4- مناقشتنا للعلمين وحل مشكلة الفارق بين التعارض والتزاحم بان التكاذب في التزاحم في مرحلة الارادة الجدية دون الاستعماليه
الاثنين 9 صفر 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(4)
حل معضلة الفرق بين التزاحم والتعارض بالتفريق بين الإرادة الجدية والاستعمالية
وحل المعضلة بما يظهر به عدم تمامية كلام المحققين العراقي والنائيني معاً، هو: بان يقال بان الأمر ليس دائراً بين جعل الحكمين المتزاحمين في مرحلة الإنشاء كما هو رأي النائيني ليرد عليه انه تكليف العبد بما لا يطاق إذ كُلف بغير المقدور وهو كلا الأمرين (الصلاة وتجنب الغصب) و(إكرام العالم) و(إهانة الفاسق) في مورد اجتماعها في الصلاة في المكان المغصوب وفي العالم الفاسق مع انه غير قادر إلا على أحدهما مع ما مضى بيانه من سراية عدم الإمكان في مقام الامتثال إلى عدم الإمكان في مقام الجعل، وبين عدم جعل أحدهما في مرحلة الإنشاء كما هو ظاهر العراقي، ليلزم إلحاق باب التزاحم بباب التعارض إذ يكونان حينئذٍ متكاذبين بعد الجزم بعدم أحد الجعلين واقعاً (اما عدم جعل الحكم بوجوب إكرام العالم أو عدم جعل الحكم بوجوب إهانة الفاسق، في العالم الفاسق) بل هناك شق ثالث وهو القول في التزاحم بالجعل وعدمه معاً أي الجعل في مرحلة الإرادة الاستعمالية وعدمه في مرحلة الإرادة الجدية.
وتوضيحه: ان المتعارضين متكاذبان في مرحلة الإرادة الاستعمالية بل في السابق عليها الملازم لها وهو الصدور([1]) إن لم نقل بعينيتهما فتأمل، وذلك يعني أن احدهما غير صادر فإذا لم يكن صادراً فلا مجال لتوهم انه أريد بالإرادة الاستعمالية فكيف بالجدية؛ إذ الإرادتان فرع الصدور ولذا([2]) يستحيل القطع بصدورهما مع حفظ الجهة، من المتكلم الملتفت المريد غير الهازل أو الممتحن أو شبههما.
اما المتزاحمان فليسا متعارضين إلا في مرحلة الإرادة الجدية([3]) فان (صلِّ) و(لا تغصب) لا مشكلة فيهما من حيث الصدور وان كليهما صادر وإنما المشكلة في إرادة مورد الاجتماع جِدّاً منهما معاً، أي انهما يتعارضان في أصالة التطابق بين الإرادتين الاستعمالية والجدية في كل منهما، ولذا صح القطع بصدورهما معاً، فكما ان العام والخاص يتعارضان (بدواً) في مرحلة الإرادة الجدية في مورد الخاص لا الاستعمالية لفرض ان العام استعمل في العموم لا في الخصوص وإلا كان مجازاً، كذلك العامان من وجه إذا كان لكل منهما الملاك يتعارضان([4]) (لكن تعارضاً مستقراً) في مرحلة الإرادة الجدية في مادة الاجتماع دون الاستعمالية لفرض ان كلا منهما استعمل في العموم الشامل لمورد الاجتماع.
ولا يخفى ان ذلك فيما لو انفصل أحدهما عن الآخر، فان الإرادة الاستعمالية تنعقد لكليهما حينئذٍ، ثم يتصادمان في مورد الاجتماع في الإرادة الجدية، واما لو اتصلا وعَنْوَنَ أحدهما الآخر فحكمه حكم المخصص، وأما لو لم يعنوِنْه فيبتليان بالإجمال في الجدية وبعدم انعقاد الاستعمالية لكن لمانع لا لعدم الصدور أو لعدم المقتضي. لكن ذلك كله فيما لو قلنا بعدم إمكان اجتماع الأمر والنهي دون ما لو قلنا بالإمكان لتعدد الجهة والعنوان وكون الحيثية انضمامية؛ فانه على هذا لا تعارض حتى في الجدية والمآل التخيير في متساويي الأهمية([5])، نعم لو كان أحدهما أهم وقلنا بعدم إمكان الترتب فالتعارض في الجدية ثابت، بل حتى لو قلنا بإمكانه فيما إذا امتثل الأهم بل حتى لو تركه على وجه، وسيأتي تفصيل ذلك كله وتحقيقه بإذن الله تعالى.
وبعبارة أخرى مفاد التعارض انه (لم يقل أحدهما) ومفاد التزاحم انه (لم يُرِد أحدهما) مع انه قد قاله وبذلك يتضح وجه الإشكال على كلا العلمين:
وجه الإشكال على المحقق النائيني
أما الميرزا النائيني فلقوله: (وأما التزاحم: فعدم إمكان اجتماع الحكمين فيه إنما يكون في مرحلة الامتثال بعد تشريعهما وإنشائهما على موضوعهما المقدّر وجوده، وكان بين الحكمين في عالم الجعل والتشريع كمال الملائمة من دون أن يكون بينهما مزاحمة في مقام التشريع والانشاء،)([6]) إذ ظهر عدم صحة قوله (بعد تشريعهما وإنشائهما) إذ التشريع والإنشاء إنما هو في مرحلة الإرادة الاستعمالية دون الجدية، وظاهر كلامه بل شبه النص منه انه في الجدية، وظهر ان قوله: (وكان بين الحكمين في عالم الجعل والتشريع كمال الملائمة) ان الملائمة إنما هي بين الإرادتين الاستعماليتين دون الجديتين لوضوح انه مادام يعلم بان العبد غير قادر على الامتثالين فانه يستحيل عليه البعث الحقيقي الإلزامي نحوهما.
وجه الإشكال على المحقق العراقي
وأما العراقي فلظاهر قوله: (فينتهي الامر حينئذ في صورة العجز عن امتثال أحدهما ولو من باب الاتفاق إلى الجزم بعدم أحد الجعلين واقعا)([7]) لو أراد من (الجزم بعدم أحد الجعلين واقعاً) عدم الجعل في مرحلة الصدور والإرادة الاستعمالية إذ قد ظهر بطلانه، نعم لو أراد عدم أحدهما في مرحلة الإرادة الجدية لكان صحيحاً كما ذكرناه لكنه خلاف ظاهر كلامه إذ لو أراد ذلك لكان ينبغي ان يقول (الجزم بعدم احدى الإرادتين واقعاً، وهي الإرادة الجدية، بعد الفراغ عن ثبوت الجعلين معاً صدوراً واستعمالاً) ويؤكده ظاهر تعبيره: (عدم الجعلين) فان تفسيره بعدم إحدى الإرادتين خلاف الظاهر، نعم ربما يصرفه عن ظاهره قوله (واقعاً) بان يريد عدم أحد الجعلين في مرحلة الإرادة الواقعية أي الجدية، وفيه ان الإرادة الاستعمالية أيضاً واقعية والفرق ان الجدية واقعية مرادة والاستعمالية واقعية مستعملة. فتأمل وتدبر
والحاصل انه إن أراد (الجزم بعدم أحد الجعلين واقعاً صدوراً)([8]) ورد عليه ما مضى من ثبوت العلم([9]) بالصدور وعدم الإرادة الجدية وان أراد (الجزم بعدم أحد الجعلين واقعاً من حيث الإرادة الجدية) صح ما ذكره لكنه يؤكد الفارق بين التزاحم والتعارض ولا يلغيه وان ورد إشكاله على النائيني. فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: )) إنَّ اللّه تَعالى عَوَّضَ الحُسَينَ عليه السلام مِن قَتلِهِ أن جَعَلَ الإِمامَةَ في ذُرِّيَّتِهِ، وَالشِّفاءَ في تُربَتِهِ، وإجابَةَ الدُّعاءِ عِندَ قَبرِهِ، ولا تُعَدَّ أيّامُ زائِريهِ جائِيا وراجِعا مِن عُمُرِهِ(( الأمالي (للطوسي): ص317.
([2]) حيث تكاذبا في الصدور والاستعمالية.
([4]) استعمال التعارض ههنا ونظائره، بالمعنى الأعم.
([5]) والتعارض في الظهور في التعيين فقط.
([6]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ج4 ص704.
([7]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ج4 ص705 – 707.
([9]) المراد من العلم الأعم من العلمي.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |