493-النسبة بين دفع الأموال وبين جواز التصرفات-السيد الحجة: الاذن متمم لقصور الطفل لكن الرواية مانعة
السبت 21 ربيع الثاني 1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(493)
النسبة بين (فَادْفَعُوا) وصحة التصرفات
ثم ان النسبة بين دفع الأموال للشخص وبين صحة معاملاته وتصرفاته هي العموم من وجه، والآية صريحة في الأول (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) فكيف يستدل بها على الثاني؟
بيان ذلك: ان الأمين تدفع إليه الأموال وكذلك الودعي لكنهما لا يصح لهما التصرف فيه بالبيع والشراء وما أشبه وكذا المرتهن فانه تدفع إليه وثيقة الدين (العين المرهونة) لكنه لا يصح له التصرف فيه أي انه محجور عن التصرف فيها، وأما الوكيل فانه قد يكون مأذوناً في التصرّفات ولكن من دون ان يدفع إليه المال بل يحتفظ به المالك عند شخص آخر أو يبقيه لديه، وذلك فيما إذا عجز الوكيل عن حفظه من السرقة أو التلف، وكذلك الصبي الراشد فانه قد لا تكون له ملكة حفظ المال من التلف (بسرقة أو ضياع أو شبههما) أو لا يكون قادراً على ذلك بينما يمتلك الرشد في البيع والشراء، وقد يكون العكس.
ولكن من الظاهر عدم ورود هذا الإشكال لظهور (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) في كونه كناية عن صحة تصرفاتهم، فان ذلك هو المتفاهم عرفاً من هذا الكلام، أو يقال: انه يتبادر إلى ذهنهم من (فَادْفَعُوا...) هو تسليم الأموال بلوازمها (من صحة التصرفات وشبه ذلك) بل لعل ذلك التشقيق بين الأمرين مما لا يلتفت العرف إليه عادةً.
نعم بيان النسبة بين الأمرين يجدي في تفصيل (الابتلاء) إلى نوعين لا يفي أحدهما بالآخر، فان الابتلاء على نوعين فقد يُستكشف به تحقق ملكة الحفظ لديه وقد يستكشف به توفره على الحكمة في التصرفات المالية، وقد يحرز كلاهما منه، فاللازم في تسليمه الأموال ابتلاؤه بما يحرز به تحقق ملكة الحفظ فيه، وفي تسليطه على التصرفات ابتلاؤه بما يحرز به تحقق الحكمة في التصرفات، ولم أجد من طرح هذا التفصيل لكنه مقتضى القاعدة، وأما تفصيل السيد الوالد H فكان تسليطه على أنواع التصرفات بحسب درجات الرشد لديه وتسليطه على كميات الأموال بحسب درجاته أيضاً ولم يكن عن هذا التفصيل، وعلى أي فان دليله H وافٍ بهذا التفصيل أيضاً فتدبر هذا.
(الغلام لا يجوز أمره) يفيد عدم صحة عقوده حتى بالإذن
وقد ارتأى السيد محمد الحجة الكوه كمري ان معاملات الصبي غير نافذة بل هي باطلة حتى مع إذن الولي رغم ان إذن الولي يتمم النقص في الصبي ويرمّمه ويكمله سواء أكان نقصاً في المقتضي أم من جهة المانع، ولكن الذي يمنع تأثير الاذن هو قوله (عليه السلام): ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ...))([1]) الظاهر في الشمول لصورتي الاذن وعدمه.
قال: (عقد الصبي لنفسه مع سبق اذن الولي أو لحوق إجازته، ويمكن القول بصحته، بتقريب أنّ في عقده جهة منقصة توجب بطلانه في نفسه، فإذا اقترن بإذن الولي أو إجازته ترتفع بها جهة المنقصة، ويستتم في صيرورته مؤثراً في آثار العقد. ولا إشكال في صيرورة العقد الباطل، لأجل منقصة فيه من حيث المقتضي أو من حيث طرو مانع عليه بعد استتمام المقتضي في نفسه، صحيحاً مؤثراً بلحوق الاذن عليه. أما ما كان فيه منقصة من حيث المقتضي كعقد الباكرة لتزويج نفسها، فانّ فيه منقصة من حيث المقتضي، ترتفع بلحوق إذن الولي عليه. وما كان فيه المنقصة من حيث ثبوت مانع عن تأثيره بعد استتمام المقتضي في نفسه كعقد الراهن، حيث إن تاثيره يتوقف على اذن المرتهن، لكون تعلق الرهن به مانعاً عن تأثير العقد فيه بغير اذن المرتهن.
والتحقيق منع صحة هذا القسم أيضاً كسابقه. لشمول قوله عليه السلام (الصبي لا يجوز أمره) على مطلق ما صدر عنه من العقد، وإن اقترن بإذن الولي. فإن الظاهر منه عدم جواز أمر الصبي على إطلاقه، سواء كان في العالم شيء غيره أم لا، كما هو قضية جميع الإطلاقات، فيشمل ما إذا اقترن بإذن الولي أو لم يقترن به)([2]).
أقول: وتمام الرواية بسندها (الصدوق في الخصال عن أبيه، عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ – والسند صحيح إلى أبي الحسين وهو أيضاً ثقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((سَأَلَهُ أَبِي وَ أَنَا حَاضِرٌ عَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَجُوزُ أَمْرُهُ؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. قَالَ: قُلْتُ وَمَا أَشُدُّهُ؟ قَالَ: احْتِلَامُهُ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ الْغُلَامُ ابْنَ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَم يَحْتَلِمُ، قَالَ: إِذَا بَلَغَ وَكُتِبَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ جَازَ أَمْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً)))([3]).
وفي رواية أخرى (عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن حمزة بن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث، قال: ((... إِنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْغُلَامِ، إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَدُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا، وَجَازَ أَمْرُهَا فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَأُخِذَ لَهَا بِهَا، قَالَ: وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْيُتْمِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ يَحْتَلِمَ، أَوْ يُشْعِرَ، أَوْ يُنْبِتَ قَبْلَ ذَلِكَ)).
وستأتي المناقشة في ذلك غداً بإذن الله تعالى مع بيان نسبة الرواية الشريفة للآية الكريمة التي هي محل البحث الآن.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((الْمُسْلِمُ مِرْآةُ أَخِيهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَخِيكُمْ هَفْوَةً فَلَا تَكُونُوا عَلَيْهِ إلباً وَأَرْشِدُوهُ وَانْصَحُوهُ وَتَرْفُقُوا به)) (تحف العقول: ص107).
------------
([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج7 ص197.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج7 ص197.