247- الامر الثالث : اللهو على اقسام ثلاثة : ملا يغيره القصد وما يغيره... ـ نتائح البحث في نقاط هامة موجزة ـ الاستدلال على حرمة اللهو بالايات الكريمة 1ـ ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) مع ضميمة ملازمة الذم للحرمة
السبت 24 ذو القعدة 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(9)
الأمر الثالث: صور دوران عنوان اللهوية مدار القصد
ثم ان التحقيق يسوقنا إلى ان عنوان اللهوية قد يكون دائراً مدار القصد، وقد لا يكون بل يكون لهواً وإن قصد الخلاف فكيف بما إذا لم يقصد شيئاً، أو لا يكون لهواً وإن قصده، فرؤوس الصور ثلاثة:
الأولى: ما صدق عليه عنوان اللهو وإن لم يقصده بل وإن قصد خلافه، وذلك مثل: الغناء والرقص والشطرنج فانها لهو وإن قصد اغراضاً أخرى شخصية أو نوعية عقلائية منها كما لو قصد من الغناء جمع الأموال للفقراء مثلاً أو قصد من الرقص الرياضة أو قصد من اللعب بالشطرنج كسر شوكة الظالم – وهو طرفه الذي يلعب معه فرضاً – فان كل تلك القصود لا تخرج الغناء والشطرنج ونظائرها عن صدق كونها (لهواً) وذلك لأحد وجهين: اما لدعوى كون اللهوية هو مقتضى ذاتها وطبعها بان يقال ان اللهوية ذاتية لها فلا يعقل انفكاكها بالعناوين الطارية، أو للقول بانها لهو حسب ارتكاز المتشرعة حتى في مثل هذه الصور (وإن لم تكن اللهوية ذاتية لها ولا كانت لهواً عرفاً حينئذٍ فرضاً) وهذه الارتكاز كاشف عن تصرف الشارع في اللهو بتوسعته إلى مثل هذه الصور بوضع تعييني أو تعيني.
وبعبارة أخرى: ظهور الفعل في أمثالها غالب على ظهور القصد، كما في ما سبق في البحوث الماضية من مثال السجود أمام الملك فانه تعظيم وعبادة عرفاً وإن لم يقصد التعظيم بل قصد غيره([1]).
نعم هنالك ما هو لهو اقتضاءاً مع صلاحية النية لجعله غير ذلك وذلك كبناء بيت من الرمال على شاطئ البحر فانه لهو([2]) إلا لو قصد التمرن على الهندسة والبناء، فانه ليس بلهو حينئذٍ.
الثانية: ما كان صدق عنوان اللهو عليه وعدمه بالقصد، أي ما لم يكن بحسب طبعه الأولي لهواً ولا جداً بل كان بالقصد والوجوه والاعتبارات وذلك مثل التمثيلية والأعمال المسرحية فانها تكون لهواً أو لا تكون على حسب القصد والهدف والغاية منها([3]) وكذلك (الرسم) أيضاً
نعم قد تتزاحم مادةُ ما رَسَمَهُ أو مثّله مع ما قصده، وذلك عنوان آخر.
الثالثة: ما لا يصدق عنوان اللهو وإن قصده وتلذذ به، وذلك كما لو كان يتلذذ بتدريس الفيزياء والكيمياء أو الفلسفة حتى شهوياً كما لو كان يدرسها لزوجته أو خطيبته المعقود عليها ملتذاً بذلك جنسياً قاصداً ذلك الالتذاذ أيضاً فإن هذا القصد وذاك الالتذاذ لا يخرجان هذا التدريس عن عنوانه إلى عنوان اللهو وكذلك ما لو كان يلتذ من إجراء العمليات الجراحية أو من قتال العدو أو شبه ذلك.
الثمرة: أدلة حرمة اللهو – على القول بإطلاقها – تشمل الصورة الأولى حتى لو قصد منها أمراً عقلائياً، ولا تشمل الصورة الثالثة حتى لو قصد الالتذاذ الشهوي، وهي دائرة مدار القصد في الصورة الثانية.
تلخيص واستنتاج وتمهيد:
لقد ظهر لنا من مجمل ما مضى أمور – وسيأتي تفصيل بعضها بإذن الله تعالى –
الأول: ان اللهو أعم من كونه عن بطر أي فرح شديد، خلافاً للشيخ في مكاسبه.
الثاني: انه أعم من كونه عن لذة جنسية بل عن اللذة الشهوية مطلقاً كما لو غنَّى أو رقص ليحصل على الأجرة لا للالتذاذ بذلك أبداً بل حتى مع كراهته له).
الثالث: ان اللهو بمعنى فعل النفس – وهو الذي فسره به المحقق الايرواني – لا قائل بحرمته أبداً وذلك يُعدّ من وجوه الرد على الايرواني إذ فسر اللهو بذلك؛ نظراً لكون حرمة اللهو في الجملة مجمعاً عليها بل هي من ضروريات الإسلام دون اللهو بالمعنى الذي فسره.
الرابع: ان اللهو بمعنى مطلق اللعب، كما فسره به الصحاح والقاموس وذهب إليه السيد الوالد، ليس بمحرم بل لا قائل بحرمته إلا ما ذهب إليه المحقق الحلي في المعتبر قال (قال علماؤنا: اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا، لا يترخص، لنا أن اللهو حرام فالسفر له معصية). فتأمل
الخامس: ان اللهو بمعنى (الجوهر) كالطبل والمرأة والولد، لا قائل بحرمته بهذا العنوان، بل خصوص ما إذا صدق عليه عنوان (آلة اللهو).
تنبيه: اللهو وإن وضع للجامع إلا انه مجاز في الأعيان
تنبيه: سبق ان اللهو قد يقال بوضعه للجامع بين ما هو من مقولة الجوهر وفعل الجوارح وفعل النفس وهو (كل ما تلهي به)([4]) فيكون إطلاقه على مثل الطبل حقيقياً.
لكن قد يقال: انه وإن فرض قبول ذلك فانه لا يكفي دليلاً على كون إطلاق اللهو على مثل الطبل حقيقياً بل الظاهر انه مجاز من باب إطلاق اللفظ الموضوع للمسبب على السبب وذلك للدليل الخارجي لا لعدم صلاحية الجامع للشمول له، وهو صحة السلب فإن الطبل يصح ان يسلب عنه أنه لهو والدليل صحة أن يقال انه آلة لهو (والإضافة لامية) وليس بلهو.
ومما قد يرشد إلى ذلك التدبر في عنوانٍ مشابهٍ وهو (الشغل) فانه يتعدى بالباء وبـ(عن) فيقال اشتغلت بالتجارة أو شغلي التجارة أو النجارة كما يقال اشتغلت عنك بكذا أو شغلني عن الدرس كذا، ونظير ذلك (أي التعدية بالباء وبعن) وإن صح في اللهو وأمكن ثبوتاً إلا اننا أستظهرنا ان اللهو موضوع لما يتعدى بالباء فقط وانه خاص بما يلهو به وليس لما يلتهي عنه، وذلك لوجود مادة (اللهي) إلى جوار مادة (اللهو) في اللغة، وغلبة تعديه اللهو بالباء واللهي بـ(عن) الظاهر منه ومن الارتكاز والذوق العرفي، ان ما عدا ذلك (أي تعديه اللهو بعن أو تعديه اللهي بالباء) أما غلط أو انه استعمل مجازاً.
ثم ان الشغل يطلق على فعل الجوارح كـ: شُغله التجارة أو النجارة أو الصيد أو الزراعة كما يطلق على فعل الجوانح كـ: شغله التفكير في أمر الله، لكنه لا يطلق على الجواهر فانه وإن أطلق مثل شغله المجوهرات – للجوهرجي – أو شغله السمك – للصياد – إلا انه بتقدير الفعل فتدبر([5]).
الأدلة على حرمة اللهو
إستدل الشيخ على حرمة اللهو بالروايات وتبعه الموافق والمخالف قبولاً أو ردّاً، لكن الظاهر ان الأولى الاستدلال أولاً بالآيات الشريفة سواءاً أقبلنا دلالتها أم لا، فانها كالروايات فمنهم من قبل الدلالة كالشيخ ومنهم – وهم الأكثر – من رفضها.
الآية الأولى: قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)([6])
وسيأتي وجه الاستدلال والمناقشة بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) كشدّ عضلات ظهره وتمديدها كي لا تتيبس مثلاً.
([2]) أي قصد اللهوية أو لا، دون ما إذا قصد المضادَّ.
([3]) وربما على حسب نوع الحركات.
([4]) وهو غير (كل ما الهى عن) كما سبق تفصيله.
([5]) إذ به يظهر حال اللهو أيضاً إذا أطلق على الأعيان.
([6]) الجمعة: 11.
السبت 24 ذو القعدة 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |