36- جواب حلي و اجوبه نقضيه على اشكال احتمال استظهار المجتهد اللاحق غير ما استظهره المجتهد السابق
الاحد 22 محرم الحرام 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول كتابي التهذيب والاستبصار، وان المراسيل فيهما هل هي حجة او لا ؟ وقد ذكرنا إن السيد فيض الله تلميذ المقدس الاردبيلي قد اعترض على حجية مراسيل الشيخ الطوسي من جهة السند ومن جهة المتن والاستظهار بخلاف ما التزم به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع،
احتمال اختلاف استظهارنا عن ما استظهره الطوسي وقد اعترض السيد باعتراضين :
1) يجوز ويحتمل ان يكون استظهارنا من الرواية مغايرا لاستظهار الشيخ الطوسي في مثل جواز بيع كلب الماشية والحائط، ولذا فلا حجية لاستظهار الشيخ علينا.
الجواب حلاً: الحجج البرهانية وغيرها
ونجيب عن هذا الإشكال حلا ونقضا:
اما الجواب الحلي فنقول فيه: ان الحجج على قسمين: 1)الحجج البرهانية 2)الحجج غير البرهانية ( الحجج الظواهرية )
والاحتمال يخل بالنوع الأول من الحجج دون الثاني ؛فان حجية الظاهر ليست مبنية على سد باب الاحتمالات بقول مطلق، بل هي مبنية على الظن النوعي, فحتى لو احتملنا أن يكون استظهارنا – لو اجتهدنا – غير استظهار الشيخ الطوسي، فانه لا يضر بحجيته.
وبتعبير اخر عرفي: ان حجية الظواهر تتعايش مع احتمال الخلاف، ولا يضر ذلك بها، وهذا هو الكلام في البحث الكبروي.
البحث الصغروي: واما في البحث الصغروي فنقول: انه في باب الإطاعة والمعصية وفي باب علاقة العبيد بالموالي فان (الحجج) هي من النمط والنوع الثاني عادة دون الاول، أي: هي من نوع (الحجج غير البرهانية), وهي المعتمدة في المقام، لا (الحجج البرهانية) لندرة هذه الأخيرة،
بل لو التزمنا بان الاحتمال – وبحسب تعبير السيد فيض الله الجواز – مخل بالحجج في باب الاطاعة والمعصية لاختل النظام ؛ إذ سيغلق عندئذ باب الحجج على الموالي بل وعلى سيدهم وهو الشارع الأقدس, وحجية رأي الشيخ الطوسي ، في استظهاراته متنا وفي التزامه بصحة السند او وثاقته، هي من هذا القبيل، أي: ان هذه الحجية هي من قبيل حجية الظواهر وليست من قبيل حجية البراهين، كي يرد على الشيخ وكلامه ما اورده السيد فيض الله.
حجية الاجتهاد المخالف للاجتهاد الفعلي أو الشأني وقد ذكرنا فيما سبق ان المجتهد لو اجتهد بالفعل ووصل الى رأي وقطع به فالحجية تعيينية في حقه، وان اطمأن ببطلان الرأي الآخر فكذلك واما لو كان مجرد استظهار نوعي دون اطمئنان بالخلاف فقد بينا انه كما ان ادلة الحجية تشمل هذا الفقيه فانها تشمل القسيم بوزان واحد، أي :ان الادلة تشمل جميع الفقهاء وفي عرض واحد وكما ان رأي الفقيه الاول حجة، فكذا رأي الفقيه الثاني وهكذا،
وعليه: فالحجية بحق المكلف هي حجية تخييرية .وهذا البحث هو بحث مهم جداً ويحتاج الى مزيد تفصيل وأخذ ورد, ومن أدلتنا عليه ان رجوع المجتهد الى الاخر في استظهاره هو رجوع العالم الى العالم وليس الى الجاهل، إلا ان كلامنا في المقام ليس في هذه الصورة حتى يحتاج الى مؤونة استدلال وتعمّل لكونه خلاف المشهور شهرة عظيمة انما كلامنا هو في المجتهد الذي يريد ان يفتي مقلديه بحكم شرعي أو في عمل نفسه فهل له ان لا يحقق بشخصه في سند الرواية أو لا يتعرض للاستظهار منها بل يعتمد على استظهار المجتهد الاخر كالشيخ الطوسي او الانصاري او غيرهما ؟والحاصل: ان خلاصة الاشكال الاول هو انه يحتمل انني لو اجتهدت بالفعل ان اتوصل الى غير ما توصل الية المستظهر الاول, فكيف اعتمد عليه؟وخلاصة جوابه ان هذا الاحتمال مانع عن حجية الحجج البرهانية دون الظواهرية، وهذا هو الجواب الحلي.
الأجوبة النقضية: واما في مقام الجواب نقضا على الاشكال الأول، فتوجد عدة نقوض بها يتوضح المراد اكثر:
النقض بالعام محتمل التخصيص وهذا النقض قد اتضح من مطاوي الكلام فيما سبق، وهو ان العام والمطلق حجة، مع انه يحتمل ان هناك خاصا ومقيدا لم يصل الينا، ورغم انه احتمال عقلائي ، إلا انه لا يصح للفقيه، في بناء العقلاء وكذا في سيرتهم، وحتى في سيرة المتشرعة ان يتعلل الفقيه باحتمال الخلاف لطرح الظاهر رغم قوة هذا الاحتمال واحتمال حدوث استظهار آخر مقابل ومخالف للاستظهار الاول، ليس اكثر من احتمال وجود مخصصات ومقيدات قد خفيت علينا وضاعت. فتأمل
النقض بالفاضلي قريب الاجتهاد : وهذا النقض هو في المكلف الفاضلي الملتفت غير المجتهد، فانه يجوز له ان يقلد المجتهد بلا شك، مع ان الإشكال المار الذكر موجود بعينه فيه؛ لان هذا الفاضلي يحتمل انه لو اجتهد واستنبط بالفعل – وهو قادر على ذلك ببذل جهد مضاعف – لتغيرت الكثير من المسائل الشرعية بنظره، ومع ذلك فان هذا الاحتمال – كما هو واضح – ليس مخلا بالحجية، وبعبارة اخرى: انه لا مانعة جمع بين الاحتمال والحجية في مثل هذا النوع من الحجج.
اشكال تكليف العامي بالاجتهاد، حرجي ان قلت: ان تكليف العامي بالاجتهاد حرجي ومستلزم للعسر ؛ ولذا لم يجعل الاجتهاد في حقه بنحو الحجية التعيينية.
وكأن المستشكل هنا قد قبل ما بيناه، إلا ان العسر والحرج ووجود هذا المحذور اوجب ان يشرع الشارع الوجوب التخييري .
جواب الشبهة : ونقول في جواب هذه الشبهة: ان العسر والحجر المذكور ليس عاما لكل المقلدين، ويكفي نقضنا في المقام بمن لم يكن الاجتهاد وتحصيل الملكة عسرا وحرجا عليه، وفي هذا المصداق فاننا لم نجد احدا من الفقهاء افتى بوجوب الاجتهاد عليه رغم احتمال الخلاف ورغم عدم العسر والحرج عليه، حيث ان كثيرا من الفضلاء – ممن قارب الاجتهاد - لا يكون الاجتهاد عليه ذا عسر وحرج، وحصول الملكة له ممكنة وليست بعسيرة، والأمر في مقامنا بالنسبة للشيخ الطوسي مع غيره من الفقهاء، كذلك في توثيقاته لمراسيله.
النقض باحتمال تغير فتواه وهذا النقض هو نقض جديد ، وهو النقض بفتوى المجتهد نفسه بالنسبة إلى مقلديه، او بالنسبة اليه بنفسه، فان المجتهد الجامع للشرائط رأيه حجة رغم وجود الاحتمال في كون ارائه ستتغير مستقبلا – وما اكثر ذلك –، وهذا ما نجده حتى في مبانيهم الاصولية والرجالية وغيرها، مع ان التغير الاحتمالي في تلك المباني وفي الاستظهار الفقهي عند العقلاء لا يخل بحجية اراء الفقيه الفعلية.
الخلاصة: ان احتمال ان يصل المجتهد في استظهاره الى رأي غير ما وصل اليه الشيخ الطوسي هو احتمال عقلائي، ولكنه لا يسقط رأي الشيخ عن الحجية التخييرية في حق المجتهد الاخر .
جامع الكلام في الجواب الحلي: ان بناء العقلاء هو على صحة رجوع العالم للعالم، ويوضحه ان الشيخ الانصاري وصاحب القوانين كل منهما هو فحل من فحول العلماء، ولو رجع صاحب القوانين الى الشيخ الانصاري او العكس، فان هذا يعد في عرف العقلاء من قبيل رجوع العالم للعالم لا للجاهل، وهذا هو حال العقلاء من الخبراء والأطباء وغيرهم في رجوع بعضهم الى البعض الآخر. ويؤيده ان العديد من الفقهاء جرت سيرتهم العملية – في رسالتهم العملية أو غيرها - على انهم في العديد من المسائل – بل لعله الكثير منها – يذكرون رأي المشهور دون رأيهم، وهذا يعني انهم يرون حجة رأي المشهور رغم حجية استظهارهم أيضاً، وذلك ان ادلة الحجية هي أدلة عامة تشمل كل الفقهاء بوزان واحد.
وللكلام تتمةوصلى الله على محمد واله الطاهرين
فائدة:
فائدة في ان احتمال الخلاف لا يضر بالحجية فانني كنت ادرس سابقا – قبل 25 عاماً - عند احد اشهر اساتذة الخارج في قم المقدسة وكان رأيه ان لا تطبع تقريراته، وذات مرة وصلت بخدمته وشجعته على طباعتها فقال لي: انني اخشى شرعا من طباعتها؛ لان هذه الآراء مني هي ما توصلت إليه الآن ولعلها ستتغير لاحقا فكيف أطبع الآن آرائي التي يحتمل عدولي عنها؟ ولذا فان آخر ما توصلت اليه – قبل الوفاة – هو الذي أجيز طباعته.
فاجبته: اننا قد تعلمنا منك ان رأي الفقيه حجة – منجزاً أو معذراً أو كاشفاً أو لازم الاتباع، على الأقوال – وهذا متحقق ولذا يجوز تقليده فيه، ثم ان هذا الرأي ان لم يكن حجة بالفعل – لاحتمال عدم مطابقته للواقع - فكذا رأيكم الاخير ليس بحجة لان ملاك الحجية واحد ولاحتمال عدم مطابقته للواقع كسابقه، واخيرا طبع ذلك الأستاذ بعض تقريراته.
الاحد 22 محرم الحرام 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |