222- الادلة على اضطلاع الشارع بتشريع القضايا الحقيقية والخارجية معاً، وعلى ان وظيفة الفقيه استنباط الاولى وانشاء الثانية ايضاً 1ـ مبحث (قضية في واقعة) وتحليل محتملات وجوهها السبعة
الاثنين 30 ربيع الأول 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان الحديث حول ان الفقيه لا تنحصر وظائفه في استكشاف وبيان القضايا الحقيقية بل تتسع وظائفه لتشمل استكشاف وجعل او تشريع القضايا الخارجية وذكرنا صورا عديدة، لكن محط البحث هو ما نذكره الان:
(الشارع) اضطلع بالدورين فشرع القضايا الحقيقية والخارجية
الادلة تدل على ان الشارع الاقدس اضطلع بالدورين والمهمتين والمسؤوليتين معا فشرع القضايا الحقيقية كما شرع القضايا الخارجية، وبعض هذه الادلة في الوقت نفسه تصلح دليلا على وجوب ذلك علينا ايضا، لكن بفارق، وهو انه في القضايا الحقيقية دورنا الاستكشاف والاستنباط والبيان فقط لا الجعل والوضع، اما القضايا الخارجية فلنا فيها دوران تشريعا وجعلا من جهة وبيانا من جهة ثانية، اذن هذه الادلة مزدوجة:
1- قضية في واقعة.
الدليل الاول: هذا الدليل عنوانه (قضية في واقعة) مما يعبر به الفقهاء عن احكام خاصة حكم بها امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، والكثير يرى ان هذا العنوان مسقط لها للحجية علينا لكنه مورد تأمل ونقاش. وحسب التتبع فان موارد قولهم (قضية في واقعة) لم تكن مقتصرة على امير المؤمنين عليه السلام، بل ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم في مواطن عديدة عبر الفقهاء عن احكامه بقضية في واقعة
وسيتضح لنا ان هذا العنوان بعد تحليله وتحقيقه، لهو دليل ان الشارع اضطلع بالدورين اولا، وعلى اننا مكلفون بالدورين، مع بعض الاختلاف مما تقدم بيانه ثانيا، اضافة إلى ان هذا البحث له فائدتان اخريان، الفائدة الاولى ان هذا البحث يعد بحثا تطبيقيا للمسألة الاصولية؛ ان عددنا هذه مسألة اصولية اي تقسيم الاحكام إلى حقيقية وخارجية، وإلا فهي قاعدة فقهية أو هي من المبادئ التصديقية للفقه والاصول ، وتحقيقه يترك لمحله، وعلى اي تقدير فهذا البحث نافع من حيث كونه بحثا تطبيقيا لقاعدة فقهية او مسألة اصولية على سلسلة من المسائل الفقهية وما اكثرها، فهذه فائدة في المقام اضافة لفائدة اخرى وهي ان هذا البحث تتضح به الفروق الاثنتا عشرة التي ذكرت سابقا، بين القضية الحقيقية وىالخارجية.
اذن الفوائد اربعة لكن محط البحث هو الجهتان الاوليان
ثم ان بحث (قضية في واقعة) للاسف الشديد لم يحلل كما ينبغي الا اشارات استطرادية في الفقه لكن لم تعقد له مسألة خاصة تستوعب اطرافها ومن الجدير ان تكتب فيها دراسة بل كتاب خاص عن هذا المبحث، وسوف سنشير إلى بعض مفاتيح الحديث عنه بالقدر الذي يرتبط بالمبحثين الاوليين ولنبدأ بذكر بعض الامثلة الفقهية التطبيقية ثم نأتي إلى كبرانا والاستنتاج منها كدليل في المبحثين، من الامثلة الفقهية:
المثال الاول: ما ذكره من ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على النجاشي عند موته وهو في المدينة، مع ان النجاشي مات ودفن في الحبشة، وعبر عنها الجواهر بانها قضية في واقعة إذ هي خلاف القواعد الفقهية من وجود محاذات خاصة بين المصلي والميت ؛ اما ان يكون احدهما في الشرق والاخر في الغرب، فلا تصح معه الصلاة، ثم ذكر الجواهر لها توجيهين.
المثال الثاني : ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجزية فرض على كل حالم دينارا مطلقا وحملها صاحب الجواهر على انها قضية في واقعة، اما امير المؤمنين (عليه السلام) فقد فصّل فوضع على الغني ثمانية واربعين درهما وعلى متوسط الحال اربعة وعشرين درهما وعلى الفقير اثني عشر درهما فعبر عن ذلك أيضاً بقضية في واقعة، وحملها على غير محمل القضية الحقيقية .
المثال الثالث: ان الامام الجواد (عليه السلام) وحسب رواية صحيحة وضع في احدى السنين على شيعته خُمسَين اي اوجب خُمسَين في سنة واحدة، مما قد يعبر عنه بقضية في واقعة.
المثال الرابع: الامام الباقر والصادق عليهما السلام اباحا الخمس لشيعتهم، وهذا الامر إلى الان أحدث عند البعض اضطرابا، فهل هذه قضية في واقعة ام ماذا؟ ثم انها اذا كانت قضية في واقعة فلا تُعمَّم والا فتعمم.
المثال الخامس: ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن اكل الحمر الاهلية فعبر البعض عن ذلك بقضية في واقعة، لكن مشهور الفقهاء لا يقولون بذلك بل يرون اكلها مكروها الا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنه نهي تحريم في واقعة خيبر، كما ان الامام الباقر (عليه السلام) أوضح وجه ذلك بما يلقي الضوء على بحثنا، احدى تلك الوجوه يذكرها الامام (عليه السلام) بما يتناسب مع المسألة
والامثلة على ذلك عديدة ونكتفي بهذا المقدار، ونقول:
القضية في واقعة منها هذه الامثلة ومنها غيرها فانه عند ملاحظة قضاء امير المؤمنين (عليه السلام) وبقطع النظر عما ذكره الجواهر فان اكثره غير مذكور فيه بل مذكور في قضاءه (عليه السلام) وتلك الموارد ان لم تكن بالمئات فهي قطعا بالعشرات في قضاءه حيث عُبّر عنها بقضية في واقعة لكونها على خلاف المسائل القضائية المعهودة وعليه فلا يصح تعميمها عند من لم يجد المخرج، فنقول ان القضية في واقعة يحتمل فيها احتمالات:
1- ان تكون صغرى لكبرى كلية مجهولة لدينا.
الاحتمال الأول: ان تكون صغرى لكبرى كلية مجهولة لدينا وبتعبير اخرى ان تكون صغرى لقضية حقيقية لم تصلنا لأن كثيراً من الاحكام ضاع بضياع الكتب ككتاب مدينة العلم، فلعل هذه الاحكام كانت احكاماً حقيقية كلية مشرَّعة طبقها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كصغرى لتلك الكبرى ولم يصلنا الا ما سمي بقضية في واقعة، هذا هو الاحتمال الاول.
2- ان تكون صغريات لأحكام مشرَّعة من قبل المعصوم عليه السلام.
الاحتمال الثاني: ان تكون القضايا في في واقعة هي صغريات لأحكام مشرعة من قبل المعصوم عليه السلام بناءا على مبنى تفويض التشريع اليهم عليهم السلام في الجملة كما تدل على ذلك العديد من الروايات وهو الرأي المنصور وان لهم التشريع في الجملة في التفريعات (ان الله ادب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ففوض اليه دينه) وكما هو مطروح في مبحث فريضة الله وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بحث يترك لمحله وليس ههنا مجال لتفصيل الاستدلال.
3- ان تكون مصداقا من مصاديق الولاية .
الاحتمال الثالث : ان تكون هذه الاحكام مصداقا من مصاديق الولاية إذ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) والأئمة (عليهم السلام) لهم ولايته ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) فالنبي على هذا نهى عن اكل الحمر الاهلية لا بما هو مشرَّع كي يقال انها قضية حقيقية فتعمم؛ بل بما هو ولي الأمر الذي مهمته وعمله القضايا الخارجية، لأن ولي الامر يتكفل بالقضايا الخارجية، ثم انه إذا كان رأي الفقيه (ان الفقيه له الولاية بالحدود الواسعة) فانه عندئذ يرى لنفسه تلك الصلاحية، اي صلاحية جعل تلك الأحكام المصداقية انطلاقا من ولاية الفقيه والا فلا، وعليه فللفقيه الآن ان يحرم أكل الشياه مثلا لنفس الملاك الذي حرم به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمر الأهلية في خيبر، او ان يحرم بيع وشراء بضاعة محللة بالعنوان الاولي ولكن بما هو ولي يحرم هذه البضاعة الخاصة كالأقمشة الخاصة المستوردة من الدولة الخاصة أو المنتجة من قبل الدولة الخاصة وان كانت مسلمة فرضا، فهل للفقيه هذه الولاية؟ هذا بحث يتبع الكبرى الكلية هنالك
والحاصل: ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المثال السابق أو الإمام الجواد (عليه السلام) عندما فرض خُمسين في سنة واحدة فمن اي باب كان ذلك؟ من المحتملات هو انه من باب الولاية، وان الحكم الكلي الذي كان مشرعاً بنحو القضية الحقيقية وجوب الخمس مرة واحدة في السنة، لكن الامام (عليه السلام) حيث له الولاية فرضه مرة اخرى، وكذلك اباحة الامامين الباقرين عليهم السلام للخمس حيث تصديا للاباحة وتحليل الخمس، فهذا التحليل كان قضية خارجية نظراً لولايتهما فاباحا الخمس لشيعتهم من هذا الباب فلا يمتد للازمنة اللاحقة. والخلاصة ان المعصوم (عليه السلام) في هذه الامثلة تصدى للقضية الخارجية اما ان ذلك من اي وجه؟ فهذا ما نطرحه ونبحثه.
4- ان تكون من باب العناوين الثانوية.
الاحتمال الرابع :ان يكون الامر لا من ذاك القبيل ولا من هذا القبيل، وانما هو من باب العناوين الثانوية والعناوين الثانوية قضايا حقيقية كالاولية، مثل (لا ضرر) فانه رفع الضرر عن الكلي بلحاظ مرآتيته للافراد المحققة في احد الازمنة الثلاثة، والمقدرة، واما تطبيقها فخارجي
وعلى الاحتمال الرابع فان هذه السلسلة من التشريعات التي ذكرناها وعبر عنها بانها قضية في واقعة، هي من باب العناوين الثانوية والمعصوم (عليه السلام) قام بتطبيق العنوان الثانوي على الواقع الخارجي، والعنوان الثانوي قضية حقيقية فتعمنا، اما التطبيق فخارجي فاذا قلنا ان القضايا في واقعة فلسفتها العناوين الثانوية وتطبيقها على الصغريات فهنا لنا ان نطبق او لا؟ سيأتي القول بالتفصيل.
والمهم ان بهذا البحث يتنقح ما وظيفة الفقيه وما الذي صنعه الشارع وهل اضطلع بالدورين او لم يضطلع؟ فاذا قلنا بالاحتمال الرابع فان الشارع قد اضطلع بالقضية الخارجية ايضا اي شرع القضية الحقيقية وقال (لا ضرر ولا ضرار) ثم طبق فأمر بقلع شجرة سمرة بن جندب – على رأي انه من هذا الباب - او طبّق فاباح الخمس للشيعة، وذلك لأن احدى الوجوه في إباحة الخمس انه كان ذلك من باب العنوان الثانوي ولا ضرر لأن وضع الشيعة في ذلك الزمن كان بحيث انه لو لم يرفع عنهم الخمس مؤقتا لتحطموا اقتصاديا لأن المكوس والضرائب كانت ثقيلة عليهم من السلطان الجائر من جهة ومن جهة ثانية – كما استظهِرُها - ان الامام (عليه السلام) اراد ان ينهض الشيعة اقتصاديا فاباح الخمس لهم، ولذا حدثت في زمن الباقرين عليهم السلام نهضة اقتصادية كبرى للشيعة تزعمها الامامان عليهم السلام مباشرة والروايات كثيرة في ذلك ذكر بعضها السيد الوالد في (فقه المال) والروايات اكثر مما ذكره هنالك لكن بما ذكره الكفاية
هذا هو الاحتمال الرابع، فاذا كانت القضايا في واقعة من مصاديق العناوين الثانوية وكانت الواقعة شخصية فان تطبيق لا ضرر ولا حرج وغيرها من العناوين يكون بعهدة المكلف، اما لو كانت القضية نوعية فان تطبيق العنوان الثانوي على المصاديق لا يكون بعهدة آحاد المكلفين بل يكون من مسؤولية الفقيه او مسؤولية الدولة الاسلامية الشرعية، فمثلا: استيراد البضاعة من الدولة الفلانية هل هو من صالح البلد او لا؟ وهل يضر بالاقتصاد او لا؟ وفي حقل الزراعة لو فتحنا الابواب للاستيراد الخارجي للمحاصيل فان الزراعة في البلد التي لا تزال ناهضة للتو، سوف تتحطم لأنها لا تستطيع المنافسة نظراً لأن كلفة الانتاج هنا عالية ضرورة صرف مبالغ جيدة في البنى التحتية وبلحاظ وفرة الانتاج عندهم فانهم يبيعون باسعار رخيصة مما يضر بالإنتاج الزراعي الوطني، ان ذلك ليس من صلاحية احاد المكلفين استناداً إلى العنوان الثانوي بل هو من صلاحية الفقيه او من صلاحية الحكومة الاسلامية المستجمعة للشرائط، وللحديث صلة. وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الاثنين 30 ربيع الأول 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |