124- مناقشات اخرى : لازم هذا الضابط كون المورود عليه حاكماً، وكون المحكوم حاكماً، بل كون كل دليل وأصل حاكماً على كل دليل وأصل
الاربعاء 20 ذو القعدة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(124)
الإشكال السادس: يلزم ان يكون كل دليل حاكماً على كل دليل!
وذلك لانطباق ضابط التعريف الرابع على كل الأصول والأدلة، فان كل دليل كما يثبت نفسه ينفي غيره – على ما سبق – بل كل أصل أيضاً كذلك فيلزم منه ان تكون البينة حاكمة على الإقرار وبالعكس وكلاهما حاكماً على اليد وبالعكس وكذا الشياع وسوق المسلمين إلى غير ذلك من الامارات على الموضوعات، وكذا الحال في الأدلة كلها من ظواهر قرآنية وخبر ثقة وإجماع على القول بحجيته وغيرها إذ كل دليل كما يثبت مؤداه ومفاده فانه ينفي غيره؛ إذ معنى البينة حجة: أعمل على طبقها ولا تعمل بما يخالفها أو الغِ خلافها([1]) وهكذا سائر الحجج فلزم كون كل الحجج حواكم وكونها جميعاً محكومات! وهو بديهي البطلان.
بل وكذا كل أصل حاكماً على كل دليل وأصل!
بل وكذا الأصول فانه يلزم حكومتها على بعضها بل وحكومتها على الحجج أيضاً لجريان نفس ما ذكر فلاحظ جريان نظير قوله: (وكذا تعقل وجوب البناء على الحالة السابقة، مستلزم لتعقل أنه لولاه لكان له حكمٌ آخر بخلافه وهو البراءة الثابتة بأدلّتها)([2]).
فانه يعم الأدلة أيضاً بأدنى تغيير لمكان الإطلاق فيكون الاستصحاب حاكماً على الأدلة أيضاً؛ إذ يقال فيه هكذا([3]): (وكذا تعقل وجوب البناء على الحالة السابقة مستلزم لتعقل انه لولاه لكان له حكم آخر بخلافه وهو ما دلت عليه البينة أو اليد أو خبر الثقة أو شبه ذلك) وذلك كلما لم ترفع الشك اللاحق حقيقة.
بل لا يستثني حتى المورود عليه بالنسبة للوارد لأن لسانه النفي فيتوقف تعقّله على تعقّله وإن كان موروداً عليه، فيكون على هذا، موروداً عليه وحاكماً لانطباق ضابط الحاكم عليه أيضاً، كما سبق! فتأمل.
الإشكال السابع: التقييد بـ(ولم يكن تعقّل الآخر...) غير معقول([4])
كما يمكن الإشكال عليه بان القيد الذي ذكره في كلامه (ولم يكن تعقّل الآخر مستلزماً لتعقّل الأول) لغو بل لا وجه معقول له لعدم وجود دليل، بل لعدم وجهٍ وحتى احتماله، يتوقف تعقّله على تعقّل دليل آخر متوقف تعقّله على تعقله حتى يطرد به([5]).
بعبارة أخرى: ان قيد (ولم يكن تعقل الآخر...) مستدرك أو هو حاصل قهراً فاشتراطه اشتراط للحاصل قهراً.
إذ التوقف في المتضايفين فقط
برهانه: ان توقف التعقّل من الطرفين إنما يكون في المتضايفين إذ المتضايفان متكافئان قوةً وفعلاً، خارجاً وذهناً، ولا شيء من الأدلة بمتضايف مع الدليل الآخر، بل لو كان بعض الأدلة مضايفاً للبعض الآخر لما كان هناك وجه للتقييد بذاك القيد لإخراجه، إذ لو كان مضايفاً لتوقف التعقل من الطرفين ولو لم يكن مضايفاً لما كان توقف من أي طرف فلا يمكن التفكيك.
التوقف من أحد الطرفين أو كليهما في عالم الإثبات
نعم يمكن تصحيحه بالتوقف من أحد أو كلا الطرفين في عالم الإثبات وذلك([6]) فيما أخذ كلّاً منهما في لسان الدليل الآخر كما ظهر مما سبق مثاله، ونضيف مثالين: ما لو قال: (لا حرج في التكاليف أو في أحكام الشريعة)([7]) وقال فرضاً: (أتموا الصيام إلى الليل لو لم يكن حرجياً) أو قال فرضاً: (البينة التي لم يعارضها الإقرار حجة)، وقال فرضاً: (الإقرار الذي لم تعارضه البينة حجة)! والذي مآله إلى تساقطهما لدى التعارض أو إلى رفع الحجية التعيينية لكل منهما لنشوء التعارض من إطلاق الحجية لا من أصلها([8]). أو شبه ذلك.
فانه في مثل هذه الحالات يتوقف تعقّل كل منها على تعقل الآخر لأخذه في حدّه وقيداً لموضوعه أو شبهه فيكون تقييده لطرد مثل هذه الصورة ليبقى ما أخذ أحدهما في لسان الآخر فقط.
استلزامه ان يكون الدليل حاكماً بلحاظ وغير حاكم بلحاظ!
ولكنه وإن صحَّح التوقف الطرفيني إلا انه يواجه بإشكال آخر وهو لزوم ان يكون الدليل الواحد تارة حاكماً؛ وأخرى لا أو بلحاظٍ حاكماً وبلحاظ لا، وذلك فيما لو دلّ على اعتباره دليلان في عالم الإثبات وقد أخذ الدليل المخالف في لسان أحدهما ولم يؤخذ في لسان الآخر فيكون حاكماً غيرَ حاكم لاجتماع الدليلين عليه([9])!
فمثلاً: حديث الرفع يلزم ان يكون تارة حاكماً على غيره لأخذ الغير في لسانه في مثل "مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُم"([10]) إذ يراد بما حجب الدليل الذي حجب الله علمه عن العباد أو الأعم من الدليل والحُكم الذي حجب الله علمه عن العباد أو الحكم المحجوب بلحاظ حجب دليله وتارة غير حاكم لعدم أخذ الغير في دليل آخر على الرفع نفسه "كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ فَتَدَعَهُ بِعَيْنِه"([11]) بناء على شموله للشبهة البدوية وعلى عدم توقف تعقّله على تعقّل الحجة والدليل عليه، أو يمثل (بما لا يعلمون) على الوجهين فان أريد([12]) به ما لا يعلمون حجته كان مما أخذ غيره فيه وإن أريد (ما لا يعلمون حكمه) مجرداً عن لحاظ الحجة عليه كان مما لم يؤخذ فيه. فتأمل
وقد يمثل بـ"لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَام"([13]) و(غَيْرَ مُضَارٍّ)([14]) إذ أخذ في الأول سائر الحجج لمكان في الإسلام الظاهر في إرادة أحكام الإسلام ولم يؤخذ في الثاني([15]).
ولا يخفى ان الكلام كله مجاراتي، وقد سبق التفصيل بين التوقف على تعقّل الطرف الآخر إجمالاً وبين التوقف على تعقّله تفصيلاً. وللبحث صلة بإذن الله تعالى..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
..................................................
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "بِالْعَقْلِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْحِكْمَةِ وَ بِالْحِكْمَةِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْعَقْلِ وَبِحُسْنِ السِّيَاسَةِ يَكُونُ الْأَدَبُ الصَّالِحُ قَالَ وَكَانَ يَقُولُ التَّفَكُّرُ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمَاشِي فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ".
الكافي الشريف (ط – الإسلامية): ج1 ص28.
--------------------------------------
الاربعاء 20 ذو القعدة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |