بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(419)
الطريق السادس: وثاقة أبان بن أبي عياش
سبقت وجوه خمسة لاعتبار كتاب سليم بن قيس، واما الطريق السادس فهو توثيق أبان ابن أبي عياش الذي تنتهي إليه غالب (وقيل جميع) نسخ كتاب سليم بن قيس والذي ضعّف بعض الرجاليين الكتابَ لأجل عدم ثبوت وثاقة أبان لديه، ولكن هناك وجوه عديدة تفيد وثاقته وتكفي تمامية إحدى الطرق الآتية لتوثيقه فكيف لو تمّ لدى الرجالي أو الفقيه أكثر من طريق، بل يكفي تعاضدها حتى لو لم يتمّ كل واحد منها في حد ذاته، في إيراث الاطمئنان النوعي أو الشخصي بصحة نسبة الكتاب إلى سليم، والوجوه هي:
وجوه توثيق أبان بن عياش
1- توثيق علماء العامة له
الوجه الأول: توثيق جمع من أهم علماء العامة له، مع معلومية جهة جرح جارحهم له، وهي: شبهة تشيّعه لديهم أو روايته المناكير بزعمهم، وهذا الطريق يتوقف على تحقيق حال الصغرى وإثبات الكبرى.
1- صغرىً: نماذج من توثيقاتهم
اما الصغرى: فقد صرّح العديد من كبار رجاليي العامة وعلمائهم بما يفيد وثاقته ومنها مثلاً:
- قال الذهبي: كان أبان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام)([1])
- قال الفلاس: هو رجل صالح([2])!
- قال أبو حاتم: كان رجلا صالحا.([3])
- قال العقيلي: إنه كان طاووس القراء.
- قال ابن قتيبة في المعارف: كانت تفخر عبد القيس بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه([4]). والمراد بالمولى الحليف وافتخار قبيلة بفقيه دليل على ثقتهم به وعدم معروفية الكذب وشبهه عنه.
- (قال ابن عدي: أرجو أنه لا يتعمد الكذب وعامة ما أُتي به من جهة الرواة عنه)([5]) والمقصود ان المناكير التي نسبت إليه لم تصدر منه بل كذبت عليه.
- قال سلم العلوي: يا بني، عليك بأبان. فذكرت ذلك لأيوب السختياني فقال: ما زال نعرفه بالخير منذ كان([6]).
ويؤكد ذلك كله ما قاله المير حامد حسين في استقصاء الإفحام: (إن أبان بن أبي عياش يعدّ عند العامة أيضا من أعاظم علمائهم ويعدّونه من خيار التابعين وثقاتهم، وكان أبو حنيفة ممن أخذ عنه وارتضاه لأخذ الأحكام الشرعية([7]) كما يرى ذلك من كتب أكابر فن التنقيد)([8]).
- وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة: (يدل على تشيعه قول أحمد بن حنبل كما سمعت (قيل أنه كان له هوى) أي من أهل الأهواء والمراد به التشيع...)([9])([10]).
ويؤكد وثاقته ان من جرحه من أهل العامة فإنما جرّحه لشبهة تشيّعه أو لاتهامه بها أو لرواياته المناكير بزعمهم، فقد ذكر الذهبي تضعيفه عن ابن عدي بانه روى مناكير، ومنها ان أبان روى ان الأمة ستقتل الإمام الحسين عليه السلام وان جبرائيل أرى النبي صلى الله عليه واله وسلم التربة التي يقتل بها الإمام الحسين عليه السلام.
وقال عنه أحمد بن أحمد (ان له هوى) أي بالتشيع وقد ضعّفه بعضهم، كسفيان، بانه كان نَسِيّاً أو سيء الحفظ ولم يضعّفه بشبهة الكذب.
ولذلك قال المحقق أبي علي الاسترابادي في المنتهى والمتوفى 1028 (اني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع).
كبرىً: حجية توثيق أهل الملل والنحل في غير مورد الظنّة
واما الكبرى: فان الظاهر ان توثيق أهل الخبرة الثقات، بل الواحد منهم، في كل ملة ونحلة، لأحدهم فيما لم يكونوا مورد ظِنّة وتهمة، حجة مورثة للاطمئنان نوعاً؛ ألا ترى انك لو سافرت إلى الهند أو اليابان مثلاً فسألت عن طبيب حاذق فأشار أحد الثقات الخبراء أو عدد منهم (وإن كانوا من دين آخر أو بلا دين) إلى شخصٍ، انك تطمأن إليه وان بناء العقلاء على ذلك؟ وكذا الحال فيما إذا وثقوا شخصاً من حيث انه لا يكذب أو لا يشرب الخمر أو شبه ذلك.
2- رواية مثل ابن أبي عمير لكتابه واشتهاره عنه
الوجه الثاني: رواية مثل ابن أبي عمير عنه، ومثل حمّاد بن عيسى عنه، بل تكفي رواية ابن أبي عمير عنه فانه ممن عرف بانه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، والعديد ممن لم يقبل قاعدة حجية مراسيل أصحاب الإجماع و(تصحيح ما يصح عن جماعة) قَبِل حجة مراسيل الثلاثة ومنهم ابن أبي عمير ويؤكده ان سند ابن أبي عمير ينتهي إلى أبان عن سليم وانه سنده الوحيد إلى نسخة كتاب سليم، ومع اشتمال كتاب سليم على العظائم وعلى أمور خطيرة جداً في العقائد والتاريخ بل ان عامته كذلك، فانه لا يعقل ان يروي ابن أبي عمير، الكتابَ وان يشتهر عنه، إلا إذا كان يرى وثاقة سلسلة السند كلها أو كان قد عرض الكتاب على الإمام عليه السلام فصدّقه، وايهما كان كفى ووفى.
3- رواية أعلام الطائفة لكتابه واعتمادهم عليه
الوجه الثالث: ما ذكره جمع من الأعلام من صحة الاعتماد عليه وتوثيقه أو توثيق كتابه، اعتماداً على اعتماد ثقات أعلام الطائفة ومحديثها عليه نظير:
محمد بن الحسن الصفار المتوفى 290 في بصائر الدرجات.
والفضل بن شاذان المتوفى 260هـ في إثبات الرجعة.
والعياشي المتوفى 320 في تفسيره.
والكليني في الكافي والمتوفى 329.
والنعماني في الغيبة والمتوفى بعد 342.
وابن شعبة الحراني في تحف العقول المتوفى 381.
وكذا ابن بابويه القمي وابن الوليد وغيرهم وهم معاصرون لأحد المعصومين عليهم السلام أو في زمن الغيبة الصغرى أو في زمن مقارب جداً.
ولذا قال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في (الجامع في الرجال): (الأقرب عندي قبول رواياته تبعا لجماعة من متأخري أصحابنا اعتمادا بثقات المحدثين كالصفار وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين يروون عنه، ولاستقامة أخبار الرجل وجودة المتن فيها)([11]) وقال السيد الخوانساري في كشف الأستار فقال: (وإذا انتهت أسانيد الكتاب إلى أبان فهذا الإجماع يكشف عن وثاقته جدا)([12]).
4- تسليم سليم كتابه إليه
الوجه الرابع: ما اعتمده العلامة المامقاني بقوله (الجزم بتضعيفه مشكل بعد تسليم مثل سليم بن قيس كتابه إليه, وخطابه بابن أخي, ومن لاحظ حال سليم بن قيس مال الى كون الرجل متشيعاً ممدوحاً, وإن نسبة وضع الكتاب إليه لا أصل لها, وإذا أنضم الى ذلك قول الشيخ أبي علي في المنتهى: إني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع, تقوى ذلك, والعلم عند الله تعالى, بل بعد إثبات وثاقة سليم كما يأتي انشاء الله, تثبت وثاقة أبان هذا بتسليمه الكتاب المذكور اليه)([13]).
لا يقال: ان إثبات وثاقة أبان بتسليم سليم كتابه إليه، دوريّ! لأن أبان هو الراوي المدعي ان سليم سلّمه كتابه؟
إذ يقال: قد يجاب عن ذلك بانه لا شك في تسليم سليم كتابه إلى أبان، وإنما شك من شك، كالشيخ المفيد، في وجود دسّ فيه وتخليط، لذا أشكل المفيد عليه من هذه الجهة لا من جهة التشكيك في كذبه بمناولة سليم الكتاب له، خاصة مع ما اشتهر من تجاهر أبان بنسبة الكتاب إلى سليم زمن الأئمة السجاد إلى الصادق عليه السلام، ولم ينكر عليه أحد ذلك بل ولا ادعى عليه الدس فيه، نعم أنكر بعض، كابن الغضائري أصل التسليم والتسلم، لكنك عرفت عدم صحة نسبه الكتاب إليه (الغضائري) وعدم حجية كلماته مطلقاً حتى لو فرض انتسابه إليه، ومع ذلك فالمسألة بحاجة إلى تتبع أكثر (في مسلمية تسلمه الكتاب منه).
ويؤيد ذلك كله: بان البرقي عدّ أبان من أصحاب الإمامين السجاد والباقر، فيقال: ان صدور ذلك من الرجالي ظاهر في توثيقه له أو ان كون الشخص من أصحاب معصوم وأكثر دليل وثاقته ما لم يرد فيه قدح بيّن، سلّمنا لكنه مؤيد وإن لم يكن دليلاً فيعتضد بغيره.
كما يؤيد وثاقة أبان لجوء سليم إلى دارهم، رغم شدة طلب الحجاج له، ومحافظتهم عليه رغم شدة خطورة ذلك عليهم، فان هذا ثابت حتى لو شكك في تسليم أبان الكتاب منه، فإذا ثبت ذلك (لجوء سليم إليهم وحمايتهم له مما لا يقوم به إلا الأوحدي) دلّ على شدة اعتماد سليم عليهم وثقته بهم فإن لم يكن هذا دليلاً على صدق اللهجة، لإمكان الانفكاك وإن لم يكن عرفياً، فمؤيد.
وهذا كله إضافة إلى الوجوه السابقة المذكورة لتوثيق الكتاب المفيدة، بلازمها، لتوثيق راويه، فراجع ما سبق.
ويظهر من ذلك كله ان تضعيف ابن الغضائري والشيخ الطوسي([14]) وابن داوود لا وجه له، بل استظهر بعض المحققين ان الطوسي استقى تضعيفه له من ابن الغضائري، والله العالم.
ومن الواضح أرجحية الوجوه السابقة المفيدة لتوثيقه على هذه التضعيفات المستندة ظاهراً اما إلى الجهل بحال الرجل أو لشهرة انه عامي أو لوجود العظائم في كتابه هذا مع احتمال في الطوسي انه اتقى، والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الحسين عليه السلام: ((إِيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُسِيءُ وَلَا يَعْتَذِرُ وَالْمُنَافِقُ يُسِيءُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَعْتَذِرُ))
(تحف العقول: ص248).
--------------------------------------------
([1]) شمس الدين الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت: ج1 ص12.
([2]) المصدر نفسه: ص10.
([3]) تهذيب التهذيب: ج 1 ص 97.
([4]) ابن قتيبة الدِّينَوري، المعارف: ص421
([5]) شمس الدين الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت: ج1 ص14.
([6]) شمس الدين الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت: ج1 ص10.
([7]) جامع المسانيد للخوارزمي: ج 2 ص 389 ب 40.
([8]) استقصاء الإفحام: ج 1 ص 563، 564، 566.
([9]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت: ج2 ص103.
([10]) وراجع للمزيد كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الانصاري الزنجاني الخوئيني، نشر الهادي: ص77 -84.
([11]) راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي بتحقيق محمد باقر الانصاري الزنجاني الخوئيني، نشر الهادي ـ قم: ص83.
([12]) المصدر نفسه.
([13]) الشيخ عبد الله المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث: ج3 ص68.
([14]) ولم يزد على قوله (تابعي ضعيف).