73- منشأ الانصراف الخامس والسادس: الاكملية و الغاية وفرقها عن مناسبات الحكم والموضوع، وامثلة ومناقشات
الاحد 24 جمادى الآخرة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(73)
5- الانصراف، لاكملية بعض الأفراد
المنشأ الخامس من مناشئ الانصراف: الانصراف لاكملية بعض الأفراد أي لكون بعضها أكمل من سائر الأفراد وذلك كانصراف (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([1]) إلى أكمل الأفراد وهم الإمام علي (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام)، وكانصراف صيغة الأمر بناء على وضعها لمطلق الطلب إلى الوجوب لأنه أكمل صنفي الطلب إذ الطلب قد يكون مع المنع من النقيض فهو الوجوب أولا فالاستحباب.
وقال الميرزا النائيني: (ثم إن صيغة افعل حيث أنها من مصاديق الامر ونسبتها إليه نسبة المصداق إلى المفهوم فيكون الامر في الدلالة على الوجوب كالصيغة في الدلالة عليه واما التفكيك بينهما في ذلك فهو وإن كان بالنظر البدوي أمرا ممكنا بأن يقال بدلالة الصيغة على الوجوب دون الامر أو بالعكس الا انه خلاف التحقيق لما ستعرف من أن دلالة الصيغة على الوجوب انما هو بوجه يشبه الانصراف)([2]). فتأمل
لكن من الواضح ان أكملية بعض الأفراد لا توجب الانصراف المستقر إليها؛ ألا ترى انه لو قال جئني بعالم أو زُرْ عالماً لعمّ أي عالم ولم يختص بأعلم العلماء بدعوى انه أكمل الأفراد؟.
واما الآية الشريفة فاختصاصها بعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) بالروايات المتواترة، بل يدل على الاختصاص بهم (عليهم السلام) الانصراف أيضاً لكن الناشئ من مناسبات الحكم والموضوع فان الولاية إذا كانت لله وللرسول (صلى الله عليه وآله) كانت بعدهما لأكمل الأفراد لا لعامة الأفراد فان خصوصية الولاية التامة العامة هي كذلك إضافة إلى ان قرْنها بولاية الله ورسول (صلى الله عليه وآله) يقتضي ذلك([3])، واما الصيغة فعلى فرض وضعها لمطلق الطلب فالانصراف للواجب منه بدوي.
فرق الانصراف إلى الاكمل عن الانصراف عن الادنى
لا يقال: ان الأكملية لا تكون إلا بمشككية الماهية فكيف لا تكون موجبة للانصراف وقد سبق في القسم الثالث ان مشككية الماهية كثيراً ما توجب مشككية الدلالة عرفاً وانصراف الدليل عن الفرد القاصر والأضعف من الماهية؟.
إذ يقال: ذلك كما ذكر فان الأكملية لا تكون إلا مع المشككية، إلا ان الانصراف هناك مستقر لكونه في طرف الضعف والسلب وههنا ليس بمستقر لكونه في طرف القوة والكمال والإيجاب، والأول يوجب الانصراف المستقر (عن الأضعف) أما الثاني فلا يوجب الانصراف المستقر (إلى الأقوى)([4]).
بيانه: ان الماهية في طرف ضعفها ومراتبها الدانية قد تبلغ من الضعف بحيث يكون في صدق المفهوم والكلي الطبيعي عليها عرفاً خفاءٌ فينصرف عنها، لكنها في طرف قوتها ومراتبها العالية وإن كانت من القوة بحيث يكون صدق المفهوم عليها ظاهراً جداً عرفاً إلا انه لا يسبب الانصراف إليه إذ المفهوم لا يزال ظاهر الدلالة على المراتب المتوسطة أيضاً فلا خفاء في دلالته على سائر المراتب (غير الدانية جداً) كي ينصرف عنها اللفظ.
والحاصل: ان الاكمل أظهر في انطباق المفهوم عليه وهذا لا يمنع انطباق المفهوم على الكامل الظاهر وظهوره في عمومه له، اما الأضعف فانطباق المفهوم عليه عرفاً خفي لذا ينصرف عنه.
فقد ظهر وجه الفرق بين الانصراف عن المرتبة الدانية من الماهية المشككة لانها اخفى وعدم الانصراف إلى المرتبة العالية لأنها وإن كانت أظهر إلا ان غيرها ظاهر أيضاً.
وللتقريب للذهن نمثل بان وزان الأكمل مع الكامل وِزان المطلق والمقيد المثبتين حيث لا يقيد احدهما الآخر إذ لا مانعة جمع ولا وجه للحمل.
6- الانصراف؛ للغاية والحاجة
المنشأ السادس: الانصراف نظراً إلى الغاية المرتكزة في الأذهان من طلب هذا الموضوع أو النهي عنه: فلو قال (اشتر كيلواً من البيض) انصرف – إنصرافاً مستقراً – إلى كيلو من بيض الدجاج لا الحمام ولا النعام وذلك بسبب الغاية المعهودة من طلب شراء البيض وهو أكل ما تعوّد على أكله.
والأوضح التمثيل بما لو قال: جئني بعامل مع حاجته في البيت إلى بنّاء أو صبّاغ أو نجّار، فانه (العامل) ينصرف إلى البنّاء في الأول والصباغ في الثاني والنجار في الثالث وهكذا.
نعم يمكن إدراج الانصراف بلحاظ الغاية في مناسبات الحكم والموضوع لكنه توسّع في التعبير وتسامح فان الغاية ليست من الموضوع بل هي من (مناسبات الحكم والغاية) فالأولى افرادها بالذكر. هذا.
انصراف (وَلِيُنذِرُوا) عن بيان الواجبات والمحرمات بدويٌّ
وقد مثّل الميرزا النائيني للانصراف الابتدائي بقوله تعالى: (وَلِيُنذِرُوا) وانه وإن انصرف إلى مثل الإنذار بالنار والعقوبة لكنه ابتدائي فيبقى عاماً شاملاً للإنذار التبعي وإن لم يكن الأمر في مدلوله المطابقي إنذاراً كقولك له (هذا واجب) فان مدلوله الالتزامي هو: فلو تركته استحققت عليه العقاب، لا المطابقي.
قال الميرزا: ("الثانية" ان لفظ الانذار وإن كان ينصرف إلى الابتدائي بذكر عوالم البرزخ والنار وأمثالها كما هو شأن الوعاظ إلا أنه ابتدائي لا يوجب اختصاص اللفظ به فيكون الانذار المذكور في الآية أعم منه ومن الانذار التبعي الضمني الملازم لبيان الواجبات والمحرمات ولو سلم الانصراف الحقيقي فوقوعه متفرعا على التفقه يكون قرينة موجبة لصرفه إلى خصوص الانذار التبعي الموجود في فتوى الفقيه أو اخبار الراوي)([5])
مؤكدان لعدم الانصراف
لكن ذلك بحاجة إلى تحقيق وتدقيق في وجه عدم الانصراف ولعله يأتي، ولكن لنكتفِ الآن بمؤيدين لعدم الانصراف إلى خصوص الإنذار بالعقوبة وللبقاء على العموم الذي هو مقتضى إطلاق (لينذروا) فان شامل للإنذار المطابقي والالتزامي:
الأول: قوله تعالى قبل ذلك (ليتفقهوا) كما أشار إليه الميرزا؛ فان ينذروا وقع غاية له وإن كان بظاهره عطفاً فيظهر منه ان بيان نفس المتفقّه فيه هو نوع إنذار. فتأمل
الثاني: قوله تعالى بعد ذلك (لعلهم يحذرون) فانه وقع غاية (وَلِيُنذِرُوا) ومن الواضح ان (لعلهم يحذرون) أعم من الأمرين فانه([6]) مطلوب عند كلا نوعي الإنذار.
وبعبارة أخرى مناسبات الحكم والموضوع والتعليل بالغاية موجبان لتأكد العموم وعدم الانصراف وقد يناقش في بعض ما ذكر إلا انّ المجموع لعله يورث الاطمئنان بعدم الانصراف، ومزيد البيان والإيضاح ودفع الدخل عن ذلك موكول إلى باب حجية خبر الثقة. والله المستعان
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
الاحد 24 جمادى الآخرة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |