||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 19- (وكونوا مع الصادقين)2 المرجعية للصادقين

 كتاب حرمة الكذب ومستثنياته

 128- من فقه الايات: في قول إبراهيم: (بل فعله كبيرهم) وثلاثة عشر وجهاً لدفع كون كلامه خلاف الواقع

 12- الأبعاد المتعددة لمظلومية الإمام الحسن عليه السلام

 164- من فقه الحديث: قوله عليه السلام (كل ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر)

 280- (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) 5 الصراط المستقيم في الحجج والبراهين ورهان باسكال

 21- بحث اصولي: عن حجية قول اللغوي ومداها

 415- فائدة فقهية: جواز التعامل بالعملة الرقمية

 9- فائدة حَكَمية عقائدية: مناشئ حكم العقل بالقبح

 54- (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) 1- إنفتاح باب العلم والعلمي 2- والضرورة القصوى لـ (التخصص) وعلى مستوى الأمة



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 310- الفوائد الأصولية: القصد (1)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4535

  • التصفحات : 28468469

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : البيع (1442-1443هـ) .

        • الموضوع : 558-أدلة أخرى على صحة وصف الحكم بالثقل-مناقشات أخرى لمختار الشيخ .

558-أدلة أخرى على صحة وصف الحكم بالثقل-مناقشات أخرى لمختار الشيخ
الثلاثاء 29 شوال 1443هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(558)

دعوى اختصاص الثقل بالعمل

سبق: ما نقله في المصباح: (الثالث: أن مفهوم الرفع يقتضي أن يكون متعلقة أمراً ثقيلاً ولا سيما أن الحديث الشريف قد ورد في مقام الامتنان، فلا بد من أن يكون المرفوع‌ شيئاً ثقيلاً ليصح تعلق الرفع به، ويكون رفعه امتناناً على الأمة. ومن الظاهر أن الثقيل هو الفعل لا الحكم، إذ الحكم فعل صادر من المولى فلا يعقل كونه ثقيلاً على المكلف، وإنما سمي بالتكليف باعتبار جعل المكلَّف في كلفة الفعل أو الترك)([1]))([2]) كما سبقت أجوبة عنه، ومنها: (ثانياً: ان الحكم ثقيل على المكلف وليس الفعل فقط؛ لبداهة ان الثقل قد يكون تكوينياً وقد يكون تشريعياً اعتبارياً، بعبارة أخرى: الفعل ثقيل، والإلزام الشرعي ثقيل آخر؛ ألا ترى ان استحباب الشيء ليس بثقيل إذ للمكلف ان لا يفعل، وأما وجوبه فهو ثقيل إذ ليس له التملص والترك؟)([3]).

الجواب: الثقل مادي ومعنوي، والحكم ثقيل وضعياً كان أم تكليفياً

ونضيف: ان الثقل إما مادي وهو الذي يَرِد على الجسم والبدن، وإما اعتباري أو معنوي وهو الذي يَرِد على الروح أو النفس أو العقل؛ ألا ترى ان (الدَّين) ثقيل على النفس جداً وقد لا ينام المديون طول الليل وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: ((إِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّهُ هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَذُلٌّ بِالنَّهَار))([4]) مع انه ليس إلا أمراً اعتبارياً في الذمة وليس بفعل ولا عمل، فإن سعى في أدائه ووقع بسعيه في عَنَت أضيف له ثقل على الجسد وربما أحياناً مع خِفة على الروح والذهن لأنه يعلم انه بسعيه هذا سيتخلص من دينه.

والحاصل: ان من الأحكام الوضعية ما يشكّل ضغطاً على الإنسان وثقلاً بنفسه، وذلك كالدَّين والضمان وكالرقّية فان العبد وإن كان في أفضل عيشة هنيئة إلا انه يحس بثقل هائل يجثم على صدره من جهة اعتباره رقاً، وكذلك بعض الزوجات اللاتي يكرهن زوجهن وإن كانت حياتهن أفضل حياة، فإنها تحس بان ثقل كونه زوجاً لها لا يطاق، وكذا عكسه، وكذلك الأحكام التكليفية فان وجوب الخمس يشكل ثقلاً نفسياً على كثير من الناس، سواء ءأعطى أم لم يعطِ وسواء أكان إعطاؤه الخمس بنفسه ثقيلاً أم لا لكثرة أمواله وعدم تأثره عملياً حتى لو أنفق نصفها؛ ثم ألا ترى ان الشارع لو قرر بدل الخمس خمسين لكان نفس إلزامنا بذلك ثقلاً؟ وكذلك لو شرّع علينا تعالى الجمع بين القصر والإتمام مطلقاً وهكذا وهلم جراً.

الإصر وما لا طاقة لنا به

ويدل عليه من النقل قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرينَ)([5]) والآية ظاهرها الكلام عن الثقل التشريعي لا التكويني، على انه لا مانعة جمع بينهما، فعمومها لهما غير ضار بالمقصود بل نافع، و(إِصْراً) إما أعم من الأحكام الثقيلة التي كانت عليهم ومن العقوبات التكوينية كالزلزلة والمسخ وما أشبه، أو خاص بالأحكام بان يدعى ان الإصر مقابل الغل يراد به المعنوي والغل يراد به المادي، وعلى أية حال فان من الإصر التكاليف الثقيلة التي كانت عليهم كالحكم بتطهير موضع نجاسة البدن بقرضه والحكم بقتل أنفسهم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)([6]) وشبه ذلك و(وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) إما أعم من التحميل المعنوي في الذمة، ومن التحميل المادي بالزلزلة والمرض والوباء وشبه ذلك، أو ظاهر في الأول أو منصرف إليه.

وفي تفسير التبيان: (قيل‌ ‌في‌ معني‌ الإصر قولان‌:

أحدهما‌-‌ ‌لا‌ تحمل‌ علينا عهداً فنعجز ‌عن‌ القيام‌ ‌به‌. ذهب‌ إليه‌ ‌إبن‌ عباس‌، وقتادة، ومجاهد.

الثاني‌-‌ ‌قال‌ الربيع‌، ومالك‌: معناه‌ ‌لا‌ تحمل‌ علينا ثقلاً والإصر ‌في‌ اللغة الثقل‌ ‌قال‌ النابغة:

يا مانع‌ الضيم‌ ‌إن‌ يغشي‌ سراتهم           والحامل‌ الإصر منهم‌ ‌بعد‌ ‌ما غرقوا

 

وكلما عطفك‌ ‌علي‌ شيء، فهو إصر ‌من‌ عهد ‌أو‌ رحم‌، وجمعه‌ إصار. تقول‌ أصره‌ ياصره‌ إصراً. والاسم‌ الإصر ‌قال‌ الحطيئة:

عطفوا علي‌ّ بغيرآ               صرة فقد عظم‌ الأواصر

فالاصر: الثقل‌ لأنه‌ يعطف‌ حامله‌ بثقله‌ ‌عليه‌. و ‌قوله‌: (لا تُحَمِّلنا ما لا طاقَةَ لَنا بِه‌ِ) ‌قيل‌ ‌فيه‌ قولان‌:

أحدهما‌-‌ ‌ما يثقل‌ علينا ‌من‌ نحو ‌ما كلف‌ به بني‌ إسرائيل‌ ‌من‌ قتل‌ أنفسهم‌ وبتيه‌ أربعين‌ سنة و‌غير ذلك كما يقول‌ القائل‌ ‌لا‌ أطيق‌ أنظر ‌إلى فلان‌ ولا أسمع‌ كلامه‌.

الثاني‌-‌ ‌ما ‌لا‌ طاقة لنا ‌به‌ ‌من‌ العذاب‌ ‌في‌ دار الدنيا)([7]).

الإصر الأحكام الشديدة على الأمم السابقة

وفي تفسير الصافي: (يعني بالإصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك تعالى اسمه قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة:

كنت لا أقبل صلاتهم الا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك  

وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم اذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم وقد جعلت الماء طهورا لأمتك فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك  

وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت إليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار كانت على الأمم من قبلك  

وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعت عن أمتك وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم  

وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة وجعلت لهم أجر خمسين صلاة  

وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة  

وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك  

وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن أمتك  

وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب ان حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة أو قبلت توبتهم بلا عقوبة ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم  

وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد ماءة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وان الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو ماءة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فاغفر له ذلك كله  

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إذا أعطيتني ذلك كله فزدني! قال: سل! قال: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به! قال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بك وبأمتك وقد رفعت عنهم عظيم بلايا الأمم وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم  

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا، قال الله عز وجل: قد فعلت ذلك بتائبي أمتك قال: فانصرنا على القوم الكافرين قال الله جل اسمه: ان أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود هم القادرون وهم القاهرون يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك علي وحق علي أن أظهر دينك على الأديان حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين الا دينك أو يؤدون إلى أهل دينك الجزية)([8]).

الحكم الضرري والحرجي ثقل

إضافة إلى ذلك نقول: انه (قدس سره) يذعن في مواطن أخرى من كتبه بان الحكم بنفسه ضرري أو حرجي، وهما ثقل دون شك، فلاحظ مثلاً قوله (وبالجملة مفاد نفى الضرر في عالم التشريع هو نفى الحكم الضرري، كما أن مفاد نفى الحرج في عالم التشريع هو نفى الحكم الحرجي. وهذا هو الصحيح. ولا يرد عليه شيء مما كان يرد على الوجوه المتقدمة، فيكون الحديث الشريف دالاً على نفي جعل الحكم الضرري، سواءً كان الضرر ناشئاً من نفس الحكم كلزوم البيع المشتمل على الغبن، أو ناشئاً من متعلقه كالوضوء الموجب للضرر، فاللزوم مرتفع في الأول والوجوب في الثاني)([9]).

فلاحظ تصريحه بـ(نفي الحكم الضرري) فالحكم نفسه ضرري، ويزيده وضوحاً قوله: (نفي الحرج في عالم التشريع) فالكلام كله عن عالم التشريع وهو عالم الحكم وليس عن عالم العين والخارج والفعل (فيكون الحديث الشريف دالاً على نفي جعل الحكم الضرري) وأصرح منه قوله: (سواءً كان الضرر ناشئاً من نفس الحكم كلزوم البيع المشتمل على الغبن، أو ناشئاً من متعلقه كالوضوء الموجب للضرر، فاللزوم مرتفع في الأول والوجوب في الثاني).

ولا ينفي ذلك كون حامل الضرر هو الفعل في بعض الصور لأن الحكم حيث كان السبب له اتصف أيضاً بانه الضار حقيقة إذ الواسطة واسطة في الثبوت لا العروض، إضافة إلى ان الحكم بنفسه قد يكون حرجاً حتى من دون تخلل فعل، كمثال الدَّين والرقية والزوجية السابق وكتمثلية باللزوم فان نفس البيع ليس ضررياً بل حكم الشارع بلزومه هو الضرري. هذا. فتدبر.

الإشكال على الشيخ بلزوم تخصيص الكثير أو الأكثر

وقال السيد الوالد: (وثالثاً: لا يمكن الالتزام بعدم مؤاخذة الصبي المميز، كيف وذلك إغراء له على ارتكاب كل الجنايات، ولنفرض انه لا يعاقب في الدنيا بالتأديب حتى يكون علمه به يردعه خصوصاً يعلم أن قتله للناس وجرحه لهم لا يوجب عليه حتى المال لأنه على العاقلة.

لا يقال: أنتم أيضاً تقولون برفع المؤاخذة.

لأنه يقال: نحن نقول برفع الأربعة إلا ما خرج، أما الشيخ (قدس سره) فانه يستظهر عدم الثلاثة، وإنما الرابع فقط، لأجل أنه لولاه لزم كثرة الاستثناءات – كما ذكره بعضهم في وجه استظهاره المذكور – فالصبي أيضاً مؤاخذ في الآخرة في الجملة ويؤيده تقاصّ الجمّاء من القرناء وغير ذلك)([10]).

وبعبارة أخرى: انه يرد على الشيخ تخصيص الكثير أو الأكثر دوننا، وذلك لأنه خص حديث رفع القلم بـ(قلم المؤاخذة) فيرد عليه كثرة مؤاخذة الصبيان فانهم يؤاخذون على الكثير من المحرمات كالزنا واللواط والقتل والجرح وأنواع الظلم، نعم بعض المحرمات على الكبار ليست محرمة عليهم كالنظر، ولا يرد هذا الإشكال علينا لأننا عمّمنا حديث الرفع إلى أضلاع أربعة (الحكم الوضعي، التكليفي، العقوبة والتأديب) فصارت دائرته واسعة جداً فغاية الأمر الاستثناء الكثير من أحد الأضلاع (العقوبة أو المؤاخذة) وبعضٍ من بعضها الآخر فلا يلزم علينا استثناء الكثير أو الأكثر.

أقول: قد يتأمل فيما ذكره (قدس سره) صغرى وكبرى:

مناقشات ودفاع عن الشيخ

أما كبرى، فلما فصّلناه في بحث أسبق من عدم كلية قاعدة (استثناء الأكثر قبيح) بل قد يكون حسناً لجهاتٍ فراجع.

على ماذا يؤاخذ الصبي؟

وأما صغرى، فليس من المحرز كون المقام من استثناء الأكثر وإن صح كونه من استثناء الكثير، وذلك لأن الصبي يؤاخذ على المستقلات العقلية (القتل والظلم...) ولا يؤاخذ على غيرها من المحرمات الشرعية إذ ليست عليه بمحرمة أصلاً كترك الصلاة والصوم والحج وكالنظر للأجنبية، ولبس الذهب والحرير، واللهو، والمشي مرحاً، ونتف الشعر، والتنابز بالألقاب، وكنز الذهب، واستقبال القبلة حين التخلي، وأكل المتنجس، واستعمال أواني الذهب والفضة، والعمل على طبق الوسوسة، وضربها برجلها، وسوء الظن، وشق الجيب في المصاب، وتصعير الخد، ومصافحة الأجنبية، والسؤال عن أشياء، والدُّولة، والرقص، وتزكية النفس، والاختلاط، والخلوة بالأجنبية، وخمش الوجه، والتداوي ببعض المحرمات، والحسد، والتختم بالذهب، وأخذ جوائز الظلمة، وأكل محرمات الذبيحة، والأكل على مائدة يشرب فيها الخمر، وشبه ذلك.

وعليه: يصح ان يقال: رفع عنه قلم المؤاخذة من باب السالبة بانتفاء الموضوع لأنه رفعت عنه الحرمة الشرعية، فلا يلزم استثناء الكثير أو الأكثر بلحاظ أمثال هذه الأحكام.

وأيضاً: فان الشيخ إذا قصد من المؤاخذة العقوبة الأخروية، لم يصح عليه النقض إلا إذا ثبت ان على الصبي المميز عقوبة أخروية، وهو بحاجة إلى إثبات، نعم لو قصد الشيخ من العقوبة الأعم من الدنيوية ورد عليه ان الصبي المميز يعاقب بالتعزير على كثير من العقوبات، لكن وكما سبق إنما يعاقب على ما حكم العقل بحرمته أو عُلِم من الشرع إرادة عدم وقوعه وذلك كالقتل، والجرح، وتنجيس المساجد، والافتراء على الله، وإيذاء الوالدين، وإهانة المؤمن، والقمار، والزنا، واللواط، والمساحقة، وقهر اليتيم، وفتنة المؤمنين والمؤمنات، والتفريق بين المؤمنين والأحبة، والإفساد في الأرض، والغصب، والسرقة، والتجسس، وعقوق الوالدين، والغدر، والتشبيب، وشراء المغنيات، وإشاعة الفاحشة، والدعوة إلى البدعة، والاحتكار، ومحاربة الله ورسوله، وحرق أسماء الله تعالى، والتبذير، وإيواء العين (الجاسوس).

ولعل ذلك ونظائره ليس بالأكثر من ضمن المحرمات الكثيرة في الشريعة والتي تبلغ الستمائة محرم بل تزيد ظاهراً فراجع من موسوعة الفقه الجزء 93 كتاب المحرمات والمذكور فيه يتجاوز الستمائة محرم. فتدبر وتأمل

الإشكال عليه بثبوت العقاب الدنيوي على الصبي

وقال (قدس سره): (ورابعاً: ان مورد بعض الأحاديث غير العقاب الأخروي كرواية المجنونة وما دلّ على عدم القصاص والدّية عليه)([11]).

ورواية المجنونة وهي: عن ابن ظبيان قال: ((أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ))([12]).

والحاصل: ان المرفوع ليس قلم المؤاخذة الأخروية فقط كما قاله الشيخ في ظاهر عبارته بل قلم العقوبات الدنيوية أيضاً كرفع الرجم عن المجنونة.. الخ فتدبر. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَالِكٌ بِطَالِبِهِ سُبُلَ الْجَنَّةِ وَمُونِسٌ فِي الْوَحْدَةِ، وَصَاحِبٌ فِي الْغُرْبَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ وَسِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَزَيْنُ الْأَخِلَّاءِ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً، يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ، تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَتُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ، وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَنُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى‏)) تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص28.

------------
([1]) السيد محمد الواعظ الحسيني/ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول مكتبة الداوري ـ قم: ج2 ص261-262.

([2]) الدرس (556).

([3]) الدرس (556).

([4]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص182.

([5]) سورة البقرة: الآية 286.

([6]) سورة البقرة: الآية 54.

([7]) الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الناشر: إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج2 ص386-387.

([8]) الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، مكتبة الصدر ـ طهران: ج1 ص312-313.

([9]) السيد محمد الواعظ الحسيني/ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول مكتبة الداوري ـ قم: ج2 ص530.

([10]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه / كتاب البيع: ج3 ص40.

([11]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه / كتاب البيع: ج3 ص40.

([12]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم: ج1 ص45.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الثلاثاء 29 شوال 1443هـ  ||  القرّاء : 2475



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net