بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(188)
إشكالٌ: ظهور "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي" في الإخبار عن حس دون الفتوى
تتميم([1]): قد يشكل على الاستدلال بـ"فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي"
([2]) بأنه ظاهر في الإخبار عن حس فلا يكون دليلاً على حجية الفتوى لظهور "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَ مَا قَالَ لَكَ عَنِّي..." في أنه ينقل ما سمعه
([3]) من الإمام (عليه السلام) والفتوى حدس.
الجواب: أولاً: الفتوى حدس عن حس فهي أداء عنه (عليه السلام)
وقد يجاب: بأن الأداء عن الإمام (عليه السلام) أعم من الأداء بالمباشرة وبالواسطة وأعم من الأداء عن حس أو عن حدسٍ مستندٍ للحس، والفتوى وإن كانت عن حدس لكنها حدس مستند إلى كلامهم (عليهم السلام) فهي نقل للحكم عنهم مآلاً؛ إذ الفقيه تارة يسمع الحكم الشرعي من الإمام (عليه السلام) وتارة يحدس الحكم الشرعي عن الإمام فانه ليس بمشرّع ولا يدّعي أن ما توصل إليه هو حكمه بل غاية الأمر أن ما توصل إليه كاشف نوعي حدسي عن قول الإمام وحكمه فهو أداء للحكم عن الإمام (عليه السلام) حسب حدسه عنه؛ ألا ترى قوله (عليه السلام) "عَلَيْنَا إِلْقَاءُ الْأُصُولِ وَ عَلَيْكُمُ التَّفْرِيعُ"
([4]) فان التفريع عن أصولهم يكون حينئذٍ مسنداً إليهم وأداء عنهم.
ثانياً: في سائر الروايات الكفاية
سلمنا، لكن في سائر الروايات والأدلة الكفاية كرواية الحسن بن علي بن يقطين، عن الرضا (عليه السلام) قال: "قُلْتُ: لَا أَكَادُ أَصِلُ إِلَيْكَ أَسْأَلُكَ عَنْ كُلِّ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَعَالِمِ دِينِي، أَ فَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ آخُذُ عَنْهُ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَعَالِمِ دِينِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ"
([5]).
قال السيد العم دام ظله: (ومن الواضح أنّ أخذ معالم الدين يكون بالسؤال عن الرواية، والاستفتاء، كما إنّ هذه الرواية تدلّ على المفروغية عن الكبرى، وهي: حجيّة قول الثقة في نظر الحسن بن عليّ بن يقطين، وإنّما سأل الإمام (عليه السلام) عن الصغرى، وإنّ يونس بن عبد الرحمن هل هو مصداق للكبرى وثقة أم لا؟ والإمام أقرّه على الكبرى)
([6]).
ورواية عليّ بن المسيّب الهمداني قال: "قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام): شُقَّتِي بَعِيدَةٌ وَلَسْتُ أَصِلُ إِلَيْكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَمِمَّنْ آخُذُ مَعَالِمَ دِينِي؟ قَالَ (عليه السلام): مِنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ الْقُمِّيِّ الْمَأْمُونِ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَلَمَّا انْصَرَفْتُ قَدِمْنَا عَلَى زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا احْتَجْتُ إِلَيْهِ"
([7])).
الإشكال بأن تفسير الناظرية مآله للحكومة التنزيلية
سبق: (وجه دعوى الناظرية)
فأما وجه الحكومة فـ(الناظرية) فإنه وإن لم نقل بالتنزيل، إلا أن الظاهر أن مثل "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" ناظر إلى مثل (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) إذ الإمام (عليه السلام) يفيد بأنه ليس مما ليس لك به علم بل هو علم، فهو مخصِّص بلسان الحكومة والناظرية، والمراد بـ(يفيد) كونه مخبراً، لا منشأ وإلا كان من التنزيل. فتأمل)
([8]).
ولكن قد يشكل على ذلك بأن القول بـ(إذ الإمام (عليه السلام) يفيد بأنه ليس مما ليس لك به علم بل هو علم، فهو مخصِّص بلسان الحكومة والناظرية) إدخال للقسيم في قسيمه وتفسير الناظرية بالتنزيل فإن إفادة الإمام أن ما ليس لك به علم هو علم، تنزيل؛ إذ يفيد، بعبارة أخرى، الدخول الموضوعي لما أدّاه عنه (عليه السلام) في دائرة العلم ولكن
([9]) تنزيلاً إذ ليس أداؤه عنه علماً حقيقة.
ولكنه غير وارد، للفرق بين الحكومة التنزيلية والحكومة الكِنائِيّة – وهو ما نصطلحه بل هو تفصيل جديد بإضافة الحكومة الكنائية إلى أقسام الحكومة ولم نجد في استقراء ناقص مَن طرحه
([10]) لذا فإنه بحاجة إلى مزيد جرح وتعديل مما نأمل من الأفاضل إفادتنا به – وتوضيحه:
الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية
إن الحكومة – بتقسيم آخر – تنقسم إلى:
الحكومة التنزيلية: وهي المعهودة وكما سبق نظير "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"
([11]) وإلى:
الحكومة الكنائية: وهي التي تفيد دخول الموضوع في دائرة موضوع آخر لكن بلحاظ الحكم لا بالتنزيل وذلك بأن يكون اللسان لسان التنزيل والإدخال الموضوعي لكنه لا يراد به التنزيل حقيقة بل يراد به التكنية عن ثبوت حكم ذلك الموضوع لهذا الموضوع ولكن بلسان دخوله الموضوعي.
ويقرّبه إلى الذهن (لا ضرر) بناء على أن المراد به نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فـ(لا ضرر) على هذا كناية عن (لا حكم ضررياً) أي نفي الحكم الضرري أو الناشئ منه الضرر لكن بلسان نفي الموضوع فإنه لا يراد من (لا ضرر) تنزيل الضرر منزلة اللاضرر وإلا للزم منه نقيض المقصود إذ يلزم منه وجوب الصوم الضرري لتنزيل الضرر فيه منزلة اللاضرر، بل المراد بـ(لا ضرر) أن حكم الصوم وهو الوجوب أو الجواز، مرتفع عن الصوم الضرري، فقد كنّى بـ(رفع الضرر) عن رفع الحكم الضرري
([12]) وأما المقام، فإن قوله (عليه السلام): "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" تارة يراد به التنزيل وهو الاحتمال الأول وتارة – حسب الاحتمال الثاني – يراد به التكنية عن أنه حُكْماً كالعلم وأنه كما أن العلم لازم الإتباع كذلك ما أدى إليك الثقة، والعمري مصداقه الأجلى، فانه لازم الإتباع كالعلم لكنه عبّر عن ذلك بما يفيد، بلسانه الظاهر، أنه علم فقوله: "فَعَنِّي يُؤَدِّي" حيث انه حقيقة لا أداء عنه في بعض الموارد (على غير الاحتمال الثالث
([13]) المذكور في الدرس 186) فيكون المراد إما التنزيل أو الكناية عن أنه يلزم إتباعه وإن لم يكن علماً لكنه عبّر عن ذلك بما ظاهره أنه تنزيل وأنه علم تنزيلاً. فتأمل وللبحث صلة وسيأتي الفرق بين الحكومة الكنائية والكناية في لا ضرر إذ قد يتوهم وحدتهما فليست بأمر جديد فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إِنَّ عَظِيمَ الْبَلَاءِ يُكَافَأُ بِهِ عَظِيمُ الْجَزَاءِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ بِعَظِيمِ الْبَلَاءِ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ الْبَلَاءَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ السَّخَطُ" الكافي: ج2 ص253.
...........................................