259- العناوين ثلاثة اقسام : واقعية ، قصدية ، واعتبارية والنسبة بينها واحكامها
الثلاثاء 5 جمادي الاول 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(259)
العناوين الحقيقية والقصدية والاعتبارية
وتحقيق الكلام في ذلك هو ان العناوين ثلاثة أقسام: حقيقية وقصدية واعتبارية.
اما الحقيقية: فهي ما مضى كما مضى.
واما القصدية: فهي التي تدور مدار القصد، كعلة تامة أو كجزء للعلة.
واما الاعتبارية: فهي التي تدور مدار الاعتبار، كعِلّة تامة أو كجزء العِلّة كذلك.
والنسبة بين الأخيرين هي من وجه: فقد تكون بعض العناوين قصدية – اعتبارية، وقد تكون اعتبارية غير منوطة بالقصد وقد تكون بالعكس قصدية غير منوطة بالاعتبار، ويكفي في الأخيرين الانفكاك من أحد الطرفين في الجملة ولو في بعض الصور كما هو الشأن في ما كانت نسبتهما من وجه.
وبذلك وبما سيأتي يتضح ان الخلط بين الأخيرين، كما نراه في كلمات بعض الأعلام([1])، ليس على ما ينبغي بل القصدية أمر والاعتبارية أمر آخر.
والعناوين القصدية: ما أُرتُهِن العنوانُ في تحققه بالقصد بان يدور مداره وجوداً([2]) أو وجوداً وعدماً([3]) وذلك ككافة الانشائيات فان الطلاق مثلاً عنوان قصدي لا يقع إلا بالقصد وكذا العتق ومختلف العقود أيضاً من بيع وصلح وهبة وغير ذلك.
العناوين الاعتبارية:
والعناوين الاعتبارية: ما انيط العنوان باعتبار المعتبر أو المعتبرين (وجوداً، أو وجوداً وعدماً) وعليه: فقد يكون منوطاً بالقصد أيضاً([4]) بمعنى لزوم اجتماعهما ليصدق العنوان وقد لا يكون، وقد يمثل لذلك بأمثلة:
تكثير السواد
منها: تكثير السواد: فانه عنوان ينطبق على من شارك في جيش يزيد أو اي جيش آخر وإن لم يكن بقصد تكثير السواد ولا كان بقصد حرب الإمام عليه السلام بل كان بقصد جمع المال مثلاً، فهو اعتباري غير مرتهن بالقصد.
نعم لو قصد أمراً مضاداً لغايةٍ محمودةٍ (كأن قصد بدخوله في جيش العدو كشف خططه أو الإغارة عليه من داخله دفعةً واحدة أو شبه ذلك) فقد يقال بانه لا يصدق عليه تكثير السواد اما اقتضاءً واما لاقوائية ظهور القصد في العنونة من ظهور التواجد الجسماني في الجيش، فتأمل
التعظيم
ومنها: التعظيم، فان القيام للقادم تعظيم عرفاً، وكونه تعظيماً مرتهن بالاعتبار فلو كانوا يعتبرونه إهانة لم يكن تعظيماً وإن قصده؛ ألا ترى: ان تقبيل الأنف في بعض الأعراف، كالصين والخليج، تعظيم واحترام وفي بعض البلاد كإيران ليس كذلك بل هو أمر مضحك أو مخجل فلا يكون تعظيماً وإن قصده، فالأمر دائر مدار العرف لا القصد، وكذا لو حك رأسه مثلاً قاصداً به تعظيم الغير فانه لا ينطبق عليه عنوان التعظيم مادام ليس الاعتبار عليه، نعم لو كان في عرفٍ تعظيماً فقصد غيره كما لو قام عند مجيء الضيف المحترم، لا لأجله بل ليخرج من المنزل أو قام ليضربه فلو اطلع عليه الناس لما كان تعظيماً وإلا حكموا به على ظاهره.
والحاصل: انه قد يحتاج إلى اعتبارٍ وقصدٍ وقد يكفي أحدها. فتأمل
الشعائر الدينية والحسينية
ومنها: الشعيرة الدينية أو الحسينية فانها عرفية وليست مرتهنة بالقصد، فلو كان الركض في عزاء طوريج مثلاً شعيرة (أي مشعرة بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته) عرفاً صدق عليه (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)([5]) بل قد يقال انه حتى لو لم يقصد إحياء الشعيرة فشارك في العزاء كان شعيرة فعلى هذا فهي عرفية اعتبارية لا قصدية وإلا كانت اعتبارية – قصدية. فتأمل.
والأمر في القصد على العكس فلو قصد بتحريك يده إلى أعلى كونها شعيرة للإمام الحسين عليه السلام لم يكن شعيرة مادام العرف لا يراها شعيرة أي إذا لم يصدق في العرف العام أو الخاص انها شعيرة.
النسبة بين العناوين القصدية والاعتبارية
ومما مضى ظهر وجه كون النسبة بين العناوين الاعتبارية والقصدية، هي من وجه فـ:
القصدية - الاعتبارية
أ- القصدية – الاعتبارية: كالبيع وسائر العقود وكالطلاق وسائر الإيقاعات فانها قصدية لا تقع إلا بالقصد إذ الإنشاء لا يكون إلا بقصد والعقود تتبع القصود في أصلها (أي أصل تحققها يكون بالقصد) وفي خصوصياتها (ككونها من هذا النوع أو ذاك) كما لا تتحقق إلا بالاعتبار الشرعي أو العقلائي فلو طلّق قاصداً الطلاق لم يقع إلا باعتبار من الشارع (بتحقق شروطه التي اشترطها فيه) أو باعتبار من القانون أو العرف فيمن لا يدين بالشرع، فانهم يشترطون في تحققه، كغيره، شروطاً ولا يرونه متحققاً من دونها.
الاعتبارية غير القصدية
ب- الاعتباري غير القصدي: كالتعظيم في بعض صوره فمثلاً: في بعض الأعراف يعد رفع القبّعة تعظيماً وفي الجيش كذلك، فلو رفع العَالِم عمامته عن رأسه بقصد تعظيم الأعلم منه، لم يعد تعظيماً عرفاً وإن قصده، بل لعله يعد إهانةً أو يعدونه نوع سفهٍ، ولو رفع قبّعته غير قاصد التعظيم بل لأجل حك رأسه مثلاً فإن لم يطلع عليه العرف عدوه تعظيماً وإلا فلا.
القصدية غير الاعتبارية
ج- القصدي غير الاعتباري: وذلك كمن باع مال اليتيم لأجل إنفاقه عليه فانه ينطبق عليه عنوان صون حق اليتيم وإكرامه كما يُعَنون بعنوان الاهتمام به، ولو باعه لأجل ان يحوّله إلى نقد فتسهل عليه سرقته فانه ينطبق عليه عنوان تضييع مال اليتيم والتفريط بحقه ويُعَنوان بعنوان المعتدي بدل المهتمّ بشأنه فذلك تابع للقصد إذاً، ولا يغير اعتبار العرف ممن لم يطلع على قصده، من عنوانه شيئاً، فلو عد العرف بيعه مال اليتيم اهتماماً وإكراماً وكان قصده السرقة كان تضييعاً واعتداءً، بل لو اطلعوا على قصده فعدوه رغم سوء نيته اهتماماً وإكراماً لم ينقلب عما هو عليه حسب قصده. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاه، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ)) الأمالي (للصدوق): ص39.
----------------------------------------------
([1]) وسيأتي نقل كلام الميرزا التبريزي قدس سره.
([2]) هذا إذا كان عِلّة ناقصة.
([3]) هذا إذا كان عِلّة تامة.
([4]) فدار مداره وجوداً لا وجوداً وعدماً.
([5]) سورة الحج: آية 32.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(259)
العناوين الحقيقية والقصدية والاعتبارية
وتحقيق الكلام في ذلك هو ان العناوين ثلاثة أقسام: حقيقية وقصدية واعتبارية.
اما الحقيقية: فهي ما مضى كما مضى.
واما القصدية: فهي التي تدور مدار القصد، كعلة تامة أو كجزء للعلة.
واما الاعتبارية: فهي التي تدور مدار الاعتبار، كعِلّة تامة أو كجزء العِلّة كذلك.
والنسبة بين الأخيرين هي من وجه: فقد تكون بعض العناوين قصدية – اعتبارية، وقد تكون اعتبارية غير منوطة بالقصد وقد تكون بالعكس قصدية غير منوطة بالاعتبار، ويكفي في الأخيرين الانفكاك من أحد الطرفين في الجملة ولو في بعض الصور كما هو الشأن في ما كانت نسبتهما من وجه.
وبذلك وبما سيأتي يتضح ان الخلط بين الأخيرين، كما نراه في كلمات بعض الأعلام([1])، ليس على ما ينبغي بل القصدية أمر والاعتبارية أمر آخر.
والعناوين القصدية: ما أُرتُهِن العنوانُ في تحققه بالقصد بان يدور مداره وجوداً([2]) أو وجوداً وعدماً([3]) وذلك ككافة الانشائيات فان الطلاق مثلاً عنوان قصدي لا يقع إلا بالقصد وكذا العتق ومختلف العقود أيضاً من بيع وصلح وهبة وغير ذلك.
والعناوين الاعتبارية: ما انيط العنوان باعتبار المعتبر أو المعتبرين (وجوداً، أو وجوداً وعدماً) وعليه: فقد يكون منوطاً بالقصد أيضاً([4]) بمعنى لزوم اجتماعهما ليصدق العنوان وقد لا يكون، وقد يمثل لذلك بأمثلة:
تكثير السواد
منها: تكثير السواد: فانه عنوان ينطبق على من شارك في جيش يزيد أو اي جيش آخر وإن لم يكن بقصد تكثير السواد ولا كان بقصد حرب الإمام عليه السلام بل كان بقصد جمع المال مثلاً، فهو اعتباري غير مرتهن بالقصد.
نعم لو قصد أمراً مضاداً لغايةٍ محمودةٍ (كأن قصد بدخوله في جيش العدو كشف خططه أو الإغارة عليه من داخله دفعةً واحدة أو شبه ذلك) فقد يقال بانه لا يصدق عليه تكثير السواد اما اقتضاءً واما لاقوائية ظهور القصد في العنونة من ظهور التواجد الجسماني في الجيش، فتأمل
التعظيم
ومنها: التعظيم، فان القيام للقادم تعظيم عرفاً، وكونه تعظيماً مرتهن بالاعتبار فلو كانوا يعتبرونه إهانة لم يكن تعظيماً وإن قصده؛ ألا ترى: ان تقبيل الأنف في بعض الأعراف، كالصين والخليج، تعظيم واحترام وفي بعض البلاد كإيران ليس كذلك بل هو أمر مضحك أو مخجل فلا يكون تعظيماً وإن قصده، فالأمر دائر مدار العرف لا القصد، وكذا لو حك رأسه مثلاً قاصداً به تعظيم الغير فانه لا ينطبق عليه عنوان التعظيم مادام ليس الاعتبار عليه، نعم لو كان في عرفٍ تعظيماً فقصد غيره كما لو قام عند مجيء الضيف المحترم، لا لأجله بل ليخرج من المنزل أو قام ليضربه فلو اطلع عليه الناس لما كان تعظيماً وإلا حكموا به على ظاهره.
والحاصل: انه قد يحتاج إلى اعتبارٍ وقصدٍ وقد يكفي أحدها. فتأمل
ومنها: الشعيرة الدينية أو الحسينية فانها عرفية وليست مرتهنة بالقصد، فلو كان الركض في عزاء طوريج مثلاً شعيرة (أي مشعرة بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته) عرفاً صدق عليه (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)([5]) بل قد يقال انه حتى لو لم يقصد إحياء الشعيرة فشارك في العزاء كان شعيرة فعلى هذا فهي عرفية اعتبارية لا قصدية وإلا كانت اعتبارية – قصدية. فتأمل.
والأمر في القصد على العكس فلو قصد بتحريك يده إلى أعلى كونها شعيرة للإمام الحسين عليه السلام لم يكن شعيرة مادام العرف لا يراها شعيرة أي إذا لم يصدق في العرف العام أو الخاص انها شعيرة.
ومما مضى ظهر وجه كون النسبة بين العناوين الاعتبارية والقصدية، هي من وجه فـ:
أ- القصدية – الاعتبارية: كالبيع وسائر العقود وكالطلاق وسائر الإيقاعات فانها قصدية لا تقع إلا بالقصد إذ الإنشاء لا يكون إلا بقصد والعقود تتبع القصود في أصلها (أي أصل تحققها يكون بالقصد) وفي خصوصياتها (ككونها من هذا النوع أو ذاك) كما لا تتحقق إلا بالاعتبار الشرعي أو العقلائي فلو طلّق قاصداً الطلاق لم يقع إلا باعتبار من الشارع (بتحقق شروطه التي اشترطها فيه) أو باعتبار من القانون أو العرف فيمن لا يدين بالشرع، فانهم يشترطون في تحققه، كغيره، شروطاً ولا يرونه متحققاً من دونها.
ب- الاعتباري غير القصدي: كالتعظيم في بعض صوره فمثلاً: في بعض الأعراف يعد رفع القبّعة تعظيماً وفي الجيش كذلك، فلو رفع العَالِم عمامته عن رأسه بقصد تعظيم الأعلم منه، لم يعد تعظيماً عرفاً وإن قصده، بل لعله يعد إهانةً أو يعدونه نوع سفهٍ، ولو رفع قبّعته غير قاصد التعظيم بل لأجل حك رأسه مثلاً فإن لم يطلع عليه العرف عدوه تعظيماً وإلا فلا.
ج- القصدي غير الاعتباري: وذلك كمن باع مال اليتيم لأجل إنفاقه عليه فانه ينطبق عليه عنوان صون حق اليتيم وإكرامه كما يُعَنون بعنوان الاهتمام به، ولو باعه لأجل ان يحوّله إلى نقد فتسهل عليه سرقته فانه ينطبق عليه عنوان تضييع مال اليتيم والتفريط بحقه ويُعَنوان بعنوان المعتدي بدل المهتمّ بشأنه فذلك تابع للقصد إذاً، ولا يغير اعتبار العرف ممن لم يطلع على قصده، من عنوانه شيئاً، فلو عد العرف بيعه مال اليتيم اهتماماً وإكراماً وكان قصده السرقة كان تضييعاً واعتداءً، بل لو اطلعوا على قصده فعدوه رغم سوء نيته اهتماماً وإكراماً لم ينقلب عما هو عليه حسب قصده. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاه، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ)) الأمالي (للصدوق): ص39.
----------------------------------------------
([1]) وسيأتي نقل كلام الميرزا التبريزي قدس سره.
([2]) هذا إذا كان عِلّة ناقصة.
([3]) هذا إذا كان عِلّة تامة.
([4]) فدار مداره وجوداً لا وجوداً وعدماً.
([5]) سورة الحج: آية 32.