6- تفصيل عدم الرجوع الترتب على الامتناع الى التعارض حتى في المتضادين دائما
الاثنين 1/ ربيع الاول/ 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(6)
صورتا الترتب
وبعبارة أخرى: الترتب بناء على الإمتناع: إما ان يفرض فيما وقعت المضادة بين متعلقي الأمر والنهي (أو الأمرين أو النهيين) اتفاقاً، وإما أن يفرض فيما لو كانت المضادة بينهما دائمية:
فيما لو وقعت المضادة بين المتعلقين اتفاقاً
فعلى الأول: فلا تكاذب سندياً بينهما بل يرفع اليد عن إطلاق الأمر المهم فلا يشمل المجمع، فكما ان رفع اليد عن إطلاق العام إذا ورد الخاص ليس من التعارض ولا يكذّب الخاص سند العام بل يمنع إطلاقه وانعقاد الإرادة الجدية عليه فكذلك يرفع اليد عن إطلاق دليل المهم وشموله للمجمع (مورد التضاد الاتفاقي) ولا يكذِّب سندَه وصدورَه، نعم الفارق أن العام في مورد الخاص لا ملاك له واما المهم في المجمع فله ملاك لكن لا يشمله الأمر بالمهم بإطلاقه أي لا يشمله بإرادته الجدية.
وكون القدرة شرطاً عقلياً يؤكد التزاحم دون التعارض
لا يقال: القدرة شرط عقلي وهي قيد لُبَّي يقيَّد به المهم؛ إذ لا قدرة عليه مع قسيمه وهو الأهم، لفرض العجز عن امتثالها معاً، فالأمر بالأهم([1]) معجّز شرعي([2]) عن وجوب المهم ومانع عن إطلاق دليله.
إذ يقال: ان ذلك لكذلك([3])، لكنه يؤكد كون المقام (الأمر بالأهم والمهم على الترتب) من التزاحم لا التعارض؛ إذ حيث عجز عن امتثال المهم مع الأهم مع توجه الأمر أولاً([4]) للأهم، انحسر إطلاق المهم وتقيّد([5]) بغير المجمع رغم وجود الملاك فيه، وهذا هو التزاحم وليس من التعارض إذ ان الأهم قيّد دليل المهم ولم يزحه سنداً أي لم يكذبه سنداً.
وذلك هو ما يشهد به العرف والوجدان، إضافة إلى ان طرح سنده في كل مدلوله مما لا وجه له بعد كون التدافع في المجمع فقط وسلامة مادة افتراقه([6]) عن المزاحم أو المعارض، وطرحه في بعضه أي طرح سنده من جهة بعض مدلوله ليس بعرفي ولا عقلائي وإن أمكن عقلاً، فالصحيح هو طرح دلالته أي طرح إرادته بنحو الإرادة الجدية أو فقل طرح إطلاقه فقط.
فيما لو وقعت المضادة بينهما دائماً
وعلى الثاني: فقد يتوهم التعارض بينهما وخروج صورة التضاد الدائمي بين الأهم والمهم، من كونه من التزاحم وإن وجد فيهما الملاك بل يكون من التعارض نظراً لتكذيب الأهم صدور المهم لا دلالته فقط، بدعوى ان الأمر بالمهم مع العلم بانه مضاد للأهم دوماً، لغو لا يعقل صدوره من الحكيم.
فيخرج، حسب النائيني، عن التزاحم
وقد التزم بذلك المحقق النائيني إذ قال: (ورابعة : يكون التزاحم لأجل اتفاق وقوع المضادة بين المتعلقين ، كما لو اتفقت نجاسة المسجد في وقت الصلاة ، فلو كانت المضادة دائمية يخرج عن باب التزاحم)([7]).
الجواب: بل هو من التزاحم، والتعارض في صورة نادرة
ولكنه أيضاً غير تام إذ حتى في صورة التضاد الدائمي بين الأهم والمهم فان صدور المهم ليس بلا فائدة بل هو نافع في أكثر الأحيان، نعم إنما يكون لغواً في صورة نادرة بل لم نجد لها في الروايات ولدى الشارع مثالاً.
توضيحه: ان الأحكام صادرة بنحو القضايا الحقيقية، فحتى مع فرض كون أحدهما أهم والآخر مهماً وتضادهما دائماً بحيث لا يمكن للمكلف الجمع بينهما أبداً (كما لو فرض تضاد الإزالة مع الصلاة دوماً، أو تضاد الأمر بالتخصص في علم الكلام والعقائد مع الأمر بتطوير صناعات البلد دوماً، أو حسب ما مثّل له من تضاد الأمر بالاتجاه للقبلة مع النهي عن استدبار الجدي أو مع الأمر باستقباله) إلا انه لا تتم لغوية الأمر بالمهم إلا مع فرض قدرة كافة المكلفين على الأهم فيكون الأمر بالمهم والحال هذه لغواً ([8])، ولكنه فرض نادر بل لا مثال له في الشريعة اي لا نجد مثالاً تعلق فيه أمران بالمتضادين دائماً مع قدرة المكلفين جميعاً على امتثال الأهم، ومثال القبلة والجدي فرضي محض إذ لا توجد روايتان بطرفي الضدين.
فبذلك ظهر ان الأمر بالمتضادين دائماً مع كون أحدهما أهم وعجز المكلفين عن امتثالهما معاً، ممكن بل لازم إذا كان بعض المكلفين ممن يعجز عن امتثال الأهم فيتوجه إليه أمر المهم([9])، وفي هذه الصورة لا وجه لدعوى التكاذب ولا وجه لطرح الأمر بالمهم مع وجود ملاكه وانتفاء المانع عن شمول إطلاقه له إذ المانع هو الأمر بالأهم مع قدرته عليه فتدبر جيداً.
وبذلك ظهر وجه تفصيلنا فيما ذكره المحقق العراقي من شقي الترديد بقوله: (أقول: جعل الحكم وإنشائه في مقام التشريع على موضوعه المقدّر وجوده، إن كان قابلا للتحقق ولو لم ينته إلى مرحلة الفعلية الامتثالية، فلازمه جواز الجعلين حتى في صورة ملازمة امتثال أحدهما لتعجيز الآخر. وإن لم يكن قابلا للتحقق إلا في صورة انتهاء أمره إلى الفعلية، فكيف يكون مجعولان بينهما الملائمة في ظرف العجز عن امتثال أحدهما ولو من باب الاتفاق؟ بل لا محيص من تقيد إطلاق هذا الجعل بصورة القدرة، فينتهي الامر حينئذ في صورة العجز عن امتثال أحدهما ولو من باب الاتفاق إلى الجزم بعدم أحد الجعلين واقعا، كما لا يخفى، فتدبر)([10]) فاننا نرى الجواز مطلقاً (في صورة الملازمة كصورة اتفاق التضاد) لكن مع فرض عجز بعض المكلفين عن الأهم، وإن كانا متضادين دائماً وبذلك تنحل عقدة إشكاله، فتدبر والله الهادي.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
عَنْ سَدِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: ((إِنِّي تَرَكْتُ مَوَالِيَكَ مُخْتَلِفِينَ، يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؟
قَالَ: فَقَالَ: وَمَا أَنْتَ وذَاكَ، إِنَّمَا كُلِّفَ النَّاسُ ثَلَاثَةً: مَعْرِفَةَ الْأَئِمَّةِ، وَالتَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا ورَدَ
عَلَيْهِمْ، والرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )) الكافي: ج2 ص303.
([3]) أي على غير مسلك التقارن، واما عليه فليس بمعجّز وسيأتي بيانه.
([5]) قبل عصيان الأهم، أو حتى بعده، على الرأيين.
([6]) أي مادة افتراق المهم عن الأهم.
([7]) الشيخ محمد كاظم الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي، ج4 ص709.
([8]) وسيأتي بيان عدم اللغوية حتى في هذه الصورة.
([10]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ج4 ص704.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |