34- المنهج الذي نسير عليه في بحث الخارج تتمة المبحث السابق : 6- الايجاب المطلق من باب العنوان و المحصّل
الاربعاء 5 ذي الحجة 1432هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في الأدلة على ما استظهر من كلام صاحب العروة من وجوب الاجتهاد والتقليد بقول مطلق ووصل الكلام للوجه السادس.
6- ضياع الأحكام بعد الأمر المطلق
بيان ثانٍ للوجه السادس: أنه لو لم يوجب المولى أحد الثلاثة في كل الأفعال، للزم ضياع أحكامه الإلزامية لفرض علمه بأن المكلف كثيراً ما يقطع بخلاف الحكم الشرعي فيوجب عليه الرجوع للمجتهد مطلقاً، ليدفع بذلك قطعه ويحول دون وجوده فمثلاً الكثير من العوام يعتبر المنامات حجة، قاطعاً بذلك، ويرتب عليها لوازمها الفاسدة في كثير من الأحيان، فإذا لم يأمره الشارع بالرجوع للمجتهد مطلقاً، لبقي على العمل بمقتضى قطعه المستلزم لمخالفة الأحكام الشرعية كثيراً ما.
7- وجوب الاحتياط في العنوان والمحصل
الدليل السابع: إن المقام من قبيل العنوان والمحصل، وكلما تعلق الأمر بالعنوان وجب الاحتياط في محصله.
توضيحه:
أما الكبرى فإن الأمر تارة يتعلق بالسبب مثل فري الأوداج لحصول الحلية وحينئذٍ فإن الاتيان بالفري مسقط للتكليف.
وتارة يتعلق بالمسبب كالتذكية فهنا يجب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل مدخليته في تحقق العنوان -أي المسبب- من شرط محتمل ورفع مانع مشكوك، فإنه لو لم يفعل لما أحرز تحقق العنوان وهو (إلا ما ذكيتم).
ومثال ذلك ما لو قطعنا الأوداج بالأستيل، فإن قلنا بأن الأمر قد تعلق بالسبب فقد تحقق الفري للأوداج فهو حلال، أما إذا قلنا بأن الحكم قد علِّق على التذكية فلابد من إحراز كل ما له مدخلية في تحققها فعند الشك في تحقق التذكية بالأستيل (أم لابد أن تكون بالحديد) فهنا لابد من الاحتياط بعدم الأكل من ذلك اللحم للشك في حصول الذكاة، ووجه الشك في حصول الذكاة بالاستيل أو الزجاج، هو الشك في المراد بالحديد المأخوذ في الرواية محوراً للتذكية، فهل المراد به معدن الحديد؟ أم الحديد الوصفي أي الحادّ؟, فإذا استظهرنا المعدن، فالزجاج الحادّ ليس بمعدن وإن استظهرنا الحادّ، فالزجاج حادّ، أما إذا شك الفقيه في المحصل للتذكية وقد علّقت الحلية على التذكية فإننا لا نعلم أن الاستيل محقق للتذكية أم لا؟، وذلك مصداق ما لو تعلق الأمر بالعنوان وشك في محصله، فالمجرى الاحتياط.
والمقام من هذا القبيل فإن (للعوام أن يقلدوه) أمر تعلق بالتقليد، وهو عنوان، فإذا شككنا أن هذا العنوان يتحقق لو لم أقلد في المستحبات ونحوها أم لا؟ فالاحتياط يقتضي أن أقلد فيها, وكذلك في الأجتهاد (ليتفقهوا في الدين) و(تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم فهو أعرابي) ، فإذا شككت هل تحقق الامتثال بالاجتهاد فقط في الإلزاميات فالاحتياط يقتضي الاجتهاد مطلقاً.
ومثال آخر: قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) فهذا عنوان تعلق الأمر به، فإذا شككنا في محصله وهل أن محصله هو صرف الاستشارة أم الاستشارة مع الأخذ برأي المستشار، فهنا يجب الاحتياط بالاستشارة مع الأخذ برأي المستشار.
وإذا تم هذا الكلام، فكلام العروة تام وإلا فلا.
7- المناقشة صغرى وكبرى
والجواب: أولاً: إن المستظهر من قوله تعالى (ليتفقهوا) و(للعوام أن يقلدوه) ونحوها أن هذه العناوين قد أخذت كمرآة وكواشف عن الأحكام الشرعية لا كموضوع للحكم الشرعي، فإذا كان ما يكشف عنه واجباً وجب تحصيل الكاشف وإذا لم يكن واجب فلا يجب تحصيل كاشفه.
والحاصل أنه إذا كان كل من الاجتهاد والتقليد مطلوباً بالتبع، فهو يتبع المؤدى ففي الواجب واجب غيري وفي المندوب مندوب غيري.
وثانياً: إن المراد بالعنوان، المسبب، لا كل عنوان، وإلا للزم القول بوجوب الاحتياط حتى في الأقل والأكثر الاستقلاليين كـ(أدّ الدين) فإن الدين عنوان، ولما كان مورد، إلا وكان من قبيل العنوان والمحصّل وهذا مما لم يقل به أحد ومما لا مجال له أصلاً.
وللكلام صلة تأتي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
منهجيتنا في بحث الخارج
فائدة: ذكر الأستاذ في بداية الدرس فائدة تتعلق بمنهج بحث الخارج:
إن المنهج الذي نعتمده في بحث الخارج يعتمد على أسس عديدة منها:
الأول: المزيد من التحقيق والتدقيق، والفرق بينهما أن التحقيق يعني جمع العينات بمختلف أنواعها وذكر الاحتمالات رغم تعددها وتكثرها وذكر الأقوال واستقراء الروايات والأدلة والشواهد حتى يكون الاستقراء تاماً أو شبه تام، فالتحقيق هو الاستقراء الأتم للأدلة والأقوال والاحتمالات.
أما التدقيق فهو الغور في أعماق كل عينة من دليل أو مدرك, فالتحقيق بُعدٌ كمي والتدقيق بُعدٌ كيفي.
إن هذا المنهج يضمن الحصول على -أو تنمية- ملكة الاجتهاد بشكل أفضل وأقوى من المنهج الآخر الذي يرى الاستعراض السريع والمشي السريع فإنه وإن كان يعطي ويضخ مزيداً من المعلومات لكنه يعاني من عدم قدرته على صقل ملكة الاجتهاد وتقويتها وتطويرها,ولذا نجد في تعريف الأعلم أقوال منها: الأكثر اطلاعاً على المدارك والأكثر اطلاعاً على الأشباه والنظائر، ومنها أنه الأكثر تحقيقاً، ومنها أنه الأكثر تدقيقاً، ومنها أنه الأجود استنباطاً وغيرها، وهذه يضمنها المنهج الأول بشكل أفضل وأتم وأكمل.
إن بحث الخارج هو موطن ومضمار تنمية الملكة وذلك يتحقق بالمزيد من التحقيق والتدقيق.
الأساس الثاني: أخذ الطالب في جولة تطبيقية موجزة في أنحاء الفقه والأصول حتى في البحوث المبنائية فإن هذا المنهج ينمي الملكة، لأنه يربط شتى أبواب الفقه والأصول فيما بينها.
توضيح ذلك: أنه عند توقف الاستدلال على البحوث المبنائية الهامة، فإن هناك ثلاثة مناهج للتعامل معها:
الأول: اعتبار نتيجة البحث المبنائي المنقح في محله، كأصل موضوعي.
الثاني: تناول المبحث المبنائي بشكل تفصيلي والخوض فيه وقد يستغرق أسابيع أو أشهراً.
الثالث: وهو الأقرب لتنمية الملكة وللجمع بين الحقين: منهج الاستعراض الإجمالي والاقتطاف والانتخاب لأهم الأدلة وتقديم عصارة ذلك المبحث أدلةً وأجوبةً، وقد يستغرق يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً.
الاربعاء 5 ذي الحجة 1432هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |