17- الفرق بين القول بعدم شمول ادلة الحجية للمتعارضين وبين القول بشمولها ثم التساقط ـ القول الثالث في موضوع علم الاصول: الدليل الشأني، في قبال ذات الدليل والدليل الفعلي (من حيث الدليلية) 5ـ انطباق تعريف علم الاصول على التعارض 6ـ الغاية من علم الاصول، والغاية هي الملاك المرجعي
الاثنين 19 محرم 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(17)
أنواع الحجج:
تنقسم الحجج أو محتملاتها([1])، حسب التحقيق إلى أربعة أقسام:
أ- ما لا حجية شأنية له، بنظر الشارع وإن رآه العرف أو بعضهم حجة.
ب- ما له الحجية الشأنية دون الاقتضائية والفعلية.
ج- ما له الحجية الشأنية والاقتضائية دون الفعلية.
د- ما له الحجية الشأنية والاقتضائية والفعلية.
والأول: كالقياس والأحلام ونظائرها فانها لا حجية لها في دائرة أحكام الشرع حتى بالاقتضاء البعيد الذي عبرنا عنه بالشأنية.
والرابع: ككل دليل تمت أدلة حجيته من غير معارض أو مانع كخبر الثقة غير المعارض ولا المعرَض عنه ولا المبتلى بجهته([2]) وغير ذلك.
واما الثاني: فمثل خبر الثقة المعارَض بالمكافئ (أو الراجح أو المرجوح) بناءً على مسلك عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين.
واما الثالث: فالخبر المعارَض بناء على شمول أدلة الحجية للمتعارضين والقول بالتساقط بعدها، والفرق بينهما كبير فانه على مسلك عدم الشمول لا مقتضيَ واما على مسلك الشمول والتساقط فالمقتضي موجود لكن حيث وجد المانع سقط، ويظهر الفرق أكثر بملاحظة الفرق بين الاستصحاب لدى الشك في المقتضي الذي ذهب الشيخ إلى عدم جريانه والاستصحاب لدى الشك في المانع.
الفرق بين عدم الحجية لعدم المقتضي وعدمها لوجود المانع
لا يقال: على كلا التقديرين لا حجية (سواء لعدم الشمول أو الشمول ثم التساقط للتعارض)؟.
إذ يقال: إضافة للفرق الذاتي؛ فان عدم المعلول لعدم المقتضي يغاير عدمه لوجود المانع ولذا لا يصح تعليل عدم وجود أثرٍ ومعلولٍ بالمانع مع عدم المقتضي له كما لا يصح العكس، فان الثمرة العملية كبيرة ومهمة إذ بناءً على عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين فانه لا يصح الاستناد إليهما في نفي الثالث ويصح الرجوع إلى الأصول العملية اللاحقة، اما بناء على الشمول فالتساقط فانه يصح الاستناد إليها لنفي الثالث – كما ذهب إليه الآخوند([3]) – وذلك لوضوح انه مع شمول دليل الحجية لهما وسقوطهما بالتعارض فانهما يسقطان فيما تعارضا فيه بالتباين أو العموم من وجه، ولا وجه لسقوطهما في اللازم الثالث المطبِقان على نفيه([4]).
ومما مضى ظهر ان المراد بالحجية الشأنية وعدمها الاقتضاء وعدمه الثبوتي، وبالحجية الاقتضائية الاقتضاء الإثباتي أي دلالة الدليل على حجية أمرٍ الأعم من وجود مانع وعدمه، واما الفعلية فهي مجمع الشأنية ودلالة الدليل على الحجية – إثباتاً - مع عدم معارضٍ أو مانع، ولك ان تعبر عن الشأنية بالاقتضاء البعيد وعن الاقتضائية بالاقتضاء القريب فهما طوليان مترتبان.
انفكاك الكاشفية عن لزوم الاتباع
ثم ان تحليل الفرق بين القسمين يعود إلى تغاير المعنى المراد بالحجية في البابين؛ فانه فيما كانت الحجية شأنية واقتضائية (إثباتية، للقول بشمول الدليل للمتعارضين) غير فعلية (للتساقط) فان مآل ذلك إلى ان الحجية بمعنى الكاشفية النوعية متحققة لذا شملهما الدليل لكن الحجية بمعنى لزوم الإتباع غير متحققة للتعارض (بناءً على القول بالتساقط)
واما لو كانت الحجية شأنية لكنها لم تكن اقتضائية (على القول بعدم شمول الأدلة للمتعارضين) فان ذلك يعني انه لا كاشفية للخبر المعارَض عن الواقع لذا لم يشمله الدليل لكنه مع ذلك له الحجية الشأنية، بمعنى انه لولا المعارض لكان كاشفاً عكس القياس الذي لا كاشفية له في الشرعيات بالمرة. فتدبر جيداً
الرأي الثالث في موضوع علم الأصول:
ذهب صاحب القوانين إلى انه: الأدلة الأربعة بوصف الدليلية أي (الدليل الفعلي بما هو متصف بالدليلية)
وذهب صاحب الفصول إلى انه: الأدلة الأربعة بذواتها (أي ذات الدليل).
وأشار الاشتياني إلى أمر ثالث – وهو موطن الشاهد – وهو ان موضوع علم الأصول: الأدلة الأربعة بوصف شأنية الدليلية (أي الدليل الشأني).
وذلك تخلصاً من الإشكال بخروج مبحث التعارض بناءً على مسلك عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين، عن مسائل الأصول؛ وذلك لأنه إذا لم تشمل أدلة الحجية للمتعارضين فليس بحجة فعلاً فيكون البحث عن (شمول أدلة الحجية للمتعارضين وعدمه) بحثاً عن وجود الموضوع([5]) ومفاد كان التامة([6])، لا بحثاً عن عوارض الموضوع وصفاته بعد الفراغ عن وجوده([7]).
فأجاب الاشتياني بقوله (فان هذا غير عدم حجيتهما شأنا) إلى ان موضوع الأصول هو (الدليل الشأني) وخبر الثقة دليل شأناً حتى لو قلنا بعدم شمول أدلة الحجية له للتعارض، فيكون البحث عن شمول أدلة الحجية له وعدمه بحثاً عن حجيته الفعلية وعدمها بعد الفراغ عن الحجية الشأنية، والحجية الفعلية من العوارض الذاتية للحجة الشأنية أي التي تعرضها، إن عرضتها، لا بواسطة في العروض([8])..
وبهاتين المقدمتين الدقيقتين اتضح مطلبان هامان أشار إليهما المحقق الاشتياني في عبارته الموجزة المضغوطة إذ قال: (كوضوح كون البحث في المسألة بحثاً عن عوارض موضوع علم الأصول، أي الأدلة، وإن جعل للوصف العنواني مدخل في موضوعيته ضرورة كون البحث في المسألة عن تعارض ما فرغنا عن دليليّته، وإن حكم بسقوط أحدهما عن الحجية الفعلية تعييناً أو تخييراً أو كلاهما بالتعارض، إن لم يرجع النزاع في التساقط إلى النزاع في شمول دليل الحجية للمتعارضين بحيث يرجع إلى البحث عن الحجية فتأمل فإن هذا غير عدم حجيتهما شأناً أو عدم حجية أحدهما كذلك، ولو من جهة إناطته بالظن أو بعدم الظن على الخلاف، فإنه خارج عن موضوع المسألة يقيناً كما ستقف عليه)([9])([10])
5- شمول تعريف العلم للمسألة
وقال المحقق الاشتياني (اما صدق التعريف فواضح، سواء عرّف بأنه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية، أو العلم الباحث عن أحوال الأدلة)([11]) أي الأدلة المشتركة القريبة في الفقه أي على الحكم الشرعي الكلي وموضوعه الكلي.
6- الغرض والغاية
والظاهر ان الملاك السابق رتبة على جميع الملاكات الخمسة التي ذكرها المحقق الاشتياني والذي عليه المدار وبه الاعتبار، في العلوم الاعتبارية، هو الغاية والغرض من العلم فانه الذي يحدد دخول مسألة في دائرة ذلك العلم وعدمه، بل ان الغاية هي التي ترجع إليها الملاكات الخمسة السابقة وتتحدد بها فإن التعريف وسبب التدوين ونظائرها كلها يجب ان تنبعث من الغاية من العلم وإلا لما صحت، بل حتى كون موضوع العلم هذا أو ذاك فانه بعد تحديد الغاية من العلم يمكن تحديد ان موضوعه هذا أو ذاك؛ وتكفي ملاحظة ان الغاية من علم المنطق (صون الفكر عن الخطأ من حيث العلة الصورية للاستدلال) لتحديد ان موضوعه هو المعرِّف والحجة، وان الغاية من النحو (صون اللسان من الخطأ في المقال من حيث الإعراب والبناء) لتحديد ان موضوعه الكلمة والكلام من حيث الإعراب والبناء ... وهكذا.
نعم العلوم الخارجية كالفلك والجغرافيا والحقيقية كالطب والهندسة والحساب([12]) المائز بينها هو موضوعاتها لكن ذلك لوضوحها لا لأنها المرجع النهائي فان مرجعها أيضاً إلى الغاية والغرض منها وإلا لما صح أخذ هذا موضوعاً لهذا العلم دون ذاك بل كان عبثاً فتدبر؛ ولذا قال الآخوند (والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشّتتة ، جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الذي لأجله دُوَّن هذا العلم)([13])
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=============================
الاثنين 19 محرم 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |