145- الشيخ: تعدد الموضوع هو الوجه في تقدم الحاكم على المحكوم (كتقدم الامارات على الاصول) ـ المناقشات: 1ـ لا تعدد في المتعرض للمحمول 2ـ ولا تعدد حتى في الامارات والاصول اذ موضوع الاصل اخص مطلقاً من موضوع الامارات
الثلاثاء 30 محرم 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(145)
المبنى الآخر لتقدّم الحاكم: تعدد الموضوع
سبق أن المباني في سر تقدّم الحاكم على المحكوم متعددة فمنها الناظرية ومنها الأظهرية ومنها كون لسانه لسان المسالمة وغيرها، ومنها أيضاً تعدد الموضوع.
وقد قرره الشيخ (قدس سره) بوجه بينما قرره الميرزا النائيني (قدس سره) بوجه آخر قد سبقت الإشارة إليه.
أما تقرير الشيخ لتعدد الموضوع فقد ذكره في باب التعادل والترجيح لكنه ذكره في أصالة البراءة بنحو آخر.
كلام الشيخ في التعادل والترجيح
قال في التعادل والترجيح: (وكيف كان، فلا يتحقق([1]) إلا بعد اتحاد الموضوع وإلا لم يمتنع اجتماعهما.
ومنه يعلم: أنه لا تعارض بين الأصول وما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية، لأن موضوع الحكم في الأصول الشئ بوصف أنه مجهول الحكم، وفي الدليل نفس ذلك الشئ من دون ملاحظة ثبوت حكم له فضلا عن الجهل بحكمه، فلا منافاة بين كون العصير المتصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضى الأصل، وبين كون نفس العصير حراما كما هو مقتضى الدليل الدال على حرمته)([2]).
وقد يُمثَّل له لتقريب مراده بما لو قال: (الرجل بوصف الاجتهاد يجوز تقليده) وقال: (الرجل لا بوصف الاجتهاد لا يجوز تقليده أو قال الرجل لا بشرط عن هذا الوصف لا يجوز تقليده أو الرجل بما هو هو لا يجوز تقليده) فانهما غير متعارضين ولكلٍّ موضوعُه.
كلامه في أصالة البراءة
ولكنه قال في أصالة البراءة (ومما ذكرنا: من تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي - لأجل تقييد موضوعه بالشك في الحكم الواقعي - يظهر لك وجه تقديم الأدلة على الأصول، لأن موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل، فلا معارضة بينهما، لا لعدم اتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل - وهو الشك - بوجود الدليل.
ألا ترى: أنه لا معارضة ولا تنافي بين كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هي الإباحة وبين كون حكم شرب التتن في نفسه مع قطع النظر عن الشك فيه هي الحرمة، فإذا علمنا بالثاني - لكونه علميا، والمفروض سلامته عن معارضة الأول - خرج شرب التتن عن موضوع دليل الأول وهو كونه مشكوك الحكم، لا عن حكمه حتى يلزم فيه تخصيص و طرح لظاهره)([3]).
ولكن ظاهر المحقق اليزدي أنه اعتبر كلامي الشيخ بنحو واحد، وسيأتي ما فيه.
وقد استظهر المحقق اليزدي أن الشيخ اعتبر تعدد الموضوع ضابطاً عاماً للحكومة بمختلف أقسامها وأنه ذكر حكومة الامارات على الأصول من باب المثال والمصداق، وافاض في الاستدلال على ذلك بمجمل كلام الشيخ فراجع([4])
ولا يهمنا تحقيق ذلك إلا انه (قدس سره) لو قصد العموم ورد عليه الإشكال الأول الآتي ولو قصد الأخص وأن الموضوع متعدد في خصوص حكومة الامارات على الأصول ورد عليه ما عدا الإشكال الأول، فنقول: يرد عليه:
المناقشات: 1- لا تعدد للموضوع في المتعرض للمحمول والحكم
أولاً: أنه لا شبهة في عدم تعدد الموضوع في القسمين الأخيرين من الأقسام الأربعة للحكومة وهي المتعرضة لعقد الوضع بالتضييق أو التوسعة والمتعرضة لعقد الحمل بالتضييق أو التوسعة([5])، ومثال ثالثها (لا ضرر) و(لا حرج) على عدد من المباني فيها كما سبق لوضوح أن الصوم الضرري موضوع للوجوب لمثل (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ...)([6]) لمكان إطلاقه، كما هو موضوع للحرمة (أو لمطلق الجواز وعدم الوجوب) لمثل لا ضرر ولا حرج.
وحينئذٍ فإذا تقدم عليه بالحكومة أو بالتخصيص خرج الصوم الضرري عن إطلاق (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ...)
2- موضوع الأصول العملية أخص مطلقاً من موضوع الأدلة الاجتهادية فلا تعدد
ثانياً: أنه لا شك في أن الموضوع في الأدلة الاجتهادية والأصول العملية واحد وذلك لكون الأصل في مورد([7]) الدليل الاجتهادي أخص منه مطلقاً، وبعبارة أخرى: إن الدليل الاجتهادي شامل، بالإطلاق اللفظي أو المقامي ونتيجة الإطلاق، لصورتي العلم والجهل بداهة عدم صحة التصويب، فالخمر محرمة علم بها المكلف أم لم يعلم؛ إذ لو عُلِّقت حرمتُها على العلم لزم التصويب كما لزم ان تتقدم الانقسامات اللاحقة على الحكم، عليه، وهو محال كما قالوا فتخلصوا منه بنتيجة الإطلاق([8]) وتخلصنا منه بأن الانقسامات اللاحقة (كالعلم بالحكم والجهل به أو الإتيان به بقصد القربة أو لا وهكذا) إنما هي لاحقة خارجاً وأما ذهنا فهي من الانقسامات الممكن سبقها على إنشاء الحكم فيكون الإطلاق بلحاظها لفظياً.
وعلى أي تقدير فتمام الموضوع لحرمة الخمر في (الخمرة محرمة) هي الخمرة نفسها سواء أكان عالماً بها أم لا، وليس العلم بالحرمة شرطاً لثبوت الحرمة للخمرة، وقوله رفع ما لا يعلمون – مثلاً – رفع للحرمة في صورة الجهل بها فصورة الجهل هي مجمع تعارض الامارة والأصل فقد اتحد الموضوع إذاً.
وأما حديث الحكم الظاهري، ففيه: أن الحكم الظاهري وإن لم يصل إلى مرتبة الحكم الواقعي ومحله، إلا أن الحكم الواقعي واصل إلى مرتبة الحكم الظاهري ومحله، فهما متعارضان في هذا الموضع وهذه المرتبة، إلا على الوجه التالي الآتي.
ولذا قال المحقق اليزدي: (بل الموضوع في الأدلة الاجتهادية والأصول أيضاً واحدٌ كما عرفت في مثال شرب التتن، فإنَّ الموضوع الخارجي الذي هو التتن يصدق عليه أنَّه مشكوك، وأنَّه تتن، فهو داخلٌ تحت الدليلين)([9]).
الجمع بأن مثل حديث الرفع متكفل لمرتبة التنجز والأدلة متكفلة للمراتب الثلاث
ولكن قد يقال: بأن حديث الرفع وشبهه يرفع مرتبة التنجز من مراتب الحكم الأربعة ودليل الامارة مثبت للثلاثة الأولى.
والجواب: أن دليل الامارة عام للمراتب الأربعة فيجتمعان ويتصادمان في مرتبة التنجز، وأما تقديم الأصل في هذه المرتبة وصرف الامارة إلى المراتب الثلاث الأولى مع الجهل بالحكم فمستلزم لحكومة الأصل على الامارة مع أن من البديهي أصولياً العكس فكيف يصار إلى ذلك؟
وبعبارة أخرى: كيف التوفيق بين أمرين مسلّمين لكنهما متصادمان: الأول: حكومة الامارات على الأصول مطلقاً، الثاني: تقدم الأصل في مرتبة التنجز على الامارة؟ وبعبارة أخرى: رفع ما لا يعلمون ناظر للأدلة أو الأحكام الأولية وصارف لها إلى غير مرتبة التنجز وهذا معنى الحكومة! ففكروا وتدبروا وسيأتي غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
................................................
قال أبو عبد الله (عليه السلام) كان فيما وعظ به لقمان ابنه: "يَا بُنَيَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا قَبْلَكَ لِأَوْلَادِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ مَا جَمَعُوا وَلَمْ يَبْقَ مَنْ جَمَعُوا لَهُ وَإِنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مُسْتَأْجَرٌ قَدْ أُمِرْتَ بِعَمَلٍ وَوُعِدْتَ عَلَيْهِ أَجْراً فَأَوْفِ عَمَلَكَ وَاسْتَوْفِ أَجْرَكَ.
وَلَا تَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ شَاةٍ وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ أَخْضَرَ فَأَكَلَتْ حَتَّى سَمِنَتْ فَكَانَ حَتْفُهَا عِنْدَ سِمَنِهَا وَلَكِنِ اجْعَلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ قَنْطَرَةٍ عَلَى نَهَرٍ جُزْتَ عَلَيْهَا وَتَرَكْتَهَا وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهَا آخِرَ الدَّهْرِ، أَخْرِبْهَا وَلَا تَعْمُرْهَا فَإِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِعِمَارَتِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ غَداً إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَرْبَعٍ: شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَعُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَمَالِكَ مِمَّا اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ وَأَعِدَّ لَهُ جَوَاباً.
وَلَا تَأْسَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّ قَلِيلَ الدُّنْيَا لَا يَدُومُ بَقَاؤُهُ وَ كَثِيرَهَا لَا يُؤْمَنُ بَلَاؤُهُ... وَجَدِّدِ التَّوْبَةَ فِي قَلْبِكَ وَاكْمُشْ فِي فَرَاغِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْصَدَ قَصْدُكَ وَيُقْضَى قَضَاؤُكَ وَيُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا تُرِيدُ".
الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 135.
=================
الثلاثاء 30 محرم 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |