بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(227)
سبق: (الوجه التاسع: ان الإنشاء بعد الإنشاء والطلب بعد الطلب ممكن بل واقع بل كثير الوقوع...)([1])
المحتملات في الإنشاء بعد الإنشاء
ونضيف: ان المحتملات في الإنشاء بعد الإنشاء ثلاثة:
1- إيجاد الأمر الثاني لفرد آخر من الطلب
الأول: ما سبق من (لكن الصحيح هو ان الأمر يوجِد فرداً من الطلب (أو فقل مصداقاً له) متعلقاً بطبيعة الصلاة مثلاً ثم إذا رأى ان هذا الطلب الموجَد لم يحرِّكْهُ فانه يُنشأ أمراً آخر يوجد به فرداً آخر من الطلب متعلِّقاً بالطبيعة نفسها)([2]).
اما لإيجاد الداعي أو لإيجاد مرتبة منه أو فرد آخر
ثم ان هذا الإنشاء الجديد والطلب الجديد الحاصل به:
تارة: يكون لإيجاد الداعي في نفسه بعد ان رأى المولى عدم إيجاد الأمر الأول للداعي فيه.
وأخرى: يكون لإيجاد داعٍ آخر من نفس سنخ الداعي الأول أو من سنخ آخر بحيث يكونان بمجموعهما الباعث له على الانبعاث والامتثال، ومن براهينه الإنّية تنويع الثواب والجزاء متفرعاً على هذا الأمر أو ذاك فتارة يقول: صِل الرحم فان وَصلتها باركتُ في أموالك وزدتها، وأُخرى يقول: صِلها فإن وَصلتها أطلتُ عمرك، وثالثة: صِلها فإن وَصلتها دفعتُ عنك البلاء واللأواء... وهكذا، وهذا واضح وبديهي لمن رأى تنوع المثوبات المذكورة على مختلف الأفعال المأمور بها أو المندوب إليها سواء أكان ذلك في لسان الشارع أم في لسان سائر الموالي العرفية.
وثالثة يكون: لإيجاد درجة أقوى من الداعي كما سيأتي بعد قليل.
2- إيجاده لمرتبة أعلى من الطلب ومن الداعي
الثاني: ان يوجد درجةً أعلى من الطلب، وهو المسمى بالطلب المؤكد أو الأمر المؤكد وذلك لأن الصفات النفسية كلها ومنها السابقة على تحريك العضلات، من الطلب والإرادة والشوق والعزم وغيرها، حقائق تشكيكية ذات مراتب كما ان الطلب الموجَد في عالم الاعتبار بالإنشاء، أيضاً ذو مراتب، كما ان الداعي، وهو الحافز، في المكلف للانبعاث أو الانزجار وفي كل عاقل بل وكل حيوان بل وكل مختار، نحو فعلٍ ما أيضاً مشكك ذو مراتب فقد يكون قوياً أو أقوى أو ضعيفاً أو أضعف بمراتبها، فإذا كان الداعي مشككاً صح الأمر بعد الأمر والطلب بعد الطلب كلما رأى المولى كون الطلب الثاني فالثالث وهكذا موجباً لقوة أو اقوائية الداعي والحافز لدى المكلف للانبعاث، فكان الأمر الثاني مولوياً كالأمر الأول لا ارشادياً ولا يلزم من ذلك تحصيل الحاصل لفرض ان الأمر الثاني يوجِد درجة أخرى أقوى من الداعي([3]) في العبد بعد ان أوجد الأمر الأول فيه درجة أضعف، بل قد لا يوجد الأمر الأول فيه داعياً أبداً لشدة تكاسله أو لخبث باطنه أو لوجود مزاحم أهم بنظره، ويكون الأمر الثاني أو الثالث فالرابع وهكذا هو الموجد للحافز أو لدرجات أعلى فأعلى منه حتى يصل في المكلف إلى مرتبة الشوق المؤكد فالعزم فالجزم فتحريك العضلات نحو المأمور به.
وذلك كله وجداني بديهي فأنظر إلى حال مختلف الموالي عندما تجدهم يكررون أوامرهم لمن لم يمتثلها فانها بأجمعها تكون إما لايجاد الداعي إن لم يوجده الأمر الأول لمانعٍ ما، أو لتقوية الداعي في نفس العبد، أو لإيجاد داع بعد آخر تكون بمجموعها كفيلة بتحريكه؛ هذا إن لم يكن الأمر صورياً لمجرد إتمام للحجة أو شبه ذلك.
3- إيجاده لنفس الطلب، بتداخل الأسباب
الثالث: ان يقال بتداخل الأسباب في الأمر بعد الأمر بإيجاد طلب وطلب وداعٍ وداع، بدعوى ان عالم الإنشاء ومتعلَّقُه هو الأمور الاعتبارية ليس بأصعب حالاً من عالم التكوين فإذا التزمنا في عالم التكوين بتداخل الأسباب كان إمكان الالتزام به في عالم التشريع والاعتبار أولى.
توضيحه: انه لا يعقل توارد علتين تامتين على معلول واحد، فإذا اجتمعت علتان على معلول واحد كان مجموعهما علة له وتداخلت الأسباب بمعنى ان يكون حينئذٍ كل واحد من العلتين جزء العلة، كما لو كان تحريك زيد لوحده الحجر كافياً لتدحرجه وكان تحريك عمرو له كذلك، فحرّكاه معاً فإن التحرُّك يكون معلول مجموع تحريكهما، وكذلك قتل عمرو برصاصة بكر أو قتله برصاصة زيد فلو أصابته الرصاصتان دفعة واحدة بنحو واحد كان قتله مستنداً لهما، والسر هو حدوث الكسر والكسر بينهما بتواردهما على الأمر الواحد في الوقت الواحد واستحالة استناد المعلول لأحدهما لأنه ترجيح بل ترجح بلا مرجح ولا للخارج عنهما لأنه خلف فلم يبق إلا الاستناد إليهما على أن يكون كل منها جزء العلة والمقتضي.
وذلك عكس المثال المعروف للتداخل، من الغُسل مرة واحدة المجزي عن الجنابة والحيض مثلاً، وذلك لأن هذا المثال من تداخل المسببات لا تداخل الأسباب؛ لوضوح وجود سبب واحد هنا وهو الغُسل الواحد، ومسببين وهما النجاسة من الجنابة والنجاسة من الحيض فالطهارة من هذا والطهارة من ذاك مسبَّبان يوجدان بسبب واحد وهو الغسل الواحد.
وفي المقام قد يقال بذلك: بدعوى ان الأمر الأول وإن كفى لإيجاد الطلب الاعتباري في عالمه أو لإيجاد الداعي بدرجته العليا، وكان الأمر الآخر كذلك، إلا انهما حيث اجتمعا تداخلت الأسباب وكان كل منها موجِداً لجزء الداعي أو لبعض مراتبه أو لبعض مراتب الطلب فلم يكن من تحصيل الحاصل أو اللغوية في شيء([4]).
وسيأتي تحقيقه لاحقاً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام علي عليه السلام: ((إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل به)) الكافي: ط الإسلامية، ج5 ص57-58.
-----------------------------------------------
([1]) راجع الدرس (226).
([2]) راجع الدرس (226).
([3]) كما أوجد درجة أقوى من الطلب على هذا الوجه، أو فرداً آخر منه على الوجه السابق.
([4]) إذ بعض ما سبق لم يكن من تداخل الأسباب. ولغير ذلك، وسيأتي بإذن الله تعالى.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(227)
سبق: (الوجه التاسع: ان الإنشاء بعد الإنشاء والطلب بعد الطلب ممكن بل واقع بل كثير الوقوع...)([1])
المحتملات في الإنشاء بعد الإنشاء
ونضيف: ان المحتملات في الإنشاء بعد الإنشاء ثلاثة:
1- إيجاد الأمر الثاني لفرد آخر من الطلب
الأول: ما سبق من (لكن الصحيح هو ان الأمر يوجِد فرداً من الطلب (أو فقل مصداقاً له) متعلقاً بطبيعة الصلاة مثلاً ثم إذا رأى ان هذا الطلب الموجَد لم يحرِّكْهُ فانه يُنشأ أمراً آخر يوجد به فرداً آخر من الطلب متعلِّقاً بالطبيعة نفسها)([2]).
اما لإيجاد الداعي أو لإيجاد مرتبة منه أو فرد آخر
ثم ان هذا الإنشاء الجديد والطلب الجديد الحاصل به:
تارة: يكون لإيجاد الداعي في نفسه بعد ان رأى المولى عدم إيجاد الأمر الأول للداعي فيه.
وأخرى: يكون لإيجاد داعٍ آخر من نفس سنخ الداعي الأول أو من سنخ آخر بحيث يكونان بمجموعهما الباعث له على الانبعاث والامتثال، ومن براهينه الإنّية تنويع الثواب والجزاء متفرعاً على هذا الأمر أو ذاك فتارة يقول: صِل الرحم فان وَصلتها باركتُ في أموالك وزدتها، وأُخرى يقول: صِلها فإن وَصلتها أطلتُ عمرك، وثالثة: صِلها فإن وَصلتها دفعتُ عنك البلاء واللأواء... وهكذا، وهذا واضح وبديهي لمن رأى تنوع المثوبات المذكورة على مختلف الأفعال المأمور بها أو المندوب إليها سواء أكان ذلك في لسان الشارع أم في لسان سائر الموالي العرفية.
وثالثة يكون: لإيجاد درجة أقوى من الداعي كما سيأتي بعد قليل.
2- إيجاده لمرتبة أعلى من الطلب ومن الداعي
الثاني: ان يوجد درجةً أعلى من الطلب، وهو المسمى بالطلب المؤكد أو الأمر المؤكد وذلك لأن الصفات النفسية كلها ومنها السابقة على تحريك العضلات، من الطلب والإرادة والشوق والعزم وغيرها، حقائق تشكيكية ذات مراتب كما ان الطلب الموجَد في عالم الاعتبار بالإنشاء، أيضاً ذو مراتب، كما ان الداعي، وهو الحافز، في المكلف للانبعاث أو الانزجار وفي كل عاقل بل وكل حيوان بل وكل مختار، نحو فعلٍ ما أيضاً مشكك ذو مراتب فقد يكون قوياً أو أقوى أو ضعيفاً أو أضعف بمراتبها، فإذا كان الداعي مشككاً صح الأمر بعد الأمر والطلب بعد الطلب كلما رأى المولى كون الطلب الثاني فالثالث وهكذا موجباً لقوة أو اقوائية الداعي والحافز لدى المكلف للانبعاث، فكان الأمر الثاني مولوياً كالأمر الأول لا ارشادياً ولا يلزم من ذلك تحصيل الحاصل لفرض ان الأمر الثاني يوجِد درجة أخرى أقوى من الداعي([3]) في العبد بعد ان أوجد الأمر الأول فيه درجة أضعف، بل قد لا يوجد الأمر الأول فيه داعياً أبداً لشدة تكاسله أو لخبث باطنه أو لوجود مزاحم أهم بنظره، ويكون الأمر الثاني أو الثالث فالرابع وهكذا هو الموجد للحافز أو لدرجات أعلى فأعلى منه حتى يصل في المكلف إلى مرتبة الشوق المؤكد فالعزم فالجزم فتحريك العضلات نحو المأمور به.
وذلك كله وجداني بديهي فأنظر إلى حال مختلف الموالي عندما تجدهم يكررون أوامرهم لمن لم يمتثلها فانها بأجمعها تكون إما لايجاد الداعي إن لم يوجده الأمر الأول لمانعٍ ما، أو لتقوية الداعي في نفس العبد، أو لإيجاد داع بعد آخر تكون بمجموعها كفيلة بتحريكه؛ هذا إن لم يكن الأمر صورياً لمجرد إتمام للحجة أو شبه ذلك.
3- إيجاده لنفس الطلب، بتداخل الأسباب
الثالث: ان يقال بتداخل الأسباب في الأمر بعد الأمر بإيجاد طلب وطلب وداعٍ وداع، بدعوى ان عالم الإنشاء ومتعلَّقُه هو الأمور الاعتبارية ليس بأصعب حالاً من عالم التكوين فإذا التزمنا في عالم التكوين بتداخل الأسباب كان إمكان الالتزام به في عالم التشريع والاعتبار أولى.
توضيحه: انه لا يعقل توارد علتين تامتين على معلول واحد، فإذا اجتمعت علتان على معلول واحد كان مجموعهما علة له وتداخلت الأسباب بمعنى ان يكون حينئذٍ كل واحد من العلتين جزء العلة، كما لو كان تحريك زيد لوحده الحجر كافياً لتدحرجه وكان تحريك عمرو له كذلك، فحرّكاه معاً فإن التحرُّك يكون معلول مجموع تحريكهما، وكذلك قتل عمرو برصاصة بكر أو قتله برصاصة زيد فلو أصابته الرصاصتان دفعة واحدة بنحو واحد كان قتله مستنداً لهما، والسر هو حدوث الكسر والكسر بينهما بتواردهما على الأمر الواحد في الوقت الواحد واستحالة استناد المعلول لأحدهما لأنه ترجيح بل ترجح بلا مرجح ولا للخارج عنهما لأنه خلف فلم يبق إلا الاستناد إليهما على أن يكون كل منها جزء العلة والمقتضي.
وذلك عكس المثال المعروف للتداخل، من الغُسل مرة واحدة المجزي عن الجنابة والحيض مثلاً، وذلك لأن هذا المثال من تداخل المسببات لا تداخل الأسباب؛ لوضوح وجود سبب واحد هنا وهو الغُسل الواحد، ومسببين وهما النجاسة من الجنابة والنجاسة من الحيض فالطهارة من هذا والطهارة من ذاك مسبَّبان يوجدان بسبب واحد وهو الغسل الواحد.
وفي المقام قد يقال بذلك: بدعوى ان الأمر الأول وإن كفى لإيجاد الطلب الاعتباري في عالمه أو لإيجاد الداعي بدرجته العليا، وكان الأمر الآخر كذلك، إلا انهما حيث اجتمعا تداخلت الأسباب وكان كل منها موجِداً لجزء الداعي أو لبعض مراتبه أو لبعض مراتب الطلب فلم يكن من تحصيل الحاصل أو اللغوية في شيء([4]).
وسيأتي تحقيقه لاحقاً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام علي عليه السلام: ((إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل به)) الكافي: ط الإسلامية، ج5 ص57-58.
([2]) راجع الدرس (226).
([3]) كما أوجد درجة أقوى من الطلب على هذا الوجه، أو فرداً آخر منه على الوجه السابق.
([4]) إذ بعض ما سبق لم يكن من تداخل الأسباب. ولغير ذلك، وسيأتي بإذن الله تعالى.