96- معنى (العقود تتبع القصود) وان العقد صغرى العناوين الحيادية ، وكلام المكاسب ـ الجواب الخامس : سلمنا ان القصد لا مدخليه له في العنوان والاسم ، لكن فاقده ليس مشمولاً للنهي في آية (لا تعاونوا ...) وقاعدة أن القصد في العناوين الحيادية ، هو كالشرائط العامة للتكليف ، لا تشمله أدلة التكليف
الثلاثاء 5 جمادى الثانية 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول مدى إمكانية التمسك بآية (...وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) على حرمة الرشوة بالمعنى الأعم، كما ذهب إلى ذلك صاحب المستند, وقد ذكرنا إن تمسكه هذا في إثبات الحكم، مع تعميمه بعد ذلك للرشوة موضوعاً، ليس بمجد وذلك لوجوه وإشكالات قد مضت.
تتمة الوجه الثالث: معنى العقود تتبع القصود
وبقيت تتمة للوجه والإشكال الثالث وهي القاعدة الشهيرة التي تقول :
(العقود تتبع القصود) فان هذه القاعدة تبتني على الكبرى الكلية والتي أسسناها واوضحناها من إن العناوين تنقسم الى عناوين حيادية قصدية، والى عناوين غير حيادية وغير قصدية، وبينا ان العناوين الحيادية القصدية كالمقدمة ومنها التعاون هو عنوان قصدي يتفصّل[1] بالقصد ويتعين ويتحدد به، واما نظائر عنوان الظلم فلا مدخلية للقصد فيها، وهذه القاعدة، أي: العقود تتبع القصود هي قاعدة مسلمة لدى الفقهاء, وقد استندوا إليها ورتبوا عليها العدد الكبير من الأحكام الشرعية، ولكن السؤال في المقام : ما هو المراد من هذه القاعدة ؟
وجوابه – كإشارة – أولا: معنيان للقاعدة
إن لهذه القاعدة عدة معان نذكرها – كإشارة فقط -، فهي تعني ان العقود تتبع القصود وجوداً وعدماً أي في وجودها وعدمها، ومثال ذلك الطلاق فانه لا يقع لو لم يكن الشخص قاصدا إياه، فحيث لا قصد فلا طلاق،
وكذلك تعني معنى آخر وهو : ان العقود تتبع القصود تعنوناً وتفصُّلا أي في نفس التعنون وعدمه، كما في الصلح بناءا على رأي الشيخ الطوسي وبعض آخر, فإنهم ذهبوا إلى إن الصلح في مورد كل عقد هو نفس ذلك العقد وليس له حقيقة أخرى مباينة لسائر العقود من البيع والإجارة وما أشبه، بل هو جنس لها, وهذا بخلاف الرأي المشهور والذي ذهب إلى إن الصلح هو قسيم لبقية العقود وفي عرضها وليس بجنس لها، فعلى رأي الشيخ الطوسي فان الصلح لو أفاد البيع فهو بيع حقيقة، ولو أفاد الإجارة فهو إجارة حقيقة وهكذا، فلو قال شخص لآخر: صالحتك على أن تكون هذه الدار لي في مقابل أن يكون هذا المال لك فالعقد بيع، وأما لو قال له: صالحتك على ان تكون منفعة هذه الدار لي في مقابل هذا المال فهي إجارة، وعليه فالعقد من بيع او اجارة او غير ذلك يتبع قصد الشخص من صالحتك، زائداً المبرز لذلك القصد[2] أيضا.
والمتحصل: العقود تتبع القصود أ- وجودا ب- وتعنوناً،
وثانيا نقول: ثلاث معان اخرى للقاعدة
إن العقود تتبع القصود لها ثلاثة معان أخرى وهي :
أولا : إن العقد يتبع قصد اللفظ
ثانيا : إن العقد يتبع قصد المعنى
ثالثا : إن العقد يتبع قصد المطابقة بين اللفظ والمعنى
وكل هذه المعاني صحيحة ومراده،
أما ان العقد يتبع قصد اللفظ، فانه في قبال الغالط باللفظ حيث لم يقصد اللفظ، فمثلا أراد أن يقول آجرتك فقال بعتك فان هذا الغالط لا قصد له لهذا اللفظ (بعتك) فلا عقد
وأما إن العقد يتبع قصد المعنى فان هذا في قبال الهازل، فانه وان كان قاصدا للفظ حين تلفظه وملتفتاً إلى ما يقوله ويخطره بباله من معنى لكنه غير مريد حقيقة لذلك المعنى، كما لو قال وهبتك داري مثلا لكنه كان هازلا، فهو قاصد للفظ (وهبتك) وكذلك معناه الإخطاري و ألاستعمالي ولكنه لا إرادة جدية له.
وأما إن العقود تتبع القصود بلحاظ التطابق فمعناه ان العاقد لا يكفي أن يقصد اللفظ وان يقصد المعنى، بل لابد من التطابق بين اللفظ والمعنى، كما لو قال بعتك قاصدا آجرتك بناءا على اشتراط اللفظ في العقود، كما لا ريب في اشتراطه في النكاح فلو قالت المرأة بعتك نفسي قاصدة زوجتك نفسي, لم يقع العقد.
والمتحصل : إن العقود تتبع القصود لفظا ومعنى ومطابقة[3].
وتفصيل هذه المسألة يترك لمحله.
زيادة تأكيد: الشيخ الأنصاري ذكر مدخلية القصد في صحة بل في مفهوم العقد
ولتأكيد مبحثنا المبنائي العام في تقسيم العناوين، نذكر مؤيدا لذلك من كلمات الشيخ الأنصاري إذ صرح في مكاسبه ببعض ما بيناه – كصغرى على الأقل ، وعبارته هي:
(ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به، واشتراط القصد بهذا المعنى في صحة العقد، بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه ولا إشكال)[4] انتهى، ونكتفي من الحديث بهذا المقدار[5].
الاشكال الرابع :[6] القصد في العناوين الحيادية من الشرائط العقلية اللبية
سلمنا وتنازلنا عن ان القصد معنوِنٌ للعناوين الحيادية كالتعاون والمقدمة وليس مقوماً للمفهوم أي سلمنا إن التعاون (فيما لو بذل الشخص مالا لقاض ليخرِج مسجونا مظلوما من السجن) يصدق عليه تعاون على الإثم حقيقة، وإن بذله له هو تعاون على الإثم موضوعا؛ لأنه يعين القاضي على إثمه، إلا انه مع ذلك لنا أن نجيب بجواب آخر وهو انه ليس مشمولا للنهي بـ (لا) الواردة في الآية الشريفة حكما، أي هو داخل موضوعا لكنه خارج حكما، وعليه فدفعه المال لأجل إنقاذ السجين المظلوم جائز.
بيان ذلك:
ان الخروج الحكمي للتعاون وما أشبه، هو بأحد وجهين دقيقين :
الوجه الأول:
وهو أن ندعي فيه ان القصد في العناوين الحيادية هو كالشرائط العامة للتكليف كالقدرة، فهي شرط عقلي والعاجز مستثنى عقلا من شمول الدليل له؛ فان خطاب أقم الصلاة او لا تشرب المتنجس أو لا تشرب الخمر[7] لا يشمل من كان فاقدا لشرط القدرة كالعاجز، وكذلك خطاب لا تشرب المتنجس لا يشمل الموجَر في حلقه قسرا والمجبور على الشرب وهكذا.
وعليه : فان القدرة وغيرها من الشرائط العامة وان كانت ليست دخيلة في مفهوم الحج او الصلاة او غير ذلك من العبادات، ولكنها بالرغم من ذلك هي معتبرة في صحة الأمر والنهي وصحة توجه الخطاب.
وهنا ندعي:
إن القصد في العناوين الحيادية خاصة، كالتعاون، شرط عقلي لبي لشمول الأمر والنهي للمتعلق، وان لم يكن القصد دخيلا في التسمية – كما هو مفاد الوجه السابق - فمن لا قصد له للتعاون على الإثم – وهذا فرد أول –، والأولى منه ذلك الفرد الذي قصد العنوان المضاد أي التعاون على البر – وهذا مما لا شك فيه – وكما هو كذلك في المقام[8]، فان آية (وَلا تَعَاوَنُوا...) لا تشمله أي لا تشمل من لم يقصد التعاون على الإثم, أو نقول لا تشمل – كقدر متيقن – من قصد التعاون على البر، عقلا،
هذا هو الوجه الأول لتوجيه إن الآية غير شاملة للمقام فتدبر. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - يتفصل من الفصل
[2] - من لفظ لو لم نقبل المعاطاة، أو فعل دالٍ على النوع لو قبلناها.
[3] - وهنا كلمة مهمة فان العقود تتبع القصود المراد منها ما كان العقد بالقياس الى القصد لا بشرط، وهو قيد عقلي موجود وان لم يذكروه، ولا يراد منه ما كان العقد بالقياس الى القصد بشرط لا او بشرط شيء، وأمثلتنا من سنخ اللا بشرط فتدبر
[4] - كتاب البيع ص 295 النسخة الليزرية / وص 117 طبعة ورقية
[5] - وكما قلنا فاننا وبتتبع ناقص لم نجد كتاباً مفصلاً خاصا يبحث القصد والنية رغم أهميته وحيويته و عمقه وان كان الفقهاء قد تطرقوا لهذا البحث بالمناسبة وبحسب أبواب العبادات في الصلاة او الزكاة او غيرها
[6] - وهذا إشكال آخر على صاحب المستند وهو وجه جديد يحتاج لمزيد تأمل وتفكر وهو إشكال ووجه بشعبتين.
[7] - ونعلق ان الروايات التي تذكر ان الخمرة لا شفاء فيها قد التزم بها بعض الفقهاء وقالوا بحرمتها حتى لو وصفها الطبيب الحاذق وكان العلاج منحصراً بل ادعى المسالك عليه الشهرة حتى في صورة الانحصار ولكن البعض الآخر كما قلنا رأى ان الرواية على نحو القضية الخارجية وان النهي كان اما لتساهل الأطباء في الوصف مع وجود البديل اوان الإمام (عليه السلام) رأى ان مفسدة المرض اقل أهمية من مفسدة شرب الخمر كما تدل عليه رواية أم خالد العبدية إذ أرادت علاج قراقر البطن؛ بالنبيذ فنهاها الإمام ورواية نهي الإمام لمن أراد شرب النبيذ لدفع ريح البواسير. وعلى أية حال فان كان الأمر في الأمراض الخطيرة فقد التزم البعض إن نهي الإمام(عليه السلام) منصرف عنه حتى لو كانت القضية حقيقية يراجع الجواهر ج36 ص444 فصاعداً.
[8] - بذل المال للقاضي ليحكم بالحق.
الثلاثاء 5 جمادى الثانية 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |