في هذا، بحسب وجداننا، امتناعاً واستحالة بوجه كما هو مرتكز كلامه كله.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الحسن عليه السلام لرَجُلٍ أَبَلَّ([6]) من عِلَّةٍ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَكَ فَاذْكُرْهُ وَأَقَالَكَ فَاشْكُرْهُ). (تحف العقول: ص234).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الدرس السابق.
([2]) الدرس السابق.
([3]) من دعاء كميل بن زياد.
([4]) الدرس السابق.
([5]) سيظهر وجهه مما سيأتي في تعلق القدرة بالمحال، ولأن النقص من جهتين، فلا تناقض أو تهافت أو استلزام وجوده لعدمه. فتأمل جداً، وعلى أي لو صح هذا التأمل فالمعتمد الجواب الأول السابق.
([6]) أبل من مرضه بمعنى: برئ منه.