78- جواب رابع ـ الاستدلال بآيتي (لا تأكلو..) (لا تقربوا) على اعمية المال من الايمان ـ الجواب
الاحد 9 رجب 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(78)
4- لا فرق بين الطريحي وابن الاثير:
كما يرد على ما ذكره العقد النضيد من (إنّه ما كان ينبغي أن يحتجّ([1]) بكلام الطريحي في "مجمع البحرين" لأنه فقيه لغوي وقد يجتهد، والحجة هي قول اللغوي الصّرف كابن الأثير في "النهاية"، حيث ادّعى أن المال عند العرف يُطلق على خصوص الذهب والفضة ثم عمّموه لكلّ ما يُقتنى من الأعيان،
والظاهر أنه مستند كلام الطريحي)([2]) إضافة إلى ما سبق: ان ابن الأثير كالطريحي ليس لغوياً صرفاً بل هو فقيه لغوي، ويدلك على فقهه – عندهم – مراجعة كتابه فانه في فقه الحديث عندهم لعله يعد من الطراز الأول فإذا كان قول الطريحي في اللغة غير حجة لأنه فقيه لغوي فنقول ابن الاثير ينبغي ان يكون كذلك.
هذا إضافة إلى ان وضع كتابه وفلسفته تكشف عن تصديه لشرح المفردات لا بما هو لغوي صرف بل بما هو لغوي – فقيه بالحديث وبالمرادات النبوية أو نظائرها ، مع على ملاحظة مختلف القرائن المقالية والحالية فراجع مقدمته المطولة في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر) اذ ورد فيها: (اما بعد، فلا خلاف بين أولي الالباب والعقول، ولا ارتياب عند ذوي المعارف والمحصول، أن علم الحديث والآثار من أشرف العلوم الاسلامية قدرا، واحسنها ذكرا، وأكملها أجراً...) و: (ثم الألفاظ تنقسم الى مفردة ومركبة ، ومعرفة المفردة مقدمة على معرفة المركبة، لأن التركيب فرع أمن الافراد ، والالفاظ المفردة تنقسم الى قسمين: احدهما خاص والاخر عام:
أما العام فهو ما يشترك في معرفته جمهور اهل اللسان العربي مما يدور بينهم في الخطاب ، فهم في معرفته شرع سواء أو قريب من السواء ، تناقلوه فيما بينهم وتداولوه ، وتلقفوه من حال لأصغر لضرورة التفاهم وتعلموه.
وأما الخاص فهو ما ورد فيه من الالفاظ اللغوية، والكلمات الغريبة الحوشية التي لا يعرفها الا من عني بها وحافظ عليها استخرجها من مظانها – وقليل ما هم – فكان الاهتمام بمعرفة هذا النوع الخاص من الالفاظ أهم مما سواه ، وأولى بالبيان مما عداه، ومقدما في الرتبة على غيره ، ومبدوا في التعريف بذكره ، إذ الحاجة اليه ضرورية في البيان، لا زمة في الايضاح والعرفان)
وقال : ( وقال الخَطابي ايضا بعد أن ذكر جماعة من مُصَنفي الغريب وأثْنى عليهم: «إلا أن هذه الكُتُبَ على كثرة عَدَدِها إذا حَصَلت كان مآلُها كالكتاب الواحد. إذ كانَ مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوْا على الحديث الواحد فَيَعْتَوِروه فيما بينهم، ثم يتَبَارَوْا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض. ولم يكن من شرط المسبوق أن يُفَرِّج للسابق عما أحْرَزَه، وأن يقْتَضِب الكلام في شيء لم يُفَسَّرْ قبله على شاَكلة ابن قتيبة وصنيعه في كتابه الذى عقّب به كتاب أبي عبيد. ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيء منها على مِنْهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجَوْدَة الاستنباط وكثرة الفقه، ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحُجة وذكر النظائر وتخليص المعاني )
وقال : (قلتُ: لقد أحسنَ الخطابي رحمة الله عليه وأنصف، عرفَ الحق فقاله، وتحرَّى الصدق فنطق به، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمَّهاتِ الكتب، وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يُعَوِّلُ عليها علماء الأمصار، إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التى ذكرناها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتَّباً ومُقفَّى يرجع الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي، وهو على طوله وعسر ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلّا بعد تعب وعناء. ولا خفاء بما في ذلك من المشقة والنّصب مع ما فيه من كون الحديث المطلوب لا يُعرف في أيّ واحد من هذه الكتب هو، فيحتاج طالبُ غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرِها حتى يجد غرضه من بعضها. فلما كان زمنُ أبي عبيد أحمد بن محمد الهَروي ... فاستخرَجَ الكلمات اللغويةَ الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها وذكر معانيها؛ إذ كان الغرضُ والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً وإعراباً ومعنًى، لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والآثار وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها، فإن ذلك علم مستقل بنفسه مشهور بين أهله...
فإذا أراد الإنسانُ كلمةً غريبةً وجَدَها في حرفها بغير تَعب، إلا أنه جاء الحديث مُفَرَّقاً في حروف كلماته حيث كان هو المقصودَ والغرضَ، فانتشر كتابهُ بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار)
وقال : (فرأيتُ أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث مُجرَّدا من غريب القرآن، وأضِيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلا لكُلْفة الطلب، وتمادت بي الأيام في ذلك ... فحينئذ أمْعَنْتُ النظر وأَنْعَمْتُ الفِكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما، وإضافة كل منهما إلى نظيره في بابه...، فحيث عرفتُ ذلك تنبهتُ لاعتبار غير هذين الكتابين من كتب الحديث المدَوَّنة المصنفة في أول الزمان وأوسطه وآخره. فتتبعتها واسْتَقْرَيْتُ ما حَضَرَني منها، واسْتَقْصَيْتُ مُطالَعتها من المَسَانيد والمجاميع وكتب السُّنَن والغرائبِ قديمها وحديثها، وكتب اللغة على اختلافها، فرأيتُ فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرا، فَصَدَفْتُ حينئذ عن الاقتصار على الجمع بين كتابَيْهما، وأضفت ما عَثَرتُ عليه ووَجدتُه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها وأمثالها)([3])
ومن الواضح المصرح به في كلامه الاعتماد على الاستنباط وعلم فقه الحديث وملاحظة مجمل المراد منه في تحديد معنى الكلمة.
كما ان العقد النضيد أشكل على السيد الحكيم بإشكالات أربع وهي([4]) :
الاشكال إن المال لو اختص بالأعيان لما شملت (لا تَأْكُلُوا )و(لا تقربوا) المنافع:
(ورابعاً: عليه (رحمه الله) أن يلتزم بان كلمة (المال) الواردة في الآيات ، مثل قوله: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيم ([5]))، وقوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم...)([6]) مختصة بالعين، ولا أظن ان يلتزم به فقيه ، لان المال اعم من العين)([7]) .
الجواب : بل تشمل لأن اكل المنفعة اكل للمال:
أقول: هذا الإشكال غير وارد عليه إذ عموم الآيتين للمنافع لا يتوقف على الالتزام بكون المال أعم من الأعيان والمنافع كي يشكل عليه أنك حيث خصصت المال بالأعيان لم تشمل الآية الثانية أكل منافع أموال الغير بالباطل (كسكنى داره بغير إذنه غصباً ، ولم تشمل الآية الأولى القرب إلى منافع مال اليتيم بدون مجوز شرعي كإذن الوليّ لأن الآية تتحدث – على هذا – عن القرب إلى عين ماله لا القرب إلى منافع ماله.
بل الآيتان عامتان للمنافع وإن قلنا باختصاص المال بالعين وذلك استنادا الى كلمتين (تقربوا) و(تأكلوا) في الآيتين الكريمتين:
توضيح الحال في آية لا تقربوا:
توضيحه: اما قوله تعالى (لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) فلأن القرب من منافع ماله قرب من عينه فصدقت عليه – أي على القرب من منافعه – الآية لأنه قرب من العين حقيقة؛ ألا ترى الساكن في دار اليتيم منتفعاً بها، وإن لم يصادر عينها بل أبقى سندها كما هو واعترف بانه ملك لليتيم ولم يبعه ولم يهبه ولا غير ذلك مما هو تصرف بالعين بل تصرف بالسكن والمنفعة فحسب، انه يصدق عليه انه قرب مال اليتيم؟
والحاصل ان قرب مال اليتيم – عيناً ومنفعة – لا يكون إلا بقرب العين فالنهي عنه شامل لهما، من غير فرق بين ان يقال ان المراد بقرب مال اليتيم المعنى الكنائي – وهو الحق – أو المعنى الحقيقي أي القرب المادي الجغرافي المحسوس، فانه على كل للتقدير فإن القرب من منافعه قرب من عينه. إذ انه لا ينفك عنه.
توضيح الحال في اية (لا تَأْكُلُوا ):
واما قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْباطِلِ) فلأن تأكلوا صادقة بالحمل الشائع الصناعي عرفاً على من أكل منافع مال الغير.
وبعبارة أخرى أكل المنفعة وإن لم يكن أكلاً للمال حقيقة – بناءً على ان المال هو العين فقط – إلا انه لا يشك العرف بان المراد به المعنى المجازي الأعم من أكل المنفعة بقرينة قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا) ومناسبات الحكم والموضوع، والحاصل: ان أكل المنفعة هو أكل المال عرفاً ولا يشك العرف في ظهوره في ذلك. فتأمل
وقد يجاب بان الآيتين أعم ؛ للقرينة وهي مناسبات الحكم والموضوع وشبهها.
وقد يردّ بان الظاهر استفادة العموم من الآيتين بدون عناية وتعمل أو قرينة. فتأمل([8])
الاشكال بمعارضة كلام ابن الاثير بغيره:
كما أشكل في العقد النضيد على السيد الحكيم بـ (ويرد عليه أولاً: ان كلام ابن الاثير معارض بكلمات غيره من اللغويين الذين صرحوا بان المال هو كل شيء يملك)([9]).
كلام لسان العرب:
أقول: ينبغي أولاً نقل كلمات بعض اللغويين في المقام ليتضح واقع الحال
قال ابن منظور في لسان العرب (المالُ: معروف ما مَلَكْتَه من جميع الأَشياء، وفي الحديث: نهى عن إِضاعة المال؛ قيل: أَراد به الحيوان أَي يُحْسَن إِليه ولا يهمَل، وقيل: إِضاعته إِنفاقه في الحرام والمعاصي وما لا يحبه الله، وقيل: أَراد به التبذير والإِسْراف وإِن كان في حَلال مُباح. قال ابن الأَثير: المال في الأَصل ما يُملك من الذهب والفضة ثم أُطلِق على كل ما يُقْتَنَى ويملَك من الأَعيان، وأَكثر ما يُطلق المال عند العرب على الإِبل لأَنها كانت أَكثر أَموالهم. ويقال: تَمَوَّل فلان مالاً إِذا اتَّخذ قَيْنة ومنه قول النبي، (صلى الله عليه وآله) : فليأْكُلْ منه غير مُتَمَوِّل مالاً وغير مُتَأَثِّل مالاً والمعنيان متقاربان وفي الحديث: ما جاءَك منه وأَنتَ غيرُ مُشْرِف عليه فَخْذْه وتَموّله أَي اجعله لك مالاً... قال ابن الأَثير: وقد تكرّر ذكر المال على اختلاف مُسَمَّياتِه في الحديث ويُفرَق فيها بالقَرائن)([10])
وللبحث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
الاحد 9 رجب 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |