118- فقه رواية الهمداني (لانه لم يأت أمراً جهله) ووجه التعليل ؟ ونقد رواية العلوي (وطلاقهم يحل لكم) وهل تفيد الحكم الواقعي؟
الثلاثاء 14 رجب 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول مكاتبة الهمداني للامام ع وتوضيح المراد من ذلك 1.
فقه رواية الهمداني :وقد جاء في جواب الامام ( عليه السلام ) : " فاما ما ذكرت من حنثه في طلاقها غير مرة فانظر يرحمك الله فان كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه ؛ لانه لم يأت امرا جهله , وان كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا فاختلعها 2 منه ؛ فانه نوى الفراق بعينه " .
تعليلان في المقام:وفي هذه الروية نتوقف عند كلمتين وفي تعليلين قد وردا فيها :اولا :
( لانه لم يأت امرا جهله ) , وقد ذكرنا سابقا انه قد يقال ان الرواية لا يمكن قبول ظاهرها ,فيرد علمها الى اهلها – ان لم نجد مخرجا – ؛ حيث ان الاحكام الواقعية لا تعلل بالعلم والجهل – كما بينا – , وقد اجبنا عن ذلك بجواب اول وهو : ان الظاهر ان هناك مقدمة مطوية بني الكلام عليها وهي : ( حيث لم يأت امرا جهل بطلانه فلا يتأتى منه قصد الانشاء ), أي حيث انه عالم بالبطلان فلا يمكن ان ينشئ , وبالتالي يكون طلاقه باطلا 3 , هذا ما مضى مع بعض التوضيح
تكملة فقه الرواية :ونكمل الان الكلام في فقه روايتنا بما يدفع اشكالا عن هذا الوجه وبالتالي يؤكده , وذلك من خلال قرينة موجودة في نفس الرواية , وهي قرينة المقابلة ؛ لان الامام (ع )في الشق الاخر من الرواية قد قال :" فانه انما نوى الفراق بعينه " ,
فهنا قد نوى الفراق فيقع في قباله الشق الاول , فيفيد ان البطلان لانه لم ينو الفراق , فيكون الحاصل ان امشكلة هي في قصد الانشاء وعدمه 4 فانه لو قال احدهم (بعت) هازلا او نائما او غالطا ولم ينو ذلك فالبيع لا يقع منه .ومن هنا يعلم بعدم وقوع الطلاق بحسب دينه اومذهب لا تقع منه نية وقوعه (5) فلا يتأتى منه قصد الانشاء
وهذا دليل ظاهر من الرواية .
الجواب الثاني :تطوير الاحتمال الاول:ونحن بما بيناه من المقدمة المطوية , ومع التوسعة الاخيرة في البيان , فانه قد تقدمنا خطوة الى الامام بما يكون تطويرا لما اسلفناه,ويكون جواباً ووجهاً ثانياً يكون مقام الاجابة افضل حالا ؛ لاننا سابقا بنينا على قصد الانشاء ,واما الان فانه يمكننا جعل الكلام والمدار على نفس النية بقطع النظر عن البحث في الانشاء وانه هل يمكن ان ينشئ الانسان شيئا قد علم بطلانه ام لا؟
والخلاصة : ان المدار في هذا الجواب اصبح على (النية) بقرينة المقابلة لا على (الانشاء) ويكون معنى كلام الامام (ع) على هذا (لانه لم يأت امراًجهل بطلانه , فلا تتأتى منه النية )
تتمة هامة : اما على الوجه الاول (6) فلابد لتما ميته من بيان تتمة مهمة وهي انه قد ذكرنا سابقا ان المشهور يقولون : بانه لا يمكن ان يتأتى قصد الانشاء ممن علم البطلان , وفي مقابل ذلك بينا رأينا المنصور من امكان ذلك ,
بهذه التتمة نوضح كلام الامام ع وعلى كلا المبنين : فاما على مبنى المشهور , فان الامر واضح فا ن لإنشاء لا يمكن ان يقع مع علم المنشئ بانه لا يقع , فيكون كلام الامام ( علة ) على رأي المشهور يدورالحكم مدارها وجودا وعدما ,
واما على ما ذهبنا اليه من امكان ذلك وان قصد الانشاء ممكن رغم علم هذا الشخص ان المذهب او الدين يراه باطلا , فانه حتى على هذا الرأي فكلام الامام (ع) تام ولكن يكون على نحو الحكمة (7), اذ لا يقصد الانشاء الحقيقي من يعلم البطلان غالباً, كما في قضية المعتدة واستبراء الرحم فيها فان ذلك حكمة للعدة وليس علة , فانه حتى لو قطع ان رحمها برئ من الحمل – بالتحاليل الطبية مثلا – فالعدة ثابتة وكذلك المقام فان الطلاق باطل حتى في الموارد التي فرض انه امكنه قصد الانشا , هذان توجيهان في المقام
التوجيه الثالث :6التعليل اثباتي ان الامام (ع) هو في مقام التعليل ولكن ليس ثبوتا بل اثباتا , حيث ان الاشكال المذكور ينجم لو كان تعليل الامام (ع) ثبوتيا , - كما عليه جرى كلامنا السابق وقد اجبنا عنه بما مضى- حيث ان الامام (ع) على هذا يقول : انه لا طلاق عليه أي ثبوتا ويعلل بتعليل ثبوتي , وهو (انه لم يأت امرا جهله ) , واما هنا فنقول : ان كلام الامام (ع )هو كلام عرفي وان التعليل هو تعليل اثباتي أي انه لا طلاق عليه ؛ لأنه يعلم بعدم صحة طلاقه, ونظير ذلك ما لو سرق احدهم فا عتلمه صاحبه فان السارق لو اعترض على صاحبه , لم تتهمني ؟ فانه قد يقول: له لأنك تعلم بانك سارق , فتعبير تعبير عرفي(8 ) فتأمل
اشكال سابق واضافة مهمة :وننتقل الى مقطع آخر من الرواية وهو ( انما نوى الفراق بعينه ) وهناك اشكال قد اسلفناه واجبناعنه , فانه في العقود والايقاعات النية لا تكفي , بل لابد من مبرز, وفي الطلاق من المسلم فقهيا وروائيا ان الكلام هو الذي يحلل ويحرم , و الطلاق المعاطاتي – ان صح التعبير – غير صحيح عندنا , بل حتى في الاعراف سائر الامم , نعم لعل النكاح المعاطاتي مما تقبله بعض الاعراف _ وقد دلت الادلة على بطلانه عندنا _ إلا ان الطلاق بالمعاطاة ليس بمتصور عند العرف اصلا ,أي : ان يتحقق الطلاق بصرف ان يتركها قاصدا الطلاق ,
وعليه فكيف علل الامام (ع) وقوع الطلاق بالنية فقط ؟ و قد اجبنا سابقاً بان الظاهر ان الامر موقوف على النية والمبرز كليهما , ولكن الامام في المقام لم يشر الى المبرز للاشارة اليه في مطاوي الكلام السابق , ولذا اقتصر على ذكر الجانب الاخر أي , أي كان وجود المبرز في الرواية مفروغاً عنه حيث جاء ( فاما ما ذكرته من حنثه بطلاقها غير مرة ..) فهو دال على انه طلقها ثلاثا فالمبرز موجود والامام ذكر الشق الاخر وهو النية , هذا في المخالف ,
واما في الامامي فان المبرز موجود ولكنه بدون نية _اوبدون قصد الأنشاء _ فلا يقع منه الطلاق
الحكم واقعي او ولائي ؟ ونضيف هنا ونقول : ان كلام الامام ع موقوف على مقدمة مطوية يحتمل فيها احتمالان , على احدهما يكون الحكم ولائيا , وعلى الاخر يكون الحكم واقعيا إذ ان الامام ع يقول : ( وان كان هنا لا يتولا ولا يقول بقو لنا فاختلعها منه ), والمقدمة المطوية هي : ( فقد وقع الطلاق فاختلعها منه ) , هذا احتمال , واما الاحتمال الآخر , فان المراد هو العكس تماما مما ذكر ,أي : ( فاختلعها منه فيقع الطلاق ) وكما هو واضح فانه على الاحتمال الثاني والاخير يكون الحكم ولائيا لتفرعه على امر الامام اياه باختلاعها منه واما على الاحتمال الاول – كما هو مستظهر – فان الحكم واقعي.
وجه الاستظهار :ووجه الاستظهار للاحتمال الاول هو ارتكازية التسلسل بذلك النحو (نوى الطلاق فوقع فاختلعها) والظاهر ان كلام الامام (ع) مبني على هذا الامر الارتكازي العرفي ويكون حاصل المعنى : فانه نى الفراق والطلاق ( الطلاق فوقع فعليك بترتيب الاثر وهو خلعها ) وهذه نقطة دقيقة فتأمل
رواية اخرى دالة على قاعدة الالزام :وهي رواية جعفر بن محمد العلوي عن ابيه قال :" سألت ابا الحسن الرضا ع عن تزويج المطلقات ثلاثا؟ فقال ع : ان طلاقكم لا يحل لغيركم , وطلاقهم يحل لكم ؛ لأنكم لا ترون الثلاثة شيئا وهم يوجبونها ".
توضيح كلام الامام ع :ان معنى ( لا يحل لغيركم ) ,أي : ان طلاقكم ثلاثا باطل فلا يحل لغيركم الزواج من مطلقاتكم بالثلاث , وفي مقابل ذلك ( وطلاقهم يحل لكم ), أي : انه صحيح فيقع فلكم التزويج بمطلقاتهم
بحث في كلمة ( يحل ) :وهنا بحث في كلمة( يحل) الواردة في الرواية فما هو المستفاد منها هل هي الحلية الواقعية او الظاهرية ؟
والجواب : قد يقال ان الحلية هي اعم من الواقعية ,وعليه فلا نستطيع ان نستند ونكتشف من هذه الرواية ان الطلاق الصادرمنهم هو بنحو الحكم الواقعي الثانوي
توضيحه :ان استخدام الحلية في الاحكام الواقعية قد ورد بكثرة في الآيات والروايات , والاعراف على ذلك جارية ولا كلام فيها , وكذا الحال في استخدامها في الحكم الظاهري كما قد ورد فيه : " كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه فتدعه " فقد علق الحلّية على المعرفة ؛ ولذا فهي ظاهرية ,(7) أي انه لو كان في متن الواقع اللحم لحم خنزير ولم اعرف به فهو حلال ظاهرا
والخلاصة : انه مبدئيا قد يقال بعدم امكان الاستناد الى الرواية للاستدلال على كون الطلاق حكماً وقياً ثانوياً .
وجهان للقول بحدوث الطلاق واقعا :و نقول : بل يمكن الاستدلال بهذه الرواية على وقوع الطلاق واقعا لوجهين في المقام :( 1) قرينالمقابلة (2) تحقيق كلمة ( يحل ) اما الوجه الاول وهو قرينة المقابلة فهي واضحة حيث ان الامام يقول ان طلاقكم لا يحل لغيركم وهذه حلية واقعية(8 ), وفي مقابل ذلك وبقرينة السياق فان طلاقهم يحل لنا واقعا 8. واما الوجه الثاني , فهو التحقيق في الحلية واستخدامها في الحلية الظاهرية اذ نقول : ان هذا الاستعمال مجازي حيث ان كلمة الحلال تستخدم في الحلال الواقعي وهو المعنى الموضوع له اللفظ , أي: ما لا مصلحة ولا مفسدة فيه بالمرة او ما تكافأ فيه الطرفان 9 فانه لو كان لدينا لحم خنزير وهو حرام واقعا وقد جهله المكلف فان قول الشارع بانه حلال عند الجهل به فانما هو لقرينية تعليق ذلك على الجهل فيفيد الحلية الظاهرية وبعبارة اجمع : ان كلمة (حلال)كسائر الكلمات الاصل فيها الواقعي لا الظاهري . وبوجه آخر:
ان الحلية حكم وضعي- وعلى ذلك الفقهاء والاصوليون – , وهي امر واقعي لا ظاهري ,و اما لو اطلقت الحلية واريد منها منها الحكم التكليفي وهو الجواز , فان الجواز ايضا الاصل فيه الواقعي لا الظاهري
وفي هذه الرواية فان الامام (ع )لا يتكلم عن الحكم الوضعي الواقعي حسب المستظهر عرفاً , نعم لو اريد الحكم التكليفي فان معنى (يحل) عند ئذ اما انه منزل منزلة الحلالو هذا يؤكد المجازية ويؤكد ان الحكم واقعي ثانوي . , فتأمل هذا احتمال , اويفسر الحلال بما جاز اقتحامه ولو للجهل بحكمه , وهو معنى الاعم للحلال و عليه فانه لاولا له له . فتأمل وللكلام تفصيل وتتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين ...
1) ونظير هذا المبحث رواية العلوي فان الكلام هو الكلام
2) الظاهر ان الخلع اريد به هنا المعنى اللغوي وهو اخراج شئ من شئ وذلك لعدم توفر ضوابط الطلاق الخلعي في المقام
3) وكيف ينشئ ما علم بطلانه وانه لا يوجد بايجاده ؟
4) حيث ان الطلاق ايقاع وهو كالعقود موقوف على النية
(5) اذ كيف ينوي وقوعه وهو يعلم بعدم وقوعه ؟
(6) ما قبل التطوير
(7) لعدم صحة تعليق الاحكام الواقعية على (العلم) لانها – حسب العدلية – تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات ثم هي تابعة للا نشاء الثبوتي
(8) أي المنفي هو الحلية الوقعية
(7 ) والحكمة اكثرية الوجود وليست دائمية
(8 ) وهو معنى طريف فان كان عرفا كذلك فبها ونعمت ولا فلا
5) وهذا المعنى هو خلاف الاصل بنقل التعليل من الثبوت الى الاثبات ولكن لو أى العرف ذلك فهو جار ولا باس به وإلا عدنا الى احد الجوابين السابقين كما انه قد يضعف قرينة المقابلة , اذ وقع التعليل في شق الثاني بامر ثبوتي (فانه نوى)
6) وقرينة السياق في درجات الظهور تأتي بالمرتبة الخامسة من الظهورات على ماذكره في (بحر الفوئد في شرح القواعد) ولكنها ان افادت عرفا ذلك المعنى فهي حجة , وهذا حاصل في المقام
7) والاول هو الحلال اللا اقتضائي وهو مالا مصلحة ولا مفسدة فيه بالمره والثاني هو الحلال الاقتضائي وهو ما تكا فأت فيه المصلحة والمفسدة
الثلاثاء 14 رجب 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |