470- مناقشة مع التنقيح وبيان الفقه ، وبأمكان التفكيك في الاحكام الضاهرية ـ تفصيل السيد الحكيم بين الوجوبات الضمنية وبين الوضعيات الضمنية
السبت 11 ربيع الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(41)
ملخص البحث
سبقت دعوى (التنقيح) ان صحة الاجزاء الارتباطية ارتباطية، وعليه فلا يصح التبعيض في التقليد في الصلاة وسائر الارتباطيات إذا لم تكن الصلاة صحيحة بكافة أجزائها بنظر احدهما.
وسبق الإشكال على ذلك بان الشك في صحة الصلاة معلول الشك في صحة احد الجزئين ومع وجود حجة للمكلف على كل منهما فقد امتثل يقينا ولا تصل النوبة للشك المسببي، وكذلك فان صحتها معلولة لصحة الجزء ومع صحة كل جزء بنظر احدهما فلا مجال للتشكيك في صحة المعلول.
الإشكال على التنقيح بصحة التفكيك في الاحكام الظاهرية
وههنا إشكال آخر: وهو ان التفكيك في الاحكام الظاهرية صحيح، ممكن وواقع وعليه الفتوى، والمقام صغرى هذه الكبرى فله التبعيض وإن لزم منه مخالفتهما بل حتى لو لزمت مخالفة الواقع.
أمثلة فقهية للتفكيك في الاحكام الظاهرية
اما الكبرى: فان الاصوليين ذهبوا إلى صحة التفكيك في الاحكام الظاهرية وقد التزموا بذلك في الفقه في المئات من المسائل:
ومنها: ما ذكره في الفقه من (فان التفكيك كثير في الأحكام الظاهرية كمن توضأ بأحد الإناءين المشتبهين حيث حكموا بطهارة أعضائه مع عدم الوضوء، مع أنه لو كان الماء طاهراً لزم القول بالطهارة الحدثية، وإن كان الماء نجساً لزم القول بنجاسة الأعضاء أيضاً).([1])
ومنها: ما ذكره في المستمسك من (ولا مانع من مثل هذا التفكيك فان الماء الواحد يمكن أن يكون طاهراً في حق أحد المكلفين ونجسا في حق الآخر([2]). نعم ربما يؤدي ذلك إلى النزاع والمخاصمة فيتعين الرجوع إلى الحاكم في حسمهما)([3]).
ومنها: اللحم المشكوك مع عدم وجود أصل سببي ولو للتعارض فانه طاهر وحرام فالطهارة لاستصحابها والحرمة لاستصحابها. على بحث مفصل وتأمل
ومنها: ما ذكره في العروة قال (إذا كان البائع مقلّداً لمن يقول بصحة المعاطاة مثلاً أو العقد بالفارسي، والمشتري مقلّداً لمن يقول بالبطلان، لا يصحَّ البيع بالنسبة إلى البائع أيضاً لأنه متقوّم بطرفين فاللازم أن يكون صحيحاً من الطرفين، وكذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه ومذهب الآخر صحته)([4]).
لكن المشهور علقوا على كلامه وذهبوا إلى صحة البيع نظراً للتفكيك في الأحكام الظاهرية فقد قال السيد الوالد (بل الأقرب الصحة وعلى كل منهما العمل وفق تكليف نفسه، وهكذا الحكم في كل ما يرتبط بطرفين من عقد أو إيقاع([5]) أو غيرهما)([6]).
وقال السيد المرعشي (الأقوى الصحة بالنسبة إلى القائل بالصحة والبطلان بالنسبة إلى الآخر، والإنفكاك في الأحكام الظاهرية غير عزيز كما في النكاح وغيره)([7]).
وقال السيد الخوئي (بل يصح بالنسبة إليه وتقوّم البيع بالطرفين إنما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي دون الظاهري)([8]).
هل تناقَضَ من لم يفكك في الاصول وفكك في الفقه؟
أقول: وحينئذٍ قد يرد على كل من ذهب إلى التفكيك هنا وعدم التفكيك في الارتباطيين، انه مناقض لمبناه هناك إذ قد يناقش السيد الخوئي مثلاً الذي ذهب في التنقيح إلى (ان صحة الاجزاء الارتباطية ارتباطية) وذهب هنا إلى التفكيك، بنظير ما قاله هنا بتصرف: قال (وتقوّم البيع بالطرفين...) فيقال (وتقوم الصلاة بصحة الجزئين إنما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي دون الظاهري) إذ يمكن في الحكم الظاهري ان يقال بصحة الكل وان كان كل جزء بنظر احد الفقيهين باطلاً، وذلك لكونه صحيحاً بنظر الآخر فيكون اعتبار الشارع الصحة للكل بلحاظ نظر هذا بصحة هذا الجزء ونظر ذاك بصحة ذاك الجزء.
فهل هذا الإشكال تام؟ سيأتي
وقال السيد الحكيم في المستمسك: (هذا غير ظاهر، فان وجود العقد وان كان متقوّما بالطرفين كما أن حكمه الواقعي في مقام الثبوت متقوم بهما أيضاً فلا يكون إلا صحيحا للمتعاقدين معا أو فاسداً كذلك، إلا أن حكمه الظاهري يمكن التفكيك فيه بين الطرفين فيكون صحيحا في حق أحدهما فاسداً في حق الآخر، كما أنه يمكن اختلافه بالنظر فيكون صحيحا بنظر أحدهما فاسداً بنظر الآخر وتختلف الآثار بالنسبة إليهما. ولا مانع من مثل هذا التفكيك فان الماء الواحد...)([9])
تفصيل المستمسك بين الوضعيات والتكليفيات
وهنا تفصيل آخر دقيق بين الأحكام التكليفية الضمنية والأحكام الوضعية الضمنية وانه يمكن التفكيك في الأول دون الثاني وهو ما ذهب إليه السيد الحكيم في المستمسك كما سيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) الفقه الصلاة ج26 ص287.
([2]) كما لو كان احدهما يرى الكر 3×3×3 أشبار والآخر يراه 3.5×3.5×3.5، وكان لديهما ماء أكثر من ثلاثة أشبار وأقل من ثلاثة ونصف فوقعت فيه نجاسة غير مغيرة لاحدى صفاته الثلاثة، فان هذا الماء طاهر بالنسبة للأول نجس للثاني، وكذا في ملاقي المتنجس الثاني.. وهكذا
([3]) مستمسك العروة الوثقى ج1 ص89.
([4]) العروة الوثقى ج1 ص19 المسألة 55.
([5]) كما لو طلقها ثلاثاً بقوله أنت طالق ثلاثاً فقد ذهب بعض الفقها إلى بطلانه وذهب بعض إلى وقوعه طلقة واحدة ولغوية إضافته (ثلاثاً) فلو كان الزوج يقلد من يرى بطلان الطلاق هذا وهي ترى صحته أو العكس، كان لكل منهما حكم نفسه من التمكين وعدمه والنفقة وعدم استحقاقها.. الخ.
([6]) العروة الوثقى ج1 ص19.
([7]) المصدر نفسه.
([8]) المصدر نفسه.
([9]) المستمسك في العروة الوثقى ج1 ص88-89.
السبت 11 ربيع الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |