بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(75)
وجوه الانصراف عن بيع المنافع
ثم انه إن قيل بانصراف البيع عن بيع المنافع استناداً إلى:
1- مشككية الدلالة لخفاء صدق البيع على بيع المنافع، ويؤكده
([1]) ان كثيراً من الناس قد يصعب عليه حتى تصور التعبير ببيع المنافع إذ يراها إجارة لا بيعاً، نعم الذهن المأنوس بالمباحث الدقيقة يفكك بينهما بسهولة عكس عامة الناس أو الكثير منهم، والعرف ببابك فاسألهم تجد قسماً منهم كذلك مما يدل على خفاء الصدق لخفاء الدلالة فتأمل.
2- مشككية الماهية عرفاً لما سبق من ان العرف يرى العين ومنافعها حقيقة واحدة ذات مراتب ولا يراهما حقيقتين، فتأمل.
3- كثرة استعمال لفظ البيع في بيع الأعيان وندرة استعماله في بيع المنافع، بحيث أوجب أُنساً ذهنياً بالأولى ولا يبعد كونه إلى درجة انه يعد عرفاً كالقيد اللفظي على تأمل، فبها
([2]).
الشك في الانصراف كافٍ في عدم شمول المطلقات
وإلا فالظاهر على الأقل هو الشك في الانصراف ومعه يشك في شمول المطلقات كـ(أحل الله البيع) لغير بيع الأعيان فلا يصح بيع المنافع حينئذٍ.
وذلك هو ما صار إليه الميرزا النائيني قال: (ولا يبعد أن يكون منشأ الاتفاق انصراف الأدلة إلى ما هو المعهود خارجا من جعل المعوّض في البيع عيناً، ولا أقل من الشك في شمول المطلقات لغير العين)
([3])
والظاهر تمامية كلامه، نعم قد يورد عليه بالآتي:
لا يقال: مع الشك في الانصراف فالأصل عدمه ويبقى المطلق بحاله شاملاً لكافة حصصه إذ المانع هو الانصراف وحيث انه أمر وجودي فالأصل عدمه؟
منشأ الشك في الانصراف في المقام من محتمل القرينية المتصل
إذ يقال: كلا؛ وذلك لأنه من محتمل القرينة المتصل ومع وجود محتمل القرينية المتصل لا ينعقد للمطلق إطلاق إذ انعقاده يتوقف على مقدمات ثلاثة منها ان لا يكون هناك قدر متيقن في المقام أو في مقام التخاطب خاصة، ومع وجود الجهات الثلاث الآنفة الذكر فانها وإن لم تنتج الاطمئنان بالانصراف إلا انه توجب الشك فيه وحيث ان الجهات الثلاثة متصلة كانت من محتمل القرينية المتصل فهي قدر متيقن في مقام التخاطب، إذ:
مشككية الدلالة محتمل القرينية (على الفرض من عدم الاطمئنان ببلوغها مرتبة الصارفية بل مجرد الشك) وهو متصل باللفظ بل هو عينه بوجه.
وأيضاً: فان مشككية الماهية التي تعلق البيع بها محتمل القرينية وهو متصل لأنه قرينة مقامية حافة إذ المتعلَّق متصل بالمتعلِّق فانه المدلول عليه به.
وأيضاً: فان كثرة الاستعمال للفظ البيع في بيع الأعيان، محتمل القرينية المتصل لوضوح ان كثرة استعمال البيع في بيع الأعيان كانت سابقة على نزول النصوص القرآنية والروائية لقِدم البيع بقدم التاريخ ولعله بدأ منذ زمن آدم (على نبينا وآله عليه السلام) ومقارِنة ولاحقة، فكثرة الاستعمال إن لم نقل بكونها صارفة فهي مع احتمال صارفيتها من محتمل القرينية المتصل ومع وجود محتمل القرينية المتصل لا ينعقد للمطلق إطلاق، والمقام من المطلق إذ البيع مطلق في قوله تعالى: (أحل الله البيع)، نعم لو وجد عام ففيه كلام سيأتي إذا شاء الله تعالى.
فالمنصور هو ما صار إليه الميرزا النائيني من كفاية احتمال انصراف البيع عن بيع المنافع، لمنع انعقاد إطلاق لمطلقات البيع.
التفصيل بصحة بيع الحقوق دون المنافع
نعم يبقى ان استعمال البيع، على هذا، في بيع المنافع لو استعمله فيه بان قصد نقل سكنى الدار فقال: بعت بدل آجرت، هل هو باطل لكونه غلطاً؟ أو صحيح حتى على كونه غلطاً أو لكونه مجازاً بعلاقةٍ مصححة مع القرينة؛ لوجود القرينة على المراد والقصد والـمُبرِز، وإن كان بلفظ غلط أو مجاز؟ سيأتي بحثه لاحقاً بإذن الله.
ثم ان ما نستظهره هو التفصيل بين المنافع والحقوق بالعدم في الأول اما لعدم صدق البيع على نقل المنافع أو للشك في صدقه على الأقل الموجب لعدم انعقاد إطلاق المطلقات وعدم شمولها له لذلك؛ لما سبق، والصدق في الثاني لصدق البيع عرفاً على نقل الحقوق، وهذا التفصيل هو الذي ذهب إليه الميرزا التبريزي وهو المنصور كما سيأتي بيانه في بحث بيع الحقوق، قال: (ثم إنه يبقى في البين أنّ عنوان البيع ينطبق عرفاً على نقل بعض الحقوق إلى الغير بالعوض كما إذا ترك له حق سبقه إلى السوق أو إلى بعض الخانات أو المسجد ونحوها، ودعوى المسامحة في الإطلاق لا تخلو عن مجازفة، حيث لا ترى فيه أي مسامحة أو تجوّز، فالمنع عن جريان الأحكام المختصّة بالبيع على ذلك النقل، بأن لا يكون فيه خيار المجلس والتلف قبل القبض ونحوهما، مشكل جداً.
نعم لا يطلق البيع على تمليك المنفعة، بل قوله: ملّكت منفعة الدار لسنة بكذا بمنزلة قوله: آجرتها بذلك العوض، ولو قال: بعت منفعتها سنةً بكذا تجري عليه أحكام الإجارة بناءً على ما هو الأظهر من صحة الإجارة ونحوها بما إذا كان إنشاؤها بالكناية أو المجاز الظاهرين)
([4]).
وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================