12- الاقوال الأربعة في معاني صيغة افعل، وما يترتب على الإلتزام بها في المقام (اعملوا على مكانتكم إني عامل)
الثلاثاء 5 ذي القعدة 1432هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لازال الحديث حول قاعدة الالزام والادلة التي يمكن ان يستدل بها عليها , وذكرنا منها قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)والمحتملات فيها, ووصلنا الى قوله تعالى: (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ), وقلنا ان تحقيق المقام في مدى تمامية التمسك بهذه الآية الشريفة لاثبات قاعدتي الالزام والامضاء يعتمد على تحقيق المسلك الاصولي لصيغة (افعل).
وقد ذكرنا أربعة من المباني من الناحية المبدئية, ووصلنا الى المبنى الثاني, وهو ان صيغة افعل موضوعة للطلب الحتمي الالزامي المانع من النقيض, أي:للطلب الوجوبي واما المعاني الاخرى ومنها التهديد فالاستعمال فيها مجازي.
وجه الاستدلال بالآية الشريفة على المبنى الثاني: ان المعنى الحقيقي الموضوع له لصيغة الأمر (اعملوا) في الآية الشريفة هو الوجوب, واما التهديد فهو المعنى المجازي وهما لا يجتمعان كمدلولين للفظ واحد كما لا يجتمعان, لو قيل بالاشتراك اللفظي.
استدراك في المقام:ولكن قد يجاب عن عدم امكان ارادة كلا المعنيين الحقيقي والمجازي من اللفظ , بان ذلك ممكن وواقع, بل هو من وجوه البلاغة والتفنن والابداع ايضا كما سبق ولمزيد التوضيح والتأكيد نمثل لذلك بمثال عرفي, وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والكنائي,كما في قولك: (فلان كثير الرماد), فالمعنى الحقيقي هو كثرة الرماد - أي رماد الخشب وشبهه - بباب ذلك الشخص, واما المعنى المجازي فهو ان ذلك الشخص كريم, ولو اجتمعا في شخص فقصد شخص آخر من قوله: (فلان كثير الرماد) كلا المعنين فانه يعدّ نوعاً من الجمال والتفنن والبلاغة .
ويمكن ان نمثل بمثال اخر كما في: (احذر تهييج الاسد) قاصدا بذلك الحيوان المفترس والرجل الشجاع سوية, فلا امتناع ولا قبح, وعليه ففي آيتنا الشريفة فانه لا مانع من ارادة المعنى الحقيقي والمجازي لـ(اعملوا) بناء على القول الثاني فيراد كل من الترخيص الظاهري والتهديد.
استدراك على الاستدراك:اللهم إلا أن يقال بان المقام ليس من قبيل الجمع بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي, بل هو من قبيل الجمع بين معنيين مجازيين؛ لانالآية في المقام ليست واردة لإفادة المعنى الحقيقي قطعا, وهو الايجاب .
وعليه فالمراد هو معنيان مجازيان هما:الاول:الاباحة والترخيص الثاني: التهديدولكن مع ذلك نقول: انه بعد قبول هذا الاستدراك الثاني وان المقام من قبيل الجمع بين مجازين, فإن ما بيناه من امكان استعمال اللفظ في معنيين حقيقيين أو معنى حقيقي وآخر مجازي ووقوعه, بل وحسنه في الجملة, جارٍ في المقام ايضا.وعلى ذلك فان ارادة 1- معنيين حقيقيين 2- او حقيقي ومجازي 3- او مجازيين، كل ذلك ممكن, بل واقع وفيه ابداع وبلاغة وهو مسلك عام جار في كل المعاني.ولنمثل بقوله تعالى: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً), وقد اعتبر المولى صالح في حاشيته هذه الآية مثالا للندب, ونحن نضيف انه لا مانعة جمع بين ان يكون (كاتبوهم) للندب و للإرشاد ايضا, والمعنى الاخير هو من المعاني المجازية لصيغة (افعل)؛ وذلك نظراً لان اطلاق سراح العبيد وتحريرهم فيه مصلحة للمجتمع وللمعتِق المكاتِب. مثال اخر قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً), هذه الآية مثّلوا بها للامتنان وهذا هو المعنى المجازي الاول
ونضيف: ان هناك معاني مجازية اخرى محتملةفالمعنى المجازي الثاني هو الارشاد وذلك في مقابل الذين يقللون من الطعام جدا وبتزهد شديد ,والارشاد معنى مجازي.والمعنى المجازي الثالث هو الترخيص والاباحة ؛ لان المقام هو مقام توهم الحضر لقوله تعالى فيما سبق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ), فلدينا مقام تحريم في صدر الآية, وجاءت قوله تعالى: (كلوا مما....)لرفع توهمالحضر.
واما المعنى المجازي الرابع فهو (الاكرام) من قبل الله تعالى , وعليه فان المعاني المجازية المتعددة يمكن ان تجتمع , ومقامنا من هذا القبيل , فالمعنى المجازي الاول المراد هو التهديد واما الثاني فهو الترخيص الظاهري نظراً لمقام توهم الحضر من قبل الكافرين أو المؤمنين فيأتي الخطاب من الله تعالى والنبي (صلى الله عليه وآله)(اعملوا على مكانتكم) فتأمل.
هذا هو المسلك الثاني ونكتفي منه بهذا المقدار من الكلام.
المسلك الثالث:وهو رأي الآخوند, ومسلكه لعله واضح الانطباق على مانريد قوله,حيث يقول: ان المعاني الاخرى لصيغة (افعل) – عدا الوجوب – لا هي موضوع له ولا هي مستعمل فيه, بل هي صرف الداعي, وفي ايتنا الشريفة فان انشاء الطلب متحقق، وهو على مقتضى الاصل , ولكن الداعي في المقام هو التهديد , ولا مانعة جمع بينهما.
مقدمات ثلاث لابد منها:ولكي يتم الاستدلال بمبنى الآخوند، على المدعىفلابد من إثبات ثلاث مقدمات: اولا: يجب ان يكون الداعي خارجاً عن الموضوع له والمستعمل فيه, والتهديد في المقام كذلك على مسلكه.ثانيا: انه لا تنافي ولا تزاحم بين الدواعي, فقد تجتمع مثلاً دواعي التهديد والترخيص أو الترخيص والإكرام، وهكذا. وهو أمر وجداني.ثالثا: ان الآية محمولة على الترخيص الظاهري لاالوجوب، للبداهة والضرورة .
وهذه المقدمات مجتمعة تنتج ان الطلب محمول على الترخيص , والتهديد هو الداعي, ولا مانعة جمع كما بينا, وعليه فان انطباق رأي الاخوند على المقام سهل. فتأمل
المسلك الرابع: وهذا المسلك يقرب من المسلك السابق للآخوند، مع اضافة:
فإن حاصله:ان المعاني الاخرى لصيغة (افعل) ليست هي موضوعاً له او مستعملاً فيه وكذا ليست بداعي, بل هي مرادة بالارادة الجدية لا الاستعمالية
توضيح الفرق بين الداعي والارادة الجدية:ويتجلى الفرق بين الداعي والارادة الجدية من خلال توضيح النسبة بينهما , وهي العموم والخصوص من وجه , فانهما قد يجتمعان وقد يفترق كل منهما عن الاخر , وتوضيح ذلك بالمثال: فلو ان شخصا قال (رأيت اسدا) فانه قد يريد المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع وهومراده الجدي , واما ارادته الاستعمالية فهي الحيوان المفترس , والارادة الجدية هي المراد الواقعي والجدي للمتكلم وهو ما إنعقد عليه الضمير , وهو الرجل الشجاع في المقام كما بينا.لكن (الداعي) لذلك هو أمر آخر فقد يكون هو التحقير وقد يكون هو التعظيم , فيكون قصده من (رأيت اسدا)هوالرجل الشجاع , بداعي تعظيمه, او الرجل الشجاع بداعي السخرية منه أو بداعي التحقير.
ولو قال شخص (رأيت اسدا) واراد الحيوان المفترس , فالإرادة الجدية مطابقة للإرادة الاستعمالية , ولكن هذا الاسد لو كان ضعيفا ومهزوما فان الداعي سيكون أمراً آخر غير الترهيب مثلاً،وعلىهذا يتضح الفرق بين الارادة الجدية والداعي, فتأمل
وهنا لابد لنا عند تطبيق هذا الكلام في مقام حديثنا في الآية القرآنية منالتدقيق؛ لأنه استنباط قرآني فلا بد من التثبت فيه والاحتياط, وعليه فما هو المراد من قوله تعالى:(يا قوم اعملوا على مكانتكم)؟ وما هي الارادة الجدية وما هو الداعي لذلك؟
وفي مقام الجواب نقول: لدينا احتمالان:1- الاحتمال الاول: ان تكون الارادة الجدية هي التهديد والداعي هو الترخيص الظاهري.
2- الاحتمال الثاني: وهو عكس الاول تماما، وهو ان تكون الارادة الجدية هي الترخيص والداعي هو التهديد
مثال اخر للتقريب:ونذكر مثالا اخر لتقريب الفكرة الى الاذهان , فان الابن اذا اراد ان يذهب الى مكان فيه خطورة وكان هناك رفض من الابوين لذلك, ولكن بعد الحاحه على الذهاب لو قال له الاب مثلا: افعل ما انت فاعله , فهل الظاهر ان مراده الجدي الترخيص الظاهري ولكن مع تهديد أو تخويف كداعي في المقام , فالمصب هو الترخيص والداعي هو التهديد، ويمكن ان يكون الامر على عكس ذلك. فتأمل
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الثلاثاء 5 ذي القعدة 1432هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |