117- تقسيم آخر: الحكومة اما بين الدليلين او الاصلين او الدليل على الاصل او الاصل على الدليل والامثلة

الاربعاء 10 شعبان 1437هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)

(117)

تقسيم آخر: الحكومة اما بين الدليلين أو الأصلين أو بالاختلاف

 

والحكومة تنقسم بتقسيم آخر إلى أربعة أقسام:

 

الحكومة بين الاجتهاديين

 

الأول: الحكومة بين الدليلين الاجتهاديين، وذلك كحكومة دليل لا ضرر ولا حرج على أدلة العناوين الأولية كلها إلا ما ورد منها مورد الحرج والضرر كالجهاد والخمس إن عدّ ضرراً بالنظرة المادية المحدودة([1]).

 

الحكومة بين الاصلين العمليين

 

الثاني: الحكومة بين الأصلين العمليين، كحكومة الاستصحاب السببي على المسببي على الأصح([2]) وكحكومة الاستصحاب على البراءة النقلية([3]) أو الاشتغال فان الاستصحاب لو جرى في احد طرفي العلم الإجمالي – مثلاً – من غير معارض انحلّ به العلم الإجمالي فلم يكن منجّزاً وذلك كما لو علم بسقوط قطرة دم في أحد الانائين وكان كلاهما مورد الابتلاء فانه لا يجري استصحاب الطهارة في احدهما لمعارضته مع استصحاب طهارة الآخر فيتساقطان أو لا يجري الاستصحاب فيهما من رأس، على المبنيين، ويكون العلم الإجمالي منجزاً ولكن الاستصحاب لو جرى في احدهما دون معارض كما لو كان الإناء الآخر مما تواردت عليه حالات الطهارة والنجاسة وجهل آخرها فانه حسب المشهور لا يجري فيه الاستصحاب فيجري في قسيمه دون معارض إذ يتنقح به موضوع العلم الإجمالي إذ موضوعه معلوم النجاسة إجمالاً ومع استصحاب طهارته يخرج موضوعاً عن معلوم النجاسة إذ هو معلوم الطهارة حينئذٍ شرعاً تنزيلاً.

نعم ارتأى السيد العم جريان استصحاب الكرّية – مثلاً – فيما تعاقبت عليه حالات الكرّية والقِلة لصدق (لأنك كنت على يقين فشككت) إجمالاً لأنه من حيث المجموع شاك الآن إجمالاً وقد كان على يقين، بينما ارتأى غيره ان اليقين السابق قد انهدم بتعاقب الحالات فلم يعد يصدق عليه (لأنك كنت على يقين فشككت) وعلى أي فتحقيق ذلك موكول إلى مظانه.

 

حكومة الدليل على الأصل

 

الثالث: الحكومة بين دليل وأصل بان يكون الحاكم هو الدليل، وهذا على القاعدة وذلك كحكومة خبر الثقة على البراءة النقلية أو الاستصحاب.

حكومة الأصل على الدليل

الرابع: الصورة بحالها مع كون الحاكم هو الأصل وحينئذٍ قد يكون مقتضى الأصل الحاكم موافقاً في النتيجة الكلية مع الدليل وقد يكون مخالفاً اما بدوياً أو مستقراً فالصور ثلاثة:

 

أ- الأصل موافق محقِّق لموضوع الدليل

 

فلو قال أكرم العلماء وأجرينا استصحاب عالمية زيد الذي كان عالماً سابقاً فشك في علمه لاحقاً لاحتمال ابتلائه بالنسيان مثلاً إثر مرض أو ضربة على رأسه مثلاً فان استصحاب كونه عالماً محقق لموضوع أكرم العلماء فقد حكم الأصل على الدليل إذ حقّق موضوعه وكان موافقاً.

 

ب- الأصل مخالف للدليل بدواً

 

وقد يكون مخالفاً، كما لو جرى استصحاب عدم كون هذا عالماً([4]) فان الاستصحاب مخرج لهذا الفرد عن موضوع (أكرم العلماء) فهو حاكم عليه إذ نفى موضوعه تنزيلاً.

وهذا من المخالفة البدوية إذ الأصل إذ رفع موضوع الدليل – ولو حكومة – لم يبقِ له وجوداً في مرحلة الإرادة الجدية وفي مرحلة موضوع حكم الشارع، كي يعارضه، نعم التعارض قد يكون في بادئ النظر أو فقل انه تعارض متوهم.

 

ج- الأصل مخالف للدليل مخالفةً مستقرة

 

وقد يكون مخالفاً مخالفة مستقرة، وذلك كتقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب على المباني: فان قاعدة الفراغ اما دليل أو أصل وكذا الاستصحاب وذلك على حسب المبنى في ان الشارع تعبّدنا بمدلولهما – أو أحدهما - أو انه اعتبرهما – أو احدهما - حجة لكاشفيتها النوعية عن الواقع لغلبة المطابقة مثلاً، فالمحتملات فيهما إذاً مجموعاً أربعة.

وعلى أي حال فلو كان المبنى ان قاعدة الفراغ هي أصل من الأصول لقوله (عليه السلام): "كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ"([5]) فموضوعه الشك وحكمه الإمضاء تعبداً، وكان المبنى ان الاستصحاب امارة لكاشفيته النوعية عن الواقع وكون مستنده هو بناء العقلاء لا الأدلة النقلية، أو النقلية إذا استفدنا منها الحجية للكاشفية النوعية([6])، فان قاعدة الفراغ تتقدم حتى في هذه الصورة فكيف بالصور الثلاث الأخرى، على الاستصحاب؛ وذلك لوضوح انها منقّحة لركن الاستصحاب إذ ركن الاستصحاب الثاني هو الشك "لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً"([7]) والقاعدة تقول (شكك ليس بشيء)([8]) أي نزلّه منزلة العدم فمفاد القاعدة انه (لا شك لاحقاً) تنزيلاً فلا يجري الاستصحاب قهراً لأنه متقوم باليقين السابق والشك اللاحق.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

=====================

 

([1]) والا مثل أصل الصلاة.

([2]) من حكومته عليه.

([3]) اما العقلية فهو وارد عليها.

([4]) كما لو كان جاهلاً ثم جاء للحوزة فشك انه صار عالماً أم لا – مثلاً.

([5]) التهذيب: ج2 ص344.

([6]) ببركة (ينبغي) في صحيحة زرارة، أو غير ذلك.

([7]) التهذيب: ج1 ص422.

([8]) أو لقوله (فامضه كما هو) الذي يعني لا تعتنِ بهذا الشك أبداً والغهِ واعتبره كالعدم.