77- أولاً: كلام السيد السبزواري في إمتنانية التقليد، ونقده ثانياً: نقد السيد الخوئي لكلام الشيخ الانصاري في مسألة (الجبيرة)
السبت 23 ربيع الثاني 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدور حول النسبة بين ادلة الاجتهاد والتقليد من جهة وادلة الاحتياط من جهة اخرى وهي ان النسبة على رأي هي الطولية و ان ادلة الاجتهاد والتقليد متقدمة رتبة (بحسب هذا الرأي ) على ادلة الاحتياط والمقصود من التقدم ان مدخول الادلة هو المتقدم أي الاجتهاد والتقليد على الاحتياط , وقلنا ان التقدم يتصور بانحاء فتارة يكون التقدم الرتبي بالورود واخرى بالحكومة وثالثة بان تكون ادلة الاجتهاد او التقليد نافية لموضوع الاحتياط , واجبنا عن الصورة الثالثة ومررنا بالصورة الثانية وهي الورود ونعود لنتوقف عند الورود لنقطة مهمة ودقيقة تعد اشكالا على ما ذكرنا , فنقول:
اجمال الكلام المتقدم ان ادلة الاجتهاد والتقليد واردة على ادلة الاحتياط , ومعنى الورود ان ينفي احد الدليلين (و هو الدليل الوارد) موضوع الدليل الاخر (وهوالدليل المورود عليه) حقيقة لكن هذه الحقيقة بعناية التعبد أي التعبد هو الذي صنع الحقيقة لا التكوين, ثم اذ صنعها تنتفي بالدليل الوارد وجدانا , ومثلنا بورود الامارات على الاصول ومثل ورود خبر الواحد على (رفع ما لا يعلمون) وهنا يوجد بحث دقيق نشير اليه اشارة:
وهو ان الامارات هل هي واردة على الاصول (وهذا رأي المشهور) ام هي حاكمة على الاصول (رأي السيد الخوئي) ولا ندخل هنا في التفاصيل بل نشير الى ان كلام المشهور يمكن ان يصور بصور ثلاث تتكفل الاجابة عن كلام السيد الخوئي حيث يقول ان موضوع (رفع ما لا تعلمون ) لم يرتفع حقيقة بقيام خبر الثقة اذ انني وجدانا لا اعلم وانما انا ظان بظن معتبر اذن موضوعه لم يرتفع حقيقة حتى بعناية التعبد نعم ارتفع تعبدا لا تكوينا فخبر الثقة (حاكم) اذن ,
وهناك اجوبة ثلاثة على ذلك نذكر احدها: ان لا يعلمون كناية عن الحجة( ) أي رفع ما لا حجة عليه, واذا صار موضوع حديث الرفع هو( ما لا حجة عليه) وكان خبر الواحد حجة بلا كلام فان موضوع حديث الرفع مرتفع بالوجدان لكن هذا الارتفاع بعناية التعبد لا بالتكوين وكأن الشارع قال : جعلت خبر الواحد حجة فاذا جعلته حجة فقد نفيت اللاحجة تكوينا حقيقة.فليتدبر.
ونرجع الى الاشكال الذي يمكن ان يقال تأكيدا للورود وجوابا عما ذكرناه , اذ قد يقال: ان ادلة الاجتهاد والتقليد واردة على ادلة الاحتياط لأن ادلة الاحتياط موضوعها هو (احتمال العقاب)( ) واحتمال العقاب مع قيام اجتهادٍ أو تماميةِ تقليدٍ , قطعا مرتفع لأن الشارع اذا اقام علي حجة واتبعتها فيقبح منه العقاب , اذن احتمال العقاب منتفٍ تكوينا حقيقة لكن بعناية التعبد فقول الشارع جعلت خبر الواحد حجة , تشريع يلزمه امر تكويني فان اللوازم تترتب تكوينا فقط , ومنها احتمال العقاب حيث ينتفى بالوجدان لمن كان يعلم ان الشارع ليس بظالم اذ بقاء احتمال العقاب يساوي احتمال كون الشارع ظالما ولا يعقل ذلك من الشارع( ) اذن على هذا البيان اتضح ان ادلة الاجتهاد والتقليد واردة على الاحتياط فلا مجال للاحتياط بالمرة واصبحت الشبهة قوية , فكيف يقول المشهور بجواز وحسن الاحتياط ؟ وكيف يكون بناء العقلاء وسيرة المتشرعة على حسن الاحتياط اما مطلقا او في الجملة ؟ بينما هذا الاشكال يؤدي الي نفي كون الاحتياط حسنا مطلقا اذ لا احتمال للعقاب وبالتالي تلحق هذه الصورة بصورة العلم بالتكليف او العلم بعدمه واذا علمت به او بعدمه فلا يحسن الاحتياط باتيان البديل او القسيم كما سبق تفصيله من في الصورة الاولى من الصور ال16, فما هو الجواب عن هذه الشبهة لأنه لو تمت تكون عمدة مباحث الاحتياط منتفية ؟( )
والجواب : ليس موضوع الاحتياط هو احتمال العقاب بل هو ما تقدم ذكره وهو احتمال الامر او احتمال الغرض والدليل يتضح بالرجوع الى ادلة الاحتياط فان لسانها هو لسان ان الموضوع هو(احتمال الامر) لا (احتمال العقاب) بيان ذلك: قوله عليه السلام (اخوك دينك فاحتط لدينك) فالرواية لم تعبر باحتط لنفسك بل عبرت باحتط لدينك والدين هو الاوامر والنواهي فاحتط لها أي حاول ان تحرزها قطعا فاذا كان احتمال آمر فاحتط له باتيانه , ولو دار الامر بين محتملات فاحتط بالجميع , ولو كان المحور هو العقاب لكان الاولى ان يعبر ب فاحتط لنفسك ان تقع في العقاب
اذن كلما شككت ان الاوامر هل تحققت وامتثلت , فاحتط باتيانها فمتعلق الاحتياط هو الدين باوامره ونواهيه لا ان متعلقه هو الحياة الاخروية , وكذلك قوله عليه السلام (ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط) فليس مدار الحديث على العقاب بل عن الصراط , والصراط هو الشريعة و الاوامر والنواهي , اذن مصب الاحتياط غرضا وموضوعا هو الحفاظ على اوامر المولى واغراضه الملزمة بان امتثلها امتثالا قطعيا ولو بالجمع بين المحتملات نعم يتفرع عليه الحفاظ على مصيره الاخروي( )
تنبيه : لا ننفي ان يكون (احتمال العقاب) ايضا موضوعا للاحتياط انما ننفي ان يكون هو الموضوع الوحيد , والحاصل ان ادلة لاجتهاد والتقليد حتى اذا نفت احتمال العقاب فانه مع ذلك يبقى احتمال الامر واحتمال الغرض وجدانا , فلا ورود فلا نفي لموضوع الاحتياط واذا كان هناك شيء يمكن ان ينفي موضوعه فهو الحكومة وسيأتي الجواب عنها
وبتعبير اخر حتى لو ان القائل كان يقصد ان موضوع (الاحتياط العقلي) هو احتمال العقاب فان الجواب ان احتمال الامر واحتمال الغرض هما موضوع الاحتياط عقلا ايضا , واما الاحتياط الشرعي فموضوعه الاوامر والنواهي المحتملة في جميع الادلة حتى في المتعارضين (يأتي عنكم الخبران المتعارضان ) فالامام عليه السلام يذكر مرجحات ثم يقول (اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك) فالكلام يدور عن الحائطة للدين لا عن العقاب وكذلك الروايات الاخرى الواردة في موارد خاصة فلسانها ومصبها الحفاظ على الدين اولا وبالذات, نعم الاحتياط العقلي موضوعه الاعم من احتمال الامر و احتمال العقاب , وشاهده ان المولى لو امر عبده وعلم العبد انه سوف لا يعاقبه لو عصى( ) فهل يسوغ له المعصية ام يجب عليه الامتثال ؟ والجواب واضح ان عليه الامتثال ولا يسوغ له المعصية اذن بقطع النظر عن العقاب فالامر مولوي ملزم بحكم العقل( ) .
وتعبير اشمل : انه حتى لو قلنا ان موضوع الاحتياط هو احتمال العقاب فانه لا ينفي ان يكون احتمال الغرض واحتمال الامر ايضا موضوعا للاحتياط على سبيل البدل فلو انتفى احد الموضوعات فالحكم موجود لأن الموضوع موجود فالمحمول مترتب على احد الثلاثة على سبيل البدل فايها وجد لزم المحمول وهو الاحتياط
قد يقال: ان ادلة الاجتهاد والتقليد حاكمة على ادلة الاحتياط كما تقدمت الاشارة فانهما لا ينفيان احتمال الامر واحتمال الغرض حقيقة , لكن ينفيان الاحتمال تعبدا , واذا انتفى الاحتمال تعبدا فهي الحكومة فلا مجال للاحتياط
ولأجل توضيح الجواب نشير الى الخلاف او التطوير الذي جرى في بحث الحكومة في مرحلة ما بعد الشيخ الانصاري الذي عرف الحكومة بتعريف لكن من جاء بعده من المحققين وجدوا فيها آفاقا أوسع مما ذكره الشيخ فهو لم يذكر الا موردا واحدا ولكن المحققين بعده ذكروا اربع صور ونحن هنا نشير الى عناوين هذه الصور ثم نرى هذه العناوين هل تنطبق على المقام ام لا؟ وسوف نجد انها لا تنطبق على المقام وسيأتي توضيح ذلك ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .
السبت 23 ربيع الثاني 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |