179- تحقيق حول الحاجة الى اصالة ثبات اللغة وعدمها ـ القسم السادس: ان يكون العنوان بما هو عنوان مصباً للحكم
الثلاثاء 18 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(179)
مناقشة وأخذ ورد عن الحاجة لأصالة ثبات اللغة وعدمها
دليل عدم الحاجة
سبق (أنه إذا كان موضوع الحكم هو الوجود الممتد أو المتجدد في هذا الزمن كفى التبادر الآن مثلاً لتحديده من غير حاجة إلى شفعه بأصالة ثبات اللغة ليثبت أنه كان هو الموضوع له زمن صدور النص أيضاً.
الرد: دليل الحاجة
لكن ظهر بالتحقيق السداسي أن ذلك إنما يصح على المبنى الخامس من أن الموضوع هو الكلي الطبيعي المتجدد مفهوماً، ولكنه لا يصح بناء على أنه الكلي الطبيعي الثابت مفهوماً وهو الرابع ولا على المباني الثلاثة الأولى.
وحيث أن المبنى الخامس خلاف الأصل بل ان شبه المستغرق من موضوعات الأحكام هي من غيره كانت الحاجة إلى أصالة ثبات اللغة عامة إلا ما ندر مما ثبت بدليلٍ خارجٍ أنه من القسم الخامس)([1]).
رد الردّ: دليل عدم الحاجة
ولكن قد يورد عليه: بأنه إذا كان موضوع الحكم هو الوجود الممتد حقيقة أو اعتباراً (أو المتجدد بشكل أولى) كان هو الباعث والزاجر في الأمر والنهي فهو بوجوده الحالي باعث زاجر ودالٌّ له مدلولُه، فلا حاجة للعودة إلى الماضي وإثبات حال اللفظ بأصالة ثبات اللغة إذ إنما يُحتاج إلى هذا الأصل بناء على كون وجوده الماضوي هو موضوع الحكم فالوجود الفعلي وإن كان امتداداً له إلا أنه ليس عليه المدار إلا إذا ثبت أنه يفيد نفس مدلول الوجود الماضوي.
رد دليل عدم الحاجة: الحاجة لأصالة ثبات اللغة ثابتة
ولكنه غير تام: إذ الألفاظ جسور للمعاني ولا موضوعية لها في ثبوت الأحكام لمفاهيمها ومدلولاتها، فإذا كان كذلك كان المحور هو كون الموضوع هو الكلي الطبيعي المتجدد فلا يحتاج للأصل([2]) أو الكلي الطبيعي الثابت وكذا المرآتي للأفراد الأعم من المحققة والمقدّرة، فيحتاج إليه، فكونه وجوداً ممتداً باعثاً وزاجراً لا يكفي لدفع الحاجة إلى الأصل إلا لو ثبت أن هذا الوجود الممتد بما هو حامل للمفهوم المتجدد موضوع للحكم أما لو كان الوجود الممتد موضوعاً للحكم بما هو حامل لمفهوم ثابت فدلالة هذا اللفظ الممتد الحالي على مفهوم كلي لا يستلزم كونه هو المصبّ للحكم إلا إذا ثبت أنه كان في الماضي كذلك، ولا يتم ذلك إلا بذلك الأصل؛ وذلك لوضوح أن المعنى الماضوي لا بد أن يكون مصباً سواء أكان الممتد بما يحمل من معنى جديد مصباً أيضاً (إذا كان له مفهوم متجدد وفرض أخذه موضوعاً أيضاً) أم كان الممتد بما يحمل من معنى قديم مصباً. فتدبر
6- أن يؤخذ اللفظ بعنوانه موضوعاً للحكم
السادس([3]) أن يُؤخذ عنوان الموضوع لا بما هو مرآة للأفراد ولا بما هو كلي طبيعياً موضوعاً للحكم، بل بما هو لفظ وعنوان فيكون للفظ تمام الموضوعية أو جزئها، في ترتب الحكم أو في الباعثية والزاجرية.
أمثلة لما كان للفظ مدخلية في الأثر
ولا يتوهم أنه فرض خيالي غير واقع؛ لوضوح أن اللفظ بخصوصيته قد يكون جزء المؤثر والسبب، فلا يكون محضَ جسرٍ ولا صِرفَ مشيرٍ ودالٍّ ومُعلِمٍ بل يكون جزء السبب المؤثر، وذلك كلفظ الطلاق في الطلاق فانه لا يقع إلا بهذا اللفظ ولا يجدي في وقوعه ما أفاد مفاده كـ(أنتِ بتّة أو بتلة أو خِليّة أو حِلٌّ للأزواج) وكذلك الخلع إذ يشترط فيه لفظ الطلاق والخلع معاً على ما ذهب إليه العديد من الفقهاء، وكذلك النذر والقسم فانه لا ينعقد إلا باسم الله تعالى، وكذلك البيع بناء على عدم صحة المعاطاتي منه.
لكن ذلك وإن صح لكنه خلاف الأصل فان الأصل كون المعنى هو المحور إلا ما دلّ على توقيفية الألفاظ فيها دليلٌ كالإيقاعات والعقود في الجملة، فتأمل.
لا يجدي تغيير اللفظ مع انحفاظ المعنى أو الـمُنشَأ
وعلى أي فان للفظ بما يحمل من معاني، أحكاماً خاصة، وتغيير اللفظ لا يجدي شيئاً مع انحفاظ واقع المعنى وإن اشترط إبراز المعنى الخاص باللفظ الخاص.
مغالطة تغيير الاسم: الغيبة هي النقد! و..
ومن ذلك نعرف وجه المغالطة الشهيرة التي اسميناها بمغالطة الاسم والمسمى في بحث سابق ونشير الآن إلى جانب آخر منها:
فإن الكثير من الناس، عن علم وعمد أو عن جهل وسذاجة، يتوهم أو يحاول أن يوهِم أن تغيير الاسم يستوجب تغيير الحكم ولذا اسموا مثلاً الرقص بالحركات الموزونة! والشطرنج وصفوه بالرياضة الفكرية!([4])، والغِيبة سُميت بالتقييم أو النقد البناء!([5]) والرشوة بالهدية! وهكذا.
وهم ودفع: الربا نوع إجارة فهو عقلائي!
أشكل بعض العلمانيين على تحريم الربا القرضي بأنه نوع من الإجارة فكما يصح أن تؤجر دارك لينتفع المستأجر بمنافعها مقابل مبلغ ثابت شهرياً من المال، كذلك يصح أن تؤجر أموالك لمن اقترضها مقابل مبلغ شهري ثابت، وكما يردّ المستأجر عليك ما استأجره منك بعد انتهاء المدة كذلك يرد عليك أموالك التي اقترضها منك.
الجواب: جوهرهما وآثارهما مختلفة
والجواب يظهر بملاحظة ما سبق من مغالطة الاسم والمسمى؛ فإن مجرد تغيير التسمية مع انحفاظ الواقع كما هو لا يغيّر الأحكام إذ ليس مدار الأحكام – كما سبق – هو الألفاظ بذاتها بل ما تحتويه أو تشير إليه من الواقع والمصالح والمفاسد أو المجموع معاً([6]).
والدليل على أن القرض الربوي ليس إجارة وأنه مجرد تغيير اسم، هو أن جوهر الإجارة وأحكامها غير أحكام القرض فمثلاً في (الإجارة) يكون المستأجر أميناً على العين فإذا تلفت لا بتفريط منه لا يضمنها (والإجارة مجمع قاعدة "ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده" وقاعدة "ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده"، إذ أن أصلها أي العين المستأجرة مورد قاعدة ما لا يضمن إذ سواء أصحت الإجارة أم كانت باطلة وهو لا يعلم فأنه أمين غير ضامن للعين إذا لم يفرط، وأما منافعها فمورد قاعدة ما يضمن إذ سواء أصحت أم لا فعليه الأجرة مع فرق أنها إذا صحت فعليه الأجرة المسماة وإذا فسدت فعليه أجرة المثل).
أما في (القرض) فإن العين إذا تلفت فهو – أي المقترض – ضامن، عكس العين المستأجرة، فلو احترقت الأموال التي اقترضها (سواء ليتاجر بها أم لحاجته إلى عملية جراحية مثلاً) فانه ضامن لها وتتلف عليه لا على المقرِض.. وهكذا سائر أحكام القرض والإجارة فإنها مختلفان جوهراً وشروطاً وموانع وللتفصيل مجال آخر.
بحث تمريني: كيف تختلف أحكام الصلح عن أحكام المعاملات مع أن الجوهر واحد؟
قال الفقهاء: (يغتفر في الصلح ما لا يغتفر في غيره من العقود)، والصلح إما عقد جديد يفيد فائدة العقود الأخرى كالبيع والإجارة والرهن إذا صبّ مصبها وهو المشهور، أو هو نفس كل عقد كما عليه الشيخ الطوسي، فإذا أراد أن تغتفر الجهالة التي لا تغتفر في البيع فيمكنه أن يجعله صلحاً.
والإشكال هو ما الفرق؟ مع أن مجرد تغيير الاسم لا يوجب تغيير الأحكام؟
فأبحثوا عن الجواب إذ هنالك أجوبة عديدة احدها ما ذكره الشيخ – في سياق بحثه لا كإجابة على هذه الشبهة – في أوائل البيع، كما ذكر السيد الوالد بعض الأجوبة في الفقه فراجعوا وتفكروا والله الهادي المستعان.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام علي (عليه السلام): "لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَيَرْجُو التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ وَيَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ... يَسْتَكْثِرُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْتَقِرُ مِنْ غَيْرِهِ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَدْنَى مِنْ عَمَلِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ... الْخَبَرَ"
تحف العقول عن آل الرسول J: ص157.
.................................................
الثلاثاء 18 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |