بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(497)
الشيرازي الثاني: دليلُ إطلاق ((لَا يَجُوزُ)) هو الاستثناء
وهناك قرائن أخرى أيضاً على أن ((يَجُوزُ)) في الرواية الشريفة يراد بها الجواز الاستقلالي، إضافة إلى قرينة المقابلة السابقة، ولكننا سنتعرض إليها ضمن الترقي عن إشكال السيد الحجة على الشيخ إلى إشكال الميرزا الشيرازي الثاني عليه قدس الله أسرارهم جميعاً؛ لأنه أوضح وأقوى فنجيب عنه بما يتكفل بالإجابة عن إشكال السيد الحجة أيضاً.
قال الميرزا محمد تقي الشيرازي (لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق فساد البيع الصادر من الصبي وإن كان مسبوقاً بإذن الولي)([1]) و(يشهد لما ذكرناه من الإطلاق ما ورد في العبد أنّه لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلا بإذن سيده([2])، فإنّ الاستثناء دليل العموم)([3]).
المناقشات: لا استثناء بل مجرد صحته
أقول: يرد على قوله (الاستثناء دليل العموم) إضافة إلى ان الاستثناء كلما وجد فهو دليل العموم كما في رواية العبد، أما في المقام فانه لا يوجد استثناء إذ الرواية ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْيُتْمِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً))([4]) فينبغي ان يستدل بصحة الاستثناء لا به، بان يقال: صحة الاستثناء من ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) بـ(إلا بإذن سيده) دليل على إطلاق الرواية حيث لم يرد فيها استثناء.
والقرائن على انه استثناء منفصل
يرد عليه إضافة إلى ذلك: ان الاستثناء وصحته إنما يدل على العموم لو لم توجد قرينة على كونه منفصلاً وكون المستثنى منه (أو ما صلح، بوجهٍ، لأن يستثنى منه) خاصاً بالاستقلالي (أي الجواز الاستقلالي) وأما مع وجود القرينة على كون ((يَجُوزُ)) في قوله (عليه السلام) ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) يراد بها الاستقلالي فان الاستثناء، كصحته، يكون منفصلاً، ويكون ((يَجُوزُ)) في غير الاستقلالي إما مجازاً لو قلنا بان مادة يجوز التي هي بمعنى يمضي موضوعة للمضي الاستقلالي وأنّ غيره (المضي بالإذن) ليس من دائرة الموضوع له، أو مع عدم كونه مجازاً لكنه منصرف عنه إلى المضي الاستقلالي، وقد سبق كلا الاحتمالين.
وأما القرائن فهي:
قرينة المقابلة
أولاً: ما سبق من قرينة المقابلة.
صحة السلب
ثانياً: صحة السلب، فانه يصح سلب كون الأمر أمراً للصبي إذا لم يمكنه التصرف في أمواله بدون إذن وليه فلا يصدق على تصرفه مع الإذن حينئذٍ انه (أمره) ولا (يجوز) ولا (يجوز أمره) كما فصّلنا ذلك في درس سابق([5]).
ومن دون الاستثناء القضية طبيعية أو مجملة
ثالثاً: ان استثناء الشارع من ((لَا يَجُوزُ...)) إذا حصل كما في العبد (لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلا بإذن سيده) كان قرينة على ان ((الْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ)) ورد كقضية استغراقية، لكنه إذا لم يقع الاستثناء، فان ظاهره انها قضية طبيعية([6]) أو، على الأقل، مرددة بين كونها طبيعية أو استغراقية فلا ينعقد لها إطلاق في الشمول لصورة حصول الإذن من الولي (وانه لا يجوز أمره حتى مع إذن الولي) وأما صحة الاستثناء فهي دليل على صحة ان تكون القضية استغراقية لا على كونها كذلك بالفعل. وقد مضى في درس سابق. فتأمل
والصبي لم يجز أمره بل جاز أمر الولي
رابعاً: ما ذكره السيد الحكيم بقوله: (مضافاً إلى أن نفي مطلق الجواز عن عقد الصبي، لا ينافي النفوذ بعنوان كونه عقداً للولي، فإذاً إذنه مصححة لنسبته إليه، وإن نسب إلى الصبي أيضاً، ولا تنافي بين عدم نفوذه بملاحظة كونه عقداً للصبي؛ لعدم مقتضي النفوذ فيه، وبين نفوذه بملاحظة كونه عقداً للولي؛ لوجود مقتضيه فيه)([7])
وبعبارة أخرى: ان للعقد إضافتين: إضافة إلى الولي وإضافة إلى الصبي، وذلك ككل علّتين طوليتين حيث تجوز إضافة المعلول إلى كل منهما كما قال تعالى: (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)([8]) وفي المقام: فان العقد الذي يجريه الصبي بإذن الولي تصح نسبته إلى الصبي لأنه صدر منه كما تصح نسبته إلى الولي لأنه أذن للصبي مع انه كان له أن لا يأذن، أي لأنه يقع تحت سلطنته الإذن وعدمه، فعدم صحة عقد الصبي من حيث هو عقد الصبي لا ينافي صحته من حيث هو عقد الولي، فيكون الاستثناء منفصلاً إذا لوحظت جهة كونه عقد الولي ومتصلاً إذا لوحظت جهة عقد الصبي وحيث نفي الأخير بقي الأول أو وحيث صح نفي الأخير صح ان يكون متصلاً لو تعلق به الإثبات والنفي ولكنه منفصل لأن المراد (لا يجوز عقد الصبي إلا بإذن الولي فيكون حينئذٍ عقد الولي) فالاستثناء منفصل.
من وجوه تصحيح الاستثناء المنفصل
وبوجه آخر: ان الاستثناء المنفصل صحيح وعرفي مع وجود قرينة حافة وذلك كقولك (أكرم هؤلاء العلماء الذين سيفدون علينا إلا من معهم من الخدم) فان الخدم مع فرض كونهم جهالاً، لا يصح استثناؤهم من أكرم العلماء إلا على أحد وجهين: كون الاستثناء منفصلاً، أو كونه متصلاً بلحاظ متوهّم السامع من (أكرم هؤلاء العلماء...) أي بلحاظ الجملة التقديرية التي يتوهمها السامع إذ يظن ان أكرم العلماء كناية عن (أكرمهم ومن معهم) كما هو دأب أصحاب المضايف فالاستثناء على هذا لا تجوّز فيه إنما التجوّز أو الكنائية في المستثنى منه وفي الأمر العقلي المتوهم أو يقال: انه نظير للاستخدام إذ يعدل عن جملته إلى متوهمهم عن الجملة فيستثني منها.
وكذلك لو قال: (أكرم العلماء العدول إلا لو أحدثوا بدعة) فان المحدِث بدعةً ليس بعادل ولكن الذي صحّح الاستثناء توهم شمول أكرم العلماء العدول لمن كان عادلاً بلحاظ التلبس السابق، وهي علاقة مصححة وإن قلنا ان المشتق مجاز فيمن انقضى عنه المبدأ؛ فإن الحق ان علائق المجاز المصححة له ليست منحصرة في الثلاثين ونيفاً التي ذكرها بعض البلاغيين، بل يصح المجاز كلما اقتضاه الذوق السليم وإن لم يندرج في احدى الثلاثين التي ذكرها البلاغيون، وعلاقة التلبس السابق مصححة عرفاً للإسناد وللاستثناء، فتدبر.
وحاصل هذا الجواب بعبارة أخرى: ان صحة الاستثناء أعم من كونه بنحو المتصل أو المنفصل لوجهٍ ما.
مناقشة أخرى معه (قدس سره)
وقال الميرزا الشيرازي: (ومجرّد كون المراد من الجواز هو المضيّ لا يقتضي خروج الفرد المسبوق بالإذن عن الإطلاق حتى ينحصر الموضوع فيما يستقلّ الصبي به من التصرّفات، فتعليل ذلك بكون الجواز مرادفاً للمضي على ما يقتضيه ظاهر العبارة ممّا لم يعرف وجهه بعدُ)([9]).
أقول: بل يقتضي؛ وذلك استناداً إلى صحة السلب كما سبق من صحة سلب (مضى أمره) عمن لا يمضي أمره إلا بالإذن، فيقال: لم يمض أمره وأما بعد الإذن فإطلاق مضى أمره مسامحة ومجاز أو صحيحٌ حقيقةً بعد وجود القرينة على عدم الانصراف والتي لولاها لتمّ الانصراف كما سبق.
وبوجه آخر: ان وجود (إلا بالإذن) قرينة تمنع إرادة الاستقلالي خاصة أو الانصراف إليه، كما سبق.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((تَذَاكَرُوا وَتَلَاقَوْا وَتَحَدَّثُوا فَإِنَّ الْحَدِيثَ جِلَاءٌ لِلْقُلُوبِ، إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ جِلَاؤُهَا الْحَدِيثُ)) (الكافي: ج1 ص41)
---------------------
([1]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص10.
([2]) الكليني، الكافي: 6/168 باب طلاق العبد؛ الصدوق، الفقيه: 3/540.
([3]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص10.
([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج7 ص197.
([5]) الدرس (494/22 ربيع الآخر).
([6]) راجع الدرس (494/22 ربيع الآخر).
([7]) السيد محسن الطباطبائي الحكيم، نهج الفقاهة، دار الهلال، ج2 ص10.
([9]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص10.
([1]) الشيخ محمد تقي الشيرازي، حاشية المكاسب، مركز تراث سامراء، ج2 ص10.