25- الاستدلال بالروايات وهي على طوائف خمسة : 1 ـ رواية تحف العقول اشارة للبحث السندي 2 ـ الاستدلال بمقطعين من الرواية
الاثنين 6 ذي الحجة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين باعث الأنبياء والمرسلين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول مسالة حفظ كتب الضلال, وايضا مطلق التقلبات في مسببات الفساد، وفرغنا من الاستدلال بالآيات الشريفة على ذلك، وننتقل إلى الاستدلال بالروايات على المراد.
عناوين المسالة :ونستعرض ألآن الأدلة بإيجاز:
الدليل الأول : وهو ما استند إليه صاحب الجواهر والمكاسب أيضا وكذا السيد الوالد وجمع آخرون – وفي مقابل ذلك رفضه جمع آخر – وهي رواية تحف العقول الشهيرة، وسنبدأ بها إن شاء الله تعالى.
الدليل الثاني: وهو الذي أضافه صاحب المكاسب، ولم يذكره صاحب الجواهر، وهو رواية عبد الملك في التنجيم حيث كانت له كتب يرجع إليها لكشف بعض الخفايا عبر الاستطلاع عن أوضاع النجوم.
الدليل الثالث والرابع:وإما صاحب مستند الشيعة فقد أضاف إلى ما مضى الاستدلال برواية ثالثة، هي رواية الحذاء، وكذلك أشار إلى دليل أخر في ضمن كلامه وهو روايات حرمة المعاونة على الإثم، بل وفي ذلك توجد أية أيضا، هي قوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
إضافة لدليل خامس :و نضيف دليلا خامسا إلى ما ذكروه وهو قاعدة (لا ضرر) على بعض المباني، فهل يمكن الاستدلال بها على المدعى؟
وقد قدمنا ذكر عناوين الأدلة، كي تكون لمجموعها نظرة إجمالية عامة وكي يتسنى مجال أكبر للتأمل، خاصة قاعدة (لا ضرر) فإنها موضع نزاع أساسي بين المشهور, والذي لا يرى القاعدة مثبتة للحكم، بل هي نافية له، وبين مثل السيد الوالد الذي يرى إنها مثبتة للحكم أيضاً.
فان قلنا بما تبنّاه السيد الوالد وان القاعدة تنشئ الحكم اللا ضرري أيضاً، أي انها توجد الحكم الدافع للضرر فيمكن من خلالها أن نستدل على المراد في المقام وهو إفادتها حرمة حفظ كتب الضلال.
الرواية الأولى:ونبدأ بالرواية الأولى وهي رواية تحف العقول – كما ذكرنا –، وهناك بحثان فيها :1- بحث سندي. 2 - بحث دلالي.
اولاً) أما البحث ألسندي فانه لابد من الولوج فيه وبتوسّع؛ لان كتاب تحف العقول من أهم المصادر المعرفية لدى الطائفة على الإطلاق, إلا إن المشكلة في الإرسال الذي فيه حيث ذكر مؤلفه ابن شعبة الحراني[1] في المقدمة اعتماده على مضامين كتابه ووثقها بأجمعها، لكنه يقول بانه لم يذكر سلسلة الإسناد لأجل الاختصار.
كما ان مجموعة من أعاظم الفقهاء اعتمدوا عليه، وعلى خصوص الرواية الموجودة فيه والتي تبحث عن الصناعات والتجارات والإجارات والولايات – وهذه هي الأعمدة الأربعة من وجوه المعاملات حسب تعبير الرواية -، وهي رواية مليئة بالمسائل الفقهية المختلفة وكذلك بعض المسائل الكلامية، أو فروعها.
وكما سبق فان مجموعة من أعاظم الفقهاء كصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري والسيد الوالد وغيرهم قد اعتمدوا عليها واستدلوا بها، وفي مقابل ذلك فان مجموعة أخرى من الفقهاء رموا الرواية بالإرسال، ففندوا بذلك إمكانية الاستدلال بها، وعمدتهم السيد الخوئي، ومجموعة من تلامذته مثل الميرزا جواد التبريزي وغيره والذين عادة ما سلكوا مسلك أستاذهم في ذلك.
إذن : المسالة خلافية بشدة، ومهمة جداً وذلك لوجود بحر موّاج من المعارف والعلوم في هذا الكتاب[2].
إشكال أخر على الروايتين: اضطراب المتن وهناك إشكال آخر إضافة إلى سند هذه الرواية وهو ما قيل من اضطراب وإرباك المتن، وإن الأسلوب والهيئة الهندسية والصياغة البنائية للرواية هي كأسلوب العلماء أرباب الفنون وتشبه تصنيف الكتاب العلمي ولا تشبه أسلوب الأئمة عليه السلام.
البحث الدلالي في الرواية : وسنبدأ في البحث الدلالي للرواية[3]، فقد استدل صاحب الجواهر وصاحب المكاسب بمقطعين منها, ولكن وعند مراجعة كتاب تحف العقول مباشرة[4] نجد أن هناك مقطعا أخر يمكن الاعتماد عليه وقد أغفله صاحب الجواهر وكذا صاحب المكاسب ومن تبعهم فيما وجدناه ولعل عدم ذكرهم له لإشكال قد يورد وسنذكره مع جوابه. وهذا المقطع يمكن أن يكون دليلا بالاستقلال: وهو قول الإمام (عليه السلام) فيها: "وإما وجوه الحرام من البيع والشراء" - وهنا المشكلة التي سببت ظاهرا عدول الإعلام عن الاستدلال بهذا المقطع وذلك إن الموضوع هو البيع والشراء فلا يمكن تعديته إلى حفظ كتب الضلال اللهم إلا أن نقول بتنقيح المناط وهو بعيد، ولكننا وجدنا وجها آخر واضحا يمكن الاستناد إليه حتى على مبانيهم كما سيأتي بعد قليل، فلنعد للرواية - حيث يقول الإمام (عليه السلام): "وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي من عنه من جهة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه...) ثم يعلل الإمام (عليه السلام) ذلك ويقول :"لما في ذلك من الفساد"[5]
التعليل في الرواية وصلاحية الاستناد إليها: والتعليل يصلح للاستناد إليه، فقد ذكر الإمام عليه السلام الموضوع وهو البيع والشراء، وذكر الحكم وهو حرمة التقلبات المختلفة فيهما، ثم علل المورد بعلة، والعلة معممة ومخصصة كما هو معروف. وحفظ كتب الضلال بقصد الإضلال فيه فساد، وعليه سيكون مشمولا للحرمة استنادا إلى عموم التعليل في الرواية الشريفة.
الاصل الثانوي في التعليلات: وما ذكرناه من وجه في عموم التعليل هو بحسب رأي المشهور، من انه كلما ذكر في الرواية ما ظاهره انه علة فالمشهور قد بنى على انه علة كما هو ظاهر الأمر، وبناءا على ما قالوه فالاستدلال تام,
ولكن على مبنانا - والذي اوضحناه سابقا – من انه بالاستقراء وصلنا إلى أصل ثانوي في كل ما ظاهره التعليل، انه حكمة؛ ولذا فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على عموم التعليل، والقدر المسلم في المقام هي الحكمة لا التعليل وعليه: فلا تعميم ولا تخصيص استناداً لهذه العلة، بل نجمل في التحريم على الموضوع المذكور في لسان الرواية وهو البيع والشراء.
المخرج على حسب مسلكنا في التعليلات: ولكن السؤال المهم: هل هناك مخرج على حسب مسلكنا من ان الاصل الثانوي في علل الشارع، كونها حكماً، كي نصير إلى استثناء خصوص هذا المورد كما استثنينا من قبل مورد آيتنا (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)؟
من الناحية المبدئية قد لا يوجد مخرج، ولكن الكلام قابل للتأمل، ومزيد من الحديث حول ذلك سيأتي ان شاء الله تعالى ؛ لأن استعراضنا للمسألة الآن هو بشكل إجمالي موجز.
المقطع الثاني من الرواية : و أما المقطع الثاني من الرواية والذي استند اليه صاحب الجواهر وكذا البقية، حيث جاء في الرواية[6]: "وكذلك كل بيعِ ملهوٍ به"، هذا احتمال. واما الاحتمال الاخر: وكذلك كل بيعٍ ملهوّ به، وهذا احتمال ثان"والأظهر هو الاحتمال الأول وهو بيع ما يلهى به، أي ادوات اللهو. وأما الاحتمال الآخر فمعناه ما لو كان نفس البيع لهوياً، لا أن متعلَّقه لهويّ. وأما تتمة الرواية: "وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي" انتهى.
وهنا توجد في تحف العقول إضافة وهي غير موجودة في الوسائل وهي مهمة جدا وهي: "او باب من الأبواب يقوى به باب من أبواب الضلالة او باب من أبواب الباطل" والتتمة وقد ذكرها صاحب الوسائل أيضاً فهي: "او باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه..."
وللحديث تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني وكان معاصرا للشيخ الصدوق
[2] - ومن المصادر التي يمكن ان تراجع في هذ1ا البحث ( أصول علم الرجال ) للشيخ الداوري ( حفظه الله )
[3] - والكلام في البحث الدلالي موجّه لمن يرى صحة هذه الرواية او اعتبارها سنداً – وسيأتي بحثه – وأما من لا يراها حجة سندا فانها تصلح كمؤيد
[4] - فان صاحب الوسائل قطّع الرواية بمقتضى القاعدة لكي يبوب كل مقطع وعنوان في بابه، ولكن الجدير بنا ان نطالع الرواية بالكامل في كتاب تحف العقول فان الجو العام لها يعطي الباحث بعض المؤيدات تقوية او تضعيفا في مجال الاستدلال، إضافة إلى قرائن داخلية متعددة.
[5] - تحف العقول ص 362 ط2 دار القارئ.
[6] - و نحن نذكر من المقطع هذا، مقطعاً أوسع مما ذكره القوم، لما فيه مدخليه في عملية الاستدلال
الاثنين 6 ذي الحجة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |