62- تحقيق حول ان مصب التعارض هو الاصول العقلائية وهي عشرة وتطبيق ذلك على الخاص والعام
الاربعاء 1 جمادى الأولى 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(62)
مطالب عن الدلالة التصديقية يتنقح بها مصب التعارض
تحديد مصب الدلالة التصديقية
الأول: ان الدلالة التصديقية، عكس الدلالة التصورية، ليس مصبها علاقة اللفظ بالمعنى بل مصبها اما علاقة اللفظ بما له من المعنى باللافظ واما علاقته بالواقع:
توضيحه: ان ههنا أطرافاً أربعة هي اللفظ والمعنى واللافظ والواقع:
فدلالة اللفظ على معناه هي دلالة تصورية – كما سبق في البحث الماضي – ولا مجال للتصديق مادمنا في حريم اللفظ والمعنى وفي مرحلة الحمل الذاتي الأولي حتى مع لحاظ النسبة.
واما دلالة اللفظ بما له من المعنى على ان لافظه قد استعمله فيه – أي ما له من المعنى الموضوع له – فهي دلالة تصديقية لو وجدت، لكنّ اللفظ لا يدل على ذلك بل إنما الدال هو الأصول العقلائية المنقحة لحالات اللافظ المستندة إلى كون ذلك مقتضى الحكمة، وذلك كأصالة الحقيقة التي تعني ان الأصل في الحكيم العالم بالوضع بما هو حكيم([1]) انه يستعمل اللفظ في معناه الموضوع له إذا استعمله من دون قرينة.
الإرادتان الجدية والاستعمالية في دائرة علاقة اللفظ بلافظه
الثاني: ان الإرادتين الاستعمالية والجدية، كلتاهما مصبهما هو علاقة اللفظ بما له من المعنى بلافظه، لا علاقة اللفظ بمعناه، فان الإرادة الاستعمالية تعني استعمال اللفظ في معناه الموضوع له، والاستعمال شأن المستعمِل وهو اللافظ، فاستعماله اللفظ في معناه الحقيقي عملٌ وحال له، وأولى منه الإرادة الجدية.
والحاصل: ان تصديقنا بانه استعمل اللفظ في معناه الموضوع له أولاً وانه اراده منه جِداً ثانياً، ليس منوطاً بعلاقة اللفظ بما له من المعنى بمعناه فانه أجنبي عن دائرة التصديق بل هو منوط بالدوالّ على نحوِ الاستعمال([2]).
لا دلالة للفظ على المطابقة للواقع
واما الدلالة على ان اللفظ بما له من المعنى مطابقة للواقع فانها أجنبية عن اللفظ والمعنى بما هما هما؛ إذ الجملة الخبرية بما هي هي مجرد دعوى لا تتكفل بالدليل على مطابقتها للواقع، وكونها خبرية أعم من المطابقة واللامطابقة والصدق والكذب.
بل المتكفل لإثبات التطابق بين الخبر والمخبر عنه هو حال اللافظ([3])؛ ولذا كان خبر الثقة حجة، وحيث لا يوجد أصل في عالم اللفظ والمعنى محرز لتطابقه مع الواقع كما لا أصل في محيط اللفظ واللافظ بما هو لافظ والواقع يحرز كون اللافظ لا بد أن لا يخبر إلا عن المطابق للواقع، كانت الأدلة الخارجية، كحالة اللافظ نفسه، هي المحرز ككونه ثقة متحرزاً عن الكذب ضابطاً مصوناً عن الخطأ.
فاتضح ان عالم التصديق خارج عن محور دلالة اللفظ على المعنى، بل مصبُّه محور اللافظ – اللفظ – المعنى وكذا اللفظ بما له من المعنى – الواقع، وهو معلول للأصول العقلائية المحرزة أو الأدلة المثبتة.
أنواع العلاقة بين اللافظ واللفظ والمعنى
الثالث: ان اللافظ بالقياس إلى اللفظ والمعنى من جهة القصد والالتفات والإلفات والإرادة، على أقسام:
1- فقد لا يكون ملتفتاً للفظ ولا للمعنى، فلا مجال لتوهم الاستعمال والإرادة الجدية والالفات هنا.
2- وقد يكون ملتفتاً إليهما ملفتاً لهما مريداً.
3- وقد يكون ملتفتاً إليهما غير ملفت.
4- وقد يكون ملتفتاً إليهما ملفتاً لهما غير مريد لهما.
5- وقد يكون ملتفتاً للفظ لا لأصل المعنى أو لا لخصوص هذا المعنى.
6- وقد يكون ملتفتاً ملفتاً لكن كارهاً.
7- وقد يكون كذلك لكن مضطراً.
والأول: كالنائم والمغمى عليه وهل يوجد ههنا أصل حينئذٍ ينقّح كون مشكوك النوم والاغماء، صاحياً؟.
والثاني: كالكلام الصادر من الصاحي في مقام الجد لا عن إكراه واضطرار.
والثالث: كالمتمرن والممرِّن، وقد يكون المتمرن من النوع الخامس أيضاً، فان من يًمرّن غيره على التصريف: أ- قد يكون ملتفتاً لمعاني الجمل لكنه لا يقصد إلفات تلميذه إليها بل مقصده تركيز الطالب على كيفية تصريف الكلمة وكذا من يمرّن غيره على التجويد أحياناً، ب- وقد لا يكون هو بنفسه ملتفتاً للمعاني بل غارقاً في فنون التجويد والترخيم والتفخيم والمد والامالة وشبه ذلك فيكون من القسم الخامس من قسم الأول.
والرابع: مثل الهازل.
والخامس: كالغالط فهو على قسمين، وكبعض أنواع المتمرن.
السادس والسابع: المكره والمضطر
والفرق بينهما هو في المصب والسبب: فالمكره مكره على الفعل نفسه أما المضطر فليس مكرهاً على نفس الفعل بل انه مكره على أمر آخر فيختار بنفسه وبطوعه هذا الأمر لدفع ذاك، ولذا كانت أحكامهما مختلفة.
فمثلاً: لو أُكرهت على الزواج بطل إلا بإجازة لاحقة منها، ولو اضطرت إليه صح كما لو احتاجت إلى مال لعلاج مرض أمها مثلاً فاضطرت للزواج ممن تكره الزواج به، فانها مضطرة غير مكرهة وزواجها صحيح فان عدم صحته خلاف مقتضى الامتنان.
التعارض بين الأصول العقلائية
الرابع: بعد تحقيق ذلك يظهر ان التعارض يقع بين هذه الأصول العقلائية الدالة على الالتفات والإلفات والقصود والإرادات الجدية([4]) وليس في مرحلة دلالة الألفاظ على معانيها بما هي هي، واما دلالة الألفاظ على المطابقة للواقع أو للمراد الجدي فسالبة بانتفاء الموضوع كما ظهر مما سبق. فتدبر جيداً
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
الاربعاء 1 جمادى الأولى 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(62)
مطالب عن الدلالة التصديقية يتنقح بها مصب التعارض
تحديد مصب الدلالة التصديقية
الأول: ان الدلالة التصديقية، عكس الدلالة التصورية، ليس مصبها علاقة اللفظ بالمعنى بل مصبها اما علاقة اللفظ بما له من المعنى باللافظ واما علاقته بالواقع:
توضيحه: ان ههنا أطرافاً أربعة هي اللفظ والمعنى واللافظ والواقع:
فدلالة اللفظ على معناه هي دلالة تصورية – كما سبق في البحث الماضي – ولا مجال للتصديق مادمنا في حريم اللفظ والمعنى وفي مرحلة الحمل الذاتي الأولي حتى مع لحاظ النسبة.
واما دلالة اللفظ بما له من المعنى على ان لافظه قد استعمله فيه – أي ما له من المعنى الموضوع له – فهي دلالة تصديقية لو وجدت، لكنّ اللفظ لا يدل على ذلك بل إنما الدال هو الأصول العقلائية المنقحة لحالات اللافظ المستندة إلى كون ذلك مقتضى الحكمة، وذلك كأصالة الحقيقة التي تعني ان الأصل في الحكيم العالم بالوضع بما هو حكيم([1]) انه يستعمل اللفظ في معناه الموضوع له إذا استعمله من دون قرينة.
الإرادتان الجدية والاستعمالية في دائرة علاقة اللفظ بلافظه
الثاني: ان الإرادتين الاستعمالية والجدية، كلتاهما مصبهما هو علاقة اللفظ بما له من المعنى بلافظه، لا علاقة اللفظ بمعناه، فان الإرادة الاستعمالية تعني استعمال اللفظ في معناه الموضوع له، والاستعمال شأن المستعمِل وهو اللافظ، فاستعماله اللفظ في معناه الحقيقي عملٌ وحال له، وأولى منه الإرادة الجدية.
والحاصل: ان تصديقنا بانه استعمل اللفظ في معناه الموضوع له أولاً وانه اراده منه جِداً ثانياً، ليس منوطاً بعلاقة اللفظ بما له من المعنى بمعناه فانه أجنبي عن دائرة التصديق بل هو منوط بالدوالّ على نحوِ الاستعمال([2]).
لا دلالة للفظ على المطابقة للواقع
واما الدلالة على ان اللفظ بما له من المعنى مطابقة للواقع فانها أجنبية عن اللفظ والمعنى بما هما هما؛ إذ الجملة الخبرية بما هي هي مجرد دعوى لا تتكفل بالدليل على مطابقتها للواقع، وكونها خبرية أعم من المطابقة واللامطابقة والصدق والكذب.
بل المتكفل لإثبات التطابق بين الخبر والمخبر عنه هو حال اللافظ([3])؛ ولذا كان خبر الثقة حجة، وحيث لا يوجد أصل في عالم اللفظ والمعنى محرز لتطابقه مع الواقع كما لا أصل في محيط اللفظ واللافظ بما هو لافظ والواقع يحرز كون اللافظ لا بد أن لا يخبر إلا عن المطابق للواقع، كانت الأدلة الخارجية، كحالة اللافظ نفسه، هي المحرز ككونه ثقة متحرزاً عن الكذب ضابطاً مصوناً عن الخطأ.
فاتضح ان عالم التصديق خارج عن محور دلالة اللفظ على المعنى، بل مصبُّه محور اللافظ – اللفظ – المعنى وكذا اللفظ بما له من المعنى – الواقع، وهو معلول للأصول العقلائية المحرزة أو الأدلة المثبتة.
أنواع العلاقة بين اللافظ واللفظ والمعنى
الثالث: ان اللافظ بالقياس إلى اللفظ والمعنى من جهة القصد والالتفات والإلفات والإرادة، على أقسام:
1- فقد لا يكون ملتفتاً للفظ ولا للمعنى، فلا مجال لتوهم الاستعمال والإرادة الجدية والالفات هنا.
2- وقد يكون ملتفتاً إليهما ملفتاً لهما مريداً.
3- وقد يكون ملتفتاً إليهما غير ملفت.
4- وقد يكون ملتفتاً إليهما ملفتاً لهما غير مريد لهما.
5- وقد يكون ملتفتاً للفظ لا لأصل المعنى أو لا لخصوص هذا المعنى.
6- وقد يكون ملتفتاً ملفتاً لكن كارهاً.
7- وقد يكون كذلك لكن مضطراً.
والأول: كالنائم والمغمى عليه وهل يوجد ههنا أصل حينئذٍ ينقّح كون مشكوك النوم والاغماء، صاحياً؟.
والثاني: كالكلام الصادر من الصاحي في مقام الجد لا عن إكراه واضطرار.
والثالث: كالمتمرن والممرِّن، وقد يكون المتمرن من النوع الخامس أيضاً، فان من يًمرّن غيره على التصريف: أ- قد يكون ملتفتاً لمعاني الجمل لكنه لا يقصد إلفات تلميذه إليها بل مقصده تركيز الطالب على كيفية تصريف الكلمة وكذا من يمرّن غيره على التجويد أحياناً، ب- وقد لا يكون هو بنفسه ملتفتاً للمعاني بل غارقاً في فنون التجويد والترخيم والتفخيم والمد والامالة وشبه ذلك فيكون من القسم الخامس من قسم الأول.
والرابع: مثل الهازل.
والخامس: كالغالط فهو على قسمين، وكبعض أنواع المتمرن.
السادس والسابع: المكره والمضطر
والفرق بينهما هو في المصب والسبب: فالمكره مكره على الفعل نفسه أما المضطر فليس مكرهاً على نفس الفعل بل انه مكره على أمر آخر فيختار بنفسه وبطوعه هذا الأمر لدفع ذاك، ولذا كانت أحكامهما مختلفة.
فمثلاً: لو أُكرهت على الزواج بطل إلا بإجازة لاحقة منها، ولو اضطرت إليه صح كما لو احتاجت إلى مال لعلاج مرض أمها مثلاً فاضطرت للزواج ممن تكره الزواج به، فانها مضطرة غير مكرهة وزواجها صحيح فان عدم صحته خلاف مقتضى الامتنان.
التعارض بين الأصول العقلائية
الرابع: بعد تحقيق ذلك يظهر ان التعارض يقع بين هذه الأصول العقلائية الدالة على الالتفات والإلفات والقصود والإرادات الجدية([4]) وليس في مرحلة دلالة الألفاظ على معانيها بما هي هي، واما دلالة الألفاظ على المطابقة للواقع أو للمراد الجدي فسالبة بانتفاء الموضوع كما ظهر مما سبق. فتدبر جيداً
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================