||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 261- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (3)

 300- وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّه (5) ضوابط تشخيص اهل الريب والبدع ومرجعية الشورى في الشؤون العامة

 8- فائدة اصولية: التفصيل في تحديد موضوع الحكم بين ما لو كان المصبّ الذوات أو الصفات أو الذات فالصفات

 151- العودة الى منهج رسول الله واهل بيته (عليهم السلام) في الحياة ـ4 (الحريات الاسلامية) على ضوء قاعدة السلطنة : (الناس مسلطون على اموالهم وانفسهم وحقوقهم) وقاعدة:(الارض والثروات للناس لا للحكومات)

 323- من فقه الحديث الشريف: الكذب يهدي الى الفجور

 294- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (10) سياسة الرعب والصدمة ومناط الأقربية للإصابة في الحجج

 بحوث في العقيدة والسلوك

 258- مباحث الأصول: بحث الحجج (حجية قول الراوي والمفتي والرجالي واللغوي) (5)

 156- الانذار الفاطمي للعالم البشري والدليل القرآني على عصمة الصديقة الزهراء(عليها افضل السلام)

 دواعي الخسران في ضوء بصائر قرآنية



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23710400

  • التاريخ : 29/03/2024 - 11:54

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 311- الفوائد الأصولية: القصد (2) .

311- الفوائد الأصولية: القصد (2)
5 ربيع الثاني 1440هـ

الفوائد الأصولية: القصد

جمع و اعداد الشيخ عطاء شاهين*

الفائدة الرابعة: أن المعاملات اعتبارية قصدية وتختلف باختلاف المعتبرين والقصود؛ وهناك قواعد يرجع إليها فيما لو اختلف القصد مع اللفظ أو غير ذلك ؛ ولكن الشارع  هو الذي يحدد الضابط الثبوتي في كون المصدر – أي القصدي- هو موضوع الحكم ؛ أو اسم المصدر – أي غير القصدي-  هو موضوع الحكم ؛ فإن ذلك  كله تابع لغرض الشارع وما  يراه من قيام المصلحة أو المفسدة بالفعل مطلقاً أو به مع القصد؛ وأما الضابط الاثباتي فإن العرف هو ما يفهم القصدية كلما جعلت العناوين موضوعاً للأحكام إلا لو كان ظهور المادة أقوى.

تفصيل الفائدة:
ثم إن ههنا قواعد كلّية:
الأولى: كل المعاملات قصدية، والمراد بها بالمعنى الأعم الشامل للعقود والإيقاعات لا الأعم منه الشامل للأحكام أيضاً كما ذكره بعض الأعلام.
الثانية: كل المعاملات اعتبارية.
الثالثة: كل المعاملات تختلف باختلاف المعتبرين.
تخالف القصود في أنفسها ومع غيرها
الرابعة: أنه قد يقال بأنها تختلف باختلاف القصود في أنفسها أو منسوبة لغيرها ؛وتحقيقه في صور:

الصورة الأولى: ما لو اختلف القصد مع اللفظ؛ والقاعدة هي بطلان المعاملات إذا تخلّف القصد عن اللفظ بأن أتى باللفظ دون قصد، أو تخلّف اللفظ[1] عن القصد؛ بأن قصد دون لفظ.
نعم ، يستثنى من ذلك ما لو تدخل الشارع كما فيما لو بنيا واتفقا على المتعة فنسيا ذكر الأجل؛ فقد أفتى جمع من العلماء - تبعاً لعدد من الروايات-  بانقلابها دائماً مع أنهما لم يقصدا الدائم قطعاً، في قبال من أفتى بالبطلان تبعاً لروايات أخرى تطابق القاعدة العامة.

إذا لم يقصد أمراً
الصورة الثانية: ما لو لم يقصد بالقول أو الفعل أمراً؛ فإن القاعدة هي عدم ثبوت الأحكام التكليفية وثبوت الأحكام الوضعية ؛ كما في النجاسة بلمس النجس والضمان بكسر زجاج الغير وإن لم يقصد اللمس أو الكسر بل حتى لو لم يقصد شيئاً أصلاً، اللهم إلا ما خرج بالدليل كما لو لمس زوجته وهي في العِدّة بشهوة لا بقصد الرجوع فإن ذلك يعد رجوعاً حسبما أفتى به بعض الأعلام وإن لم يقصده[2].

لو تضاد القصدان
الصورة الثالثة: ما لو تضاد القصدان، فإيهما يقع أو لا يقع شيء منهما؟ ولذلك أمثلة:
منها: ما لو قصد بيع المنفعة، كسكنى الدار، فباعها بكذا فقد قصد بما هو إجارةٌ البيعَ مع إلتفاته أو عدمه، فهل يقع بيعاً أو إجارة؟ أو يبطل العقد؟ أو الملاك المصب المحض أو الغالب؟
ومنها: ما لو جمع بين قصدين متضادين شرعاً أو عرفاً أو شرعاً وعرفاً كما لو قال: بعتك وصالحتك هذه الدار بكذا أو قالت المرأة زوجتك وبعتك نفسي وهي ترى اجتماعهما، وذلك أن كثيراً من الناس لا يعلمون الحدود بين الموضوعات ولا كونها متضادة فيتصورون اجتماعهما، فهل يبطل؟ أو يقع الغالب لديه؟ أو لا يقع إلا المحض؟.
ومنها: ما لو قال آجرتك الدار مائة سنة وهو يرى كونه بيعاً لجهله حكم الشرع مثلاً وأُنسه بأحكام البلاد الغربية إذ يرون الإجارة لأكثر من 99 عاماً بيعاً سواء القول بأنها تقع بيعاً أم القول بأنها تنقلب إليه.
ومنها: تعارض قصد الوكيل والموكل والنائب والمنوب عنه، ولعله يأتي بحثه لاحقاً، إلى غير ذلك من الأمثلة، ولا يخفى النقاش في بعض ما سبق منها فتدبر.
إذا عرفت ذلك فلننتقل إلى بحث الضابط الثبوتي ثم الإثباتي لكون الفعل قصدياً أو غير قصدي وكون موضوع الحكم هو المصدر أو اسمه، فنقول:

الضابط الثبوتي لكون القصدي هو الموضوع أو الأعم..
أما الضابط الثبوتي في كون المصدر القصدي هو موضوع الحكم  أو اسم المصدر غير القصدي هو موضوعه ؛ تابعٌ لغرض المشرِّع وهو تابع لما يراه من قيام المصلحة أو المفسدة بالفعل مطلقاً أو به مع القصد، فلو قال: (من قَتَل قُتل) فإن كان الغرض (الردع) كان لا بد من ابتناء الحكم على المعنى المصدري والقصد معه؛ لأنه المتعقل من غائية الردع ؛ إذ لا معنى للقول بأن الحكم أعم مما لو صدر منه القتل خطأً محضاً مثلاً مع عدم التقصير في المقدمات ، وأما إن كان الغرض (التعويض)[3] ابتنى مثل (من قَتَل فعليه الدية) على المعنى الاسم مصدري،  وكذا في القول :من كسر ضمن.

الضابط الإثباتي: الأصل القصدية إلا مع قوة المادة
وما الضابط الإثباتي فقد يقال: ان الأصل هي المعاني المصدرية وان العرف يفهم القصدية كلما جعلت العناوين موضوعاً للأحكام، ويستثنى من ذلك ما لو كان ظهور المادة أقوى، وأما لو تعارض ظهور الهيئة مع ظهور المادة تساقطا ويكون المرجع كلما أريد إثبات حكمٍ لم يكن، العدمُ إلا في صورة القصد فإنه الأقلّ والقدر المتيقن.

أمثلة تطبيقية
ولنمثل ببعض الأمثلة لمزيد جلاء الحال في معقد البحث؛  فإذا ورد: (من حاز ملك) و(مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ)[4] فأريد بـ(حاز) المعنى المصدري -حسبما ذهب إليه المشهور- فلا يملك إذا لم يقصد الحيازة، وأما (ملك) فإنه يراد به المعنى الاسم مصدري ؛ لذا فإنه سواء أقصد التملك فملك أو لم يقصده -كما لو ورث قهراً-  فإنه يستأثر، بنحو الاقتضاء، فمع كون الموضوع فعلاً ماضياً في الجملتين إلا أنه في أحداهما حمل على المصدرية القصدية وفي الأخرى حمل على المعنى الاسم مصدري؛ وهذا وإن صح إلا أنه في المثال الأول للدليل الخاص الذي استظهره الأعلام ولو كان مثل الانصراف أو القدر المتيقن أو شبه ذلك فيما ارتأوا، إلا ان العرف يحمل الأول –كالثاني- على الاسم مصدري؛  ولذا نجدهم يبنون على أن من وقع في يده طير وإن لم يكن قاصداً حيازته فإنه أحق به من غيره ويرون آخذه منه غاصباً.
وعليه: فالقول بأن العرف يفهم المعاني القصدية مطلقاً مردود بما سبق، إلا أن يجاب بأنهم خرجوا عن الأصل لاقوائية المادة من الهيئة في المثالين بنظرهم ومناسبات الحكم والموضوع أو شبه ذلك.
ولو قال (من رد دابتي فله درهم) فردها إليه أحدهم غير قاصد أو قاصداً الخلاف، كما لو عثر عليها فنوى سرقتها فوضعها في بيت صاحبها وهو جاره مخطئاً متوهماً أنها داره، فإذا كان عودتها إليه هو الغرض وهو تمام الملاك شمله الحكم واستحق الأجر، وأما سوء نيته فغير ضار بعد تحقق الغرض[5]، فتأمل.
ولو خاط ثوب الغير متوهماً أنه ثوبه، كما لو وضع ثوبه لدى الخياط على أن يرجع إليه لاحقاً ليتفق معه على العقد ، أو كان قد اتفق معه، ففي الصورة الثانية ظهور المادة أقوى؛ إذ يفيد المعنى الاسم المصدري لأنه المحقق للغرض، وأما في الصورة الأولى فإنه لا يستحق أجرة المسمى؛ إذ لا عقد ولا مسمى، لكن هل يستحق أجرة المثل لقاعدة أن العمل محترم الحاكمة على القصد أو لا؟ إذ لا اتفاق ولا يعد محسناً عرفاً أو إثباتاً إن اعتبرناه هو المدار، فتأمل[6].

الفائدة الخامسة: أن العناوين على أقسام ثلاثة: حقيقية ، وقصدية ، واعتبارية؛ فالأولى ما يكون انطباقها على مصاديقها قهراً كالقتل والأكل ؛ حيث إنهما يصدقا على من فعل ذلك وإن كانا بلا قصد منه ؛ والثانية ما لا يكون انطباقها على مصاديقها إلا بالقصد ؛ أي أن تحقق هذه العناوين يدور مدار القصد كعلة تامة أو كجزء للعلة ككافة الانشائيات والعقود ؛ والثالثة العناوين التي تدور مدار الاعتبار كعِلّة تامة أو كجزء العِلّة؛ وهنا قد يلزم اجتماع القصد والاعتبار ليصدق العنوان وقد لا يلزم ذلك؛ ثم إن الاعتبار إما يكون للشارع أو للعرف العام أو الخاص أو للشخص نفسه؛ نعم الرابع اعتباره وعدمه مكتسب من الثلاثة الأولى؛ فقد يبني الشارع والعرف على اعتباره وقد يلغون اعتباره؛ وكل ما أوكله الشارع إلى العرف العام أو الخاص فأمر الاعتبار بيد الموكل إليه، نعم قد يتدخل الشارع فيعتبر ما لم يعتبروه ، ثم إن بعض العناوين وإن كانت تصدق على مصاديقها قهراً ولكن قد تنقلب آثارها الشرعية على خلاف ظاهرها عند المزاحم الأقوى وقصدِه، كما لو جرحه لإنقاذه أو لإنقاذ نفسه منه أو ضرب ولده تأديباً لا تشفياً وانتقاماً؛ فإن هذه الأفعال قد انقلبت طاعة في تلك الأحوال.

تفصيل الفائدة [7]:
قال الشيخ قدس سره: يمكن أن يقال: إنّ البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل: "بعت" عند الإنشاء لا يستعمل حقيقة إلا فيما كان صحيحاً مؤثراً ولو في نظر القائل  ، ثم إذا كان مؤثراً في نظر الشارع كان بيعاً عنده وإلا كان صورة بيع، نظير بيع الهازل عند العرف؛ فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل: "بعت" عند العرف والشّرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ومجاز في غيره، إلا أنّ الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشّرع[8].

العناوين القصدية والواقعية
وقد أوضح كلامه الميرزا التبريزي بتمهيد مقدمة وهي أن العناوين إما حقيقية وإما قصدية:
أما الحقيقية: فهي التي يكون انطباقها على مصاديقها قهرياً كالقتل والكسر والضرب والأكل ؛ فإنه يصدق عليه أنه قتل أو أكل وأن صدر ذلك منه بلا قصد كالنائم والساهي بل حتى لو صدر من المجنون أو الطفل غير المميز.
وأما القصدية: فهي التي يكون انطباقها على مصاديقها بالقصد والاعتبار ؛ كعنوان أداء الدين فإنه لا ينطبق على مجرد إعطاء المال للدائن، بل لا بد من قصد كون الإعطاء بعنوان الوفاء بدينه، وكذا عنوان التعظيم فإنه لا ينطبق على مجرد القيام أو غيره من الأفعال، بل لا بد من كونها برعاية عظمة الغير وقصد احترامه)[9] إذ أن إعطاءه المال للدائن قد يكون بقصد الهبة أو الإقراض أو حتى الصلح أو الهبة المعوضة أو البيع أو غير ذلك فإعطاء المال كالجنس والقصد هو المفصِّل[10].

العناوين الحقيقية والقصدية والاعتبارية
والتحقيق: أن العناوين ثلاثة أقسام: حقيقية ، وقصدية ، واعتبارية.
أما الحقيقية: فهي ما مضى كما مضى.
وأما القصدية: فهي التي تدور مدار القصد، كعلة تامة أو كجزء للعلة.
وأما الاعتبارية: فهي التي تدور مدار الاعتبار، كعِلّة تامة أو كجزء العِلّة كذلك.
والنسبة بين الأخيرين هي من وجه: فقد تكون بعض العناوين قصدية – اعتبارية، وقد تكون اعتبارية غير منوطة بالقصد وقد تكون بالعكس قصدية غير منوطة بالاعتبار، ويكفي في الأخيرين الانفكاك من أحد الطرفين في الجملة ولو في بعض الصور كما هو الشأن في ما كانت نسبتهما من وجه.
وبذلك وبما سيأتي يتضح أن الخلط بين الأخيرين-  كما نراه في كلمات بعض الأعلام[11]- ليس على ما ينبغي؛ بل القصدية أمر والاعتبارية أمر آخر.

العناوين القصدية:
والعناوين القصدية: وهي ما أُرتُهِن العنوانُ في تحققه بالقصد بان يدور مداره وجوداً[12] أو وجوداً وعدماً[13] وذلك ككافة الانشائيات فان الطلاق مثلاً عنوان قصدي لا يقع إلا بالقصد وكذا العتق ومختلف العقود أيضاً من بيع وصلح وهبة وغير ذلك.

العناوين الاعتبارية
والعناوين الاعتبارية: وهي ما انيط العنوان باعتبار المعتبر أو المعتبرين وجوداً، أو وجوداً وعدماً؛  وعليه: فقد يكون منوطاً بالقصد أيضاً[14] بمعنى لزوم اجتماعهما ليصدق العنوان وقد لا يكون، وقد يمثل لذلك بأمثلة:

تكثير السواد
منها: تكثير السواد ؛ فإنه عنوان ينطبق على من شارك في جيش يزيد - أو أي جيش آخر - وإن لم يكن بقصد تكثير السواد ولا كان بقصد حرب الإمام عليه السلام ؛ بل كان بقصد جمع المال مثلاً؛ فهو اعتباري غير مرتهن بالقصد.
نعم ، لو قصد أمراً مضاداً لغايةٍ محمودةٍ - كأن قصد بدخوله في جيش العدو كشف خططه أو الإغارة عليه من داخله دفعةً واحدة أو شبه ذلك-  فقد يقال بانه لا يصدق عليه تكثير السواد إما اقتضاءً وإما لأقوائية ظهور القصد في العنونة من ظهور التواجد الجسماني في الجيش، فتأمل.

التعظيم
ومنها: التعظيم؛ فإن القيام للقادم تعظيم عرفاً؛ وكونه تعظيماً مرتهن بالاعتبار ؛ فلو كانوا يعتبرونه إهانة لم يكن تعظيماً وإن قصده؛ ألا ترى: أن تقبيل الأنف في بعض الأعراف- كالصين والخليج- يعد تعظيماً واحتراماً، وأما في بعض البلاد فليس كذلك بل هو أمر مضحك أو مخجل فلا يكون تعظيماً وإن قصده؛ فالأمر دائر مدار العرف لا القصد، وكذا لو حك رأسه مثلاً قاصداً به تعظيم الغير فإنه لا ينطبق عليه عنوان التعظيم مادام ليس الاعتبار عليه.
 نعم،  لو كان في عرفٍ تعظيماً فقصد غيره كما لو قام عند مجيء الضيف المحترم، لا لأجله بل ليخرج من المنزل أو قام ليضربه فلو اطلع عليه الناس لما كان تعظيماً وإلا حكموا به على ظاهره.
والحاصل: أنه قد يحتاج إلى اعتبارٍ وقصدٍ وقد يكفي أحدها، فتأمل.

الشعائر الدينية والحسينية
ومنها: الشعيرة الدينية أو الحسينية ؛ فإنها عرفية وليست مرتهنة بالقصد ؛ فلو كان الركض في عزاء طوريج مثلاً شعيرة - أي مشعرة بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته- عرفاً صدق عليه قوله تعالى : (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [15].
بل قد يقال: إنه حتى لو لم يقصد إحياء الشعيرة فشارك في العزاء كان شعيرة ؛ فعلى هذا فهي عرفية اعتبارية لا قصدية ، وإلا كانت اعتبارية – قصدية، فتأمل.
والأمر في القصد على العكس؛  فلو قصد بتحريك يده إلى أعلى على كونها شعيرة للإمام الحسين عليه السلام لم يكن شعيرة مادام العرف لا يراها شعيرة[16].

النسبة بين العناوين القصدية والاعتبارية
ومما مضى ظهر وجه كون النسبة بين العناوين الاعتبارية والقصدية هي من وجه ؛ فـ:

القصدية - الاعتبارية
أ- القصدية–الاعتبارية: كالبيع وسائر العقود وكالطلاق وسائر الإيقاعات فإنها قصدية لا تقع إلا بالقصد؛ إذ الإنشاء لا يكون إلا بقصد والعقود تتبع القصود في أصلها[17]  وفي خصوصياتها[18] ؛ كما لا تتحقق إلا بالاعتبار الشرعي أو العقلائي ؛ فلو طلّق قاصداً الطلاق لم يقع إلا باعتبار من الشارع[19] أو باعتبار من القانون أو العرف فيمن لا يدين بالشرع، فإنهم يشترطون في تحققه، كغيره، شروطاً ولا يرونه متحققاً من دونها.

الاعتبارية غير القصدية
ب- الاعتباري غير القصدي: كالتعظيم في بعض صوره فمثلاً: في بعض الأعراف يعد رفع القبّعة تعظيماً وفي الجيش كذلك، فلو رفع العَالِم عمامته عن رأسه بقصد تعظيم الأعلم منه لم يعد ذلك تعظيماً عرفاً وإن قصده، بل لعله يعد إهانةً أو يعدونه نوع سفهٍ، ولو رفع قبّعته غير قاصد التعظيم بل لأجل حك رأسه مثلاً فإن لم يطلع عليه العرف عدوه تعظيماً وإلا فلا.

القصدية غير الاعتبارية
ج- القصدي غير الاعتباري ؛ وذلك كمن باع مال اليتيم لأجل إنفاقه عليه فإنه ينطبق عليه عنوان صون حق اليتيم وإكرامه كما يُعَنون بعنوان الاهتمام به، ولو باعه لأجل أن يحوّله إلى نقد فتسهل عليه سرقته فإنه ينطبق عليه عنوان تضييع مال اليتيم والتفريط بحقه، ويُعَنوان بعنوان المعتدي بدل المهتمّ بشأنه ؛ فذلك تابع للقصد إذن ؛ ولا يغير اعتبار العرف- ممن لم يطلع على قصده-  من عنوانه شيئاً، فلو عد العرف بيعه مال اليتيم اهتماماً وإكراماً وكان قصده السرقة كان تضييعاً واعتداءً، بل لو اطلعوا على قصده فعدوه رغم سوء نيته اهتماماً وإكراماً لم ينقلب عما هو عليه حسب قصده.

تتمة: الهويّ للركوع قصدي غير اعتباري
ومن الأمور القصدية غير الاعتبارية الهويّ للركوع؛ لأن القيام المتصل بالركوع ركن ويجب أن يكون الركوع عنه ليصدق عليه الركوع؛ فلو جلس مثلاً سهواً ثم أوصل نفسه لحالة الركوع[20] بدون أن يقف لما صدق عليه أنه ركع، وعلى أي فالمسألة هي أنه لو هوى حين القراءة أو بعد السورة مثلاً للأرض لقتل عقرب أو هوت لحمل رضيعها فليس هذا الهوي هوياً للركوع [21]، فهو عنوان قصدي وليس باعتبار الناس فلو توهموا انه هوى للركوع لما كان هوياً له، وحينئذٍ فعليه ان يرجع واقفاً ثم يهوي إلى الركوع[22].
نعم لا شك في ان صدق عنوان ركوع الصلاة موقوف على اعتبار الشارع؛ ولذا اشترط فيه أموراً فهو باعتبار الشارع لا باعتبار العرف، وليس الكلام عن الركوع كفعل خارجي فانه ليس منوطاً بالقصد ولا باعتبار المعتبرين.

إثارة الفتنة واقعي غير قصدي
ومن الأمور الواقعية غير القصدية : إثارة الفتنة ؛ فإن المرأة إذا خرجت –مثلاً- متبرجة فأثارت الفساد كانت مثيرة للفتنة وإن لم تقصدها، وكذا لو نمّ بين اثنين لا بقصد الإيقاع بينهما بل لمجرد التسلية فإنه يصدق عليه أنه نمّ وأنه أثار الفتنة بينهما وإن لم يقصدها، وكما أنها غير قصدية فكذلك ليست اعتبارية.

الشعيرة عرفيةُ الصدق قصديةُ الثواب
وأما (الشعيرة) فإنها عرفية من حيث الصدق كما سبق لكنها قصدية من حيث الثواب، ويوضّحه أكثر أن الشعيرة هي، من وجه، مثل التمثيل من حيث إنه مشعر بالممثّل عنه حتى لو لم يقصد ذلك، فإذا قام بتمثيل حركات بطل أو شخصية لا بقصد التمثيل بل بقصد الارتياض مثلاً فإنه يصدق عليه عرفاً أنه مثّل أو جسّد حركات فلان، فتأمل [23].

تعظيم الشعيرة غير الشعيرة
نعم، لا بد من التفريق بين عنوان الشعيرة وعنوان تعظيمها في مثل قوله تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[24] فإن صدق عنوان الشعيرة غير متوقف على القصد كما سبق، لكن صدق عنوان التعظيم متوقف عليه فلو قصد بها التمرين مثلاً لم يكن تعظيماً لشعائر الله، إلا ان يفرق بين عدم القصد وقصد العدم وبين تعارض ظهوري القصد والفعل وان الأقوى هو المقدم فتأمل.
مثال تمريني: قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [25] فهل التعاون واقعي أو قصدي أو عرفي؟ أو هو من وجه قصدي ومن وجه عرفي؟

الدوران مدار القصد أو الاعتبار كعِلّة تامة أو ناقصة
ثم إن الدوران مدار القصد أو الاعتبار -أو أي شيء آخر - على قسمين: فتارة يدور مداره وجوداً وعدماً وذلك كما في كافة موارد العلة التامة فإن المعلول يدور مدارها وجوداً وعدماً، وتارة يدور مداره عدماً لا وجوداً وذلك ككافة موارد العِلّة الناقصة أو جزء العِلّة؛ فإن بعدمه يعدم الشيء ولكن لا يوجد بوجوده لفرض أنه عِلّة ناقصة.
وفي مثال (التعظيم) ؛ فإنه إذا قصد بفعلٍ تعظيم الغير ولكنه لم يكن عرفاً تعظيماً، فليس بتعظيم[26]، ولو لم يقصد التعظيم وكان عرفاً تعظيماً كما لو ركع له لا بقصد التعظيم بل بقصد السخرية مثلاً فإن ظهر للناس قصده بقرائن جلّية فليس تعظيماً عرفاً[27] لكن لو لم تكن قرائن عليه أو كانت خفية فهو تعظيم عرفاً حتى وإن فرض أنهم اطلعوا على قصده[28]، فتأمل[29].
نعم، قد يقال: إنه لا يوجد قصدٌ يكون عِلّةً تامةً لعنوانٍ، ولا اعتبارٌ يكون علّة تامة لعنوانٍ ؛ إذ لا بد في كل اعتبار من مبرز أو منشئ أو شبه ذلك، ولكن قد يمثّل له بمن يُعتَق عليه إذا ملكه كالعمودين فإن انعتاقهما اعتبار غير متوقف على قصده ولا على إنشائه العتق أو شبه ذلك إلا أن يجاب بأن نفس شرائه يعتبره الشارع إنشاءً قهرياً ، وقد يمثّل باعتبار كون هذا وارثاً فانه اعتبار محض ، فتأمل.

مزيد التحقيق
ولينجلي حال العناوين القصدية والاعتبارية أكثر نذكر مزيداً من التحقيق ضمن أمور[30]:
الاعتبار إما للشارع أو للعرف العام أو الخاص أو للشخص نفسه
الأمر الأول: أن الاعتبار إنما هو بيد من بيده الاعتبار، ومن بيده الاعتبار هو ثلاث جهات دون الرابع إلا على وجه:
الجهة الأولى: الشارع ؛ فإن اعتبار الملكية والزوجية والولاية وغيرها بيده،  كما أن اعتبار سببيّة هذا لذاك -كسببيّة إنشاء الطلاق بالكيفية الخاصة للفرقة بينهما-  بيده أيضاً؛  فله أن يجعل لفظاً خاصاً سبباً أو يلغي سببيّته أو يعتبره أي الفراق حاصلاً بلا إنشاء كالمسبيّة أو الميت عنها زوجها أو من صيّر مسلكيها واحداً بالمقاربة قبل التاسعة أو غير ذلك.
الجهة الثانية: العرف العام.
الجهة الثالثة: العرف الخاص، والمراد به عرف أهل بلد خاص، أو عرف أهل علم أو حرفةٍ أو صنعةٍ خاصة كالأطباء والمهندسين وغيرهم، وليس أي من العُرفين في عرض الشارع بل هما في طوله؛ فكل ما أوكله إلى العرف العام أو الخاص -ولو بالسكوت-  كان أمر الاعتبار بيد الموكل إليه، دون ما لو تدخل فاعتبر ما لم يعتبروه أو اعتبروا عدمه، أو الغى ما اعتبروه، وذلك كما في السفر إذا اعتبر تحققه وصدقه منوطاً بشروط إن تحققت فهو مسافر وإن لم يسمَّ عرفاً بالمسافر كما لو ذهب إلى أربع فراسخ ورجع ، وإن لم تتحقق فليس مسافراً وإن سمي عرفاً مسافراً كما لو لم يقصد المسافة واسترسل في سفره.
والعرف العام هو المرجع فيما أوكله الشارع إلى العرف، كالموت باعتباره منشأً لسلسلة من الآثار كبينونة زوجته وتقسيم إرثه، فالمرجع في صدق عنوان الميت هو العرف العام لا الخاص كالأطباء، وعليه فالميت سريرياً لدى الأطباء إذا لم يعدّه العرف ميتاً فلا تترتب عليه الآثار الشرعية للموت ، كما أن عرف هذا البلد وذاك هو المرجع في كونه مكيلاً أو موزوناً في بحث الربا.
الجهة الرابعة: الشخص نفسه، والأصل فيه أنه ليس بيده الاعتبار اللهم إلا إذا كان ترتيب الآثار نوعاً أو عرفاً بيده؛ فإن العرف حينئذٍ قد يبنون على اعتباره، بل والشرع أحياناً، كما قد يلغونه:
فمما لم يرتب العرف والشارع الأثر عليه - ولم يبنوا على اعتباره ولم يعتبروا ما اعتبره- السارق الذي يعتبر نفسه مالكاً للمسروق.
ومما رتّب العرف الأثر على اعتباره واعتبره تبعاً لاعتباره مصادرة الحاكم الجائر لأراضي الناس وغيرها أو أخذه الضرائب منهم؛ فإنه سارق ؛ ولكن العرف العام قد يفرق بينهما فيعتبر هذه الأموال ملكاً للدولة دون السارق.
نعم، قد لا يعتبرون الدولة مالكه لو صادرته أو أخذته كضريبة وذلك يتبع مدى استتباب الأمر للحاكم وعدمه.
ومما بنى الشارع اعتباره على اعتبار الشخص في الجملة: جوائز السلاطين[31].

بحث تطبيقي  [32]:
استدل صاحب المستند[33] بالآية المباركة (وَلا تَعَاوَنُوا)[34] على حرمة الرشوة بالمعنى الأعم؛ ونص عبارته: وكما يحرم عليه أخذها كذلك يحرم على باذلها دفعها؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان، ولقوله : لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم [35].
وواضح أنه يشير إلى الآية المباركة، هذا مع ضميمة أن رأيه ـ كما أسلفنا ـ هو أن الرشوة موضوعة للأعم[36]، ومن خلال ما ذكرناه من وجوه وإشكالات تبين عدم صحة الاستناد لهذه الآية لإثبات الأعمية .

وخلاصة ما أشكلناه على دلالة الآية على الأعم:
أولاً:  إن دليل (وَلا تَعَاوَنُوا...) منصرف عن صورة البذل لإحقاق الحق.
وثانياً: إن هذا الإعطاء والبذل ليس إثماً موضوعاً؛ لأن قوام الصدق هو بالمصب لا بالنتيجة والأيلولة، ونضيف إشكالاً ثالثاً على كلامه وهو:
وثالثاً:  إن عنوان التعاون هو من العناوين القصدية، والباذل على الحق لم يقصد إعانة القاضي على الإثم.
وبيان ذلك:
بأن يقال : إن بذل المال من أجل الحكم بالحق ليس منهياً عنه، وليس مشمولاً لآية: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[37] لعدم صدق الإثم عليه[38] بالحمل الشايع الصناعي لوجهين:

قصدية العناوين مانعة من صدق الإثم على البذل
الوجه الأول: إن الإثم متقوم بالقصد؛ لذا فلو قصد إعانة المرتشي المضطر فلا يصدق على فعله هذا أنه إثم، عكس ما لو قصد إعانة الراشي.
وبعبارة أخرى: إن العناوين التي تصب عليها الإحكام هي على قسمين:
أحدها: العناوين التي ينطبق العنوان عليها بما هي من دون أخذ قيد القصد فيها.
وثانيها: العناوين التي لا ينطبق عنوانها عليها إلا لو قصدها الفاعل، وهي ما نعبر عنه بالعناوين القصدية، وما نحن فيه هو من قبيل القسم الثاني لا الأول، أي: من العناوين القصدية، فإن الإثم منها، وكذلك المعصية والطاعة وما أشبه من هذه العناوين، فكلها القصد قد أخذ فيها؛ فإنه لا يصح إطلاق الإطاعة إلا لو قصد المكلف هذه الإطاعة في عمله، فلو كان نائماً وفعل ما أراده المولى فلا يقال: إنّ ذلك طاعة منه إلا مجازاً، وكذلك لو قام عند مجيء زيد مثلاً فإنه لا يطلق عليه الاحترام وإنه قام احتراماً إلا لو قصده، وكذلك لا يصدق عليه الاستهزاء إلا لو قصده، والمدار مدار القصد[39].
إذن، فالموضوع له ثبوتاً في لفظ الاحترام والاستهزاء، وكذا الإثم والمعصية والطاعة، هو ما كان القصد جزءاً منه[40]، ولو جرد من ذلك لكان الإطلاق مجازياً، كما لو صدر من شخص شرب خمر لكنه كان غير قاصد لذلك، فإنه لا يطلق على فعله أنه فعل إثماً، ولا عليه أنه آثم، وكذلك لو صلى قاصداً أداء الحركات الرياضية والانتفاع منها، فلا يصدق عليه أنه أطاع الله تعالى، بل لا يصدق عليه أنه صلى إلا مجازاً، أو على القول بالأعمي لا الصحيحي.
وفي صغرى المقام نقول: إنّ الشخص الذي دفع المال لاستنقاذ حقه كان قصده هو انتزاع حقه من القاضي، لا تقويته على ظلمه وإثمه، واستنقاذ الحق جائز إن لم يكن واجباً، فليس بإثم، هذا هو الوجه الأول من وجهي الإشكال الرابع[41].

استدلال صاحب المستند بالآية على عموم الحرمة:
استند صاحب المستند[42] على الآية الشريفة (وَلا تَعَاوَنُوا) لإثبات حرمة الرشوة بالمعنى الأعم، وأن الآية هي دليل على حرمة البذل للقاضي ليحكم بالحق أيضاً.
ونص عبارته: وكما يحرم عليه أخذها كذلك يحرم على باذلها دفعها؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان، ولقوله عليه السلام : لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم[43].
، وواضح أن صاحب المستند يشير إلى الآية المباركة، هذا مع ضميمة أن رأيه ـ كما أسلفنا ـ هو أن الرشوة موضوعة للأعم[44]، ومن خلال ما ذكرناه من وجوه وإشكالات تبين عدم صحة الاستناد لهذه الآية لإثبات الأعمية .

وخلاصة ما أشكلناه على دلالة الآية على الأعم:
أولاً: إن دليل (وَلا تَعَاوَنُوا...) منصرف عن صورة البذل لإحقاق الحق.
وثانياً: إن هذا الإعطاء والبذل ليس إثماً موضوعاً؛ لأن قوام الصدق هو بالمصب لا بالنتيجة والأيلولة، ونضيف إشكالاً ثالثاً على كلامه وهو:
ثالثاً: إن عنوان التعاون هو من العناوين القصدية، والباذل على الحق لم يقصد إعانة القاضي على الإثم.
والجواب الثالث مغاير للجواب الثاني؛ إذ في الثاني كان الكلام في عدم صدق المتعلَّق في الآية (الإِثْمِ) وأمّا في الثالث ففي التعاون على الإثم، أي: عدم صدق التعاون على الإثم.

التعاون من العناوين الحيادية
الوجه الثاني[45]:التعاون من العناوين الحيادي؛ وتحقيق هذا الو جه -  بحيث يظهر به عدم تمامية الاستدلال بآية (لا تعاونوا) على حرمة الرشوة بالمعنى الأعم - أن العناوين على ثلاثة أقسام:
الأول: العناوين التي تختزن بداخلها الحسن كالعدل.
الثاني: العناوين التي تختزن بدخلها القبح كالظلم.
الثالث: العناوين الحيادية في نفسها ـ أي: اللابشرط من حيث الحسن والقبح ـ فلا هي حسنة ولا هي قبيحة بما هي هي ، وهذا هو محل الكلام.
وبتعبير آخر ـ حول الأقسام الثلاثةـ : بعض العناوين ذاتِيُّها الحسن[46]، والبعض الآخر ذاتيها القبح، وأمّا البعض الأخير فهي الحيادية.
ومن أمثلة العناوين الحيادية هو التعاون، فإنه في ذاته لا يختزن حسناً أو قبحاً، وإنما يعتمد حسنه أو قبحه على متعلّقه، فإنه لو كان تعاوناً على القتل والإرهاب والكفر ونظائرها فهو قبيح، ولو كان تعاوناً على البر والتقوى فهو حسن[47].
إذن: عنوان التعاون من العناوين الحيادية اللابشرطية، ومجموع المتعلَّق والقصد هو المقوم لحسن التعاون أو قبحه[48]، وفي موطن كلامنا فإن القصد مقوم لعنوان الإثم أو عنوان البر، فإن قصد الباذل للمال لاستنقاذ حقه هو المحدد لعنوان التعاون من كون إثماً أو براً.
وعليه: فإن استدلال صاحب المستند بالآية ليس بتام، ويرد عليه الإشكال الثالث[49] المذكور من كون التعاون على الإثم قصدياً، يكتسب حرمته وكونه إثماً من المتعلَّق، والمتعلَّق في المقام بالنسبة للمعطي والباذل هو إحقاق الحق، وهو حسن ومعروف، فالتعاون عليه يكون حسناً وليس بإثم.
إمكان التمسك بالآية للاستدلال  على حكم الرشوة وعدمه
وهنا هل يمكننا أن نستدل بالآية المباركة على كون الرشوة بالمعنى الأعم ـ وإن كانت مجازاً ـ مشمولة بها حكماً, فتشمل مَنْ يبذل مالاً للقاضي مثلاً لكي يحكم بالحق؟
يرى صاحب المستند ـ وكما بينا ـ أن المال المبذول ليحكم بالحق رشوة موضوعاً، والآية تدل على التحريم، ولكن أشكلنا بثلاثة إشكالات كان ثالثها: إن ملاك صدق الإثم المأخوذ في الآية ـ كمتعلَّق ـ هو قصد التعاون على الإثم، فإن المقوم لصدق التعاون على الإثم هو قصده، فلو لم يقصد ذلك فإن هذا التعاون بنفسه ليس إثماً، فليس منهياً عنه، وعليه فلا يشمله قوله تعالى: ?وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ?.
وبتعبير آخر: إن التعاون على قسمين، تعاون هو إثم، وتعاون هو طاعة، والآية عندما تقول ?وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ? فإن المردوع عنه هو القسم الأول لا الثاني، أي: الردع عن التعاون على الإثم الذي هو إثم ثبوتاً، لا التعاون الذي هو في حد ذاته برّ، كالتعاون على بناء مسجد مثلاً، فإن هذا هو مصداق للطاعة[50].

القصد لا يغير أحد العنوانين
إن قلت[51] : إن ملاك صدق الإثم ليس هو القصد كما ادعيتم في الوجه الثالث، بدليل أن مختلف العناوين ـ كشرب الخمر مثلاً،  وكذا جرح الغير أو قتله أو ضربه ـ لا تتغير بالقصد، فلو قصد التذوق من الخمر مثلاً، فإن القصد لا يغير أحد العنوانين[52].
توضيحه: إنه تارة يقصد من شرب الخمر السكر والاستلذاذ، وهذا حرام وإثم قطعاً، ولكن تارة أخرى يقصد من الشرب التذوق، فهل القصد ـ كالتذوق في المثال ـ مغِّير ومحول لعنوان شرب الخمر، ومعنوِن له بعنوان آخر؟ أو هل هو مخرج له عن صدق عنوان الإثم؟ وجوابه: كلا، فإن الشخص وإن قصد التذوق فإن فعله هذا قد تمصدق بمصداق فعل شرب الخمر، كما أن فعله هذا إثم بالحمل الشائع الصناعي.
والحاصل: إن القصد ليس مغيراً للعنوان الثبوتي لشرب الخمر، كما أنه ليس مغيّراً لعنوان الإثم والمعصية، وبذلك يتضح أن ملاك صدق الإثم ليس هو القصد كما ذكر.
مثال آخر: فإن الشخص لو جرح الآخر لا بداعي الإيلام، بل بداعي الاستكشاف لرد فعل الآخر، ورصد ردود فعله مثلاً، ولكن بدون إذنه، فإن هذا القصد لا يخرج الفعل عن مصداق الجرح خارجاً، كما لا يخرجه عن كونه آثماً في فعله، وقصده ليس بمغير للعنوان الثبوتي لأي منهما.

القصد يغيّر عنوان أو حكم العناوين الحيادية
قلت: يتضح جواب الإشكال مما أسلفناه في ذكر الضابط العام لتقسيم العناوين، إذ ذكرنا أن بعض العناوين هي عناوين قصديه، والبعض الآخر ليس كذلك، فالقتل من العناوين غير القصدية، ولا مدخل للقصد أو عدمه في صدق عنوانه، وهو قتل على كل حال، قَصَد أو لم يقصد، كما ليس (قصده بعنوانه)[53] دخيلاً في صدق الإثم عليه، والجرح والظلم كذلك، وكذلك الحال في شرب الخمر، فكل هذه الأفعال محرمة، وفاعلها آثم من غير مدخلية لقصد (الفعل بعنوانه)[54] فيها، ولكن وفي قبال ذلك فإن بعض العناوين قصدية، كما في عنوان التعاون فهو قصدي، بل نقول ـ وفيه تعميم لفائدة البحث ـ : إن مطلق المقدمة هي من العناوين القصدية، فمثلاً: حُسن الذهاب إلى السوق أو قبحُه تابع للقصد من ذلك الذهاب، فلو كان من أجل الكدّ على عياله والاسترزاق لهم فذهابه حسن، وهو مقدمة لواجب[55] أو مستحب ـ على حسب تكليفه ـ  وأمّا لو كان ذهابه للسوق كي يرابي، فإنه سوف يتعنون بعنوان مقدمة الحرام فيكون قبيحاً، ومحرماً عقلاً وشرعاً أيضاً، والتعاون هو من المقدمات، فهو من العناوين القصدية.
وفي[56] مبحثنا، فإنه لو بذل المال للقاضي مثلاً ليحكم بالحق، أي: لاستنقاذ أمواله المصادَرة مثلاً فإن تعاونه هذا لا ينطبق عليه عنوان الإثم؛ لتقومه ـ ككل مقدمة ـ بقصده، فلا يكون مشمولا بالآية الشريفة.

المزاحم الأقوى يعنون العناوين غير الحيادية أم القصد:
ثم إن العناوين الحيادية وإن كانت تتعنون بالقصد، وأن العناوين غير الحيادية لا مدخلية له فيها، وليس بمقوم لها، ولكن قد يستثنى من ذلك صورة وجود المزاحم الأقوى وقصدِه، وذلك كما لو جرحه كي لا يموت[57]، أو كي لا يقتل الثاني الأول، حيث إنّ المسؤولية العقلية والشرعية تقتضي هذا الجرح، وهنا حيث وجد المزاحم الأهم ـ وهو الدفاع عن النفس أو إنقاذ الشخص ـ فإن الجرح الذي هو إثم بحد ذاته قد تحول إلى طاعة بوجود المزاحم الأقوى.
ونضرب لذلك مثالاً فقهيا[58]: فقد طرح صاحب الجواهر[59] مسألة أن الإنسان لو صام في شهر رمضان من أجل الحمية، فهل أن صومه صحيح؟ وهذه المسألة ترتبط ببحثنا من كون الصوم عنواناً قصدياً وحيادياً وعدمه، فلو كان قصدياً فهل يتعنون بعنوان مضاد بالقصد، كالحمية في المقام، فلا يصح الصوم منه أو لا؟
ومثال آخر: فإن الأب ليس له أن يضرب ولده بقصد التشفي والانتقام[60]، ولكن لو كان هناك عنوان مزاحم أهم وهو التأديب واقعاً، وكان الأب ملتفتاً إلى أن ضربه يتضمن تأديب الولد كي لا يسرق مثلاً، ولكن كان قصده من الضرب هو التشفي لا التأديب، فهل ضربه جائز أو لا؟ وهل القصد مغيّر للحكم أو لا؟
والكلام في مثال شرب الخمر، كمن شربه تلذذاً، ولكن مع كونه علاجاً واقعاً؛ حيث إنّ فتوى مجموعة من الفقهاء على الجواز لأدلة الاضطرار الشاملة للمورد، في الأمراض الخطيرة مثلاً، فإنه وإن كانت هناك روايات مضمونها أن الله لم يجعل الشفاء في الخمر[61]، ولكنهم يوجهونها بكونها بنحو القضية الخارجية، لكون الأطباء في ذلك الوقت متسامحين مثلاً في وصف الخمر لدفع مرض معين بدون كون العلاج انسدادياً، أي: مع توفر بديل ذلك العلاج وقتئذٍ، أو مع عدم كون المرض خطيراً وعدم صدق عنوان الاضطرار، أو لو لم يكن دفعه أهم من مفسدة شرب الخمر أو ما أشبه.
ولا بد من أن نضيف أن الروايات التي تذكر أن الخمرة لا شفاء فيها قد التزم بها بعض الفقهاء، وقالوا بحرمتها حتى لو وصفها الطبيب الحاذق، وكان العلاج منحصراً، بل ادعى صاحب المسالك[62] عليه الشهرة حتى في صورة الانحصار، ولكن البعض الآخر ـ كما قلنا ـ رأى أن الرواية على نحو القضية الخارجية، وأن النهي كان إمّا لتساهل الأطباء في الوصف مع وجود البديل أو أن الإمام× رأى أن مفسدة المرض أقل أهمية من مفسدة شرب الخمر، كما تدل عليه رواية أم خالد العبدية[63] إذ أرادت علاج قراقر البطن بالنبيذ، فنهاها الإمام، ورواية نهي الإمام لمن أراد شرب النبيذ لدفع ريح البواسير[64]، وعلى أية حال، فإن كان الأمر في الأمراض الخطيرة فقد التزم البعض أن نهي الإمام عليه السلام منصرف عنه حتى لو كانت القضية حقيقية[65].
وعليه: فقد يقال: إنّ القصد مؤثر في العناوين غير الحيادية أيضاً.
والجواب: الظاهر كلا، فإن المعنوِن والمجوّز لذلك الفعل هو المزاحم الثبوتي بوجوده الواقعي الواصل إلى رتبة التنجيز أو الاعذار بالعلم لا القصد، فإن المدار ههنا هو العلم لا القصد، والفرق واضح بينهما .
والحاصل: أن القصد معنوِن للعناوين الحيادية ـ كما في التعاون ومقدمة الواجب أو الحرام ـ وأمّا العناوين غير الحيادية فأنه حتى في صور الاستثناء وباب التزاحم فإن المزاحم الأهم هو الذي يعنوِن أو يغير الحكم وليس القصد.
والنتيجة: إن الأب لو ضرب ابنه تشفياً لكن مع وجود العنوان المزاحم الأهم وهو التأديب، وترتبه عليه، فإن فعله هذا جائز، لتبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات، والفرض أهمية ملاك التأديب، غاية الأمر أن ضربه يكشف عن خبث باطنه، ووجه جوازه وجود المزاحم الأقوى، وليس الملاك القصد ونوعه، وإلا لكان حراماً لكونه تشفياً.

معنى (العقود تتبع القصود):
ومما ينفع في تحقيق ما ذكرناه من القاعدة الشهيرة التي تقول: (العقود تتبع القصود) فإن هذه القاعدة تبتني على الكبرى الكلية التي أسسناها وأوضحناها، من أن العناوين تنقسم إلى عناوين حيادية قصدية وإلى عناوين غير حيادية وغير قصدية؛ إذ بينا أن العناوين الحيادية القصدية ـ كالمقدمة ومنها التعاون ـ هي عناوين تتفصّل[66] بالقصد، وتتعين وتتحدد به، وأمّا نظائر عنوان الظلم فلا مدخلية للقصد فيها.
وهذه القاعدة ـ أي: العقود تتبع القصود ـ هي قاعدة مسلمة لدى الفقهاء، وقد استندوا إليها ورتبوا عليها العدد الكبير من الأحكام الشرعية، ولكن السؤال في المقام هو: ما هو المراد من هذه القاعدة؟

معاني القاعدة:
وجوابه: أولاً: إن لهذه القاعدة عدة معانٍ نذكرها ـ كإشارة فقط ـ  إذ إنها تعني:
الأول: إن العقود تتبع القصود وجوداً وعدماً، أي: في وجودها وعدمها، ومثال ذلك الطلاق فإنه لا يقع لو لم يكن الشخص قاصداً إياه، فحيث لا قصد فلا طلاق، فإن كان وقع، فهل تبعية (التعاون) للقصد هو من هذا القبيل؟
الثاني:  أن العقود تتبع القصود تعنوناً وتفصُّلاً، أي: في نفس التعنون وعدمه، كما في الصلح مثلاً بناءً على رأي الشيخ الطوسي[67] وبعض آخر، فإنهم ذهبوا إلى أن الصلح في مورد كل عقد هو نفس ذلك العقد، وليست له حقيقة أخرى مباينة لسائر العقود من البيع والإجارة وما أشبه، بل هو جنس لها، وهذا بخلاف الرأي المشهور والذي ذهب إلى أن الصلح هو قسيم لبقية العقود وفي عرضها، وليس بجنس لها، فعلى رأي الشيخ الطوسي فإن الصلح لو أفاد فائدة البيع فهو بيع حقيقة، ولو أفاد فائدة الإجارة فهو إجارة حقيقة وهكذا، فلو قال شخص لآخر: صالحتك على أن تكون هذه الدار لي في مقابل أنْ يكون هذا المال لك فالعقد بيع، وأمّا لو قال له: صالحتك على أن تكون منفعة هذه الدار لي في مقابل هذا المال فهي إجارة، وعليه فالعقد ـ من بيع أو إجارة أو غير ذلك ـ يتبع قصد الشخص من صالحتك، زائداً المبرز لذلك القصد [68] أيضاً.
والمتحصل: إن العقود تتبع القصود وجوداً وتعنوناً.
ومنه يظهر حال (التعاون على الإثم) وإنه يتبع القصد وجوداً وتعنوناً كما سبق بيانه، أما وجوداً فلا؛ إذ ليس التعاون على الإثم من العناوين الإنشائية كي يرتهن في وجوده بالقصد، اللهم إلا بلحاظ متعلق التعاون كما سبق، فتأمل[69]. كما يظهر منه حال الرشوة وأنها تتبع القصود وجوداً وتعنوناً، فتدبر.
وثانياً: إن العقود تتبع القصود لها ثلاثة معانٍ أخرى، وهي:
أولاً: إن العقد يتبع قصد اللفظ.
ثانياً: إن العقد يتبع قصد المعنى.
ثالثاً: إن العقد يتبع قصد المطابقة بين اللفظ والمعنى.
وكل هذه المعاني صحيحة ومراده، أما أن العقد يتبع قصد اللفظ فإنه في قبال الغالط باللفظ، حيث لم يقصد اللفظ، فمثلاً: أراد أن يقول: آجرتك فقال: بعتك، فإن هذا الغالط لا قصد له لهذا اللفظ ـ بعتك ـ فلا عقد.
وأمّا أن العقد يتبع قصد المعنى فإن هذا في قبال الهازل، فإنه وإنْ كان قاصداً للفظ حين تلفظه وملتفتاً إلى ما يقوله، وقد اخطر بباله المعنى، لكنه غير مريد حقيقة لذلك المعنى، كما لو قال: وهبتك داري مثلاً لكنه كان هازلاً، فإنه قاصد للفظ ـ وهبتك ـ  وكذلك معناه الإخطاري والاستعمالي ولكنه لا إرادة جدية له.
وأمّا أن العقود تتبع القصود بلحاظ التطابق فمعناه أن العاقد لا يكفي أن يقصد اللفظ وأن يقصد المعنى، بل لابد من التطابق بين اللفظ والمعنى، فلو قال: بعتك قاصدا آجرتك، أو قالت المرأة بعتك نفسي قاصدة زوجتك نفسي لم يقع العقد.
والمتحصل: إن العقود تتبع القصود لفظاً ومعنى ومطابقة[70]، ولهذه المسألة تفصيل يترك لمحله، وحيث إنّ الرشوة من العقود فهي تتبع القصود بلا كلام.
تصريح الأنصاري بمدخلية القصد في مفهوم العقد:
ولتأكيد مبحثنا المبنائي العام في تقسيم العناوين، نذكر مؤيداً لذلك من كلمات الشيخ الأنصاري؛ إذ صرح في مكاسبه ببعض ما بيناه ـ كصغرى على الأقل ـ وعبارته هي: >ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به، واشتراط القصد بهذا المعنى في صحة العقد، بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه ولا إشكال[71]، ونكتفي من الحديث بهذا المقدار[72].

القصد في العناوين الحيادية من الشرائط العقلية اللبية[73]:
سلمنا وتنازلنا عن كون القصد معنوِناً للعناوين الحيادية كالتعاون والمقدمة، أي: سلمنا أن التعاون ـ فيما لو بذل الشخص مالاً لقاض ليخرِج مسجوناً مظلوماً من السجن ـ يصدق عليه أنه تعاون على الإثم حقيقة، وإن بذله له هو تعاون على الإثم موضوعاً؛ لأنه يعين القاضي على إثمه، وإن كان قصده سليماً، أي: قصد مجرد استنقاذ الحق، إلا أنه مع ذلك لنا أن نجيب بجواب آخر، وهو أنه ليس مشمولا للنهي بـ (لا) الواردة في الآية الشريفة حكماً، أي: هو داخل موضوعاً لكنه خارج حكماً، وعليه فدفعه المال لأجل إنقاذ السجين المظلوم جائز.
بيان ذلك[74]: إن الوجه في ذلك أن ندعي فيه أن القصد في العناوين الحيادية هو كالشرائط العامة للتكليف كالقدرة، فإنها شرط عقلي، والعاجز مستثنى عقلاً من شمول الدليل له؛ فإن خطاب أقم الصلاة أو لا تشرب المتنجس أو لا تشرب الخمر لا يشمل من كان فاقداً لشرط القدرة كالعاجز، وكذلك خطاب لا تشرب المتنجس لا يشمل الموجَر في حلقه قسراً، والمجبور على الشرب وهكذا.
وعليه: فإن القدرة وغيرها من الشرائط العامة وإن لم تكن دخيلة في مفهوم الحج أو الصلاة أو غير ذلك من العبادات، ولكنها بالرغم من ذلك هي معتبرة في صحة الأمر والنهي وصحة توجه الخطاب.
وهنا ندعي: أن القصد[75] في العناوين الحيادية خاصة ـ كالتعاون ـ شرط عقلي لبي لشمول الأمر والنهي للمتعلق، وإن لم يكن القصد دخيلاً في التسمية ـ كما هو مفاد الوجه السابق ـ فمَنْ لا قصد له للتعاون على الإثم ـ وهذا فرد أول،  والأولى منه ذلك الفرد الذي قصد العنوان المضاد، أي: التعاون على البر، وهذا مما لا شك فيه،  وكما هو كذلك في المقام[76] ـ فان آية (وَلا تَعَاوَنُوا...) لا تشمله، أي: لا تشمل مَنْ لم يقصد التعاون على الإثم، أو نقول: لا تشمل ـ كقدر متيقن ـ مَنْ قصد التعاون على البر، عقلاً، هذا هو الوجه الأول لتوجيه أن الآية غير شاملة للمقام، فتدبر.

الخلاصة:
والخلاصة: إن التمسك بالآية في تنقيح الموضوع أو إثبات الحكم ليس بمجدٍ؛ وذلك لوجوه وإشكالات كان رابعها هو أن القصد في العناوين الحيادية من الشرائط العقلية العامة للتكليف إلى جوار الشروط الأخرى المعروفة، والتي هي أربعة، أي: العقل والقدرة والاختيار ـ وهذه عقلية ـ  والبلوغ، ولكن هذا الشرط هو من الشروط العامة الشرعية كما لا يخفى؛ وذلك أنه يمكن تكليف غير البالغ، أي: المميز[77].
والمهم هو أنه قد يقال: إنَّ القصد أيضاً هو من الشرائط العامة العقلية للتكليف في العناوين الحيادية القصدية، فهو كالالتفات في غير العناوين القصدية يُعدّ من الشرائط العامة؛ وذلك لأن غير القاصد ـ كالغافل عن قصور ـ لا يُعقل تكليفه فإنه قبيح، فإن التكليف إنما جُعل بداعي البعث أو الزجر، وغير القاصد ـ كالغافل عن قصور[78] ـ لا يمكن بعثه أو زجره[79]، فتأمل[80].
أو هو ـ أي: القصد ـ من الشروط الشرعية العامة للتكليف على تفصيل.
لكن قد يقال: إنّ القصد من الشروط الشرعية العامة للتكاليف في العناوين الحيادية مطلقاً، وفي غيرها في الجملة، وإن حال القصد هو حال بقية الشروط العامة، كعدم كونه حرجياً أو ضررياً، وليس هو بشرط عقلي؛ حيث إنّه يمكن أن يكلفنا الشارع بما يوقعنا في الحرج، كما هو كذلك في الجملة كالجهاد والخمس والزكاة، ولكن فيما عدا ما ورد مورد الحرج ـ إن كان حرجياً ـ فإن اللاحرج هو من الشروط العامة الشرعية[81]، وحاله كما في اللاضرر واللاإكراه، وهذه الموارد وغيرها من مفاد حديث الرفع، وهي تسعة أمور، ولا بد أن نضيف إليها القصد[82] فيكون من الشروط العامة الشرعية للتكليف[83]، وهذا كما قلنا، أي: القصد هو في العناوين الحيادية شرط بنحو مطلق، وفي غيرها في الجملة، هذا هو المدعى في المقام.

رواية (إنما الأعمال بالنيات) حاكمة أو واردة:
ويمكن الاستدلال على مدعانا بروايات معتبرة سنداً وقد بنى الفقهاء عليها، ومنها: «إنما الأعمال بالنيات»[84] فإن هذه الرواية ونظائرها يمكن الاعتماد عليها في ذلك. نعم، خصوص هذه الرواية قد لا تكون معتبرة سنداً بحسب مسلك المتأخرين من الرجاليين[85]ـ ولكنها معتبرة عندنا ـ إلا أن مضمون الرواية قد ورد بألفاظ أخرى في روايات أخرى هي معتبرة سنداً، كقوله عليه السلام: «لا عمل إلا بنية» فإن هذه رواية حسنة حسب تعبير صاحب الجواهر، حيث عبّر بـ : «حسنة أبي حمزة»[86].
وعليه: فنحن لا نقف عند البحث السندي في هذه الروايات؛ وذلك لوجود الرواية الحسنة المذكورة من جهة، ومن جهة أخرى توجد عدة وجوه لتوثيق الروايات المتعددة، منها: قيام الشهرة الروائية عليها، وكذلك الفتوائية، وأيضاً مطابقتها للقواعد، إضافة إلى مبنانا العام في حجية مراسيل الثقات ومسانيدهم المتضمنة للمجاهيل.
وبيان الدليل: إن رواية (إنما الأعمال بالنيات) ونظائرها ناظرة إلى مطلق العناوين القصدية، أو منقحة لموضوعها[87]، ومنها المقدمة بقول مطلق، وآيتنا الشريفة مورد البحث ـ كصغرى ـ منها، وكذلك ما اشتهر من أن العقود تتبع القصود فـ(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[88] محكوم[89] بـ(لا عمل إلا بنية) إن لم يكن وارداً عليه.
والحاصل: أن دليل (لا عمل إلا بنية) حاكم على هذه الأدلة في بعض الصور، ووارد في صور أخرى كما سيأتي.
والنتيجة: إن آية ?وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? خاصة بصورة القصد[90] فقط، فلو لم يكن الشخص قاصداً للإثم والتعاون عليه فإنه ليس مشمولاً للنهي في الآية، بل هو مشمول للدليل الحاكم؛ فإنه ما لم ينوِ فهو ليس بمتعاون على الإثم موضوعاً ـ كما سبق ـ أو حكماً، والشخص في موردنا قد بذل المال للقاضي بقصد استنقاذ حقه، وليس بقصد إعانته على الإثم.

أقسام العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام:
وتحقيق ذلك: إن العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام هي على ثلاثة أقسام مقيسةً إلى القصد، وهي:
أولاً: العناوين اللابشرطية.
ثانياً: العناوين البشرط لائية.
ثالثاً: العناوين البشرط شيئية.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: (إنما الأعمال بالنيات)  يشمل قطعاً القسم الأول، ولا يشمل القسم الثاني قطعاً، وأمّا القسم الثالث ـ وهي العناوين بشرط شيئية ـ ففيها تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى، وسنذكر بعض الأمثلة الفقهية المقتطفة من أبواب شتى في الفقه، وذلك لمزيد التوضيح ولموضوعية هذه المسائل والأمثلة، ولمزيد ربط الفقه بالقواعد الفقهية.

القسم الأول: العناوين اللابشرطية
أما القسم الأول: وهو العناوين اللابشرطية ـ وقد عبرنا عنها كذلك بالعناوين الحيادية القصدية ـ فنمثل لها بـ (الهوي للركوع في الصلاة) فإنه عنوان قصدي؛ وذلك أنه بالقصد يتفصّل ثم تترتب عليه الأحكام وإلا فلا، وذلك ما نقله صاحب الجواهر عن جمع من أعاظم الفقهاء[91] ـ إذ يقول بتوضيح منا ـ: لو أنّ شخصاً أنهى سورة التوحيد وقبل أنْ يركع رأى حية أمامه، فهوى ليقتلها أو ينحيها، لكنه عندما وصل إلى حد الركوع عدل عن هذه النية، لذهاب الحية مثلاً، ونوى بانحنائه ركوع الصلاة، فإن ذلك لا يجزي، وعليه أن يرجع ثم يهوي بنية الركوع مرة أخرى؛ لأن النية مفصِّلة لهوي الركوع؛ حيث إنّ القيام المتصل بالركوع هو ركن، وهو في مثالنا وحالتنا لم يهوِ للركوع وإنما هوى لدفع أو قتل الحية.
وعبارة صاحب الجواهر هي: قالوا: لا بد أن لا ينوي بالانحناء غير الركوع، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد أو أراد قتل حية أو نحو ذلك فلما بلغ حد الراكع بدا له أن يجعله ركوعاً لم يجز، بل يجب أن ينتصب ثم يركع؛ لأن الركوع: الانحناء[92] ولم يقصده، وإنما يتميز الانحناء للركوع، منه عن غيره، بالنية[93].
وهنالك أمثلة عديدة أخرى لهذه العناوين اللابشرطية، منها: ما نحن فيه من (التعاون على الإثم والعدوان) في الرشوة، كعكسه (التعاون على البر والتقوى).
والحاصل: إن هذه العناوين إما أنها لا تتحقق إلا بالقصد وبدونه لا عنوان بالمرة، أو أنها وإن وجدت دون القصد الخاص إلا أن أدلة (إنما الأعمال بالنيات) حاكمة عليها، أي: على مثل آية ?وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? و(الهوي للركوع) و(العقود) وهكذا، هذا إن لم نقل: إن أدلة (إنما الأعمال بالنيات) منقحة لموضوع الأدلة الأخرى، بتنزيل من الشارع، لا بتنقيح تكويني للموضوع، وإلا كان الخروج تخصصياً، فتدبر جيداً.
والخلاصة: إننا في هذا الإشكال نقول ـ تسليماً ـ بالحكومة وإن العنوان متحقق، ولكنه محكوم بدليل (إنما الأعمال بالنيات)، فهذا هو القسم الأول من العناوين.

القسم الثاني: العناوين البشرط لائية
وأمّا القسم الثاني: وهو العناوين البشرط لائية، فإن القصد والنية لا مدخلية لها فيها بالمرة، أي: لا مدخلية لها موضوعاً، وكذلك لا مدخلية لها حكماً[94]، ومثاله الظلم، فإن الأب لو ضرب ولده ظلماً، وإن قصد التأديب، فإنه ظلم موضوعاً ومحرم حكماً، كما هو الحال في الكثير من الناس الذين يضربون أبناءهم أكثر من الحد الشرعي، فإنه ظلم وإن قصد به التأديب.
والمتحصل: إن قصد الأب من ضرب ابنه التأديب لا يخرج ضربه الخارج عن حد الشرع عن الظلم موضوعاً، ولا عن الحرمة حكماً، وهذا هو القسم الثاني من العناوين.

القسم الثالث: العناوين البشرط شيئية
وأمّا القسم الثالث: فهو العناوين البشرط شيئية، وفي هذه العناوين فإن النية لا تغير الموضوع، وإن كانت تغير الحكم، ومثاله: القتل، فلو قتل رجل آخر تشفياً أو تمريناً أو قصاصاً، أو قتله لأنه متترَّسٌ به من قبل الأعداء، فإن الموضوع والعنوان متحقق وصادق وهو القتل، سواء أقصد التشفي أم القصاص أم غير ذلك، إلا أن الحكم يتغير تبعاً للقصد، فإن القتل لو كان قصاصا وبالضوابط الشرعية فإنه جائز، ولو كان لأجل أنه قد تترس به الكفار فهو كذلك، ولكن لو كان تشفياً أو تمريناً فهو حرام وإثم.
والخلاصة: إن النية في القسم الثالث ـ الأمور البشرط شيئية، أي: بشرط الانضباط بالضوابط الشرعية ـ مؤثرة في الحكم لا بالموضوع.
والحاصل: إن هذه الروايات[95] إما حاكمة أو واردة على دليل (لا تعاونوا) وعلى غيره من الأدلة، مما كانت عناوينها من سنخ العناوين اللابشرطية الحيادية، بل نقول: إن بعض العناوين خارجة خروجاً تخصصياً بلحاظ روايات النية؛ وذلك أن الأقسام في الحقيقة هي ثلاثة، وهي: التخصص والورود والحكومة[96].

المعاني المحتملة في (إنما الأعمال بالنيات) [97]:
إن المعاني المحتملة في هذه الرواية وما شابهها هي خمسة معانٍ، ولكن الذي ينفعنا في المقام هو المعنى الأول والثاني فقط، وأمّا بقية المعاني الأخرى فنذكرها من باب تتميم الفائدة، وهي:
الأول: الأعمال في وجودها ؛ وهو أن يكون المراد من (إنما الأعمال بالنيات) أن الأعمال في وجودها وعدمها متوقفةٌ على النية، والعمل مرتهن بها[98].
الثاني: الأعمال في تعنونها ؛ وهو أن يكون المراد من (إنما الأعمال بالنيات) أن الأعمال في تعنونها ونوعها متوقفة على النية، لا أنها تحتاج إليها في أصل وجودها، وبعبارة أخرى: إن العمل وخصوصيته ـ بعد الفراغ عن وجوده ـ يحتاج إلى النية والقصد، وكلا هذين المعنيين وارد وله مصاديق متعددة[99].

توضيح المعنيين بعدد من المسائل:
ونوضح المعنى الأول والثاني بذكر أمثلة فقهية عديدة:
أ ـ الإنشائيات:
أما المعنى والاحتمال الأول وهو أن وجود العمل وعدمه منوط بالنية، فكما هو الحال في الإيقاعات كالطلاق، فإنه لا يتحقق إلا بالنية؛ وذلك أن الطلاق أمر إنشائي، والإنشاء قوامه بالنية، فلو لم ينوِ فلا إنشاء ولا إيجاد، فلا يقع الطلاق حقيقة.
بعبارة أخرى: الأمور الاعتبارية لا توجد إلا بقصد المعتبر لها وإنشائه، وكافة الإنشائيات هي من هذا القبيل.
ب ـ نية الجماعة في صلاة الجمعة والفرائض:
ونذكر مسألة أخرى: وهذه المسألة في حد ذاتها لها الموضوعية، وهي تصلح بشقيها مثالاً لكلا المعنيين، وهي (نية الجماعة) في صلاة الجمعة وفي الفرائض اليومية، أما في صلاة الجمعة فإن من الواضح أن من شرائطها أن تكون بنحو الجماعة، ولكن هل نية الجماعة مقومة لصلاة الجمعة أو أنها معنوِنة لها؟ أي: هل أن وجود صلاة الجمعة مرتهن بنية الجماعة، أو أنها توجد بدون نية الجماعة، لكن تعنونها بعنوان الجمعة مرتهن بالنية؟
وجوابه: ـ وكما صرح به صاحب الجواهر[100] وآخرون وكما هو المستظهرـ إنّ وجود صلاة الجمعة مرتهن بنية الجماعة، فلو لم ينوِ الفرد الجماعة فلا صلاة له أصلاً.
وأمّا في صلاة الجماعة، فإن نية الجماعة فيها معنوِنة للصلاة، أما أصل وجود الصلاة فليس مرتهناً بالقصد والنية، وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر والسيد الوالد وآخرون، خلافاً لما ذهب إليه البعض الآخر، فإن الشخص لو صلى خلف إمام ولم ينوِ الجماعة فإن صلاته في هذه الحال صحيحة وليست باطلة، بخلاف الحال في صلاة الجمعة؛ إذ مع عدم نية الجماعة فيها فهي باطلة أصلاً.
قال في الجواهر: ولو كانت الجماعة واجبة بالأصل ـ كالجمعة ـ أو بالعارض وجبت حينئذٍ نيتها[101] شرعاً زيادة على الوجوب الشرطي...[102][103].
وقال عن صلاة الجماعة في الفرائض اليومية وما أشبه:  السابع[104]: نية الاقتداء فلو تابع بغير نية بطلت صلاته [105].
وهنا يشرح صاحب الجواهر هذه العبارة بحسب ما يراه ـ ولعله المشهور ـ حيث يقول: ولعله يريد جماعةً أو إذا أدت المتابعة إلى ما عرفت، وإلا فقد عرفت أنه لا وجه لفساد الصلاة أصلاً[106]. أي: إن صلاته قد بطلت جماعة لا أن أصل الصلاة تبطل لو تابع بغير نية[107].
إذن: النية أضحت ذات مدخلية في التعنونِ لا في أصل الوجود، وذلك في صلاة الجماعة على العكس من صلاة الجمعة.
ثم بعد ذلك يستشكل صاحب الجواهر على صاحب الرياض القائل ببطلان أصل الصلاة في هذه الحالة، حيث يقول صاحب الجواهر: ( فما في الرياض... من الإجماع على وجوب أصل وجوب نية الاقتداء، فلو لم ينوِ أو نوى الاقتداء بغير معين فسدت الصلاة فضلاً عن الجماعة... في غاية والعجب) [108] فإنه خلاف القاعدة جدّاً.
والمتحصل: إن المراد من (إنما الأعمال بالنيات) إما هو الاحتمال الأول: وهو أن وجود نفس الأعمال مرتهن بالنيات، أو الاحتمال الثاني: وهو تعنون هذه الأفعال بعد الفراغ عن وجودها.
ج ـ بيع مال اليتيم لإنفاقه عليه أو لأكله
ومما يقرب المطلب أكثر: بيع مال اليتيم، فإن الشخص لو باع مال اليتيم ونوى أن ينفقهُ عليه فإنه أمر جائز؛ إذ النية قد عنونت البيع وأثمرت الحكم بجوازه، ويشمله (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [109]، و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [110]، ولكنه لو باع مال اليتيم لكي يأكله هو، فهو حرام وظلم ويشمله: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[111].
وبحثنا في المقام هو في صغرى ذلك، وهو التعاون على الإثم والعدوان، فمن أي قبيل هو؟ فهل أنه بلحاظ رواية (إنما الأعمال بالنيات) يكون أصل وجوده منتفياً، أو أن التعنون والوصف هو المنتفي؟ أي: إن الشخص لو لم ينوِ التعاون على الإثم[112] فهل أن ذاك ليس بتعاون موضوعاً ومفهوماً، فيكون أصل الوجود منتفياً بسبب انتفاء النية، أو أن التعاون موجود ولكن نوعه كتعاون على الإثم منتفٍ؟

المعنى الثالث[113]: صحة العمل تتوقف على النية
المعنى الثالث المحتمل في رواية (إنما الأعمال بالنيات) هو: إن صحة الأعمال تتوقف على وجود النية، فإن براءة ذمة المكلف وسقوط التكليف عنه قد تكون بوجود النية، من دون أن يكون أصل وجود العمل أو تعنونه موقوفاً عليها، وذلك كما في الزكاة، فإن المكلف لو دفعها بدون قصد القربة فإنها متحققة ـ أي: هي زكاة ـ لكنها ليست بصحيحة على مبنيين دون ثالث: فإنه بناءً على مسلك الأعمي فليست بصحيحة، وليست مبرئة للذمة رغم وجودها وصدق الاسم عليها؛ إذ الأسماء والألفاظ موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد، وعليه فإن الزكاة بدون نية هي زكاة لكنها ليست بصحيحة.
وأمّا على مبنى الصحيحي فإنه ينشعب إلى صورتين ومبنيين وهي ـ الزكاة ـ ليست بصحيحة على أحدهما: فلو قلنا: إن الأسماء موضوعة للصحيح فقط في المخترعات الشرعية وغيرها وليس للأعم، ولكن مع ذلك لم نقل بالحقيقة الشرعية، فبناءً على هذا المبنى سيكون مثالنا من أمثلة القسم الثالث، فإن الزكاة ما دامت ليست بحقيقة شرعية فهي باقية على معناها اللغوي والعرفي، وحيث إنّ اللغة والعرف لا يرى النية مقومة للزكاة فهي لغة وعرفاً زكاة، للصدق الحقيقي، ولكنها ليست مبرئة للذمة شرعاً؛ لعدم النية والقصد، فتأمل.
إذن: لو لم نقل في الزكاة بالحقيقة الشرعية ـ كما لا يبعد ـ فإن مثالنا يكون من قبيل المعنى الثالث.
وأمّا لو قلنا بمسلك الصحيحي مع القول بثبوت الحقيقة الشرعية للزكاة، فإن الزكاة الفاقدة لقصد القربة ليست بزكاة، ولا تندرج في المعنى المحتمل الثالث، وإنما ستكون مندرجة في القسم والمعنى الأول، وعليه فلابد من التفريق بدقة بين هذه المباني الثلاثة المذكورة.

المعنى الرابع: المراد هو الثواب أو الكمال أو القبول
وأمّا المعنى الرابع للرواية، فهو إن الأعمال:
أـ تكون في ثوابها متقومة بالنية.
ب ـ أو إنها تكون في قبولها متقومة بها، فهي صحيحة ولكن لا ثواب عليها, أو ليست بمقبولة.
ج ـ أو إن المراد من (إنما الأعمال بالنيات) أن كمال العمل متوقف على وجود النية، وهنا يوجد ثواب ولكن لا كمال للعمل لعدم القصد والنية.
وهذه معانٍ ثلاثة قد أدرجناها كلها في المعنى الرابع لتسهيل الأمر.
أما كون القبول متوقفاً على القصد فكما سبق ذكر ذلك في بحث التفسير في المتهاون بصلاته، فإنه وحسب رواية الصديقة الزهراء عن الرسول الأعظم| فإن صلاته لا تقبل، وإن كانت صحيحة[114].
وأمّا الثواب المتوقف على النية فكما في مَنْ أنفق مالاً ولم يقصد القربة، فإنه لا ثواب له، وكذا لو كان بدن الإنسان متنجساً ـ والأمر في مطلق التوصليات كذلك وكذلك في الأحكام الوضعية ـ فغسله استعداداً للصلاة، ولكنه بإزالة النجاسة والتطهير لم يقصد القربة، فإنه لا يثاب على عمله هذا.
وأمّا كون الكمال متوقفاً على النية فكما في صلاة جار المسجد في غيره، حيث ورد: ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) [115]، فإنه لا يراد نفي صحة الصلاة، بل نفي كمال الصلاة خارج المسجد لمَنْ كان جاراً له.

المعنى الخامس[116]: الإجمال
وأمّا المعنى الخامس المحتمل في الرواية فهو الإجمال؛ فإن بعض الأعلام[117]  حيث تحير في المراد من الرواية، ذهب إلى إجمالها[118][119].

بحث تطبيقي آخر:
وسنعرض الآن بعض الأمثلة التطبيقية على الطلاب الكرام، بغية أن تكون تمريناً لملاحظة مدى انطباق قاعدة (لا عمل إلا بنية) بتفسيراتها المتعددة، عليها:
المثال الأول: إن الشخص لو ضم نية التبرّد إلى الوضوء فهل أنَّ وضوءه باطل أو صحيح, وكذا لو ضم نية التنظيف له؟ وهنا توجد خمس صور[120] تختلف أحكامها، فتدبر.
المثال الثاني: الشخص الذي لازَمَ غريمه في الطواف فما حكم طوافه؟ وهنا صور: منها: مَنْ كان يريد الطواف فرأى غريمه فضم إلى طوافه نية ملازَمَة ذلك الغريم كي لا يهرب فهل طوافه صحيح؟ ومنها: ما لو عكسنا هذه الصورة بأن رأى غريمه يريد أن يطوف فلازمه ونوى الطواف فهل طوافه صحيح؟
المثال الثالث: لو قصد المكلف الكون في الدار في أدائه الصلاة فهل صلاته صحيحة أم باطلة؟ كما لو كان يعلم أنه لو لم ينشغل بالصلاة لخرج من الدار فيريد أن يوفر لنفسه سبب المكوث فيصلي هكذا.
المثال الرابع: لو أنّ شخصاً قصد الجواز في العقد والتزلزل ولكنه أتى بلفظ دال على اللزوم، أو عكس ذلك، بأن جعل لنفسه خيار الشرط لكنه لم يقصده حقيقة، أو أنه بنى على الخيار ولم يذكره؟
المثال الخامس: لو نوى في بداية صومه أو صلاته القطع أو القاطع في الأثناء فهل صومه أو صلاته صحيحة؟ كأن نوى الصيام قبيل الفجر ونوى حينها أنه قبيل الظهر سيأكل ثم لم يفعل، وعدل في نيته فهل صيامه صحيح؟[121]
المثال السادس: ما لو قصد المكلف بجزء من عمله الرياء، كما لو قصد بالبسملة الرياء فهل تبطل صلاته، أو يبطل خصوص ذلك الجزء؟ وماذا لو قصد الرياء في مثل القنوت من المستحبات؟ وماذا لو قصد الرياء في المستحبات المطلقة، كمطلق الذكر في الصلاة؟
المثال السابع: لو نوى المكلف الظهر عصراً جهلاً أو عمداً، فهل صلاته صحيحة؟ وكذا لو نوى مجرد الصلاة أربع ركعات في الوقت المختص، أو في الوقت المشترك فما هو حكمها؟
المثال الثامن: لو نوى القصر في موضع التمام عامداً عالماً، أو التمام في موضع القصر ودخل في الصلاة بهذه النية، ولكنه في الصلاة سار على طبق الوظيفة الشرعية؟[122]
المثال التاسع: لو قصد الصبي المميز الندب في صلاته فبلغ في أثناء الصلاة ـ بان أكمل الخامسة عشرة ـ فلم يقصد الوجوب فما هو حكم صلاته؟ وكذلك لو قصد الوجوب فما هو حكمه باعتبار أن بعض الصلاة قد وقع ندباً؟
المثال العاشر: لو قصد الخطيب من منبره الأجرة، فهل له الأجر؟ وكذا قارئ القرآن؟

التقسيمات الستة لـ (لا) النافية للجنس:
وتحقيق القول في مفاد (لا عمل إلا بنية) يبتني على تحقيق مفاد (لا) الداخلة على الجنس؛ إذ بذلك تتضح نسبة هذه الرواية إلى آية التعاون: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [123]، وإنها الحكومة أو الورود أو التخصيص، ويترتب على ذلك تحقيق الحال في (الرشوة) وإنه لو بذل مالاً للقاضي للحكم بالحق، فهل هو تعاون على الإثم أم لا؟ ثم هل هو حرام أم لا؟
فإن بعض الأصوليين[124] قسّم (لا) الداخلة على الجنس ـ والنكرةـ المسماة بـ (لا النافية للجنس) إلى ستة أقسام معتمداً على الآيات والروايات، وهذه الأقسام هي:
القسم الأول: كما في قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [125]، وكما في قوله  عليه السلام : (لا غش بين المسلمين) [126]  فما هو المراد من (لا) هنا؟
إن ظاهر هذه الرواية هو الإخبار عن عدم تحقق الغش بين المسلمين، وكذلك ظاهر الآية هو عدم تحقق هذه الأمور الثلاثة أو أحدها في الحج، ولكن وكما هو واضح فإنه لا يراد من هذا الإخبار المعنى الحقيقي له، بل المراد هو التكنية عن مبغوضية هذه الأمور لله تعالى، أي: إن ظاهر الآية والرواية هو الإخبار، ولكن المراد الجدي هو الإنشاء والنهي والحرمة، وعليه فإن (لا) النافية للجنس تفيد النهي في المقام.
وفي صغرى بحثنا فهل أن رواية (لا عمل إلا بنية) هي من هذا القبيل، وأنها بصدد بيان المبغوضية والنهي؟[127]
القسم الثاني: وهو نفس القسم الأول من حيث الكناية، ولكن المراد من التكنية نفي الكمال لا الكناية عن المبغوضية، كما في قوله عليه السلام:(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) [128]، فإنّ ظاهر (لا صلاة) الإخبار عن عدم تحقق الصلاة خارجاً، وإن صلاها المكلف، ولكن المقصود والمراد بها هو الكناية عن نفي الكمال، فهل روايتنا هي من هذا القبيل؟
القسم الثالث:  كما في مضمون قوله عليه السلام : (لا ربا بين الوالد وولده)[129]، و (لا غيبة للمتجاهر بالفسق)[130]، وهذا المعنى هنا هو نقيض القسم الأول فلاحظ، فهناك عندما قلنا: لا رفث فقد أريد النهي، ولكن الحال هنا بعكسه، أي: إن (لا ربا) لا تكنية فيها عن المبغوضية فالنهي، بل المراد الجواز، وكذلك الحال في (لا غيبة) فإن المراد هو جوازها، والمراد في نظائر هذه الأمثلة هو الإخبار عن نفي وجود الكلي الطبيعي للربا في ضمن هذه الحصة الخاصة ـ أي: الربا بين الوالد وولده ـ فهو كناية عن نفي الحكم الثابت للكلي الطبيعي، وهو الحرمة عنها، فيكون حكم هذه الحصة هو الجواز كما مرّ. وبتعبير آخر: ـ كما ذكر الشيخ ـ المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، أي: نفي الحكم عن الحصة الخاصة.
فهل روايتنا (لا عمل إلا بنية) هي من قبيل هذا القسم؟ أي: هو نفي للحكم[131] الثابت للعمل بقول مطلق لهذه الحصة التي لم تكن مقصوده ومنوية؟
القسم الرابع: كما في قوله عليه السلام: (لا رهبانية في الإسلام) [132]، وظاهره هو الإخبار عن عدم تحقق ووجود الرهبانية، ولكنه كناية عن أن هذا الموضوع الثابت في الأديان السابقة لم يشرّع في ديننا، فحكمه عندهم منفي عندنا، وهنا النفي ليس لحصة خاصة كما في القسم الثالث، بل هو نفي للكل، فهل روايتنا هي من هذا القبيل؟
القسم الخامس: كما في: «ليس في دين الله قياس» [133]، فإن ظاهره هو نفي الموضوع الثابت في العرف عن كونه ثابتاً في الشرع ـ وليس هو نفي الموضوع الثابت في الأديان السابقة ـ كناية عن نفي الحكم، أي: إن لسانه نفي موضوع ثابت في العرف عن ثبوته في الشرع كناية عن عدم التشريع وعدم الحجية.
القسم السادس: نفي الحكم الشرعي ابتداء، كـ (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [134]، فتأمل.
التقسيم ليس شاملاً:
وهنا نقول: إنّ هذا التقسيم السداسي صحيح، ولكنه ليس بشامل؛ وذلك إننا أضفنا ثلاثة أقسام أخرى لم يذكرها، ولعله غفل عنها، وهي:
الأول: كما في (لا طلاق إلا بنية)[135]، حيث إنَّ النية مقومة لوجود الشيء، وبدونها لا توجد الماهية والحقيقة، حقيقةً، وكذلك: (لا صلاة إلا بطهور) [136]، حيث ينتفي أصل وجود الصلاة حقيقة مع عدم الطهورية على التفصيل الآنف في الصحيح والأعم والحقيقة الشرعية.
الثاني: وهو التعنون كما في (لا مقدمة إلا بنية) و(لا تعاون إلا بنية) كما أوضحنا ذلك.
الثالث: أغفل أيضاً نوعين من القسم الرابع، وهو نفي الكمال أو القبول أو الثواب، فقد ذكر الكمال فقط من هذه الأقسام .
فهذا هو الإطار العام للبحث، ولا بد من التدقيق لمعرفة أن (لا عمل إلا بنية) يندرج في أي منها، لنفرّع عليه نسبته مع آية التعاون، ثم لنفرّع على مجموع ذلك حال الرشوة والتعاون عليها موضوعاً وحكماً.
رأي صاحب (العناوين) في المراد من (لا عمل إلا بنية):
وبعد ما بيناه من المعاني والأقسام المحتملة والمتحققة أيضاً، لا بد من تحديد المراد من (لا عمل إلا بنية)؟
ولنقدم ذكر رأي صاحب العناوين، فقد قال: فإن ظاهر الروايتين[137] إن ماهية العمل من دون نية غير متحققة، فإما أن يحمل على معناه الحقيقي الظاهر، وتكون الأعمال التي تتحقق بغير قصد خارجة عن العموم، وإمّا أن يحمل على نفي الصحة؛ لأنه أقرب المجازات، فيكون المراد عدم الصحة إلا بالنية... [138]، انتهى، وستأتي في البحث القادم مناقشة كلامه بإذن الله تعالى.

تطبيق بحث النية على صغرى مسألة الرشوة:
إن بذل المال للقاضي لكي يحكم بالحق له خمس صور على ضوء رواية (لا عمل إلا بنية)، وبعض هذه الصور تفيد هذه الرواية خروجها الموضوعي، أي: التخصصي، وهي الصورة الأولى، والصورة الثانية تفيد دخولها الموضوعي، وأمّا الصورة الثالثة فإن (لا عمل إلا بنية) حاكمة، وأمّا الصورة الرابعة فهي تفيد الورود[139]، وأمّا الصورة الخامسة فإن (لا عمل إلا بنية) منصرفة عنها.

صور بذل المال للقاضي ليحكم بحق:
هناك عدة صور لبذل المال للقاضي لكي يحكم بحق، وهي:

الصورة الأولى: البذل بقصد التقوية والإعانة[140]
لو بذل للقاضي مالاً بقصد ونية تشجيعه وتقويته في منهجه، وطريقته من أخذ الأموال على حكمه بالحق ـ أو الباطل ـ أو بقصد تعليمه أو تعويده على الارتشاء، فإنه لو بذل المال بهذه النية فستكون النية هي السبب لدخول هذا البذل في آية (وَلا تَعَاوَنُوا...) موضوعاً؛ فإن صدق التعاون على الإثم عليه حقيقي بالحمل الشايع الصناعي، وهذا المورد هو مصداق جلي لكبرى التعاون على الإثم والعدوان.

الصورة الثانية: البذل بقصد ارتزاق القاضي[141]
وهي بعكس الصورة الأولى، وهي: كون النية موجبة للخروج الموضوعي، كما لو بذل له المال ليكون رزقاً له يستعين به على حياته، فإن الارتزاق جائز شرعاً، وهذا القصد يخرج بذل المال عن كونه تعاوناً على الإثم موضوعاً وتكويناً.
وبقيت لدينا ثلاث صور، وهي: الصورة الثالثة والرابعة والخامسة في هذه المسألة[142]، وفيها يدور الأمر بين الورود والحكومة والانصراف لأدلة النية عن دليل {وَلا تَعَاوَنُوا...}.

الصورة الثالثة[143]: البذل جاهلاً بالحرمة قصوراً
وفي الصورة الثالثة نقول: هل المورد هو مورد ورود أو حكومة؟
وهنا نذكر مثالين:
الأول: لو بذل الشخص المال للقاضي ليستنقذ حقه، ولكن الباذل كان جاهلاً قاصراً بحرمة ارتشاء القاضي على الحق، وقد تصوره محللاً، بل محبذاً، فهل بذل المال في هذا المورد هو تعاون على الإثم والعدوان حقيقة أو لا؟
وبتعبير أدق: إن أدلة النية مفادها لا عمل إلا بوجود النية، وهذا الشخص نوى من عمله صِرف استنقاذ حقه، لا تشجيع القاضي على باطله، بل قصد تشجيعه على الحكم بالحق، فهل بذله خارج موضوعاً ببركة أدلة النية، وبعناية التعبد بدليل {لا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ}، أو أنه خارج بالحكومة، أي: إن دليل (لا عمل إلا بنية) ناظر إلى دليل (لا تعاونوا) والمورد هو تعاون على الإثم حقيقة، ولكن حكمه مرفوع؟
الثاني: لو بذل المال للقاضي ليحكم بالحق، ولكن كان داعيه على ذلك هو أن يتحبب إليه لكي يقنعه بعدها بأن يتخلى عن ارتشائه على حكمه بالحق، فهل المورد هو ورود أو حكومة؟ فمثلاً: لو دفع المال لاستنقاذ سجينه المسجون ظلماً، تحبباً للقاضي كي تكون بعد ذلك كلمته نافذة عليه، فينصحه لاحقاً فيرتدع عن أخذ الرشوة مطلقاً؟[144]

الصورة الرابعة: البذل نظراًً لمزاحم أهم
لو بذل المال للقاضي ليستنقذ حقه عالماً بحرمة الرشوة غير غافل عنها، ولكنه لم يقصد من ذلك التحبب للقاضي لتخليه عن باطله، وإنما لأنه رأى أن استنقاذه أهم من ارتشاء القاضي، فهل المورد مورد ورود أو حكومة؟[145]
وهناك مثال، وهو لو أنّ مؤمنا لقّن مخالفاً الحجة كي يرد عليه برد أقوى، وذلك من باب استدراجه بتلقينه الحجة، فهل هذا المورد جائز أو لا؟ وهل هو تعاون على الإثم موضوعاً لكنه خارج حكماً حكومة أو لا؟ فهنا صورتان، فتدبر وتأمل[146].

الصورة الخامسة: البذل لاستنقاذ حق مرجوح
لو كان استنقاذ الحق مرجوحاً بالقياس إلى ارتشاء القاضي، كأن يرشيه لأمرٍ بسيطٍ تافهٍ لا قيمة له، فهل أن أدلة لا عمل إلا بنية منصرفة عن الشمول لهذا المورد؟ أي: إن هذه النية لا تخرج هذه الصورة عن كونها مشمولة حكماً لآية (لا تَعَاوَنُوا).
كلام صاحب العناوين مع إضافة وتغيير:
وأمّا تحقيق الأمر في العلاقة بين أدلة النية وآية (وَلا تَعَاوَنُوا...) تطبيقاً على الصورة الثالثة والرابعة لمعرفة كون المورد من باب الحكومة أو الورود، فإن ذلك يتجلى بملاحظة كلام صاحب العناوين[147] مع إضافة وتغيير وتطوير منا[148] فنقول:

النسبة بين ظهور العمل وظهور النية:
إن النسبة بين النية والعمل من حيث ظهور كل منهما وعدمه أو أقوائية ظهوره على صور:
الأولى: وهي أن يكون للفعل ظهور أقوى من ظهور النية[149].
الثانية: أن يكون للنية ظهور ولا يكون للعمل ظهور كي يعاكس ظهوره ظهور النية.
الثالثة: وهي على عكس الصورة الثانية، وهو أن يكون للنية ظهور أقوى من ظهور العمل.

صور النسبة بين النية والعمل والأمثلة عليها:
وهنا نذكر الصور الثلاث، وأمثلة عليها، فنقول:
الصورة الأولى: ظهور العمل أقوى من ظهور النية[150]
وهي كون ظهور الفعل أقوى من ظهور النية والقصد، وقد مثَّل لها صاحب العناوين بالركوع للحاكم الجائر[151]، فإن هذا العمل ظاهر في تعظيم الجائر مهما كانت نية الفاعل من هذا الفعل، كأن يركع ليحك رجله أو ينوي أن يكون الركوع لله مثلاً، لكن أمام الجائر، فإن تمصدق هذا العمل وظهوره في تعظيم الجائر، وفي الإثم والمعصية هو أقوى من تلكم النية، فيكون تعظيماً للجائر موضوعاً وحراماً حكماً.
وأمّا المثال الآخر الذي ذكره فهو كون الشخص وزيراً للحاكم الظالم، فإن ظهور هذا العمل في كونه من أعوان الظلمة هو أقوى من ظهور نيته مهما كانت وتوجهت.
وأمّا المثال الآخر فهو سيره في ركاب الظالم مما يقوي به شوكته، وإن لم يقصد ذلك، وهذه أمثلة ثلاثة ذكرها صاحب العناوين[152] لكون ظهور العمل هو أقوى من ظهور النية، فيتغلب الظهور الأول على ظهور الثاني، ولا يكون للنية تأثير في التعنون.

استثمار كلام (العناوين) في مبحثنا في الرشوة:
ونستثمر الكلام الذي ذكره صاحب العناوين في مبحث الرشوة، فنقول: إن الرشوة هي من مصاديق صورة كون ظهور العمل أقوى من ظهور القصد والنية؛ وذلك أن نفس هذا العمل ـ أي: بذل الشخص المال للقاضي كي يحكم بالحق أو الباطل ـ ظاهر عرفاً في أنه رشوة، وكلامنا لا زال في دائرة الموضوع ـ وأمّا أنها حلال وجائزة للمضطر فهو أمر آخر في دائرة المحمول والحكم ـ  فالبذل للقاضي هو رشوة بالحمل الشايع الصناعي، وإن كانت محللة من جهة الاضطرار.
والحال نفسه فيمن يقترض بزيادةٍ رباً قرضياً وهو مضطر، فإن ظهور هذا العمل  في الربا أقوى من قصده ونيته كون ذلك الأخذ لأجل إجراء عملية جراحية. نعم، نيته مؤثرة في الحكم لا الموضوع، فيكون الأخذ ليس بحرام حكماً، وإن كان رباً موضوعاً.

الصورة الثانية: كون الظهور للنية لا للعمل
وهي أن يكون العمل لا ظهور له، ويكون الظهور كل الظهور للنية، ومثاله: خياطة الثوب للظالم، أو ما أشبهه، فإن خياطة الثوب للظالم بما هي هي لا جهة لها، ولكن النية في المقام مفصِّلة، فإنه لو نوى بخياطته الثوب للظالم تقويته على ظلمه وإعانته عليه فهو حرام، وأمّا لو نوى بالخياطة صرف الارتزاق فإنه أمر آخر.
وأمّا مثال صاحب العناوين[153] فهو بناء دكان من قبل شخص لكي يؤجره للغير، فإنه في حد ذاته حيادي ولا جهة له، لكنه قد يبني الدكان لكي يؤجره لظالم أو خمّار، وقد يبنيه لكي يؤجره لبقال عادي، فنفس بناء الدكان عمل لا ظهور له في كونه إعانة على الإثم أو البر، لكن ـ وكما يقول صاحب العناوين ـ لو نوى ببناء الدكان صِرفاً كونه مخمَراً حصراً، فإن النية تكون مفصلة ومعنونة وموجهة للعمل بهذا الاتجاه، فيكون تعاوناً على الإثم وحراماً.
ولا يخفى أن المثال المعروف المطروح في المكاسب هو بيع العنب لمن يعمله خمراً بقصد ذلك.
ثمّ إنّه قد يمثل لهذه الصورة في مبحثنا بما لو بذل مالاً للقاضي وكان القاضي جاراً له، وقد ولد له ولد مثلاً مما احتمل كونه هدية وكونه رشوة على حد سواء، فإنه لا ظهور للعمل ههنا.

الصورة الثالثة: ظهور النية[154] أقوى من ظهور العمل
وهذه الصورة هي بعكس الصورة الأولى، أي: أن يكون ظهور القصد أقوى من ظهور العمل، وقد يمثل له بمَنْ بذل المال ليستنقذ حقه، فهنا ظهوران تعارضا: ظهور العمل في أنه رشوة، وظهور النية في استنقاذ الحق، وهذا الظهور الأخير ـ أي: ظهور النية ـ عرفاً هو أقوى من ظهور العمل في كونه رشوة؛ ولذا فإن العقلاء يبيحون هكذا عمل ويقرونه، وحالهم في ذلك كحال الشارع في إباحته.
مثال آخر: لو بذل الشخص الرشوة للقاضي ليأخذه بالجرم المشهود، فظهور القصد هنا أقوى من ظهور العمل.
مثال ثالث: لو بذل المال له بقصد التحبب إليه كي يردعه لاحقاً، فالكلام هو الكلام.

الأمثلة المذكورة من قبيل الحكومة لا الورود:
ولكن الأمثلة الثلاثة المذكورة في الصورة الثالثة متأمل فيها؛ إذ التأمل في المقام ينتج الحكومة لا الورود ـ وهما محط كلامنا في الصورة الثالثة والرابعة السابقتين من الصور الخمسة ـ وذلك لأن ظهور النية في استنقاذ حقه لا يتصرف في الموضوع، بل غاية الأمر أنه يتصرف في الحكم والمحمول، فإن هذا العمل هو رشوة ظاهراً وموضوعاً، ولا يخرجه ذلك القصد ـ بأمثلته الثلاثة ـ عن كونه رشوة[155]؛ إذ ليس محط التعبد ظاهراً ذلك.
وعليه: فإن أدلة النية لو نسبناها إلى أدلة الرشوة في الصورتين الثالثة والرابعة السابقتين[156] فستكون النتيجة هي الحكومة لا الورود[157].

ثمرات البحث:
ولنختم بحثنا بثلاث مسائل وثمار، وبعد ذلك نذكر الدليل على الرأي المنصور في قبال ما ارتضاه صاحب العناوين في المقام.
الثمرة الأولى: الارتزاق خارج موضوعاً عن الرشوة
الظاهر أن هناك فرقاً بين ما يبذله الحاكم الشرعي أو بيت المال للقاضي، وبين ما يبذله له المتخاصمان والمترافعان، أو الشخص المحتاج لحكم القاضي، والفرق بينهما موضوعي، وهو أن ما يبذله الحاكم الشرعي للقاضي خارج موضوعاً عن عنوان الرشوة؛ فإنه لا يصدق عليه رشوة مفهوماً، بل هو داخل في عنوان الارتزاق من بيت المال[158]، ويدل على ذلك اللغة والعرف وإجماع الفقهاء أيضاً[159].
ثمّ إنّ آية: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [160] لا تشمله؛ إذ إن الارتزاق هو أمر حلال وطيب وليس بإثم موضوعاً، وكذلك لا تشمله الآية الأخرى والمستدل بها على حرمة الرشوة، وهي (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[161]؛ وذلك أن ارتزاق القاضي من بيت المال ليس أكلا بالباطل موضوعاً قطعاً.
وعليه: فالخروج في هذه الموارد عن هذه الأدلة هو خروج تخصصي[162].
وأمّا ما يبذله أحد المتخاصمين أو كلاهما[163] للقاضي فإنه يصدق عليه عرفاً أنه رشوة موضوعاً، ولكن هل هو خارج ـ في صورة الاضطرار ـ حكماً فيما لو توقف عليه استنقاذ حقه؟[164]
والجواب: نعم في مورد الاضطرار فإن الحكم ـ الحرمة ـ مرفوع، وإن كان عنوان الرشوة صادقاً، هذه هي المسألة الأولى والثمرة المتحصلة من التقسيم الخماسي السابق.

الثمرة الثانية: الغفلة عن الموضوع أو الحكم لا تؤثر في العنوان
لو بذل المترافع للقاضي مالاً ليحكم بالحق غافلاً عن حرمة الارتشاء[165]، فكما أنه مع اضطراره للوصول إلى الحكم بالحق فليس ذلك بمحرم من جهته وطرفه لا أنه ليس برشوة موضوعاً، وإن حرم من جهة القاضي، فحكمه بالنسبة له ـ أي: القاضي ـ الحرمة؛ لأنه إثم ورشوة، فكذلك الحال مع الغفلة، فإنها لا تخرج البذل عن موضوع وعنوان الارتشاء، فهي رشوة موضوعاً، والخروج هنا ليس تخصصياً؛ إذ هو رشوة موضوعاً، وإنما الخروج هو حكمي ومحمولي، فهي رشوة ولكنها غير محرمة للباذل؛ لغفلته إذا كانت عن قصور، وحالها كحال الاضطرار إلى الربا، أو الغفلة عنه، فإنهما مغيران للحكم لا للعنوان والتسمية والموضوع.
الغفلة ليست دخيلة في التسمية لوضع الأسماء لمسمياتها الثبوتية:
فلا يتوهم أنه ما دام هذا العمل حلالاً من جهة الباذل لاضطراره إليه، أو لغفلته عن كونه رشوة، أو عن حرمته، فهو ليس برشوة موضوعاً؛ وذلك لأن الغفلة ليست لها مدخلية في التسمية الثبوتية؛ فإن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، فسواء أعلم الشخص أم لم يعلم، غفل أم لم يغفل، فإن ذلك لا يغير الاسم وانطباقه على عنوانه الحقيقي ومسماه الثبوتي، فإن الحائط ـ مثلاً ـ هو اسم قد وضع على الحائط الموجود والمتحقق ثبوتاً وواقعاً حتى لو غفل الشخص عن ذلك.
والمتحصل: إن ذلك هو رشوة حقيقة وموضوعاً، وهي إثم من طرف القاضي، ولكنها من طرف المعطي خارجة حكما بلحاظ أدلة النية، فإنها حاكمة على الأدلة الأخرى، فحيث غفل هذا الشخص عندما بذل المال عن كونها رشوة أو عن حرمتها، وحيث لم يكن بذله بقصد تقوية الحاكم على منهجيته من الارتشاء، بل البذل إنما كان لاستنقاذ الحق فقط، فدليل (لا عمل إلا بنية) يخرج هذا المورد خروجاً محمولياً من الأدلة الأخرى[166]، فيكون حاكماً وليس بوارد.

الثمرة الثالثة: أدلة النية منصرفة عن استنقاذ الحق المرجوح
لو بذل المال للقاضي لأجل أن يستنقذ حقاً مرجوحاً، فقد نوى أمراً محللاً، لكنه مرجوح، فما هي نسبة هذا البذل مع أدلة (لا عمل إلا بنية)؟
والجواب: هو الانصراف ظاهراً ـ أي: إنه مندرج في الدائرة الخامسة التي ذكرناها ـ فإن أدلة (لا عمل إلا بنية ) منصرفة عن هذا المورد المرجوح، فإن المكلف وإن كان قد نوى حلالاً، إلا أن الحكم لا يكون الحلية؛ لانصراف دليل النية [167] عنه.
الرأي المنصور: سعة مفاد (لا عمل إلا بنية) للدوائر الستة
ذكرنا فيما سبق أن صاحب العناوين قال ـ ما ملخصه ـ: إن مفاد (لا عمل إلا بنية) هو نفي وجود الماهية؛ فإن (لا) هي نافية للجنس؛ إذ دخلت على النكرة، وهذا يعني أنه حصر المراد والمفاد في الدائرة الأولى من الدوائر والمعاني الستة التي ذكرناها، ولكن ما نستظهره هو أن (لا عمل إلا بينة) تشمل الدوائر الست كلها[168]، أي: إن (لا) في (لا عمل إلا بنية) تفيد نفي الماهية أحياناً، ونفي التعنون أحياناً أخرى، وكذلك تفيد نفي الصحة تارة ونفي الكمال أو القبول أو الثواب تارة أخرى، فالرواية عامة شاملة لكل هذه المعاني.
توضيح ذلك: سبق أن قلنا: إن (لا عمل إلا بينة) تشمل دوائر ست، وإن معناها على ذلك ولدى التحليل يكون:
1ـ لا عمل موجوداً إلا بنية، كما في الإنشائيات، وهل منه الرشوة؟ سبق وسيأتي.
2ـ لا عمل معنوَناً بعنوانٍ ومفصَّلاً بفصل إلا بنية، كما في المقدمة، ومنه باب التعاون على الإثم.
3ـ لا عمل صحيحاً إلا بنية.
4ـ لا عمل مقبولاً إلا بنية.
5ـ لا عمل كاملاً إلا بينة.
6ـ لا عمل مثاباً عليه إلا بنية.
وعليه: فإن دائرة البحث ـ بناءًـ على الرأي المنصور ـ ستكون وسيعة جدّاً، وهذا بخلاف ما ذهب إليه صاحب العناوين[169].
الأدلة على التعميم المدعى[170]:
ويمكن أن نقيم أدلة متعددة على التعميم، منها ما هو تام، ومنها ما هو متأمل فيه ومخدوش، وهذه الأدلة هي:
الأول: فقدان القرينة الداخلية والخارجية على التخصيص
أما الوجه الأول للتعميم فهو أن نقول: إنّ كل نوع من أنواع تلك الدوائر الست لو وردت عليه (لا) فهي تفيد نفي خصوص الدائرة المعينة لا الدوائر الأخرى؛ لوجود قرينة داخلية[171] في كل واحدة منها، وهذا بعكسه في (لا عمل إلا بنية) فإن القرينة الداخلية على التخصيص بإحدى الدوائر ليست موجودة، بل حيث كان العمل مطلقاً ـ غير مقيد بقيد ـ أفاد العموم، كما أن القرينة الخارجية هناك وفي تلك الدوائر موجودة، وفي روايتنا منتفية ومفقودة.
توضيح ذلك: إن المعنى المستفاد في الدائرة الأولى هو نفي الوجود أو الماهية، فكما أنه لو صرح بالقيد وقال: (لا عمل موجوداً إلا بنية) أفاد النفي الخاص، فكذلك لو قال: (لا إنشاء أو لا عقد ولا إيقاع إلا بنية)، فإن المستفاد هو نفي وجود العقد أو الإيقاع، أو مطلق الإنشاء مع عدم النية لقوامه بها، والقرينة الداخلية في المقام موجودة، وهي إن الإنشاء ـ عقداً أو إيقاعاً ـ بطبعه وذاته متقوم بالنية؛ وذلك لأنه إيجاد فيحتاج إلى القصد والنية، هذا عن القرينة الداخلية.
وأمّا القرينة الخارجية فهي موجودة أيضاً، وهي إن العقود تتبع القصود.
وكذلك الحال في الدائرة الثانية، فعندما نقول (لا مقدمية ولا تعاون إلا بنية) فإن من الواضح أن المقدمة تتعنون وتتلون بنية ذيها كما سبق ذكره، وعليه فالقرينة الداخلية على الاختصاص فيها موجودة، وهي ذات المقدمة[172].
وعندما نقول: (لا صلاة إلا بطهور) في الدائرة الثالثة، فإن الذي يستفاد منه أنه لا صلاة صحيحة إلا بطهور من خلال القرينة الخارجية، وهي الروايات الواردة في أن الصلاة متقومة بالطهارة[173]، وأمّا القرينة الداخلية فغير موجودة؛ وذلك لأن الصلاة هي حقيقة مخترعة شارعية لا تُعلم إلا من قبله، وبلحاظها ـ دون الرجوع للشارع ـ لا نفهم كون النية مقومة لها أو لا.
وكذا الدائرة الأخرى عندما يقال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) فإن القرينة الخارجية موجودة على أن المراد هو لا صلاة كاملة إلا في المسجد، وهي الروايات، وهكذا الحال في بقية الصور والدوائر الأخرى.
وأمّا في رواية (لا عمل إلا بنية) فإنه لا توجد قرينة داخلية تخصص المعنى المراد بخصوص الدائرة الأولى أو الثانية أو غيرهما؛ وذلك أن العمل ـ وهو مدخول لا ـ يشمل الإنشائيات والتعبديات التي أنيط الثواب بها والتوصيات، ويشمل أيضاً الأعمال المتعنونة وهكذا.
والحاصل: إن مفردة الإنشائيات فيها قرينة داخلية وخارجية على أنها من الدائرة الأولى، وهكذا بقية العناوين في بقية الدوائر، وأمّا العمل فهو (لا بشرط) عن تلك الجهات كلها، واللابشرط يجتمع مع ألف شرط، فينطبق على الدوائر الست، فيتلون بلون تلك الدائرة وذلك المحور الذي دخلت عليه لا.
وبتعبير آخر: إن العمل هو جنس لهذه المعاني الستة، وعندما تدخل (لا) عليه فتعم كل هذه الدوائر؛ وذلك أن كلاً من المعاني الستة هو قسيم للآخر؛ ولذا فإن (لا) الداخلة على أحدها لا تشمل القسيم الآخر، وأمّا العمل فهو مقسم لجميع هذه المعاني الستة، ولو دخلت (لا) على المقسم لنفت كل واحد من الأقسام الستة كل في محله وموضعه.
وبتعبير آخر: إن خصوصية كلمة ومادة (عمل) هي التي أفادت أعمية هذه الرواية لشمول الأقسام الستة، وهذه قرينة داخلية للأعمية، فتأمل[174].
والمتحصل: إن (لا عمل إلا بينة) لها عمومية للدوائر الست لخصوصية المادة. هذا هو الوجه الأول للتعميم.
الدليل  الثاني: النكرة في سياق النفي تفيد العموم للأصناف والأفراد[175]
وأمّا الدليل الثاني فهو دليل معروف، وهو أن يقال: إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، و(عمل) نكرة دخل عليها النفي فأفاد العموم للدوائر الست أو لأفرادها، وفرق هذا الوجه عن الأول بيِّن، فإنه في الوجه الأول كان الاستناد إلى المادة ـ عين، ميم، لام[176] ـ لاستفادة الأعمية، وأمّا الوجه الثاني فالاستناد إلى هيئة وقوع النكرة في سياق النفي، وهذه قاعدة أخرى كما هو واضح.

مناقشة  الدليل الثاني[177]:
وهذا الدليل مخدوش؛ وذلك لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم لكل أنواع أو أصناف أو أفراد المدخول الحقيقية، ولكنها لا تفيد العموم لمجازات المدخول، وهنا فإن إرادة معنى الصحة من العمل هو مجاز من قبيل المجاز بالحذف، أو المجاز في الكلمة أو الإسناد.
والحاصل: إن كون معنى (لا عمل) هو لا عمل صحيحاً[178]، وهكذا لا عمل مقبولاً ولا عمل كاملاً، وهكذا في بقية الدوائر كلها معاني مجازية، فلا يمكن استفادة العموم بهذا الدليل.
الدليل  الثالث: (لا عمل إلا بنية) تفيد ضابطة كلية
وقد يقال: إنَّ  (لا عمل إلا بنية) ظاهر ـ بل بلحاظ المكتنفات نص ـ في أن مفاده هو إعطاء ضابطة كلية وقاعدة سيالة.
توضيحه: إنه عندما يقال: إنّه (لا إنشاء إلا بنية) فإن المستفاد هو ضابطة خاصة في دائرة الإنشائيات فقط، تفيد نفي الماهية والوجود، وعندما يقال: (لا مقدمة أو تعاون إلا بنية) فإن القائل يريد أن يفيد ضابطة خاصة بالمقدمة .
و لكن عندما نقول (لا عمل إلا بنية) فإن المستفاد هو الضابطة العامة الكلية.
إذن: فقرينة كون المتكلم في مقام إفادة ضابطة عامة كلية هي دليل على أن (لا عمل إلا بنية) هو مقسم للدوائر الست، فلا تختص بإحداها بخصوصه، وهذا الوجه قابل للتأمل أيضاً، ويرد عليه ما ورد على سابقه، فتدبر.

الدليل  الرابع[179]: المستثنى يدل على التعميم
وأمّا الدليل الرابع للتعميم فهو: إنه وإن صح أن (لا عمل إلا بنية) تفيد نفي الجنس، ولكن توجد قرينة أخرى أقوى على الخلاف، وهي تدعو إلى التعميم، وهذه القرينة هي الاستثناء، فإننا لو كنا و (لا عمل) فقط لنفت الجنس، ولكن وجود الاستثناء (إلا بنية) يفيد تعميم العمل للدوائر الست ؛ وذلك لأن النية تتدخل وتتصرف في كل منها بنحوٍ بالبداهة.
توضيح ذلك: إننا لو قلنا: (لا رجل في الدار) فإن المعنى المستفاد هو (لا رجل موجوداً في الدار)، وهذا لا ربط له بالكمال أو الصحة أو غيرها، كما هو واضح[180]، ولكن لو قلنا: (لا رجل في المدينة إلا وقد رأيته) فإن المعنى المستفاد سيشمل عدة دوائر، عدا الدائرة الأولى، فإنها تخرج بهذا الاستثناء، مع أنّها هي الموضوع له حقيقة؛ وذلك أن الرؤية لا تتعلق بالمعدوم، حيث افترض وجود الرجل بلحاظ الاستثناء، وببركته ـ الاستثناء ـ تدخل مجموعة من الدوائر، فيكون المعنى لا رجل كامل أو ناقص، ولا رجل صحيح أو سقيم إلا وقد رأيته.
وعلى ذلك نقول: إنّ النية أحياناً موجِدة وأحياناً مصححة وهكذا، وحيث كان عمل النية وشأنها عاماً دلت على أن المراد من المستثنى منه العموم أيضاً، فيكون المراد (لا عمل موجوداً إلا بنية موجِدة، ولا عمل صحيحاً إلا بنية مصحِّحة) وهكذا.
ولا مجال للقول بتعارض الظهورين، أي: ظهور المستثنى والمستثنى منه، فإن المستثنى أقوى ظهوراً في التعميم من ظهور المستثنى منه في التخصيص، فتدبر[181].


-----------------

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى
[1] والمراد باللفظ هو مطلق – ليشمل المعاطاة – المبرز؛  أي الموجِد إذ نرى ان الإنشاء هو إيجاد اعتبار في عالمه وليس إبراز ما في النفس.
[2] قال في وسيلة النجاة: ج3ص260:  لا يتوقف حِلّية الوطي وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ولا على قصد الرجوع به؛ لما عرفت سابقاً من أن المطلقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة، فيستباح منها للزوج ما يستباح منها. وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان أقواهما العدم؛ بل يحتمل قوياً كونه رجوعاً وإن قصد العدم. نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا قصد فيه للفعل؛ كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو واقعها باعتقاد انها غيرها.
[3] كما هو كذلك في المثالين في المتن.
[4]  تحف العقول: ص6.
[5] والكلام هو فيما لو اطلعوا على نيته، أو  نفسه قد علم نيته فهل يحل له أخذ الجعالة؟
[6] مباحث البيع : الدرس 265، 66 2
[7]  تحتوي هذه الفائدة  -مع بحوثها التطبيقية التاليه لها -  على كثير من المباحث والمطالب الأصولية والفقهية المهمة والمفيدة.
[8]  المكاسب: ج3 ص20.
[9] الميرزا جواد التبريزي قدس سره، إرشاد الطالب في شرح المكاسب، دار الصديقة الشهيدة عليها السلام– قم، ج2 ص328.
[10] انتهى إلى ههنا كلامه مع بعض التصرف والإضافة التوضيحية ؛  ولكلامه تتمة فانتظر.
[11] وسيأتي نقل كلام الميرزا التبريزي قدس سره.
[12] هذا إذا كان عِلّة ناقصة.
[13] هذا إذا كان عِلّة تامة.
[14] فدار مداره وجوداً لا وجوداً وعدماً.
[15] سورة الحج: آية 32.
[16] أي إذا لم يصدق في العرف العام أو الخاص أنها شعيرة.
[17] أي أصل تحققها يكون بالقصد.
[18] ككونها من هذا النوع أو ذاك.
[19] بتحقق شروطه التي اشترطها فيه.
[20]  قال في العروة ج1ص ص475: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمَّ ركع، ولا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع من دون ان ينتصب، وكذا لو تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى، وإن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها، وإتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة.
[21] وإنما هو هوي لقتل الحية أو لأخذ الرضيع.
[22] قال في العروة الوثقى: ج1ص475: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ولو إجمالاً بالبقاء على نيّته في أول الصلاة بأن لا ينوي الخلاف، فلو انحنى بقصد وضع شيء على الأرض أو رفعه أو قتل عقرب أو حيّة أو نحو ذلك لا يكفي في جعله ركوعاً، بل لا بدّ من القيام، ثمّ الانحناء للركوع، ولا يلزم منه زيادة الركن.
[23] لما سيأتي من الفرق بين المعنى المصدري والاسم المصدري.
[24] سورة الحج: آية 32.
[25] سورة المائدة: آية 2.
[26] كما فيما سبق من حك رأسه مثلاً بقصد التعظيم.
[27] لاقوائية ظهور القرائن من ظهور الفعل.
[28] إذ يقال: هذا تعظيم لكنه قصد به كذا.
[29] للفرق بين المصدر واسمه كما سيأتي.
[30] وقد ذكر دام ظله  تسعة أمور؛ ذكرنا منها في هذه الفائدة أمران ؛ وسياتي ذكر البقية ضمن فوائد أخرى تتناسب مع مقامها بإذنه تعالى.
[31]  مباحث البيع :الدرس 259- 260- 261.
[32]  هذا البحث التطبيقي  يتضمن عدة من المباحث الهامة والنافعة.
[33] وعليه سيكون بحثنا مناقشةً لصاحب المستند ومن ذهب مذهبه من الاعتماد على الآية المباركة للاستدلال على المطلوب (الأعمية).
[34] سورة المائدة: آية 2..
[35] مستند الشيعة : ج17 ص 70.
[36] فلاحظ تصريحه بالأعمية في مستند الشيعة17: 71، حيث قال: ( إنما الكلام في أن الحكم أو الإرشاد المأخوذين في ماهيته، هل هو مطلق شامل للحق والباطل، أو يختص بالحكم الباطل؟ مقتضى إطلاق الأكثر وتصريح والدي العلامة في معتمد الشيعة والمتفاهم في العرف هو: الأول، وهو الظاهر من القاموس والكنز ومجمع البحرين).
[37] سورة المائدة: 2.
[38] سيأتي أن عدم صدق الإثم على هذا الفعل ـ البذل ـ قرينة عقلية على أن المنهي عنه في الآية غير هذا.
[39] وهناك عناوين تكون قصدية بلحاظ محمولاتها، فتارة يراد بها خصوص ما قصده، وأخرى الأعم، ولنضرب مثالين: الأول: الضرب مؤلم، والثاني الضرب قبيح، فإنه في المثال الأول: الضرب مؤلم سواء أقصد الضرب أم لم يقصد، وسواء أقصد الإيلام أو لا، وأما في المثال الثاني: فإن الضرب قبيح إذا قصده، وأما إذا لم يقصد الضرب، بل وقع منه غفلة فلا تصح نسبة القبح إلى الفعل، إذن حتى الأفعال يمكن أن يفصل فيها بلحاظ محمولاتها.
[40] أو شرطاً أو داعياً.
[41] وعنوان القصدية في هذا القسم من هذا الوجه في الإشكال الرابع هو ملاك التفكيك عن الإشكال السابق التي ابتنى على المصب، وإن توفر القصد لغيره أيضاً.
[42] وعليه سيكون بحثنا مناقشةً لصاحب المستند ومن ذهب مذهبه من الاعتماد على الآية المباركة للاستدلال على المطلوب (الأعمية).
[43] مستند الشيعة : ج17ص 70.
[44] فلاحظ تصريحه بالأعمية في مستند الشيعة17: 71، حيث قال: إنما الكلام في أن الحكم أو الإرشاد المأخوذين في ماهيته، هل هو مطلق شامل للحق والباطل، أو يختص بالحكم الباطل؟ مقتضى إطلاق الأكثر وتصريح والدي العلامة في معتمد الشيعة والمتفاهم في العرف هو: الأول، وهو الظاهر من القاموس والكنز ومجمع البحرين.
[45] من الإشكال الرابع، وقد تقدم الوجه الأول، وهو: قصدية العناوين مانعة من صدق الإثم على البذل، فلاحظ.
[46] وهنا الذاتي لا يراد به ذاتي باب الكليات الخمسة، ولا ذاتي باب البرهان، بل المراد الاقتضاء بحسب الطبع.
[47] وهذا البحث ـ أي: تتبع العناوين الحيادية ـ هو بحث هام نافع، ولم نجد باستقراء ناقص بحثاً مستوعباً لهذا القسم الثالث، وإن كانت في كلمات بعضهم إشارات له.
[48] وأما لو انفكا (المتعلق لم يكن إثماً لكنه قصده، أو كان إثماً لكنه لم يقصده) ففيه تفصيل؛ إذ الأول تجرٍّ, والثاني مشمول لـ(إنما الأعمال بالنيات) على أن صِرف عدم القصد لا يكفي مصححاً إلا مع الغفلة وعدم الالتفات، فتأمل.
[49] إضافة للإشكال الثاني، بل والأول.
[50] وهنا يوجد بحث دقيق حول تقسيمنا التعاون لقسمين، وإن النهي ناظر لأحد القسمين، إذ قد يتوهم ورود شبهة الدور في المقام، فتدبر.
[51] وهذه تتمة للوجه الثالث من الإشكال.
[52] أي: عنوان كونه شرب خمر وعنوان كونه آثماً.
[53] وإن كان أصل القصد للفعل دخيلاً في صدق الإثم والمعصية عليه.
[54] ليتدبر في قيد (بعنوانه) لدفع دخلٍ.
[55] وهي واجبة عقلاً فقط أو عقلاً وشرعاً أيضاً كما هو المنصور.
[56] وهذه صغرى البحث.
[57] كما لو أجرى له عملية جراحية.
[58] وقد تتبعت الجواهر كله فوجدته يطرح عدة أمثلة، ولكن من نمط آخر، كما يتضح من مثال الصوم المذكور.
[59] انظر: جواهر الكلام  :ج6ص102
(60] فإنه حرام بما هو هو بلا شك، وذلك أن للأب أن يضرب ولده تأديباً وبالحدود الشرعية لا أكثر.
(61] الكافي : ج6ص413: «عن معاوية بن عمار قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن دواء عجن الخمر نكتحل منها، فقال أبو عبد الله : ما جعل الله عز وجل فيما حرّم شفاء».
[62] انظر: مسالك الأفهام12 : 72 ـ 74.
[63] انظر: الكافي6: 413، ح1، وفيه: محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن إبراهيم بن خالد، عن عبد الله بن وضاح، عن أبي بصير، قال: دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقالت: جعلت فداك إنه يعتريني قراقر في بطني ـ فسألته عن أعلال النساء وقالت ـ وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق، وقد وقفت وعرفت كراهتك له فأحببت أن أسألك عن ذلك، فقال لها: وما يمنعك عن شربه؟ قالت: قد قلدتك ديني فألقى الله عز وجل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد ‘ أمرني ونهاني، فقال: يا أبا محمد، ألا تسمع إلى هذه المرأة وهذه المسائل، لا والله لا آذن لك في قطرة منه، ولا تذوقي منه قطرة، فإنما تندمين إذا بلغت نفسك ههنا، وأومأ بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثاً: أفهمت؟ قالت: نعم، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : ما يبل الميل ينجس حباً من ماء، يقولها ثلاثاً.
[64] انظر: الكافي6: 413، ح2، وفيه: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل يبعث له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة، وإنما يريد به الدواء، فقال: لا ولا جرعة. ثم قال: إن الله عز وجل لم يجعل في شيء مما حرم شفاء ولا دواء.
[65] راجع: جواهر الكلام36: 444 فصاعداً.
[66] يتفصل من الفصل.
[67] انظر: المبسوط2: 288.
[68] من لفظٍ لو لم نقبل المعاطاة، أو فعلٍ دالٍ على النوع لو قبلناها.
[69] إذ قد يقال: التعاون لا يصدق إلا بالقصد إليه ولو في الجملة.
[70] وهنا كلمة مهمة فإن العقود تتبع القصود المراد منها ما كان العقد بالقياس إلى القصد لا بشرط، وهو قيد عقلي موجود وإن لم يذكروه، ولا يراد منه ما كان العقد بالقياس إلى القصد شرط لا أو بشرط شيء، وأمثلتنا من سنخ اللا بشرط، فتدبر.
[71] المكاسب3: 295.
[72] وكما قلنا: فإننا وبتتبع ناقص لم نجد كتاباً مفصلاً خاصاً يبحث القصد والنية رغم أهميته وحيويته وعمقه، وإن كان الفقهاء قد تطرقوا لهذا البحث بالمناسبة، وبحسب أبواب العبادات في الصلاة أو الزكاة أو غيرهما.
[73] وهذا إشكال آخر على صاحب المستند وهو وجه جديد يحتاج لمزيد تأمل وتفكر، وهو إشكال ووجه بشعبتين.
[74] أي: بيان الخروج الحكمي للتعاون والاستدلال عليه.
[75] وهو أمر زائد على الالتفات.
[76] أي: بذل المال للقاضي ليحكم بالحق.
[77] وبعض الأعلام ذكر شرط العلم وسيأتي الكلام حوله فانتظر.
[78] ولو كان عن تقصير فإنه مؤاخذ؛ وذلك أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
[79] وسنتوقف عند تحليل ذلك ونفصله إلى صورتين نقبل إحداهما ونرفض الأخرى.
[80] سيأتي وجهه.
[81] بمعنى أنه يرفع الحكم الأولي.
[82] لكن فرقه عن التسعة أنها حاكمة على عناوين الأدلة الأولية مطلقاً، أما هذا فحاكم أو وارد على العناوين القصدية (الحيادية) فقط وأما غيرها ففي الجملة.
[83] والمراد بالقصد ما هو زائد على الالتفات كما سبق.
[84] تهذيب الأحكام1: 83 ، ح67.
[85] مثل: الشيخ لطف الله الصافي في بيان الأصول2: 219، وفيه: فالخبر المعروف المروي عن النبي ـ إنما الأعمال بالنيات ـ من الأخبار التي ذكر كثير من علمائهم في كتبهم تواتره،  بل ربما كان في نظرهم بحيث لم يكن في جهة التواتر خبر أقوى منه، بل ربما لا يعرفون خبراً متواتراً غيره، إلا أننا بعد التتبع التام وجدنا انتهاء سند هذا الخبر إلى شخص واحد وهو عمر بن الخطاب.
وقال الشهيد الثاني في الرعاية في علم الدراية: 107:  «وحديث ــ إنما الأعمال بالنيات ــ من هذا الباب فإنه غريب في طرفه الأول؛ لأنه مما تفرد به من الصحابة عمر».

[86] جواهر الكلام2: 77.
[87] سيأتي بيان مورد الورود والحكومة.
[88] سورة المائدة: آية 1.
[89] محكوم في موضوعه فإنه بلا نية لا عقد فلا يشمله (أوفوا).
[90] أي: قصد التعاون على الإثم.
[91] وإن لم يؤطر كلامه بما ذكرناه من الإطار الثلاثي العام.
[92] أي: الخاص.
[93] جواهر الكلام 10: 78.
[94] ففي القسم الأول كان للقصد مدخلية موضوعاً ومفهوماً ـ على مبنيي الورود والتخصص ـ أو حكما فقط، وأما على الرأي التنزلي فإن القصد يؤثر وله مدخلية حكماً لا وضوعاً.
[95] أي: رواية (إنما الأعمال بالنيات) ونظائرها.
[96] وسنوضح ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.
[97] وهذا البحث في حد ذاته له موضوعية وينبغي أن يعقد له شطر وافر من الحديث.
[98] وسنذكر مثالاً على ذلك؛ لأنه قد يرد أن العمل هو فعل خارجي معلول لأسبابه، فسواء نوى الفرد أم لا، فإنه يقع عند حصول أسبابه وإلا فلا.
[99] والرواية تشمل المعاني الأربعة كما سنوضحه لاحقاً، وليست هي بنحو القضية المنفصلة، كما ذهب إليه صاحب (العناوين).
وفي كتاب العناوين ـ للمحقق مير فتاح الحسيني المراغي وهو كتاب قيم جداًـ يوجد بحث حول النية في المجلد الأول والثاني وهو بحث ثر ومفيد ومتنوع, ويدل على تبحر هذا العَلَم, وهذا الكتاب يعتبر من أهم المصادر في مبحث النية والقصد لمن يريد أن يرجع إليه في التأليف أو التحقيق.

[100] انظر: جواهر الكلام13: 232، حيث قال: «نعم يتجه الحكم بفساد الصلاة مع عدم نية الجماعة فيما لو كانت صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالفريضة المعادة إدراك الجماعة بناءً على توقف صحة إعادتها على الجماعة، كما هو ظاهر الأصحاب، فلو لم ينوِ حينئذٍ الجماعة بطلت الصلاة؛ لعدم إمكان صيرورتها فرادى ابتداءً، ولو كانت الجماعة واجبة بالأصل كالجمعة أو بالعارض وجبت حينئذٍ نيتها شرعاً زيادة على الوجوب الشرطي، واجتماع عدم الوجوب في مثل الجمعة لعدم انعقادها إلا جماعة، فيستغني بنية الجمعة حينئذٍ عن الجماعة لا يخلو من وجه...».
[101] أي: نية الجماعة.
[102] المراد به الحكم الوضعي، فنية الجماعة شرط الصحة فيها.
[103] جواهر الكلام 13: 232.
[104] وهذه عبارة الشرائع.
[105] جواهر الكلام 13: 231.
[106] جواهر الكلام13: 231.
[107] وهو المنصور.
[108] جواهر الكلام13: 231.
[109] سورة البقرة: 275.
[110]  سورة المائدة: 1.
[111] سورة البقرة: 188.
[112] بأن لم ينوِ التعاون أصلاً، أو نواه لكن لم ينوِ متعلَّقه الخاص، أي: نوى التعاون على البر مما كان ذا وجهين: براً و إثماً.
[113] من المعاني المحتملة في (إنما الأعمال بالنيات)، وقد تقدم معنيان، فراجع.
[114] انظر: فلاح السائل: 22: أروي بحذف الاسناد عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيد الأنبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى أبنائها الأوصياء أنها سألت أباها محمداً ’فقالت: «يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة، من تهاون بصلاته من الرجال و النساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدنيا وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره، فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا فالأولى يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عز و جل سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين، وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولهن أنه يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه، وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولهن يوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره، وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولهن أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه، والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسب حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم».
[115] دعائم الإسلام1: 148.
[116] من المعاني المحتملة في رواية: (إنما الأعمال بالنيات).
[117] انظر: الحدائق الناضرة2: 184 حيث قال: «وبالجملة فحيث كانت المسألة خالية من النص فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط، وخبر: إنما الأعمال بالنيات، ولا عمل إلا بنية، مع تسليم حمل النية فيه على المعنى الشرعي... فيه كما ترى من الإجمال والاحتمال ما يخرج به عن حيز الاستدلال<.
[118] ولكن هناك فرق بين رواية (إنما الأعمال بالنيات) ورواية (لا عمل إلا بنية) فإنه لا ينبغي أن نسوق كلتا الروايتين بعصا واحدة، فإن الذي نستظهره أن رواية (إنما الأعمال بالنيات) هي شاملة لكل المعاني المذكورة، ولا إشكال في الشمول، وإما رواية (لا عمل إلا بنية) فإنه لدينا هنا نكرة في سياق النفي وهذا يفيد العموم، كالنكرة في سياق النهي لكن (لا) عندما تدخل على الجنس فإن الأصل فيها أن تنفي الماهية، على ما ذهب اليه صاحب (العناوين).
انظر: العناوين الفقهية2: 50 ـ 51.وتوضيحاً منا لكلامه: فإنه عندما نقول (لا رجل في الدار) فإنه يفيد نفي وجود أي فرد من جنس الرجال في الدار، وهو الأصل لا الاحتمال الثاني، وهو نفي الكمال، أي: لا رجل كامل في الدار، وفي (لا عمل إلا بنية) وإن قلنا الأصل ذلك على نقاش فيه لكن في الرواية الأخرى وهي (إنما الأعمال بالنيات) فالأمر ليس كذلك، فتأمل.

[119] فقه الرشوة : ص 265.
[120] أيهما المصبّ، أو الداعي، أو التشريك.
[121] والمسألة المطروحة عادة هي ما لو نوى القطع أو القاطع في أثناء العمل, ولكن كلامنا ومثالنا فيما لو كان ذلك قبل البدء بالعمل.
[122] راجع: العروة الوثقى2: 460.
[123] سورة المائدة: 2.
[124] وهو السيد الخوئي، كما في مصباح الأصول1: 607.
[125] البقرة: 97، الرفث: هو الجماع، والفسوق: هو السباب. والكذب، وقيل مطلق المعصية، والجدال: هو أن يقول: لا والله و بلى والله وما أشبه.
[126] سنن الدارمي2: 248، كنز العمال4: 60، كشف الخفاء2: 267.
وقد ورد في مستدرك الوسائل13: 201: قال النبي |: ليس منا من غش مسلماً، أو ضره، أو ماكره.

[127] أي: عن العبادة بلا نية، فتكون خاصة بالعبادات.
[128] دعائم الإسلام  1: 148.
[129] انظر: مستدرك الوسائل13: 339، وفيه: (وليس بين الوالد وولده ربا).
[130] انظر: مستدرك الوسائل9: 128، ح1، وفيه: عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا غيبة لثلاثة: سلطان جائر، وفاسق معلن، وصاحب بدعة. وفي عوالي اللئالئ1: 438: (لا غيبة لفاسق) أو (في فاسق).
[131] وهو ـ في المقام ـ حرمة الرشوة على إحقاق الحق، أو حرمة التعاون على الرشوة التي كانت لإحقاق الحق، أو نفس عنوان الرشوة وعنوان التعاون، صدقاً، فتدبر.
[132] دعائم الإسلام2: 193، مستدرك الوسائل14: 155.
[133] وسائل الشيعة27: 52، ح37.
[134] المؤمنون: 78.
[135] انظر: الكافي6: 62، وفيه: عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق) . وكذلك عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن اليسع، عن أبي عبد الله عليه السلام ، وعن عبد الواحد بن المختار ، عن أبي جعفرعليه السلام:  أنهما قالا: لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق.
[136] الوسائل1: 315، ح 1 .
[137] أي: (لا عمل إلا بينة) و (إنما الأعمال بالنيات).
[138] العناوين الفقهية2: 50.
[139] وهذا هو البحث الذي سبق الوعد بتحقيقه من كون دليل (لا عمل إلا بنية) إما حاكماً أو وارداً.
[140] دخول موضوعي.
[141] خروج موضوعي.
[142] وسوف تأتي الإشارة لها لاحقاً.
[143] من صور بذل المال للقاضي ليحكم بحق، وقد تقدمت صورتان، فراجع.
[144] والفرق بين التخصيص والناظرية: أن الدليل المخصِص ليس بناظر للمخصَص ولا بشارح له، ولذا لو كانت النسبة بينهما من وجه فلا يقدم الأول على الثاني, وأما في الحكومة فلعلة الناظرية والشارحية، فإن النسبة وإن كانت من وجه فإنه يقدم الحاكم على المحكوم.
[145] أو الأمر عائد للمزاحم الأهم ولا ربط للنية به.
[146] التأمل في أمثلة الصورتين الثالثة والرابعة، ومدى اندراج كل منها في الصورة التي أُدرجت تحتها أو كونها أجنبية بالمرة، أو حسب المباني والاستظهار، فتدبر.
[147] وهو كلام مفيد وعملي في الوقت نفسه. انظر: العناوين الفقهية1: 566 ـ 567.
[148] ولذا قد لا يتطابق ما نذكره ههنا مع ما ذكره تمام الانطباق؛ إذ لم يكن يهمنا نقل نفس كلامه، بل ما هو الأصح بنظرنا لكن على ضوء كلامه في الجملة.
[149] كان محور كلامنا هو النية والكلام الآن هو نوع من التطوير للصور بإضافة ظهور العمل.
[150] المقصود من ظهور النية أحد أمرين: إما ثبوتاً بأن يراد بها تلوِّن العمل وتفصّله واقعاً، وإما إثباتاً فيما لو قامت عليه أمارة وانكشفت للناس، فتدبر.
[151] كما في بعض الأعراف والبلدان كما حصل في وقت شاه إيران المقبور.
[152] لكن ذكرها في ضمن إطارين: القصد والنية، وقرب العمل من الإعانة، وتمحضه لذلك بحيث يعد إعانة وإن لم يكن قاصداً. انظر: العناوين الفقهية1: 566 ـ 567.
[153] وهو مثال فقهي لطيف لم نجد مَنْ ذكره غيره. انظر: العناوين الفقهية1: 566، وفيه: ( فمن بنى لنفسه دكاناً بعنوان أنه لو احتاج إلى ذلك الخمارون يؤجره إياهم، حتى لا يكون سبباً لتعطيل شغلهم، كان أصل بنائه إعانة للإثم، وإن كان لا ينتهي إلى المعصية إلا بوسائط ).
[154] أي: أقوى في التلوين والتأثير في اعتبار متعلق النية عند العرف والعقلاء، من أي قبيلٍ ووادٍ.
[155] نعم، لو ارتأى فقيه تَصرُّف النية في موضوع الرشوة في بعض الأمثلة السابقة، فإنها ستصلح مثالاً للورود، فتأمل، إذ يبقى احتمال الحكومة في دائرة الموضوع بالتضييق، فيكون وزان (لا عمل إلا بنية) في تطبيقها على المقام وزان لا (ربا بين الوالد وولده) فتأمل.
[156] وفي الصورة الثالثة كان المثال لو دفع المال غافلاً عن كون الارتشاء محرماً، وكذا لو بذل بقصد الردع اللاحق، وفي الصورة الرابعة كان المثال: لو بذل المال ملتفتاً، ولكن كانت حاجته واستنقاذ حقه أهم.
[157] فإن معنى الورود هو: أن الدليل الوارد يزيل موضوع الدليل المورود عليه حقيقة، وإن كان بعناية التعبد، ودليل النية هنا لم يتصرف هذا التصرف، فإن المورد هو رشوة موضوعاً وعرفاً، ولا يظهر من (لا عمل إلا بنية) تنزيل الشارع لها منزلة العدم، وإنما كان تصرف دليل النية في الحكم فقط، فيكون دليل النية حاكماً على (أدلة الرشوة) وعلى (أدلة لا تعاونوا) وإنما لا يكون تخصيصاً فلما سبق أن ذكرنا من أننا لو ضممنا أحد الدليلين إلى الآخر، وكان أحدهما شارحاً ومفسراً وناظراً للآخر، فإن المورد مورد حكومة، ولسان (لا عمل إلا بنية) لسان الشرح، وهو ناظر إلى أدلة الأعمال (أدلة كل عمل عمل) فتدبر.
[158] وقد يكون داخلاً في عنوان الأجرة، وذلك حسب توفر شروطها وعدمه.
[159] ولعل السبب مجموع النية وظهور الحال (لكون المعطي بيت المال).
[160] المائدة: 2.
[161] البقرة: 188.
[162] فهو من الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المذكورة آنفاً.
[163] حول بذل كليهما هناك تفصيل يأتي في آخر الكتاب بإذن الله.
[164] وأما لو لم يتوقف، بل كانت هناك بدائل أخرى، ففيه خلاف.
[165] إذ لو كان الباذل ملتفتاً إلى حرمة ارتشاء القاضي فهنا يأتي الكلام في كونه تعاوناً على الإثم مثلاً.
[166] أي: أدلة حرمة الرشوة.
[167] إذ ظاهره إناطة الحرمة بالنية ـ أي: لا عمل حراماً إلا بنية ـ في صغرى المقام.
[168] وسنقيم على ذلك أربعة أدلة نردّ منها اثنين.
[169] وبتعبير آخر، فإن صاحب العناوين يقول لا يوجد عمل إلا بنية، ونحن نقول: لا يوجد ولا يتعنون ولا يصح ولا يقبل ولا يكمل عمل إلا بنية، وكذلك لا يثاب على عمل إلا بنية، وهذه الستة على سبيل البدل.
[170] وهذه الأجوبة ستنفع في بحوث أخرى؛ لأن بحثنا هو بحث سيال، وفائدته الإضافية تكمن في ذلك.
[171] ومنها القيد ومنها خصوص نوع المتعلَّق.
[172] أي: كونها مقدمّة فإن المقدمة تتلون عقلائياً بلون ذيها.
[173] هذا بناء على الأعمي، وإلا فعلى الصحيحي يكون المعنى: لا صلاة موجودة إلا بنية، وذلك بضم مقدمتين خارجيتين، هما: دليل الصحيحية ودليل اشتراط النية وإطلاقه.
[174] سنناقش في هذا الوجه والذي بعده لاحقاً وسيظهر عدم تماميتهما.
[175] ويمكن اعتبار هذا وجهين: بالقول إنها تفيد العموم للأصناف (وهي الدوائر الست) أو للأفراد مع قطع النظر عن التصنيفات.
[176] وهي بعكس مادة إنشاء أو المقدمة أو الطلاق أو التعاون فإنها مواد خاصة.
[177] ولو التفتنا إلى وجه المناقشة في هذا الوجه يتجلى به وجه مناقشة الوجه الأول ورده.
[178] أو لا صحة للعمل.
[179] وهذا هو الوجه المنصور ويحتاج إلى بعض الدقة فتدبر. وهنا لا يخفى أن جرينا في هذا البحث ونقاشنا هو نقاش بنائي لا مبنائي؛ إذ قبلنا أن الأصل في (لا) هو نفي الجنس عند ورودها على النكرة، ولكن قد يرفض هذا المبنى ويقال: إن الأصل في ذلك هو النفي المطلق الأعم من نفي الجنس والصحة والكمال في كل ما أمكن فيه ذلك، استناداً إلى الفهم العرفي، فتأمل.
[180] أي: لا يفيد لا رجل كاملاً في الدار، وإن كان الرجل موجوداً فينفي الكمال دون الأصل.
[181] فقه الرشوة : ص 298.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 5 ربيع الثاني 1440هـ  ||  القرّاء : 7200



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net