24- مدخلية القبول في البيع وسائر العقود ، في الماهية او في الوجود؟ ودليل الطرفين ـ تحقيق كلام الشيخ في ان العلاقة بين انشاء البيع والقبول هي كالعلاقة بين الايجاب والوجوب لا كالعلاقة بين الكسر والانكسار
الاحد 1 ربيع الاول 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(24)
نوع مدخلية القبول في العقود:
ومن تعاريف البيع ما تضمّن (تعقبه بتملّك المشتري) بان يُعرّف مثلاً بانه (انشاء تمليك عين بمال) وهو تعريف الشيخ[1] لكن بأضافة (متعقّباً بتملّك المشتري)، او نظائره[2].
من وجوه تفصيل الاعلام النقاش في التعاريف
وقد جرى دأب الاعلام على بحث نوع مدخلية القبول في العقود في ضمن التطرق لذكر هذا القيد في التعريف، كما انه جرى ديدنهم على بحث سائر المطالب الدقيقة او الاساسية في ضمن تناولهم التعاريف بالنقد والتقييم كبحثهم عن صحة بيع المنافع وكذا الحقوق وعدمها في ضمن بحث مفاد تعريف البيع بـ(مبادلة مال بمال) وتأييد هذا التعريف او ايراد التقوض عليه ، كما جرى بحث حقيقة القرض والرهن والهبة والصلح وغيرها وفرقها عن البيع في ضمن تحليل هذا التعريف ايضاً.
ومن ذلك تظهر فائدة اخرى في هذا البحث المطوّل عن تعريف البيع ونقضه او تأييده بوجوه شتى، اذ قد يتوهم قلة جدوائيته نظراً لان حقيقته معروفة بالوجدان والعرف وان النزاع اصطلاحي، اذ قد اجبنا عن ذلك بأجوبة عديدة تضاف هذه لها وهي انهم اتخذوا مباحث التعاريف وتقييمها ذريعةً لطرح اهم المباحث الفقهية والاصولية واحياناً الحَكَمية الفلسفية.
وان شئت فقل: ان ذلك هو نوع مدخل لتناول المباحث ونوع تنظيم وعلة صورية تضم كافة المباحث المتنوعة التي تتعلق بالبيع وشبهه مما لا يجمعها جامع آخر او ما يكون هذا اسهل منه. فتأمل
نعم، لاشك في انه يمكن اتخاذ مداخل وعلل صورية افضل للولوج الى امثال تلك المباحث، الا ان الكلام هو في ان هذه المناقشات الاصطلاحية ليست كما تبدو بظاهرها معارك على المصطلحات الا عَرَضاً او في الجملة اذ هي في عمدتها مداولات ومناقشات في مباحث اساسية وجوهرية.
الاستدلال على مدخلية القبول في البيع بالتبادر وغيره
(احدها: التمليك المذكور) أي التمليك بعوض (لكن بشرط تعقبه بتملك المشتري) فالبيع انشاء تمليك عين بمال متعقباً بتملك المشتري (واليه نظر بعض مشايخنا ، حيث اخذ قيد((التعقيب بالقبول))) مأخوذاً (في تعريف البيع المصطلح) لدى المتشرعة (ولعله) أي هذا الاشتراط (لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ) أي لفظ البيع فاذا قال القائل : بعت كتابي، كان المتبادر منه انه باعه وان المشتري قبل ذلك، ( بل وصحة السلب عن المجرد) عن القبول فاذا انشأ زيد البيع ولم يقبل خالد ، صح ان يقال انه ليس ببيع (ولهذا لا يقال: باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره) فان هذا يدل على اشتراط القبول في صدق البيع (و) كذلك.
يستفاد من قول القائل: بعت مالي: انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط )[5].
الجواب: الفرق بين مقوم الماهية وشرط الوجود
ومن هنا يبدأ البحث عن حقيقة ونوع مدخلية القبول في البيع وانه مقوم الماهية او شرط الوجود، فقد اجاب الشيخ عن ذلك المدعى - وبعبارة اخرى – بالفرق بين مقوم الماهية وبين شرط الوجود وبان القبول شرط وجود البيع المؤثر وليس مقوماً لمفهومه وماهيته.
ههنا انصراف، لا تبادر، ووجهه
كما اجاب عن دعوى تبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ، بانه للانصراف لا للتبادر مرتئياً ان البيع (أي انشاء تمليك عين بمال) له فردان: الايجاب والايجاب المثمر او فقل الانشاء المثمر والانشاء غير المثمر وان القرينة المعينة، لا الصارفة، هي التي عيّنت في مثل قوله (بعت) و (باع) ونظائرهما ارادَة الايجاب المثمر؛ وذلك[6] لوضوح ان البيوع ونظائرها يراد بها غاياتها وثمراتها، فعندما يقال بعت واشتريت يراد، بالقرينة الحالية، ما كان منشأ الاثر من فردي البيع وهو الايجاب المثمر وهو المتعقب بالقبول، نعم لو كان البحث في دائرة علم المنطق او الفلسفة او فقه اللغة في تحليل مفهوم البيع مثلاً لما كان وجهٌ للانصراف اذ لا قرينة حالية مقامية معينة لارادة البيع المثمر.
قال الشيخ: ((اقول : اما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول ، فالظاهر انه ليس مقابلاً للاول ) أي المعنى الذي ذكرنا من انه انشاء تمليك عين بمال (وانما هو) أي الايجاب المتعقب (فرد) من افراد البيع (انصرف اليه اللفظ) أي لفظ البيع (في مقام قيام القرينة على ارادة الايجاب المثمر) وانما انصرف لفظ البيع اليه (اذ لا ثمرة في الايجاب المجرد ) وهذا كانصراف الانسان الى العاقل لعدم الفائدة في الانسان المجنون لا ان الانسان موضوع للعاقل فقط (فقول المخبر: بعت، انما اراد الايجاب المفيد ، فالقيد مستفاد من الخارج ، لا ان البيع مستعمل في الايجاب المتعقب للقبول، وكذلك لفظ النقل والابدال والتمليك وشبهها، مع انه لم يقل احد بان تعقيب القبول له دخل في معناها)[7].
والحاصل: ان القبول شرط الوجود أي انه لكي يتحقق خارجا النقل والتمليك والبيع لابد من تعقب الايجاب بالقبول وليس مقوم المفهوم و جزء ماهية البيع[8].
ثم ان الحق حسب ما استظهرنا ، سابقاً هو تعدد الاطلاقات، فراجع، وعليه فان البيع بالإطلاق الاول حاله كما ذكره الشيخ اما البيع بالإطلاق الثاني فحاله عكسه[9] فتدبر جيداً.
الفرق بين الكسر والانكسار والايجاب والوجوب
ثم ان الشيخ لتوضيحه مدعاه وبرهنته استشهد بـ(فالبيع وما يساويه معنىً من قبيل الايجاب والوجوب لا الكسر والانكسار كما تخيله بعض فتأمل)
من وجوه اختلاف التكوينات عن الاعتباريات
وتوضيحه: ان الامور التكوينية كالكسر والانكسار تختلف عن الامور الاعتبارية كالايجاب والوجوب (والمراد ايجاب الآمر امراً على المأمور، وثبوت وجوب عليه بذلك الايجاب) فان الامور التكوينية لا يعقل القول فيها بالانفكاك في مثل الكسر والانكسار بين الفعل والانفعال ثبوتا واثباتا أي في مرحلة الواقع والخارج وفي مرحلة الاعتبار لدى المتكلم والسامع فانه اذا حدث الكسر حدث الانكسار قطعاً واذا لم يحدث الانكسار لم يحدث الكسر جزماً هذا ثبوتاً ، كما انه لا يمكن التفكيك بين الكسر والانكسار بحسب الاعتبار وبحسب المعتبِرين بان يقال مثلاً حدث الكسر بنظري لكن لم يحدث الانكسار (ولا الكسر) بنظر العقلاء او العكس.
اما الامور الاعتبارية فيمكن الالتزام بالتفكيك فيها بحسب انظار المعتبرين فيقال مثلاً اوجبت عليه ان يفعل كذا لكن العقلاء (حيث كان الآمر ادنى مثلاً) او الشارع ( حيث كان الآمر فاسقاً غير ولي مثلاً ) لا يرون حصول الوجوب بذلك فقد جرى التفكيك بين الايجاب (لحصوله في نظر الآمر) وبين الوجوب (بعدم حصوله بنظر العقلاء حيث لم يتعقب بالقبول) كما انه قد يقال بانه يصح التفكيك بين الايجاب والوجوب ثبوتاً ايضاً. وسيأتي ما فيه[10].
قال السيد الوالد في ايصال الطالب الى المكاسب (( فالبيع وما يساويه معنى ) من النقل وما اشبه ، وقوله: ((معنى)) أي ماهو بمعنى البيع (من قبيل الايجاب والوجوب) من الامور الاعتبارية التي يمكن اختلاف الانظار فيها فزيد اذا امر عمراً كان معتبِراً للوجوب وان لم يعتبر العقلاء كونه واجباً لعدم حق لزيد في الايجاب (لا الكسر والانكسار) من الامور الخارجية التي لا يمكن اختلاف الانظار فيها ، بل اما ان يحصل الانكسار بنظر الكل أو لا يحصل بنظر الكل، ومنه يظهر انه من الممكن تحقق الانتقال بنظر البائع الناقل لانه اوجد المؤثر الاعتباري فلابد ان يوجد الاثر الاعتباري بنظره مع عدم تحقق الانتقال بنظر العقلاء – أي في الخارج - كما تخيله بعض) من ان البيع كالكسر والانكسار (فتأمل)[11].
والحاصل: ان الشيخ ارتأى بان البيع غير متوقف على القبول مستدلاً بـ (لأنه من قبيل الايجاب والوجوب) وعليه : فالبيع حاصل بالانشاء وان لم يتعقب بالقبول ، وحصوله بنظر البائع غير ملازم لحصوله بنظر العقلاء حيث وجدوه غير متعقب بالقبول، هذا توضيح مراد الشيخ وسيأتي ما يرد عليه مما ربما اشار اليه بقوله فتأمل.
كما سيأتي ان الميرزا النائيني في حاشيته شرح مقصود الشيخ من هذه الجملة (من قبيل الايجاب والوجوب لا الكسر والانكسار) بغير مراد الشيخ وبغير المجدي في المبحث اصلاً، كما انه اشكل عليه تبعاً لشرحه (غير المطابق لمراد الشيخ بل وغير المطابق لظاهر كلام الشيخ) بما لا يرد عليه وان ورد على خصوص ما شرحه وفهمه.
كما يرد على كلامه – النائيني – حتى مع قطع النظر عن ذلك ، اشكال آخر ، فانتظر.
وللحديث صلة..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
=========================
الاحد 1 ربيع الاول 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |