65- الفوارق بين العام والمطلق ـ الفارق بين التبادر الاطلاقي والحاقي و الانسباق الاطلاقي وغيره
السبت 9 جمادى الآخرة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(65)
الفرق بين العام والمطلق
ثم ان الفرق بين التبادر الحاقّي الذي هو الحجة على الوضع فهو النافع في المقام([1]) لو تمّ والتبادر الإطلاقي الذي لا يدل على الوضع فليس بنافع في المقام حتى لو كان يتوقف على تمهيد مقدمة مهمة هي الفوارق بين العام والمطلق، فنقول: الفوارق بينها كثيرة وهي تنقسم بين ما كان بعضها قسيماً للآخر وما كان يرجع للآخر:
الإطلاق ليس جزء مفهوم المطلق
فمنها: ان الإطلاق ليس جزء مفهوم المطلق أي ليس جزء الموضوع له والمدلول عليه بالوضع، لكنه جزء مفهوم العام والمدلول عليه به؛ ألا ترى ان مدلول (العلماء) مثلاً هو (هذا العالم وذاك وذاك وهكذا) فالضمائم هي جزء الموضوع له أي ان العلماء موضوع لهذا وذاك وذياك من العلماء فكل من أفراد العالم بشرط شيء هو الموضوع له، لا لا بشرط، أي ان العطف مدلول عليه فيه بالدلالة التضمنية، اما (العالم) فلا فانه لا يدل على هذا العام وذاك وذياك بل يدل على الطبيعي فقط ثم يكون الانتشار والسريان والعموم بمعونة دليل العقل وغيره كالقول بانه كلي طبيعي وهو مما يوجد في كافة أفراده.
ولا يخفى ان هذا الفرق وبعض لواحقه مبني على ما هو التحقيق من مسلك المحققين في المطلق المقابل لمسلك القدماء من انه: (ما دل على شائع في جنسه) فتأمل
الإطلاق من صفات المعنى والعموم من صفات اللفظ
ومنها: ان الإطلاق لدى المحققين من صفات المعنى وكذا التقييد، نظير الكلية والجزئية التي هي من صفات المعنى لا اللفظ، عكس العموم الذي هو من صفات اللفظ فان لفظ العلماء عام أي انه موضوع للعموم، أما لفظ المطلق فموضوع للكلي الطبيعي ثم هو – وهو معنىً – اما مقيد أو مطلق.
المطلق له قابلية الصدق على كثيرين والعامّ له الفعلية
ومنها: ان المطلق هو ما له قابلية الصدق على الكثيرين، عكس العام الذي له فعلية الصدق على كثيرين، فـ(ان العلماء) بالفعل شامل للعالم العادل والفاسق والصغير والكبير وغيرهم لأنه وضع للدلالة على العموم، اما (العالم) فهو قابل وصالح لان يصدق على كل تلك الأنواع والأصناف والأفراد، والحاصل: ان دلالته ليست بالوضع وبالفعل، بل بمقدمات الحكمة فهو صالح في حد ذاته ثم فعلية صدقه على كثيرين تكون بمعونة مقدمات الحكمة.
المطلق مرسل والعام مقيد بالعموم
ومنها: ان الإطلاق هو الإرسال فمعناه الأصولي كاللغوي، عكس العموم فانه تقييد بالشمول والعموم.
الإطلاق ظهور الحال والعموم ظهور اللفظ والقال
ومنها: ان الإطلاق اللفظي هو ظهور حال المتكلم في انه بصدد بيان تمام موضوع حُكمه، اما العموم فهو ظهور لفظ المتكلم في ذلك إذ لفظه موضوع لذلك، نعم هذا في مرحلة (ما قال) اما في مرحلة (ما أراد) فالعام أيضاً – كما سبق – من المختار لدينا خلافاً للمشهور، يستند إلى ظهور حال المتكلم في ان ظاهر كلامه مراد بالإرادة الجِدّية.
الإطلاق خارجي والعموم داخلي
ومنها: ان العموم يستفاد من الداخل أي من اللفظ نفسه فانه موضوع له، اما الاطلاق فيستفاد من الخارج لأنه يستفاد من مقدمات الحكمة إذ ليس اللفظ موضوعاً له.
الإطلاق في رتبة المحمول والعموم في رتبة الموضوع
ومنها: ان الإطلاق في رتبة المحمول أي في مرتبة لاحقة لمرتبة الموضوع عكس العموم الذي هو في مرتبة الموضوع؛ اما العموم فلفرض ان لفظ العام وضع للعموم، واما الإطلاق فلأنه لم يوضع له بل استفيد من مقدمات الحكمة وهي خارجة عنه لاحقه به؛ إذ بعد صدور اللفظ المطلق من لافظه يقال انه حيث كان في مقام البيان ولم يكن قدر متيقن مطلقاً أو في مقام التخاطب ولا كانت قرينة على الخلاف فهو مطلق إذاً.
العموم قائم بالمفرد والإطلاق قائم به في ضمن الجملة
ومنها: ان العموم غير متوقف على انعقاد الجملة خبرية أو إنشائية ولا على وجود الدلالة التصديقية، عكس الإطلاق المتوقف على ذلك؛ وذلك لأن العموم نابع من الوضع فيكون المفرد بنفسه، كالعلماء، حتى لو لم يكن ضمن جملة ولا في ضمن دلالة تصديقية قادحاً للعموم في الذهن دالاً عليه فلو انفرد العلماء تصوراً أفاد العموم، عكس الإطلاق فانه حيث كان نابعاً من مقدمات الحكمة توقفت دلالة المطلق على العموم على اندراجه في جملة خبرية أو إنشائية، وحيث انه لا يعقل وجود مقدمات الحكمة في مرحلة التصور وانفراد اللفظ فلا إطلاق للمفردات بذاتها والتعبير بالمطلق عنه بلحاظ هذا المقام([2]) لا ما قبله أو لا بلحاظه.
والحاصل: ان (العالم) لا يفيد عموما ولا خصوصاً بل انه في ذاته لا بشرط فإذا توفرت مقدمات الحكمة أفاد العموم عكس (العلماء) فانه يفيد في ذاته العموم.
ولعل لذلك كله أو بعضه عدل صاحب الفصول عن تعريف مشهور القدماء إلى (المطلق ما دل على شائع في جنسه شيوعاً حكمياً)
إذا اتضح ذلك كله يتضح الفرق الآتي غداً بإذن الله تعالى بين مفاهيم ثلاثة هي التي عليها مدار الاستدلال أو الإشكال في المقام، وهي: التبادر الحاقّي والتبادر الإطلاقي والانسباق الاطلاقي فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
السبت 9 جمادى الآخرة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |