299- الاشكال بمادة المشي وبصيغة المبالغة في ( مشاء بنميم ) فالاية أخص من المدعى ـ اجوبة اربعة
الاحد 2 جمادي الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(2)
الإشكالات على الاستدلال بآية (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)
3- الآية خاصة بالماشي بالنميمة
ج- الآية أخص من المدعى لاختصاصها من حيث المادة بالمشاء بنميم فيكون المحرم أن يمشي بالنميمة ولا تدل على حرمة النميمة مطلقا.
والجواب بيّن: فان المشي بها كناية عن فعلها ولا يراد به خصوص المشي([1]).
4- الآية أخص من المدعى لاختصاصها بالمكثر من النميمة
د- الآية أخص من المدعى من جهة أخرى وهي اختصاصها من حيث الهيئة بالكثير النميمة لقوله تعالى: (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ومشاء من صيغ المبالغة فتدل على حرمة المبالغة في النميمة والإكثار منها وهي ساكتة عن حرمة أصل النميمة.
الأجوبة:
والجواب بوجوه أربعة:
1- لا خصوصية للكثرة أو الخصوصية ملغاة
أولاً: ما ذكره السيد الوالد بقوله (الظاهر عدم الخصوصية في المبالغة حسب ما يفهمه العرف كفهمه عدمها في المشي فلو كان في مكان عنده زيد فذهب وجاء إليه عمرو ونمّ عليه صدق عليه ما في الآية)([2])
أقول: قد يستدل بإلغاء الخصوصية وقد يستدل بعدمها أو عدم فهمها، والفرق انه تارة تكون للخصوصية قيمة ذاتية وموضوعية لكن يلغى كونها دخيلة في الحكم وفي ثبوت المحمول للموضوع، وقد لا تكون للخصوصية أية جهة ذاتية وموضوعية أو لا يفهم منها ذلك، وهذا أقوى من سابقه.
فمثلاً: إذا قال أكرم من زارنا، فتارة يزوره أطباء وعلماء وجهلة فههنا للفقه والطب خصوصية وموضوعية إذ لهما قيمة ذاتية لكننا نلغي هذه الخصوصية من حيث مدخليتها في ثبوت الحكم (وهو أكرم) للموضوع وهو (الزوار) فهي خصوصية لكنها ملغاة من حيث المدخلية في موضوعية الموضوع، وتارة أخرى يزوره الطويل والقصير ومن يلبس الثوب الأصفر والأبيض والأخضر، فههنا لا خصوصية بنظر العرف للطول أو القصر ولا للون الثوب ولا قيمة ذاتية لذلك ولا موضوعية في حد ذاته – حتى مع قطع النظر عن هذا الحكم – لا ان له في حد ذاته خصوصية ثم نلغيها في مرحلة إثبات الحكم، كما انه قد لا نفهم وجود خصوصية في بعض الصور.
وقد استدل السيد الوالد بـ(عدم الخصوصية) وليس (إلغاء الخصوصية)، وعلى أي فأي منهما كان فهو وافٍ بالجواب.
2- صيغة المبالغة لإفادة أمر آخر لا لتعلق الحكم بها
ثانياً: ان الظاهر ان الحكم (الحرمة) معلق على أصل عنوان النميمة، واما صيغة المبالغة فقد ذكرت لا لتقيد الحكم بها بل لوجه آخر([3]) وهو الإشارة لسوء واقع الوليد بن المغيرة أو الثاني([4]) فقد جمعت الآية الإشارة لأمرين معاً: موضوع الحرمة وهو النميمة والتهويل في حرمة اتباع ذلك الطرف لكونه مكثراً منها أي نمّاماً.
وبعبارة أخرى: جمعت الآية بين القضية الحقيقية والخارجية، اما الحقيقية فهي حرمة النميمة واما الخارجية فهي كون هذا الشخص الذي نزلت الآية في شأنه متصفاً بكثرة النمامية، فقد أفادت الآية فائدتين في بُعدين.
ويظهر ذلك بوضوح لدى المقارنة بين الآية وبين ما لو قالت (لا تطع الذي حلف بالباطل الذي همز والذي نمّ) فانها لا تكون – جمالياً – ذات روعة وجمال أبداً، كما لا تكون – دلالياً – ذات فائدة إضافية (تاريخية) في وصف حال ذلك العدوّ المحذّر منه.
ويتضح ذلك بملاحظة نظائره كقولك لابنك (لا تطع الخوّان) مع ان مدار الحكم هو أصل الخيانة إلا انه ذكرت صيغة المبالغة للتنبيه على حاله وللتهويل من فِعاله. والله العالم.
2- خصوصية (وَلا تُطِعْ) تفيد التعميم
وقد يستظهر من تعلق خصوص النهي بلا تطع، بالمشاء بنميم ان ملاك الحرمة ومدار الحكم هو النميمة بما هي نميمة لا كثرتها لوضوح عدم عقلائية إطاعة العدو النامّ فيما نم فيه لظهور إرادته السوء والإفساد أو لوضوح ان الردع عن إطاعته من هذه الجهة أي جهة الكلي الطبيعي للنميمة واما كونه نماماً فهو جهة مقتضية لعدم إطاعته مطلقاً([5]).
وبعبارة أخرى: ان مثل (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ...) له دلالتان: فيدل بالمطابقة على عدم إطاعة النمام الكثير النميمة مطلقاً أي فيما نم فيه وفي غيره، ويدل بالتضمن على عدم إطاعة من نمّ فيما نمّ فيه، فان الفعّال – كنمام ومشاء بنميم – وجود إجمالي لـ: من نمّ ونمّ ونمّ ونمّ ونمّ وهكذا فمن نمّ فلا تطعه في نميمته ومن نم ونمّ ونمّ ونمّ... الخ فلا تطعه في نميمته وغيرها.
بعبارة أخرى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ...) يتضمن فائدتين:
أ- لا تطعه مطلقا لأنه حلاف ونمام فيسلب ذلك الوثوق النوعي به
ب- لا تطعه في خصوص ما حلف به أو نمّ به وذلك كقولك لا تطع الكذاب أو الخوّان.
وبوجه آخر: ان (لا تطع) مغاير لـ(لا تصاحب) فلو قال لا تصاحب الكذاب أفاد فائدة واحدة وهي النهي عن مصاحبة الكذاب لا من كذب كذبة واحدة عكس (لا تطع الكذاب) لو فرض قوله له فانه ذو دلالتين: لا تطعه مطلقاً إذا كان كذابا ولا تطعه في جهة كذبه وان كذب كذبة واحدة. وفيما ذكر أكثر من تأمل فتأمل
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
(الحكمة):
عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ( عليه السلام ) قَالَ: ((حَرُمَتِ الْجَنَّةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: النَّمَّامِ وَمُدْمِنِ الْخَمْرِ وَالدَّيُّوثِ وَهُوَ الْفَاجِرُ))
(وسائل الشيعة ج12 ص39).
([1]) كما تجري هنا الأجوبة الآتية على الإشكال اللاحق.
([2]) الفقه المكاسب ج2 ص82.
([3]) فهو نظير تعدد المطلوب.
([4]) كما جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ قَالَ فِي عَلِيٍّ ( عليه السلام ) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ أَيْ أَحَبُّوا أَنْ تَغُشَّ فِي عَلِيٍّ فَيَغُشُّونَ مَعَكَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ قَالَ الْحَلَّافُ فُلَانٌ* حَلَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) أَنَّهُ لَا يَنْكُثُ عَهْداً هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ قَالَ كَانَ يَنِمُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَيَنِمُّ بَيْنَ أَصْحَابِهِ- قَوْلُهُ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ قَالَ: الَخْيَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام )، مُعْتَدٍ أَيْ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ- وَقَوْلُهُ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قَالَ: الْعُتُلُّ عَظِيمُ الْكُفْرِ وَالزَّنِيمُ الدَّعِي...) تفسير القمي ج2 ص380. ولعل في قوله (الحلاف: الثاني، حلف لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ان لا ينكث عهداً) دلالة على ما ذكرناه من ان المراد أصل الحلف والنميمة وانه مدار الحكم والحرمة لا خصوص تعددها وتكثرها.
* وفي بعض النسخ (الثاني) ولعل (فلان) من الناسخ تقيةً.
([5]) أي حتى لا في جهة نميمته.
الاحد 2 جمادي الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |