136- مناقشات مع المحقق العراقي: 1ـ في الحاكم دالّان ومدلولان، سواءً في التنزيل ام غيره 2ـ الحاكم حتى المتصل منه ليس بحكم القرينة المتصلة الا لو خرج عن كونه حاكماً
الثلاثاء 16 محرم 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(136)
سبق كلام المحقق العراقي: (إذ بعد كون أحد الدليلين ناظرا إلى شرح غيره فلا يرى العرف تنافيهما حتى بحسب مدلوليهما، بل يَرون الحاكم بمنزلة القرائن المتصلة الحاكية - مع ذيها - عن معنى واحد)([1]) و(فالحكومة من جهة وحدة المدلول فيهما [شبيهة] القرائن المتصلة)([2]) ولكن قد يورد عليه بوجوه:
مناقشات مع المحقق العراقي:
1- الحاكم والمحكوم: دالان ومدلولان
الأول: ان الحاكم مع المحكوم من قبيل الدالّين والمدلولين، وليسا من قبيل الدالين والمدلول الواحد والحاكي مع ذيه عن معنى واحد كما ارتآه، والحاصل: انه في الحاكم والمحكوم يوجد دالان ومدلولان ولا تصح دعوى أن الموجود مدلول واحد فقط استناداً إلى أن الثاني (الحاكم) ناظر للأول فهو شارح له فليس مدلوله أمراً آخر بل هو شرح له فهو هو.
تعايش أحد الدليلين مع الآخر ومسالمته دليل عدم وحدة المدلول
وذلك([3]): لأنه لا ريب في أن الحاكم إذا انفصل عن المحكوم (كما هو مورد كلامه)([4]) فان مدلولهما متعدد، غاية الأمر أن الحاكم يتعايش مع المحكوم ولا يضاده بل يتممه ويكمله؛ إذ أن لسانه لسان المسالمة لا المنافاة والمصادمة، وأين وحدة المدلول من تعايش أحد الدليلين مع الآخر وتكميله له بل ان نفس الإذعان بتعايش أحد الدليلين والمدلولين مع الآخر ومسالمته له، دليل تغايرهما.
وذلك في الحكومة التنزيلية (والرفع التنزيلي) التي عدها بعض الأعلام أظهر مصاديق الحكومة بل القدر المسلّم منها([5])، واضح فكيف بغيرها؟
ألا ترى أن قوله: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة"([6]) مما يترتب عليه اشتراط الطهارة من الحدث والخبث فيه، مدلوله غير مدلول )الصلاة يجب فيها الطهارة) لوضوح انه تنزيل لهذا منزلة ذاك فهناك مدلول أول هو المنزّل عليه ومدلول ثانٍ مغاير له تماماً إلا أن الشارع نزّله منزلة الأول، ومن الواضح أنه ليس مدلول الثاني نفس مدلول الأول بل هو أمر متمم له لكنه لا بلسان المصادمة بل بلسان المسالمة.
وكذا قوله: (لا شك لكثير الشك) فانه استثناء من عموم حكم (الشاك حكمه البناء على الأكثر)([7]) في الشكوك الصحيحة أو (حكمه البطلان) في الشكوك الباطلة، لكن بلسان نفي الموضوع وليس انه هو هو مشيراً إلى نفس ما أشار إليه ذاك، بل انه يشير إلى حكم مناقض للحكم العام في هذا المورد الخاص لكن لا بلسان الاستثناء الصريح بل بلسان الاستثناء غير المباشر عبر إخراجه موضوعاً – تنزيلاً - من دائرة الشك.
والأمر أوضح في غير التنزيليات كـ"لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ"([8]) فان مدلوله مغاير بالبداهة لمدلول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)([9]) فهما مدلولان مختلفان لكن حيث فرض أحدهما ناظراً للآخر تقدم (لا ضرر) على (اتموا) في الصوم الضرري فغيّر حكمه (إذ حكم الصوم الضرري الحرمة)([10]).
وبعبارة أخرى: ليس الحاكم المنفصل معنوِناً للمحكوم كي يكون المدلول لهما واحداً، فوزانه وزان الخاص المنفصل حيث انه ليس بمعنوِن للعام.
وبعبارة ثالثة: ان العرف لا يرون مدلول (لا ربا بين الوالد وولده) مع (حرم الربا) واحداً بل يرونهما مدلولين تقدم أحدهما على الآخر للناظرية أو الأظهرية أو غيرها.
الحاكم حتى المتصل لا يقلب ظهور المحكوم، إلا المعنوِن
الثاني: ان الحاكم وإن فرض كونه متصلاً فانه لا يستلزم قلب ظهور المحكوم فلا يصح مفهوم قوله (غاية الأمر لا يقتضي الحاكم عند انفصاله قلب ظهور المحكوم) ألا ترى أن قوله (لا ضرار ولا ضرار في الإسلام) وإن فرض اتصاله بمثل (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) كما لو قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام) لا يقلب ظهوره في المراد الاستعمالي بل يتصرف في المراد الجدي فحسب؟ ويوضحه بداهة عدم كون (لا ضرر) معنوِناً لـ(أتموا الصيام) وإن أتصل به.
نعم إذا قال (اتموا الصيام إلى الليل إذا لم يكن ضررياً) صح ما قاله لكنه مختص بالمعنوِن حينئذٍ فلا يشمل غير المعنون على ما هو مقتضى إطلاق مفهوم كلامه.
بل قد يقال: بانه لا يكون حاكماً حينئذٍ بل يكون من القرينة المتصلة وذلك على المبنى، الظاهر من كلامه أيضاً، الذي يصير إلى كون الحاكم قسيماً للقرينة المتصلة؛ لما سبق منه من أن القرينة المتصلة يتحد فيها الدال والمدلول أما الحاكم فيتحد المدلول مع تعدد الدال، نعم من يرى الحكومة أعم من القرينة المتصلة بمعنى انها من مصاديق الحكومة لا يرد عليه ذلك. وسيأتي تحقيق ذلك عند التطرق لسائر المباني في نكتة تقدم الحاكم.
وبعبارة أجمع: أن مفهوم قوله: (غاية الأمر...) غير تام اما مطلقا أو في الجملة، والأول إذا بنينا على كون القرينة المتصلة قسيماً للحاكم فانه إذا أصبح مثل (لا ضرر) قرينة متصلة خرج عن كونه حاكماً، والثاني إذا بنينا على أن المتصلة من مصاديق الحكومة، فانه حينئذٍ يرد انه عدم صحة إطلاق مفهوم كلامه؛ إذ لا يشمل مثل (أتموا الصيام، ولا ضرر)([11]) فان مثله لا يقلب الظهور والإرادة الاستعمالية كما سبق.
وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
........................................
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "قال: نَظَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُقْبِلٌ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ وَقَالَ إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) بِأَبِي قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ، قِيلَ وَمَا قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَى" مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: ج10 ص318.
=====================
الثلاثاء 16 محرم 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |