263- استدلال الشيخ بما دل على ان اللهو من الباطل وما دل على ان الباطل حرام ـ مناقشات عديده
الأحد 29 محرم الحرام 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(25)
الطائفة السابعة: ما دل على ان اللهو من الباطل والباطل حرام
ومما استدل به الشيخ على حرمة اللهو بقول مطلق (ومنها ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء، ففي بعض الروايات كلّ لهو المؤمن من الباطل (باطل) ما خلا ثلاثة المسابقة وملاعبة الرّجل أهله الخ. وفي رواية عليّ بن جعفر ( عليه السلام ) عن أخيه، قال: سألته عن اللّعب بالأربعة عشر وشبهها، قال: لا نستحبّ شيئاً من اللعب غير الرّهان والرّمي، إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبّع.
ويؤيّده ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر انه من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة.
ففي رواية سماعة، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) لـمّا مات آدم شمت به إبليس، وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (على نبينا وآله وعليه السلام) فكلّما كان في الأرض من هذا الضّرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك فان فيه إشارة إلى ان المناط هو مطلق التّلهي والتلذذ).
الإشكال على الاستدلال برواية (كل لهو المؤمن باطل)
أقول: اما الرواية الأولى فقد نقلها الشيخ بالمضمون ونصها ((كُلُ لَهْوِ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ فِي تَأْدِيبِهِ الْفَرَسَ وَ رَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ وَ مُلَاعَبَتِهِ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ حَق... ))([1])
ولكن هل المراد بـ(باطل) العرفي أو الشرعي؟ سيأتي، وما هو وجه تخصيص اللهو بإضافته للمؤمن وهل له مدخلية في الاستدلال؟ سيأتي باذن الله تعالى.
وعلى أي فقد أشكل في مصباح الفقاهة على الاستدلال بالروايات الوارد فيها لفظ اللهو، في مبحث القمار، بان اللهو أطلق على بعض الأمور المستحبة ومنه قوله ( عليه السلام ): ((لَهْوُ الْمُؤْمِنِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّمَتُّعِ بِالنِّسَاءِ وَ مُفَاكَهَةِ الْإِخْوَانِ وَ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ))([2]) وعليه: فلا يدل كون شيء من اللهو على حرمته قال([3]) (بل قد أطلق اللهو على بعض الأمور المستحبة في جملة من الروايات، كسباق الخيل ومفاكهة الإخوان وملاعبة الرجل أهله ومتعة النساء، فإنها من الأشياء المندوبة في الشريعة، ومع ذلك أطلق عليها اللهو)([4])
أقول: ليس هذا الإشكال وارداً على الشيخ([5]) إذ الاستعمال أعم من الحقيقة فان إطلاق اللهو على المستحب استعمالٌ وهو أعم من الحقيقة،
ومع ذلك فانه لا يرد هذا الإشكال بعينه (الاستعمال أعم من الحقيقة) على الشيخ إذ استدل بالرواية التي اطلقت الباطل على اللهو (كل لهو المؤمن باطل إلا...) وذلك لوجه دقيق سيأتي غداً بإذن الله تعالى.
كما سيأتي إشكال الايرواني على الشيخ وجوابنا عنه
إشارة إلى مناقشة رواية (لا نستحب)
واما الرواية الثانية (لا نستحب شيئاً) من اللعب فقد أورد عليها بان (لا نستحب) أعم من الحرمة. وستأتي المناقشة.
مناقشة الاستدلال برواية (فجعل ابليس وقابيل المعازف والملاهي)
واما الرواية الثالثة: ((لَمَّا مَاتَ آدَمُ ( عليه السلام ) وَشَمِتَ بِهِ إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ فَاجْتَمَعَا فِي الْأَرْضِ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ الْمَعَازِفَ وَالْمَلَاهِيَ شَمَاتَةً بِآدَمَ ( عليه السلام ) فَكُلُّ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ النَّاسُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ذَاك))([6]) فقد استظهر الشيخ منها ونظائرها – خلافاً للمشهور – ان حرمة آلات اللهو إنما هو لجهة لهويّتها ولا مدخلية لكونها آلة لهو في الحرمة، والظاهر انه يريد ان (كونها آلة) لا هي قيد ولا هي شرط بل هي كالحجر في جنب الإنسان وان تمام الموضوع للحرمة هو اللهوية.
ولكن يرد عليه: ان ظاهر الرواية هو عكس ما استظهره وذلك لجهات:
منها قوله ( عليه السلام ) (من هذا الضرب) فانه صريح في ان المحرم هو ما كان في الأرض من هذا الضرب والنوع، أي ضرب ونوع المعازف والملاهي الذي يتلذذ به الناس لا مطلق ما يتلذذ به الناس، ولو كان المراد كون التلذذ هو تمام الموضوع للحرمة للزم ان يقول (فكلما كان في الأرض من تلذذ الناس).
والحاصل: ان قوله (هذا الضرب) أي هذا النوع ومرجع اسم الإشارة هو (المعازف والملاهي)
ولا فرق على هذا بين ان تكون (الذي يتلذذ به الناس) قيداً احترازياً أو توضيحياً إذ المحور هو (هذا الضرب) سواءاً أكان التلذذ مساوياً له أم أخص وقيداً فتدبر
ومنها: قوله ( عليه السلام ) (فانما هو من ذلك) وذلك لوضوح انه ليس مطلق اللهو والتلذذ مأخوذاً من ذلك أي مما أسسه إبليس وقابيل، بل ان خصوص اللهو والتلذذ بآلات اللهو هو الممكن الالتزام بانه من ذلك والدال عليه هو صريح الرواية، إذ لا يعقل القول ان مطلق التلهي والتلذذ (هو من ذلك) أرأيت التلهي بالسباحة والصبي والنزهة ونظائرها والتلذذ بها (من ذلك)؟
والحاصل: ان قطعية عدم كون كل تلذذ وتلهي مشتقاً من فعل إبليس وقابيل دليل على انه ليس المراد إلا خصوص ما كان من أدوات اللهو فانه المناسب لما جعله إبليس وقابيل من المعازف والملاهي، فليس المناط مطلق التلهي والتلذذ، بوجه وللكلام صلة باذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) الكافي (ط – الإسلامية) ج5 ص50.
([2]) الخصال ج1 ص161.
([3]) في جوابه على الاستدلال بـ(كل ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر) ثم نقضه بالاستدلال بـ(إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)
([4]) مصباح الفقاهة ج1 ص571-572.
([5]) ليس وارداً هنا (مبحث اللهو) ولا هناك (مبحث القمار) وقد طرح الشيخ الاستدلال بالروايات في الموضعين، لكن الفرق ان استدلاله في مبحث القمار – حسب ما تُوُهِّم – هو باطلاق اللهو عليها وهنا بكون اللهو من الباطل ففي كليهما إطلاق واستعمال.
([6]) الكافي (ط – الإسلامية) ج6 ص431.
الأحد 29 محرم الحرام 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |