66- قرائن عديدة اخرى على ان (الرشوة ) موضوعة للاعم : أ ــ النظائر ب ــ التراجم ج ــ كون المعنى الاخص مصداقاً اجلى أو لكثرة الاستعمال د ــ خلط الحكم بالموضوع ـ ادلة (المستند ) على اعمية الرشوة لما يدفع لابطال باطل 1ــ قول الاكثر 2ـ العرف 3ــ الاستعمال في رواية صحيحة
السبت 5 ربيع الثاني 1434هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول تنقيح موضوع الرشوة، وكنا بصدد ذكر أدلة او تجميع قرائن تدل على اعمية موضوعها، سواء من حيث المصب الأول وهو ان الرشوة تشمل ما يعطى لإحقاق حق او لإبطال باطل أيضا إضافة الى شمولها لما يعطى لإبطال حق او إحقاق باطل، او من حيث المصب الثاني وهو ان الرشوة تشمل كل ما يدفع ويبذل من مال او عين او منفعة او انتفاع أو حق او غير ذلك، وهذه الأدلة لو تمت أو تمّ بعضها، فبها، وإلا كانت قرائن ومؤيدات فلو أفادت باجتماعها - بناءا على حساب الاحتمالات - الفقيه الاطمئنان فبها أيضاً، وإلا لو لم يتم كلا الأمرين فلا مناص من الالتزام بالمعنى الأخص للرشوة في المصب الأول والثاني.
قرينة أخرى: مراجعة نظائر كلمة (الرشوة)
ونذكر قرينة مؤيدة أخرى، ولعلها ترقى الى مستوى الدليلية، وهذه القرينة قلما تستخدم في مناهجنا، ولكنها مفيدة ولو في بعض الصور، وهي مراجعة نظائر الكلمة ، إذ من نظير كلمتنا - الرشوة – قد نكتشف اخصية الموضوع له او الاعمية.
ومن هذه النظائر: (البقشيش)، والظاهر ان هذه الكلمة هي اعم مما يدفع بحق او بباطل, وأما النظير الآخر: (البرطيل) وهذه الكلمة لم يذكر بعض اللغويين كلسان العرب ان من معانيها الرشوة، ولكن صاحب القاموس وغيره عدوا الرشوة من معانيها، ولكن يبقى المدار هو الرجوع إلى العرف لنرى فيمَ يستخدمون هذه الكلمة ؟ وانني شخصيا لا يوجد لي إحراز لاستعمالات العرف فيها، اللهم إلاّ من حيث المصب الثاني فانها تستعمل في الاعم إذ قد يكون البرطيل مصداقه العين (كالمزهرية مثلا)، لكن مع ذلك لا يعلم شموله لمثل بذل الفقه مثلاً.
وأما اللفظة الأخرى المناظرة – او المرادفة – لكلمة الرشوة فهي (الإتاوة) وهذه لها اطلاقان: فاما الإطلاق الاول فهو الرشوة، فهي مرادفة لها، وأما الإطلاق الثاني فهو الخراج سواء كان بحق ام بباطل ، وأما الألفاظ الأخرى فإننا قد اشرنا الى بعضها فيما سبق, وهي الهدية والمحاباة, وقد ذكرنا ان النسبة بين الرشوة والمحاباة هي من وجه، وكذلك بينا ان النسبة بين الرشوة والهدية هي التباين مفهوماً و(من وجه) مصداقاً فتأمل، وهذا الطريق لا نتوقف عنده طويلا إذ يصلح بمقدار مجرد قرينة او مؤيد .
قرينة أخرى: مراجعة التراجم في اللغات الأخرى
وهناك طريق آخر في المقام لتحديد الموضوع له، وهو مراجعة التراجم في اللغات الأخرى كالفارسية والانكليزية، فعند مراجعة مفردة الرشوة فيها فان المستظهر من بعضها على الأقل هو الاعمية ,
اما في اللغة الفارسية فتترجم الرشوة الى (پاره) أي المقتطع، كما صرح بذلك صاحب فرهنك فارسي دكتر معين فهي اعم، واما الترجمة الأخرى لها فهي (بِلكفت بالكسر) او (بُلكفت بالضم) وتقرأ بالتاء والدال ، ولو كانت هذه هي الترجمة المعتمدة فإنها أيضا تدل على الاعم، والذي نستظهره في فقه اللغة الفارسي ان كلمة (بلكفت) أصلها عربية ومركبة من (بالكف) أي ما يوضع بالكف، ثم بعد ذلك فرّست وأضيف لها تاء فصارت (بِلكفت) او ضمت الباء منها، وعلى كل حال لو تم ذلك وتم هذا الاستظهار فالمعنى سيكون اعم.
وأيضا في (فرهنك معين) تترجم الرشوة للمعنى الأعم حيث ذكر بما تفسيره (إعطاء مال لشخص لكي تصل الى مقصودك) من غير تقييد بكونه حقا او باطلا وهذا التفسير خاص من جهة تحديده بالمال، لكنه عام من جهة عدم تخصيصه بالإعطاء للوصول إلى باطل إلا ان هناك تفسير ثاني من قبل نفس المصنف وفي المعجم نفسه يظهر منه العكس من حيث التخصيص والتعميم حيث ذكر ما ترجمته (كل ما يعطى) وهو اعم من المال وغيره، ولكنه أخص من جهة أخرى وهي ترجمته (لكي يصل إلى هدف باطل).
وهذا طريق آخر أيضا فان مراجعة سائر اللغات لعله يستظهر منها المراد، وهو طريق عقلائي ولو كقرينة تنفع في صورة تراكم وتعاضد الاحتمالات.
قرينة أخرى: استظهار بثلاث شعب
ونذكر قرينة أخرى على المدعى في الوضع للأعم , حيث نقول:
إننا وعند استقرائنا لكتب اللغة فقد وجدناها وبشكل عام لم تقتصر على ذكر المعنى الأخص – في الأعم الأغلب – بل ذكروا المعنيين معاً: الأخص والأعم، هذا من جهة أولى ، ومن جهة ثانية نجد بعض اللغويين صرحوا واقتصروا على المعنى الأعم كصاحب كتاب العين، وهو من أهم المصادر اللغوية، وصاحب كتاب القاموس أيضا فانهم ذكروا المعنى الأعم بقول مطلق ولم يذكروا الأخص ، ومن جهة ثالثة عقلائية ان يكون ذكرهم للمعنيين كان من باب ان المعنى الأخص هو اظهر المصاديق، أو لأنه الأكثر استعمالا، فلإحدى هاتين الجهتين ذكروا الأخص، لا ان ذكره كان من باب انه هو الموضوع له صرفا وحصرا،
ولعل مما يؤيد على ما ذكرناه كلام صاحب مجمع البحرين حيث يقول:
" الرشوة ما يعطيه الشخصُ الحاكمَ وغيره ليحكم له او يحمله على ما يريد، وقلما تستعمل إلا فيما يتوصل به إلى إبطال حق او تمشية باطل "، فلعل وجه عدم ذكر المعنى الأعم لدى البعض هو قلة الاستعمال، وأما ذكر الأخص فلكثرة استعماله.
توهم البعض بالوضع للأخص:
كما نجد بعض الكتب الفقهية انه عندما تعرض المحقق لكلام صاحب (المنجد) انه اقتصر على نقل احد التعريفين ، وهذا ليس بدقيق؛ لان لصاحب المنجد تعريفين احدهما اعم والآخر اخص، فتوهم ان صاحب المنجد وغيره رأوا ان الموضوع له هو الأخص, إذ يقول صاحب المنجد: "الرشوة ما يعطى لإبطال حق او إحقاق باطل"، كما يقول: "راشى مراشاة فلانا صانعه وظاهره" والظاهر إنها للأعم ,
إذن: هذا وجه من الوجوه التي لعلها تنفع في المقام فتدبر، وستأتي تتمة لذلك تؤكده أكثر، فان تم فانه يصلح كدليل على المدعى والاعمية، بل قد يدعى ان أكثر اللغويين إلا النادر منهم يظهر منهم الوضع للمعنى الأعم حتى من ذكر كلا المعنيين، فليست المخالفة على فرضها مما يعبؤ بها .
كلام صاحب المستند: الاعم هو المتعين
ومما يؤكد ما بيناه قبل قليل هو ما أشار اليه صاحب المستند ضمن كلامه حيث يقول - ما مضمونه -: "ان الذين ضيقوا دائرة الرشوة أرادوا تخصيص الحرمة دون الحقيقة" انتهى أو يقال انهم اختلط عليهم الحكم والمحمول بالموضوع، فان بحثنا هو بحث موضوعي حول تحديد دائرة الرشوة كونها خاصة او عامة لا في حكمها.
ولكن وبسبب ان مصب كلام الفقهاء هو البحث عن الحكم والحرمة لموضوع الرشوة فقد حدث الخلط في مقام البيان والإثبات، وهذا الاحتمال هو احتمال وارد.
ومما يؤكد كلام المستند أو ما أضفناه من الاحتمال ما ذكره ابن الأثير في نهايته حيث يقول:
"الرشوة الوصلة الى الحاجة بالمصانعة، فاما ما يعطى توصلا الى اخذ حق او دفع باطل فغير داخل فيه "، فان ظاهر كلامه هو الموضوع له، لكن عرج على الحكم فضيق الدائرة فالتضييق هو بلحاظ الحكم لا الموضوع، فقوله (غير داخل فيه) هو بهذا اللحاظ. فتأمل
وجوه أخرى لصاحب المستند تدل على التعميم :
وقد ذكر صاحب المستند في بحث القضاء وجوها أخرى استدل بها على التعميم حيث قال: (ومقتضى إطلاق الأكثر - أي اكثرية الفقهاء-) هو الاعمية (وتصريح والدي العلامة في معتمد الشيعة، والمتفاهم من العرف هو الأول) – أي تعميم الحكم للحكم بالحق أيضا –، (وهو الظاهر من القاموس والكنز ومجمع البحرين) انتهى كلامه .
الدليل الروائي: الاستعمال في الرواية يدل الأعم
كما ذكر النراقي دليلا ثالثا في المقام وهو دليل روائي حيث يقول:
"ويدل عليه استعمالها فيما أعطي للحق في الصحيح – أي الخبر الصحيح، عن الرجل يرشو الرجل على ان يتحول من منزله فيسكنه قال (عليه السلام): لا بأس به ", و الاحتمال الأول من المنزل هو انه المشتركات, كمن نزل في مدرسة او جلس على كرسي في مكتبة او في مصلى في مسجد، وأما الاحتمال الآخر فهو المنزل هو الذي يسكن فيه فيعطي الأول الرشوة كي لا يمدد الإجارة او يفسخها برضى الموجر كيما يستأجر هو بنفسه.
ثم يكمل صاحب المستند فيقول: " فان الأصل في الاستعمال، اذا لم يعلم الاستعمال في غيره، الحقيقة, كما حقق في موضعه " وللكلام تتمة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
السبت 5 ربيع الثاني 1434هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |