119- المرجعية لتشخيص الحق عن الحكم في عالم الاثبات 1ـ لسان الادلة 2ـ وجود خصوصية، والمناقشة
الاثنين 6 صفر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(119)
الأدلة على أنه حكم أو حق لازم أو منفك
هذا كله في عالم الثبوت، وأما في عالم الإثبات فإن ما ذكر أو يمكن أن يذكر كمرجع لتشخيص أن هذا حكم أو حق وعلى تقدير كونه حقاً فلازم أو قابل للإسقاط والنقل والانتقال جميعاً أو بعضها دون بعض، هو الوجوه التالية:
لسان الأدلة، إطلاق الأدلة، كون العنوان تمام الموضوع، وجود الخصوصية في الشخص أو الجهة، قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه، كونه لرعاية حاله أو رعاية حال غيره، كون الحيثية تعليلية أو تقييدية أو اقتضائية، كون الموضوع أو كون النكتة فيه أو المصلحة والمفسدة عِلة أو حكمة، مطلق مناسبات الحكم والموضوع، والأصول العملية، وبعض الكلام فيها:
الوجه الأول: لسان الدليل
فقد يكون الدليل ظاهراً في انه حكم أو حق بأحد قسميه وقد يكون مجملاً أو لا لسان له، ولنضرب بعض الأمثلة بإيجاز موكلين تحقيق حالها ونظائرها إلى أبوابها.
- قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ...)([1]) ومن البيِّن أن هذا اللسان هو لسان الحكم.
- قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...)([2]) وظاهره أنه حق لله، مع أن كل حكم فهو له حق إلا أن الفرق في جهة الجعل والإنشاء ومنشئه ومصبه كما سبق([3])، وهو حكم على الناس لمكان (على الناس) وغيره، واشتماله على منافع (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ...)([4]) غير مخل بذلك الظهور لمكان المصب ومنشأ الإيجاب وأما النفع فانه متفرع.
- قوله تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ...)([5]) فقد يتوهم ان (لكم) دليل كونه حقاً لكنه ليس كذلك إذ انه كان يفيده لو كان (لكم القصاص) لكنه بعبارة أخرى هو: (لكم حياة في القصاص) وظاهره الاخبار لا الإنشاء، وكون الحياة في القصاص أعم من كونه حكماً أو حقاً وإثبات كونه حقاً بذلك متوقف على مقدمات قد تتم وقد لا تتم. فتدبر
- قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...)([6]) فان ظاهره وجود حق لهن وآخر عليهن لأزواجهن، والحاصل: ان ظاهر (اللام) الحق وظاهر (على) الحكم، كما أن ظاهر اللام كونه تحت سلطته مطلقاً إبقاءً وإسقاطاً وأخذاً وتركاً ونقلاً وغيرها. فتأمل([7]).
- قوله (عليه السلام): "فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا"([8]) و"مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَه"([9]) وظاهر اللام الملك وإلا فالاختصاص ولعل مشهور المتأخرين على ملكية الأرض بالإحياء، وذهب جمع وقيل أنه المشهور لدى القدماء أن الإحياء يوجب حق الاختصاص لا غير([10])، كما أن الحيازة توجب الاختصاص وقيل انها توجب الملك.
وعلى أي فظاهر "لِمَنْ عَمَرَهَا" و"فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" الحق المفارق، لكن الحق كما سبق هو التفصيل بين حق الحيازة وحق الإحياء المصدري وبين الاسم المصدري أو فقل بين المتعلِّق والمتعلَّق أي حقه في أن يحوز ويحيي وحقه الناشئ من الحيازة والإحياء، فالأول([11]) حكم غير قابل للإسقاط والثاني حق قابل له.
- أما مثل قوله "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَار"([12]) فلا ظهور له في نفسه، لولا دعوى الإطلاق كما سيأتي، في انه حكم أو حق.
وتحقيق حال ما سبق وغيره موكول لمظانه من الفقه لذا لم نشر إليه إلا إشارة.
الوجه الثاني: الخصوصية
فإذا وجدت في الشخص أو الجهة خصوصية خاصة بها جعل الحق له أو استوجب بها جعله له، كان حقاً لازماً غير قابل للإسقاط وإلا كان منفكاً.
وذلك هو ما تبناه المحقق الاصفهاني قال: (فالتحقيق: أنَّ قبول كل حق للسقوط وعدمه وللنقل وعدمه وللانتقال بالإرث وعدمه، يتبع دليل ذلك الحكم ومناسبة الحكم وموضوعه والمصالح والحِكَمْ المقتضية لذلك الحكم، فمثل حق الولاية للحاكم والوصاية للوصي لخصوصية كونه حاكماً شرعياً([13]) وله هذا المنصب، أو أنَّ الوصي لوحظ فيه خصوصية في نظر الموصي فلذا عينه للوصاية دون غيره – فإنَّ التخصيص بلا مخصص محال من العاقل الشاعر فنقله إلى غيره غير معقول لفقد الخصوصية، أو لوجود هذا الاعتبار له بنفسه من دون حاجة إلى النقل كحاكم آخر مثلاً، وحيث إنَّ هذا الاعتبار لمكان رعاية حال المولى عليه والموصي لا لرعاية نفس الولي والوصي فلا يناسبه السقوط بالإسقاط)([14]).
أقول: قد يناقش ما ذكره بوجوه بين كبروية وصغروية:
مناقشات لدلالة الخصوصية على اللزوم
1- التخصُّص بلا مخصّص محال، لا التخصيص بلا مخصص
أولاً: أما كبرى: فان التخصُّص بلا مخصّص محال فانه من صغريات الترجُّح بلا مرجح أما التخصيص بلا مخصص فهو ممكن وواقع وليس بمحال من العاقل الشاعر بل هو قبيح منه فانه من صغريات الترجيح بلا مرجح وهو ممكن واقع لكنه قبيح.
لا يقال: مرجع الترجيح بلا مرجح إلى الترجح بلا مرجح؟.
إذ يقال: هو كذلك لو أريد من بلا مرجّح الأعم من الإرادة، لكن ظاهرهم غيرها بأن يكون المرجح أمراً خارجاً عنها سبباً في تعلقها بأحد الطرفين بأن يكون في خصوص المتعلَّق أو في ذات المريد لا إرادته نفسها فانها مرجح ذاتي لا تتوقف على مرجح آخر وإلا للزم التسلسل. فتدبر.
ويكفي، وجداناً وعرفاً، لإيضاح المدعى أن الكثير قد يرتكب المكروه بل الحرام من غير مرجح واقعي ثبوتي، فإن الفرض انه مرجوح واقعاً، ولا إثباتي كما فيمن يقدم على ذلك عبثاً لا لعِلةٍ من شهوة وغيرها فتدبر.
2- الخصوصية المرجحة في الجامع
ثانياً: وأما صغرى: فنقول: سلمنا لكن يمكن في الخصوصية المرجحة([15]) أن تكون هي أمراً جامعاً متحققاً في كلا الفردين فيكون من الممكن النقل للفرد الآخر لوجود جامع الخصوصية فيه، والحاصل أن المرجح قد يكون شخصياً وقد يكون صنفياً أو نوعياً والأول لا يمكن نقله دون الثاني.
3- حق النقل اعتباري بيد من بيده الاعتبار
ثالثاً: ذلك إنما يصح صغرى وكبرى، لو قلنا بان للوصي أو الحاكم حق النقل بما هو هو وبنفسه ولصرف كونه ذا الحق، وليس ذلك هو المقصود ولا المطلوب، بل المقصود أن لمن بيده الاعتبار جعل حق النقل له، فكما للموصي أو الشرع أن يجعل له حق الوصاية لخصوصية لاحظها فيه فله أن يمنحه حق النقل لخصوصية أخرى على سبيل البدل موجودة في الاخر أو لكون الخصوصية مقتضية لإثبات الحق له لا علة، ولذا نجد أن للشارع أن يمنح الولاية لعدول المؤمنين بعد المجتهدين وله أن يمنحها للمجتهدين ويوكل لهم نقلها([16])، من غير محذور، ومرجع هذا الوجه إلى الوجه الرابع.
رابعاً: سلمنا لكن ذلك كله لو ثبت أن الخصوصية علة لا حكمة، وهو أول الكلام، سلمنا لكن ذلك، صغرى وكبرى، إنما هو في الفاعل بالقسر لا الفاعل بالاختيار ومرجع هذا إلى الوجه الأول.
وللبحث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
...................................................
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي مِنْ أُمَّتِي رَجُلٌ خَفِيفُ الْحَالِ ذُو حَظٍّ مِنْ صَلَاةٍ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ فِي الْغَيْبِ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبَرَ عَلَيْهِ وَمَاتَ، قَلَّ تُرَاثُهُ وَقَلَّ بَوَاكِيهِ"
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص38.
==================
الاثنين 6 صفر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |