230- تعريف الاخوند لمرتبة الانشاء والفعليه وتعريفنا مراتب الحكم واقسامها : الاقتضاء ثبوتاً واثباتاً
السبت 13 ربيع الاول 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(230)
تفسيرنا لمرتبتي الإنشاء والفعلية
سبق تفسيرنا لمرتبة الإنشاء بـ(المرتبة الثانية: مرتبة الإنشاء، كقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([1]) سواء أكان إنشاء أو إخباراً عن إنشاء سابق، و(فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِما([2]) و(من اتلف مال الغير فهو له ضامن)([3]) وغيرها. وذلك قبل وصولها النوعي عبر الكتاب والسنة، أي في مرحلة إنشائها الثبوتي في القرآن الذي نزل جملة على قلب الرسول صلى الله عليه واله وسلم أو الذي هو في اللوح المحفوظ، ومطلق زمن تدّرج نزول الأحكام قبل إبلاغها النوعي)([4]) ولمرتبة الفعلية بـ(المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلية، وذلك بوصولها النوعي في الكتاب أو السنة، وإن لم تصل شخصاً، فإنها إذا أُبلغت نوعياً ولم تصل شخصياً ترتبت عليها آثار معينة كاشتغال الذّمة بالدّين أو القضاء، وإن لم يستحق العقوبة بالمخالفة إذا لم يعلم به شخصياً قصوراً)([5]).
تفسير الآخوند للمرتبتين
كما سبق تفسير الآخوند لهما بـ(وأما تفسير الآخوند فهو: ان مرتبة الإنشاء هي: إنشاء الحكم على طبق ما تقتضيه المرتبة الأولى من دون داع الانبعاث أو الانزجار، ومرتبة الفعلية هي: إنشاؤه بداعي الانبعاث والانزجار، ولعله يأتي مزيد توضيح)
وتوضيحه: إن الإنشاء – السابق على الفعلية - حسب مسلك الآخوند هو مجرد إنشاء قانوني وليس بعثاً فعلياً وليس إنشاؤه بداعي ان ينبعث المكلف في الأمر أو ينزجر في النهي، فهو – حسب تعبير السيد البروجردي – كجسد بلا روح.
إن قلت فما الحكمة من إنشائه؟
قلت: له حِكَم متعددة، منها: عدم الحاجة إلى إنشائه حين حلول وقته أي الوقت الذي يراد بعث المكلف إليه ويراد انبعاثه نحوه بل قد لا يكون إنشاؤه حينذاك مقدوراً (في الموالي العرفية لموته) أو عجزه أو غيابه أو شبه ذلك.
وجه اتفاق التفسيرين واختلافهما
وهذا التفسير الآخوندي للإنشاء يتطابق مع تفسيرنا له بمرحلة ما قبل الوصول النوعي إلا انه حدده ذاتاً وحددناه بالقياس إلى لاحقه وحسب درجته في سُلّم مراتب الحكم.
وهذا الإنشاء: يتصور في موارد:
منها ما سبق من (وذلك قبل وصولها النوعي عبر الكتاب والسنة، أي في مرحلة إنشائها الثبوتي في القرآن الذي نزل جملة على قلب الرسول صلى الله عليه واله وسلم أو الذي هو في اللوح المحفوظ، ومطلق زمن تدّرج نزول الأحكام قبل إبلاغها النوعي).
ومنها: الواجب المعلق لدى صاحب الفصول وهو نفس الواجب المشروط لدى المشهور وهو ما علق فيه الوجوب على شرط غير مقدور (كالصلاة المعلّق وجوبها على الزوال، والزوال أمر غير اختياري لنا، بل، وحسب الآخوند، مطلق ما علق فيه الوجوب على شرط متأخر وإن كان مقدوراً لكنه بواسطة مقدمة أو مقدمات، فانه إذا قال: (صلِّ عند الزوال) فالوجوب استقبالي كالواجب، عكس الحج بعد الاستطاعة وقبل حلول وقته فان الواجب استقبالي والوجوب حالي، فوجوب الصلاة وإيجابها إنما هو إيجاب قانوني لا بداعي الانبعاث الآن.
واما الفعلية لدى الآخوند فهي: ما لو كان الإنشاء بداعي الانبعاث والانزجار، وذلك يتحقق بما لو انشأ مع حصول قيد الوجوب، أو انشأ سابقاً فحصل شرط الوجوب فان ذلك الإنشاء الذي له وجود اعتباري محفوظ في عالمه وهو قائم بنفس المتكلم أو العقلاء أو اللوح المحفوظ أو غير ذلك، يصل حينئذٍ إلى مرتبة الفعلية أي إلى مرتبة الباعثية الفعلية ويكون لأجل إيجاد داعي الانبعاث والانزجار في المكلف.
ولا تنطبق هذه المرتبة على ما ذكرناه من الوصول النوعي إذ قد يصل نوعاً ولكن الشرط (كالزوال) غير متحقق فهو فعلي لدينا غير فعلي لديه، وقد لا يصل نوعاً ولكن شرطه الثبوتي متحقق فهو فعلي لديه دوننا، فتأمل.
أنواع وصور تعدد مراتب الحكم الأربع:
ثم ان الصور الممكنة إضافة للإنشاء بعد الإنشاء والحِلّية الثبوتية والإثباتية الآنفين، كثيرة جداً، نقتصر ههنا على ثمانية منها متضمنة ما مضى، وذلك لأن كل واحد من مراتب الحكم الأربع قد يكون ثبوتياً وقد يكون إثباتياً ثم ان كل واحد منها قد يكرر بنفسه ويتعدد وقد يكرر مع لاحقه أو سابقه، فالصور كثيرة جداً، إلا اننا نقتصر على بعض رؤوسها وهي:
تعدد الاقتضاء الثبوتي
الصورة الأولى: تعدد الاقتضاء الثبوتي، وذلك بأن يكون في المتعلَّق مقتضِيان تامّا الاقتضاء لإيجابه أو تحريمه، كوجود مصلحتين ملزمتين من سنخ واحد أو سنخين، بحيث لو انفرد كل منها لكفى لإيجاب حاملها، وهنا يجري البحث السابق عن ان ذلك هل يكون من تداخل الأسباب بان تقتضي المصلحتان معاً إيجاباً ووجوباً كان كل منهما لو انفرد لاقتضاه وكان سبباً له؟ أو لا بل يكون تكرر المقتضي وتعدده سبباً لإيجابٍ آكد، مما مآله إلى اشدية الطلب النفسي فاشدية البعث القائم بالأمر فاشدية العقوبة بالمخالفة، وذلك تبعاً لاشدية المراحل السابقة على الأمر والطلب وهي: أشدية الملاك (أو تعدده) الموجب لاشدية الحب فالشوق إلى المتعلق حامل المصلحة ثم أشدية الطلب وهكذا..
وذلك هو الذي تفسر به الكبائر فانها اما حامله لمفسدتين ملزمتين أو أكثر، أو هي حامله لمفسدة أشد من الصغائر، فكان ذلك موجباً لاشدية مبغوضيها فأشدية الزجر عنها فأشدية العقوبة بارتكابها، كما تفسر به ركنية مثل الركوع دون القراءة إذ بلغت شدة مطلوبية الركن والبعث نحوه كجزء من الصلاة بحيث يعد فاقده باطلاً محضاً.
ووِزان ذلك كله من عالم التشريع كوزانه من عالم التكوين كما سبق في عنوان تعدد الأسباب والمسببات، فراجع.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إنما يدرك الخير كله بالعقل. ولا دين لمن لا عقل لهR تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ص54.
([1]) سورة المائدة: آية 55.
([2]) الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ط الإسلامية، ج1، ص23.
([3]) محمد علي التوحيدي، مصباح الفقاهة، ج7 ص503.
([4]) راجع الدرس (229).
([5]) راجع الدرس (229).
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(230)
تفسيرنا لمرتبتي الإنشاء والفعلية
سبق تفسيرنا لمرتبة الإنشاء بـ(المرتبة الثانية: مرتبة الإنشاء، كقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([1]) سواء أكان إنشاء أو إخباراً عن إنشاء سابق، و(فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِما([2]) و(من اتلف مال الغير فهو له ضامن)([3]) وغيرها. وذلك قبل وصولها النوعي عبر الكتاب والسنة، أي في مرحلة إنشائها الثبوتي في القرآن الذي نزل جملة على قلب الرسول صلى الله عليه واله وسلم أو الذي هو في اللوح المحفوظ، ومطلق زمن تدّرج نزول الأحكام قبل إبلاغها النوعي)([4]) ولمرتبة الفعلية بـ(المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلية، وذلك بوصولها النوعي في الكتاب أو السنة، وإن لم تصل شخصاً، فإنها إذا أُبلغت نوعياً ولم تصل شخصياً ترتبت عليها آثار معينة كاشتغال الذّمة بالدّين أو القضاء، وإن لم يستحق العقوبة بالمخالفة إذا لم يعلم به شخصياً قصوراً)([5]).
كما سبق تفسير الآخوند لهما بـ(وأما تفسير الآخوند فهو: ان مرتبة الإنشاء هي: إنشاء الحكم على طبق ما تقتضيه المرتبة الأولى من دون داع الانبعاث أو الانزجار، ومرتبة الفعلية هي: إنشاؤه بداعي الانبعاث والانزجار، ولعله يأتي مزيد توضيح)
وتوضيحه: إن الإنشاء – السابق على الفعلية - حسب مسلك الآخوند هو مجرد إنشاء قانوني وليس بعثاً فعلياً وليس إنشاؤه بداعي ان ينبعث المكلف في الأمر أو ينزجر في النهي، فهو – حسب تعبير السيد البروجردي – كجسد بلا روح.
إن قلت فما الحكمة من إنشائه؟
قلت: له حِكَم متعددة، منها: عدم الحاجة إلى إنشائه حين حلول وقته أي الوقت الذي يراد بعث المكلف إليه ويراد انبعاثه نحوه بل قد لا يكون إنشاؤه حينذاك مقدوراً (في الموالي العرفية لموته) أو عجزه أو غيابه أو شبه ذلك.
وهذا التفسير الآخوندي للإنشاء يتطابق مع تفسيرنا له بمرحلة ما قبل الوصول النوعي إلا انه حدده ذاتاً وحددناه بالقياس إلى لاحقه وحسب درجته في سُلّم مراتب الحكم.
وهذا الإنشاء: يتصور في موارد:
منها ما سبق من (وذلك قبل وصولها النوعي عبر الكتاب والسنة، أي في مرحلة إنشائها الثبوتي في القرآن الذي نزل جملة على قلب الرسول صلى الله عليه واله وسلم أو الذي هو في اللوح المحفوظ، ومطلق زمن تدّرج نزول الأحكام قبل إبلاغها النوعي).
ومنها: الواجب المعلق لدى صاحب الفصول وهو نفس الواجب المشروط لدى المشهور وهو ما علق فيه الوجوب على شرط غير مقدور (كالصلاة المعلّق وجوبها على الزوال، والزوال أمر غير اختياري لنا، بل، وحسب الآخوند، مطلق ما علق فيه الوجوب على شرط متأخر وإن كان مقدوراً لكنه بواسطة مقدمة أو مقدمات، فانه إذا قال: (صلِّ عند الزوال) فالوجوب استقبالي كالواجب، عكس الحج بعد الاستطاعة وقبل حلول وقته فان الواجب استقبالي والوجوب حالي، فوجوب الصلاة وإيجابها إنما هو إيجاب قانوني لا بداعي الانبعاث الآن.
واما الفعلية لدى الآخوند فهي: ما لو كان الإنشاء بداعي الانبعاث والانزجار، وذلك يتحقق بما لو انشأ مع حصول قيد الوجوب، أو انشأ سابقاً فحصل شرط الوجوب فان ذلك الإنشاء الذي له وجود اعتباري محفوظ في عالمه وهو قائم بنفس المتكلم أو العقلاء أو اللوح المحفوظ أو غير ذلك، يصل حينئذٍ إلى مرتبة الفعلية أي إلى مرتبة الباعثية الفعلية ويكون لأجل إيجاد داعي الانبعاث والانزجار في المكلف.
ولا تنطبق هذه المرتبة على ما ذكرناه من الوصول النوعي إذ قد يصل نوعاً ولكن الشرط (كالزوال) غير متحقق فهو فعلي لدينا غير فعلي لديه، وقد لا يصل نوعاً ولكن شرطه الثبوتي متحقق فهو فعلي لديه دوننا، فتأمل.
ثم ان الصور الممكنة إضافة للإنشاء بعد الإنشاء والحِلّية الثبوتية والإثباتية الآنفين، كثيرة جداً، نقتصر ههنا على ثمانية منها متضمنة ما مضى، وذلك لأن كل واحد من مراتب الحكم الأربع قد يكون ثبوتياً وقد يكون إثباتياً ثم ان كل واحد منها قد يكرر بنفسه ويتعدد وقد يكرر مع لاحقه أو سابقه، فالصور كثيرة جداً، إلا اننا نقتصر على بعض رؤوسها وهي:
الصورة الأولى: تعدد الاقتضاء الثبوتي، وذلك بأن يكون في المتعلَّق مقتضِيان تامّا الاقتضاء لإيجابه أو تحريمه، كوجود مصلحتين ملزمتين من سنخ واحد أو سنخين، بحيث لو انفرد كل منها لكفى لإيجاب حاملها، وهنا يجري البحث السابق عن ان ذلك هل يكون من تداخل الأسباب بان تقتضي المصلحتان معاً إيجاباً ووجوباً كان كل منهما لو انفرد لاقتضاه وكان سبباً له؟ أو لا بل يكون تكرر المقتضي وتعدده سبباً لإيجابٍ آكد، مما مآله إلى اشدية الطلب النفسي فاشدية البعث القائم بالأمر فاشدية العقوبة بالمخالفة، وذلك تبعاً لاشدية المراحل السابقة على الأمر والطلب وهي: أشدية الملاك (أو تعدده) الموجب لاشدية الحب فالشوق إلى المتعلق حامل المصلحة ثم أشدية الطلب وهكذا..
وذلك هو الذي تفسر به الكبائر فانها اما حامله لمفسدتين ملزمتين أو أكثر، أو هي حامله لمفسدة أشد من الصغائر، فكان ذلك موجباً لاشدية مبغوضيها فأشدية الزجر عنها فأشدية العقوبة بارتكابها، كما تفسر به ركنية مثل الركوع دون القراءة إذ بلغت شدة مطلوبية الركن والبعث نحوه كجزء من الصلاة بحيث يعد فاقده باطلاً محضاً.
ووِزان ذلك كله من عالم التشريع كوزانه من عالم التكوين كما سبق في عنوان تعدد الأسباب والمسببات، فراجع.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إنما يدرك الخير كله بالعقل. ولا دين لمن لا عقل لهR تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ص54.
([2]) الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ط الإسلامية، ج1، ص23.
([3]) محمد علي التوحيدي، مصباح الفقاهة، ج7 ص503.
([4]) راجع الدرس (229).
([5]) راجع الدرس (229).