19- مناقشة كلام الاصفهاني (التنافي بين الدلالتين بالعرَض لان الحجية من باب الكاشفية النوعية) وكلامية عن اتحاد الدال والمدلول
الاربعاء 21 محرم 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(19)
الاصفهاني: الدالان بما هما كاشفان غير متمانعين
وقال المحقق الاصفهاني: (وأما الدالان – بما هما كاشفان – فغير متمانعين في الوجود بالذات، بل بالعرض؛ إذ ليس الكلام في المقام في الكاشفين بالكشف التصديقي القطعي أو الظني – الفعلي حتى يستحيل اجتماعهما بالذات، بل في الكاشفين بالكشف النوعي، ومن البين إمكان اجتماعهما في الوجود: فان المفهومين غير متمانعين، بل التمانع في مطابقهما.
والكاشف في مرتبة كشفه النوعي لا يتقوم إلا بمكشوفين بالذات لا تمانع بينهما من حيث نفسهما، لكنه يوصف الدالان بوصف المدلول – بالحمل الشايع – بالعرض، لما بينهما من الاتحاد جعلاً واعتباراً، فتنافي المدلولين واسطة في عروض التنافي على الدالين، لا واسطة في الثبوت)([1]).
المناقشات
أقول: قد يتأمل في كلامه من جهات:
الدالان بما هما كاشفان نوعاً، متمانعان ذاتاً
منها: ان الظاهر ان الدالين بما هما كاشفان بالكشف النوعي متمانعان في الوجود بالذات لا بالعرض، وما ذكره من عدم التمانع إنما يصح في الكاشف الشأني لا الكاشف النوعي وربما حصل الوهم([2]) من خلط الحجية الشأنية بالحجية النوعية.
بيان ذلك: ان الكشف النوعي، وكذا الظن النوعي، يقع في مقابل الكشف والظن الشخصي، ويعني الكاشفية لدى نوع الناس والعقلاء([3]) وهذا هو معنى الحجية من باب الظن النوعي أو الكشف النوعي إذ تعني ما يورث الظن لعامة الناس وغالبهم([4]) وحينئذٍ فانه كما يستحيل اجتماع ظنين شخصيين على الخلاف بان يظن المكلف شخصاً – أي بشخصه - فعلاً بوجوب الجمعة ويظن فعلاً بحرمتها، كذلك يستحيل ان يكون الخبران حجتين ظنيتين نوعيتين بالفعل إذ كيف يعقل ان يورث هذا الخبر الظن فعلاً لعامة الناس بحرمة الجمعة ويورث الخبر الآخر في الوقت نفسه الظن فعلاً لعامة الناس بوجوبها؟
وبما هما كاشفان شأناً، غير متمانعين
واما الظن والكشف الشأني وكذا الحجية الشأنية فانها تقع في مقابل الظن الفعلي، ويراد به الاقتضاء أي ما كان فيه اقتضاء إيراث الظن، ومن الواضح عدم تعاند صِرف اقتضاء هذا لأن يورث الظن مع اقتضاء قسيمه لأن يورث الظن المعاكس فكما لا يمتنع اجتماع ظنين شأنيين نوعيين متضادين كذلك لا يمتنع اجتماع ظنين شأنيين شخصيين متضادين وكذلك الحال في الحجتين الشأنيتين النوعيتين أو الشخصيتين.
ولعل منشأ الخلط نشأ من ملاحظته إمكان اجتماع ظنين نوعيين وإن كانا متخالفين في شخص واحد مادام لا يشترط إيراثها الظن الشخصي بالوفاق فقد يَظُنُّ بهذا بنسبة 70% ويحتمل الآخر بنسبة 30% أو يحتمل كلّا منهما بنسبة 50% ومع ذلك كلاهما حجة إذ الحجية غير منوطة بالظن الشخصي بالوفاق بل بإيراثها الظن لعامة الناس، وهي كذلك.
ولكن فيه ان ذلك وإن صح ان الا التنافي متحقق في مرحلة سابقة وليس في الشخص إذ هو في مرحلة حجيتهما معاً بالفعل نوعاً إذ معنى ذلك ان هذا يورث الظن فعلاً لعامة الناس (وإن لم يشترط إيراثه الظن لهذا الشخص) وذاك المعارض له يورث الظن فعلاً لعامة الناس، وكيف يمكن اجتماع ظنّين فعليين بالخلاف لعامة الناس؟
دلالة القول بالتساقط أو عدم الشمول، على التمانع
ولذلك ذهب مشهور المتأخرين إلى التساقط لدى التعارض وذهب جمع إلى عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين رأساً، وأما من ذهب إلى التخيير فللأدلة الخاصة، واما على المسلك المنصور من ان الأصل الأولي هو التخيير لبناء العقلاء فتحليل الأمر يعود إلى ما فصلناه في بحث تقليد الأعلم من العرض العريض لأدلة الحجية وغيره من الوجوه([5]) وان بناء العقلاء على التخيير هو لاكتفاءهم – توسعةً – لدى التعارض بالكاشفية الاقتضائية الذاتية التي في كل من الخبرين وبقيد ان تكون فعلية تامة لولا المعارض مع لحاظهم كاشفيتها الفعلية النوعية الإجمالية أي حتى من دون ان تبلغ مرتبة الظن فيكتفون بإيراثها الاحتمال العقلائي بنسبة خمسين بالمائة مثلاً لتصحيح التمسك بها فلا يتوهم استلزام ذلك لدعوى بناءهم على كاشفية الاحتمال ومنجزية الشك إذ لا إطلاق لبنائهم بل كل ما أورث بنفسه الظن الفعلي النوعي فانه لو عارضه غيره فانه يبقى حجة لديهم رغم تنزله إلى مرتبة الاحتمال حينئذٍ، ولكن خصوص هذا النوع من الاحتمال أي الاحتمال النابع من مقتضٍ تام الاقتضاء في حد ذاته لإيراث الظن النوعي لكن المبتلى بالمانع عن فعليته.
على اننا فصلنا في كتاب (الحجة معانيها ومصاديقها) البحث عن حجية الاحتمال في موارد عديدة، والمقام منها، وانه غير الشك. فلاحظ
الكاشف متقوم بالمكشوف بالذات وبعدم المعارض
ومما سبق ظهر عدم تمامية قوله (والكاشف في مرتبة كشفه النوعي لا يتقوم إلا بمكشوفين بالذات لا تمانع بينهما من حيث نفسهما) إذ ظهر ان الكشف النوعي الفعلي (غير المتنزل، على تحليلنا) متقوم أيضاً بعدم مكشوف بالذات آخر مضاد له تماماً وإلا فانه يتنزل عن مرتبة الكشف النوعي([6]) إلى مجرد الاحتمال النوعي ولا وجه لحجيته على مسلكهم.
ومن ذلك كله ظهر ان تنافي المدلولين واسطة في ثبوت التنافي على الدالين وليس واسطة في العروض كما قاله.
والحاصل: انه (قدس سره) كما التزم بعد صفحات([7]) بسقوط كلتا الحجتين عن الحجية لدى التعارض بقوله بعد بحث مفصل، ملخِّصاً (وحيث عرفت عدم صحة حجية أحدهما بلا عنوان، وعدم صحة حجية أحدهما المعين، وعدم صحة حجية كليهما، تعرف أن سقوط كليهما عن الحجية الفعلية هو المتعين من بين سائر المحتملات)([8]) مفسراً الحجية – في مطاوي كلامه ومبناه – بجعل المماثل أو لزوم الحركة على طبقه، فكذلك كان عليه ا.ن يلتزم بسقوط كلتا الحجتين عن الحجية الفعلية لدى التعارض إذا فسرت الحجية بالكاشفية أيضاً فتدبر جيداً.
لا اتحاد بين الدال والمدلول جعلاً
ومنها: ان الدال ليس متحداً مع المدلول جعلاً ولا اعتباراً، فان الدال من عالم الوجود اللفظي – إن كان من الألفاظ – والمدلول من عالم الوجود الذهني، والأول من مقولة الفعل ثم إذا صدر كان كيفية للهواء المتموج، والثاني من مقولة الكيف النفساني، على الاختلاف في حقيقة الوجود الذهني، فكيف يكونان متحدين جعلاً واعتباراً؟([9]) والصحيح ان المدلول يوجد بوجود الدال فهو سببه فالعلاقة علاقة السبب والمسبب وهل يصح ان يقال ان علاقة النار بالدخان هي علاقة الاتحاد جعلاً؟ نعم لو كان مراده ان إيجاد هذا إيجاد لذاك فانه لازم له في طوله لصح لكنه ليس من الاتحاد في شيء!
واما الاعتبار فان قصد ان العقلاء يعتبرون وجود الدال وجوداً للمدلول لأنه يوجد بوجوده تسامحاً فلا بأس به.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
الاربعاء 21 محرم 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |