بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(337)
الأدلة على الأقوال في المعاطاة:
سبق ان الأقوال في المعاطاة عديدة وهي مع محتملاتها أحد عشر قولاً واحتمالاً، ولكن المشهور بين المتأخرين والمنصور هو انه لا فرق بينها وبين اللفظ في تحقق إنشاء البيع (وغيره) بها، وان المعاطاة كاللفظ تفيد الملك اللازم في المعاملات الدارجة التي كان وضعها عرفاً على البيع والشراء، كما انها تفيد الإجارة اللازمة فيما كان وضعه عرفاً على ذلك وهكذا.
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وسيرة العقلاء وسيرة المتشرعة والعقل: اما الكتاب فآيات عديدة:
1- (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)، وفقه الآية الكريمة
أولاً: قوله تعالى: (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)، ولكن ذلك متوقف على التفقّه في الآية الشريفة، فان الاحتمالات في معنى الآية الشريفة في مفردتي (أَحَلَّ) و (الْبَيْعَ) وفي دلالة الآية الكريمة لعلها تزيد على العشرة:
(أَحَلَّ) خبر أم إنشاء؟
1-2- فانه يحتمل في قوله تعالى: (أَحَلَّ) كونه خبراً كما يحتمل فيه كونه إنشاءً أي كونه خبراً أريد به الإنشاء، فقد يستشكل بانه لو كان خبراً لكان مفاده قضية جزئية شخصية بدعوى الفرق بين قولك جئني بإنسان أو جئني بزيد وبين قولك جاءني إنسان أو جائني زيد فان الأول له إطلاق إفرادي وأحوالي وأزماني (إن لم نقل بدلالة الأمر على الفور) في مثال جئني بإنسان وله إطلاق أحوالي وأزماني في مثال جئني بزيد (أي في أية حالةٍ كان وأي شيء كان ملبسه وأي مكان كان محله.. الخ)، اما الثاني وهو جائني إنسان أو جائني زيد فانه لا إطلاق له بوجهٍ إذ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد والتشخص مساوق للوحدة والجزئية، فكذا (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لو أريد به الاخبار، وفيه ما لا يخفى وسيأتي.
(أَحَلَّ) تكليفاً أو وضعاً؟
3-4- ويحتمل ان يكون المراد من (أَحَلَّ) الحكم التكليفي أي جوّز مقابل حرّم، كما يحتمل ان يراد الحكم الوضعي أي اعتبره صحيحاً مقابل اعتبره فاسداً.
(أَحَلَّ) أي أقره وأثبته في مقره
5- كما يحتمل في (أَحَلَّ) أي تكون بالمعنى المقابل لأرتحل ورحل (تقول: حلّ زيد بدارنا أو أحل فيها) وهو ما اختاره المحقق الاصفهاني إذ أخذ في حاشيته على المكاسب (أَحَلَّ) بمعنى القرار والثبوت في مقابل الرحيل والخروج: (بأن يكون معنى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) أقرّ الله البيع وأثبته في مقرّه أي لم يتصرّف فيه برفعه بل أبقاه على حاله من الصحّة والجواز كما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين)([1]) قوله (من الصحة والجواز) أي لدى العرف قبل الشارع ومعه.
وسيأتي الكلام حوله وحول سوابقه ولواحقه بإذن الله تعالى.
(أَحَلَّ) أي أرسله وأطلقه مقابل شدّه وعقده
6- ويحتمل في (أَحَلَّ) أي يكون بالمعنى الذي يقابل شدّ وعَقَد، كما تقول حلّ فلان عقدة الحبل، فأحلّ الله البيع أي أرسله وأطلقه ولم يمنع عنه عكس الربا الذي منع عنه وقيده، وقد ذهب إلى هذا المعنى السيد الوالد والسيد الخوئي (قدس سرهما) وآخرون.
قال السيد الوالد: (هذا بعض الكلام في الموضوع، أما الحكم وهو (أَحَلَّ)، فالمراد به إما الوضعي أي الصحة والنفوذ، أو التكليفي أي الرخصة والجواز، أو الجامع بينهما حيث يشملهما، وهو إرخاء العنان في قبال المنع والتقييد).([2])
وقال السيد الخوئي: (والظاهر أنّه بمعنى الحلّ في مقابل الشدّ والعقد وأنّ الله أحلّ البيع ، يعني أرسله وأطلقه ولم يشدّه ويمنع عنه ، بخلاف الربا فإنّه منع عنه وقيّده ، فالبيع محلول في مقابل الممنوع والمشدود)([3]) وستأتي تتمة لكلامهما.
ومزيد توضيحه: ان العرف كانوا يرون البيع وأشباهه من العقود محللة أي مرسلة مطلقة غير ممنوع عنها فإذا منع الشارع عنها كان قد حرّم لكنه أحله أي جعله في اعتباره أيضاً مرسلاً مطلقاً، فهو جَعْلٌ للحل وليس إمضاءً فقط إلا ان يرجع إليه فتدبر وانتظر تقويتنا له ثم المناقشة.
متعلَّق (أَحَلَّ) التصرفات المترتبة على البيع
7- ويحتمل ان لا يكون متعلق (أَحَلَّ) هو (الْبَيْعَ) بل أحكامه ولوازمه وهو ما ذهب إليه الشيخ إذ قال: (ويدل عليه أيضاً عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) حيث انه يدل على حِلّية جميع التصرفات المترتبة على البيع) ووجهه: ان الشيخ وقع بين محذورين فالتجأ لهذا الخيار الثالث لأن (أَحَلَّ) إن أريد به الحلية التكليفية أي جوّزه وَرَدَ عليه انه لم يكن جواز البيع محل شك ومورد توهّم الحرمة كي يقول تعالى (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) فهو – على هذا التفسير – كاللغو.
وإن أريد به الحلّية الوضعية أي اعتبره صحيحاً وَرَدَ عليه انه خلاف ظاهر أحلّ وحلال، خاصة مع مقابلته بـ(وَحَرَّمَ الرِّبَا) المراد به الحرمة التكليفية.
والحاصل: حيث ان ظاهر (أَحَلَّ) الحكم التكليفي لا الوضعي وحيث انه لا يصح ان يكون متعلقه البيع نفسه لأنه بيان لمطلب بديهي فيتجوز في الحذف بإرادة (أحل الله التصرفات المترتبة على البيع) أو في الإسناد بان يكون إسناد أحل للبيع مجازاً ويراد به أحل أحكامه، نظير (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) حيث انه من المجاز في الإسناد أو الحذف.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ وَمَنِ اسْتَغْنَى بِعَقْلِهِ زَلَّ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ وَمَنْ خَالَطَ الْعُلَمَاءَ وُقِّرَ))
(تحف العقول، ص88).
------------------------------------------
([1]) الشيخ ميرزا علي الغروي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي – قم، ج1 ص77.
([2]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ البيع، ج1 ص63.
([3]) الشيخ ميرزا علي الغروي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي – قم، ج1 ص77.