بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(85)
الإرادة والملكية من المشككات
وأما قوله (قدس سره) (وهل يفرق ملكية الإنسان لفلس أو لألف دينار؟ أو يفرق زوجية اثنين أو زوجية ألفين؟ أو يفرق إرادة الإنسان للذهاب ذراعاً أو فرسخاً من جهة الملكية والزوجية والإرادة؟)
([1]).
فقد يجاب عنه: انه وإن صح انه لا فرق بين ملك فلس وملك ألف دينار من حيث الملكية إنما الفرق من حيث كمية المتعلق، إلا انه:
أولاً: ليس المدعى ان كل ملك يختلف عن غيره بالمرتبة حتى ينقض عليه بهذه السالبة الجزئية
([2]).
وبعبارة أخرى عدم اختلاف ملكية ألف عن ملكية الواحد سالبة جزئية لا تثبت عموم عدم الاختلاف في الملكية أي عدم وجود اختلاف كيفي تشكيكي بين بعض حصصها والبعض الآخر كما فيما سبق من التشكيكية في الملكيات الطولية وفي ملك العين بمنافعها أو ملك المنفعة فقط، ونضيف: والملك المتزلزل وغيره فان الملك المتزلزل القابل للفسخ أضعف من غيره.
وثانياً: سلمنا، إلا ان عدم اختلاف ملك الفلس عن ملك الواحد عائد إلى ان الملك هنا انحلالي إذ يعود إلى ملك هذا وهذا وهذا إلى تمام الألف ومالك الفلس يساوي مالك الفلس من حيث كونهما مالكي الفلس وإن كان يملك بضميمته ما يبلغ به الألف دينار، إنما الكلام في غير الانحلالي مما يختلف شدة وضعفاً والكاشف عنه ثبوت كل الآثار أو بعضها.
قد تكون لحقيقة واحدة مراتب مشككة وأفراد متواطية([3])
وبعبارة أخرى جامعة فيهما النقض والحل: انه قد توجد لحقيقة واحدة مراتب وتكون لكل مرتبة منها أفراد؛ ألا ترى ان النور منه الضعيف ومنه القوي كالشمس والقمر والشمعة ثم كل منها له أفراد متساوية في المرتبة والنورية كهذه الشمعة وتلك الشمعة وهكذا، وكذا الملكية والسلطة والحق، فوجود أفراد له متساوية لا ينفي وجود مراتب له مختلفة إنما الأفراد مصاديق للمراتب.
واما الإرادة فمن الواضح انها تشكيكية فان إرادة من يعزم على مسيرة ألف كيلو متر في الصحراء القاحلة أو متسلق جبل همالايا مثلاً أقوى من إرادة من يعزم على مسيرة مائة متر على أرض رخوة أي ان ذاك يحتاج إلى إرادة أقوى، وهكذا درجات إرادة من يتعرض لمغريات شهوية ضعيفة أو قوية فيقارعها بقوة إرادته.
وجوه دفاع عن المصنف
وقد يدافع عن المصنف (قدس سره) بوجوه:
منها: ان الملكية هي كالمساواة والموازاة فكما انه لا تشكيك فيما لو طال الخطان أو العمودان أو الطريقان المتوازيان أو قصرا، فكذا المقام.
ومنها: ان الربط من مقولة الإضافة ولا تشكيك فيها.
ومنها: ان الربط معنى حرفي ولا تشكيك فيه لأنه آلي غير استقلالي.
الأجوبة: ليس الربط من مقولة الإضافة
والجواب: بعد كون الأول من صغريات الثاني:
أولاً: ان الربط ليس من مقولة الإضافة فان الإضافة هي النسبة المتكررة:
ان المضاف نسبة تكرر منه الحقيقي وما يشتهر
والأب مضاف مشهوري والابوة مضاف حقيقي، وليست الإضافة هي النسبة وحدها أي من طرف واحد فان الأب لو نسبتَه للابن كانت نسبة لا إضافة ولو نسبتَه لابنه من حيث ان ابنه منسوب إليه، أي لوحظت الإضافة ذاهبة راجعة، كانت حينئذٍ إضافة، وكذا السقف المستقر على الحائط: فانه من حيث هو مستقر على الحائط نسبة ومن حيث كونه مستقراً على الحائط الملاحَظ كون الحائط مستقرَّاً عليه، إضافة.
أما الحق الذي فسره بالربط فهو نسبة من ذي الحق إلى الحق ولا يقومه التكرر والنسبة الراجعة.
ثانياً: ان المصنف لم يعدّه من مقولة الإضافة بل عدّه فيما مضى من كلماته وفيما يأتي، من الاعتباريات وليست الاعتباريات من المقولات العشرة، نعم عدّ (قدس سره) نوعاً من أنواع الحق انتزاعياً لكنه خارج عن محل البحث في الحق
([4])، إذ انه عبارة عن حق الله على مخلوقاته كما مثل به إذ قال: (إذ قد يكون انتزاعياً كما في حق الله على مخلوقاته، فانه سبحانه بمجرد ان خلق صار ذا حق وإن لم يكن معتبِر أصلاً بل ولو اعتبر المعتبر عدمه)
([5]) فتأمل
([6]).
ولا هو معنى حرفي
وأما دعوى ان الربط معنى حرفي ففيه: انه معنى اسمي غاية الأمر ان يكون مصداقه معنى حرفياً، فهو كالابتداء الذي هو معنى اسمى وإن كان مصداقه وهو الابتداء المصداقي الخارجي معنى حرفياً مشاراً إليه بكلمة (من).
والحاصل: ان الربط الذي عرّف به الحق لا بد ان يكون اسمياً كالابتداء لذا وقع معرّفاً فان المعنى الحرفي آلي صرف لا يقع معرَّفاً ولا معرِّفاً بما هو معنى حرفي. إضافة إلى ان المعنى الحرفي معنى ذهني وليس وجوداً خارجياً اما الحق فليس معنى فقط بل الاتصاف به في الخارج وعروضه في الذهن فتأمل.
بل قد يقال: انه لا دليل على عدم مشككية المعنى الحرفي فان كونه قائماً بالغير أمرٌ وكونه متواطياً بمعنى مقولية المعنى الاسمي على كافة مصاديقه والمنطبق عليها بالتساوي
([7]) أو مشككاً بمعنى كونه مقولاً بالتشكيك على أفراده الخارجية، أمر آخر فتأمل، وعلى أي فتمام تحقيق ذلك في مظانه
([8]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================