30- تفصيل الوجه السابق -الاجارة مشروطة بالقدرة العقلية ، والاعتكاف مشروط بالقدرة الشرعية ، فهي واردة عليه
الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(30)
معضلتان تواجهان صحة الاعتكاف الترتّبي
وبعبارة أخرى: ان صحة اعتكاف وصوم من استؤجر لعمل خاص كالسفر في وقت مضيقٍ لا يجتمع مع الاعتكاف والصوم، تواجهها مشكلتان:
الأولى: ان الصوم والاعتكاف غير مأمور به اما نظراً إلى ان الأمر بالمضيق مقدم على الموسع، واما استناداً إلى انه حق الناس وهو مقدم على حق الله، أو لأنه واجب والاعتكاف مستحب فلا شك في تقدمه عليه أو لغير ذلك من الجهات كما سيأتي تحقيقها.
وهذه المشكلة – كونهما غير مأمور بهما - يصحّحها الأمر الترتّبي.
الثانية: ان المستأجَر في الوقت الخاص، كالأيام الثلاثة القادمة مثلاً، لا سلطنة له على نفسه وعمله بل غيره مسلط عليه وعلى عمله، وهذا مما لا يصححه الترتّب، إلا لو فرض إطلاق لكلامه يستظهر منه إسقاطه لحكمه الوضعي وسلطنته، أي اذنه له، وسيأتي انه لا إطلاق له للحكم الوضعي إذ ليس في مقام البيان من هذه الجهة.
وبعبارة أخرى: انه كما أنّ مَن مَلك عليه غيرُه كافّةَ منافعه بما فيها منفعة الاعتكاف؛ فانه لا يصحّ إعتكافه، كما سلّم به قدس سره مستند إلى ان منفعته مملوكة للغير، كذلك مَن مَلك عليه غيرُه منفعةً خاصةً لكنها مستغرقة لوقته بحيث تتضاد مع الاعتكاف، فانه لا محالة يكون مبطلاً.
ولا فرق بين ملك كلّي المنفعة أو جزئيها
إن قلت: إنه مَلَك عليه الكلِّي لا المصداق.
قلت: أولاً: الفرض انه ملك عليه المصداق إذ مفروض العروة هو فيما لو استأجره في وقت معين مضيق لأداء عمل كالسفر مثلاً، وهذا جزئي وليس كلياً أي ان هذه المنفعة مصداق خارجي مشخّص فهي مملوكة للغير، فكيف يصرفها في الاعتكاف؟ وكيف تتحقق بها العبادة؟
ثانياً: سلّمنا انه مَلكَ عليه الكلّيَّ، لكنه لا محالة يتمصدق في الجزئي، فان وجود الكلّي بوجود الجزئي، فإذا مَلكَ عليه الكلّيَّ مَلَك عليه ما يتمصدق به، وقد تمصدق في الاعتكاف فهو باطل.
ويوضحه: انه لو اشترى كلّي الكتاب ثم سلّمه كتاباً فانه إذ تمصدق فيه مَلَكه فيكون كما لو اشتراه بعينه، فكذلك ما لو ملك عليه منفعته الكلية التي لا يمكن ان تتمصدق إلا في السفر أو الاعتكاف إذا كان من الضدين اللذين لا ثالث لهما، بل الأمر كذلك إذا كانا من ذوات الأضداد فانه إذا مَلَكَ عليه الكليَّ في وقت معين فمصدقه في إحدى البدائل الأخرى كان قد صرف مملوك الغير (أو ما تسلط عليه الغير) في العبادة والعبادة قوامها بفعل ما هو مسلط عليه لا ما كان ملكاً للغير بدون اذنه ورضاه. ولعله يأتي لذلك مزيد توضيح.
3- الصوم مشروط بالقدرة الشرعية عكس الوفاء بالعقود
الثالث: انه قد يقال ان الصوم والاعتكاف مشروطان بالقدرة الشرعية، اما الوفاء بعقد الإجارة فغير مشترط إلا بالقدرة العقلية، وذلك من مرجحات باب التزاحم كما سيأتي تفصيله، وإجماله: ان مثل الحج مشترط بالقدرة الشرعية، وقد فسرت بثلاث تفسيرات كما سيأتي، واما مثل أداء الدين فغير مشترط إلا بالقدرة العقلية فإذا قدر على أداء الدين قدرةً عقليةً وجب عليه أداؤه فيكون معجّزاً مولوياً عن الحج المعلق على الاستطاعة لقوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)([1]) والمأمور بأداء الدين غير مستطيع للحج (في فرض تضادهما) كما سيأتي تفصيله، فكذلك المقام فان الوفاء بالعقود غير مشترط إلا بالقدرة العقلية، اما الاعتكاف والصوم فمشترطان بالقدرة الشرعية بان لا يكون ما توقف عليه محرماً شرعاً([2]) وبان لا يلزم منه تحليل الحرام أو تحريم الحلال – على إحدى التفسيرات الآتية والتي أختارها مصباح الأصول أيضاً – فإذا أمره المولى بالسفر أداء لحق الإجارة كان ذلك معجّزاً مولوياً مولوي عن الاعتكاف والصوم ولا عكس إذ القدرة المشترطة فيهما شرعية.
كلام الميرزا النائيني
قال في فوائد الأصول: (الامر الثاني: من المرجحات، ترجيح ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة على ما يكون مشروطا بها، والمراد من القدرة الشرعية هي ما إذا اخذت في لسان الدليل([3])، كما في الحجّ وأمثاله ممّا قيّد المتعلّق بالقدرة في نفس الخطاب. والسّر في ترجيح ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية على ما يكون مشروطا بها، هو انّ الغير المشروط بها يصلح لان يكون تعجيزاً مولوياً عن المشروط بها، حيث إنّ وجوبه لم يكن مشروطا بشرط سوى القدرة العقلية والمفروض انّها حاصلة فلا مانع من وجوبه، ومع وجوبه يخرج ما كان مشروطا بالقدرة الشرعية عن تحت سلطانه وقدرته شرعا، للزوم صرف قدرته في ذلك ، فإذا لم يكن قادراً شرعا لم يجب، لانتفاء شرط وجوبه، وهو القدرة.
والحاصل: انّ ما يكون مشروطا بالقدرة العقلية يصلح ان يكون معجزا مولويا عما يكون مشروطا بالقدرة الشرعية، لان وجوبه لا يتوقف على أزيد من القدرة العقلية الحاصلة بالفرض، ومع التعجيز المولوي لم يتحقق شرط وجوب الواجب الأخر)([4])
والمدَّعى هو ان المقام صغرى للكبرى التي ذكرها، لكن يبقى إثبات ان الاعتكاف والصوم والعمل مشروطان بالقدرة الشرعية، وسيأتي الكلام عن ذلك بإذن الله تعالى كما سيأتي نقل تعريف مصباح الأصول للقدرة الشرعية بما ينطبق على المقام. فتأمل حتى ذلك الحين.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال: ((إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَنُورُ عَيْنَيَّ وَثَمَرَةُ فُؤَادِي يَسُوؤُنِي مَا سَاءَهَا، وَيَسُرُّنِي مَا سَرَّهَا، وإِنَّهَا أَوَّلُ مَنْ يلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي...))
الأمالي (للصدوق): ص486.
([3]) سيأتي بإذن الله تعالى الكلام عن ذلك كبرى وعن انطباقه على المقام صغرى.
([4]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ج1 ص322.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |