256- اجمال الفرق الجعل والمجعول وحكمة الجعل والمجعول والضرر النوعي والشخصي
السبت 25 ربيع الاول 1441هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(256)
تتمة: تنوع مباحث الجعل والمجعول
ان (الجعل) و(المجعول) والنسبة بينهما، مما يبحث عنه في مواضع شتى بمناسبات شتى في الفقه والأصول والكلام، كالبحث عن استصحاب عدم الجعل لإثبات عدم المجعول وعدمه، أو عن تعارض استصحاب وجود المجعول مع استصحاب عدم الجعل وشبهه، إلا ان مورد الكلام ههنا هو مبحثان:
الأول: ان الحكم تارة يكون في مرتبة الجعل وأخرى يكون في مرتبة المجعول.
الثاني: ان الحِكمة تارة تكون حكمة الجعل، وتارة تكون حِكمة المجعول، وكذا العلّة اما علة الجعل أو علة المجعول، ومحل النقاش مع الميرزا النائيني هو المبحث الثاني، إلا انه لما كان مبتنياً على الأول فلا بد من توضيح ما ينفع منه في المقام، فنقول:
معنى الحكم في مرتبة الجعل والمجعول
1- إن الحكم في مرتبة الجعل يراد به مرتبة الإنشاء، ويراد بالحكم في مرتبة المجعول مرتبة الـمُنشَأ، وهنا يقع البحث المعروف من وحدة الإنشاء والمنشأ ذاتاً واختلافهما اعتباراً (باختلاف النسبة للفاعل والقابل) كوحدة الكسر والانكسار ذاتاً واختلافهما اعتباراً، وهو الذي ناقشناه مفصلاً من ان الكسر والإيجاب علّة الانكسار والوجوب إذ يقال: كسرته فانكسر وأوجبه الشارع فوجب ولا يعكس، ولا يعقل كون العلّة عين المعلول ذاتاً واختلافهما اعتباراً([1]).
2ـ وقد يراد بالحكم في مرتبة الجعل الإنشاء كما سبق، ولكن يراد بالحكم في مرتبة المجعول الفعلية، وهما مرتبتان من مراتب الاخوند الأربعة، وههنا يمكن التفكيك في شرائط كل منهما، فمثلاً: المولى ينشأ وجوب الحج، عند نزول الوحي مثلاً، لكن المنشَأ وهو وجوبه على المكلف لا يكون إلا بعد الاستطاعة فالاستطاعة شرط فعلية الحكم لا شرط إنشائه إذ انشاؤه قد حصل قبل كذا من السنين متعلقاً بطبيعي المكلف لا بزيد خاصة وعمرو خاصة واما فعليته فتتعلق بذمة المكلف الخاص بعد الاستطاعة.
التقية في الإنشاء أو في الـمُنشَأ
والضابط: ان الموضوع وقيوده شروط للـمنُشَأ المراد به الحكم في مرتبة الفعلية لا الإنشاء وهو الحكم في مرتبة جعله وصدوره من المولى، ويوضحه مثال التقية، فان التقية قد تكون في الإنشاء أي في الحكم في مرتبة إنشائه، ولا تكون في الحكم في مرتبة فعليته، أو العكس، ولكنها إذا كانت في الحكم في مرتبة إنشائه كانت في الحكم المنشَأ لأنه هو هو كما سبق، ومثال الأول: ما لو كان الإمام عليه السلام في حالة تقية في قوله وإنشائه هو دون ان يكون السامع حين حلول وقت العمل في حالة تقية فانه لا تجوز له التقية حينئذٍ، وذلك كما لو وُجد في محضر الإمام عليه السلام حين كلامه مع المكلف ناصبيٌّ يُخشى منه، على الإمام أو على المكلف نفسه لو لم يقل الإمام للموالي مثلاً: صلِّ متكتفاً، فان هذا القول نفسه تقية، ولكن المكلف لو لم يكن حين أداء الصلاة في تقية فانه لا تجوز له لأنها كانت في نفس الإنشاء لا في الحكم الفعلي بحق المكلف. فتأمل
وعلى هذا الوجه الثاني يبتني إمكان تفكيك علّة الجعل أو حكمته عن علّة المجعول أو حِكمته؛ إذ على الأول: فان الجعل عين المجعول (على المشهور) والإنشاء عين الـمنُشَأ فكلما كان علّة للجعل كان علّة للمجعول لا محالة وكلما كان حكمة له كان حكمة له ولا يعقل الانفكاك بان يكون شيء علّة للجعل حكمةً للمجعول أو العكس.
وعليه: فكلما كان سبباً للجعل النوعي (أي لجعل حكم يتعلق بنوع المكلفين وإن لم يكن ذلك السبب متحققاً في كافة آحادهم) كان سبباً للمجعول النوعي، وكلما كان سبباً للجعل الشخصي (أي لجعل حكم يتعلق بآحاد المكلفين) كان سبباً للمجعول الشخصي.
لا ضرر، للشفعة، علّةٌ للنوع وحكمةٌ للشخص
وفي المقام، فان ظاهر روايات فضل الماء والشفعة، كما سبق([2])، ان النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل الشفعة وفضل الماء صغرى لكبرى لا ضرر، ولا ضرر، كسائر العناوين، شخصي، فكل من يتضرر يثبت له الحكم أو ينفى عنه الحكم الضرري دون غيره؛ فهو علّة الحكم ضاهراً لظهور كون كلامه صلى الله عليه واله وسلم لبّاً من مصاديق الشكل الأول: (عدم ثبوت حق الشفعة للشريك في الملك المشاع ضرر، وكل ضرر مرتفع فعدم ثبوت حق الشفعة للشريك مرتفع) فهو علّة الجعل وهو أيضاً علّة المجعول (المراد به الـمُنشَأ والحكم في مرتبة فعليته) وإنما رفع اليد عنه، للقطع الحاصل بالإجماع وغيره، بان الضرر حِكمةٌ لثبوت الشفعة للشريك ولذا لم تدر مداره ولذا كان الضرر حِكمةً للجعل والمجعول (والمراد حِكمة لجعل الشفعة لكل شخص شخص) وكان الضرر، في الوقت نفسه، علّة للجعل والمجعول النوعيين "أي لجعل الشفعة لنوع المكلفين وإن لم يكن الضرر متحققاً في كل واحد منهم" فكان ما هو علّة للجعل (وهو الضرر) بمعنى عليته للمجعول النوعي (أي ثبوت حق الشفعة للنوع) لا الشخصي (أي الشفعة للشخص المتضرر فقط).
وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ السَّنَةَ لَكَثِيرَةٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ لَكَثِيرٌ، مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمْعَةٍ، قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْجُمْعَةَ لَكَثِيرٌ، مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ يَوْماً لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ، قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ))
(الكافي: ج2 ص440).
-------------------------------------------------------------------------
([1]) إلا بناءً على وحدة الموجود، الباطل بالبداهة عقلاً ووجداناً وفطرةً وحسب كافة الشرائع.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |