81- دفع اشكال عن الاستدلال بآية (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ) ـ الاستدلال بـ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ...) اشكال وجواب
السبت 9 جمادى الآخرة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(81)
عدم شمول (مَا آتَاكُمْ) للعام لشمول (مَا نَهَاكُمْ) للخاص
وقد يستشكل على الاستدلال بقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) بانه حيث لحقه قوله تعالى: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )فانه لا يمكن ان يشمل العام المعارَض بالخاص إذ هو معارض بـ(وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) فلو ورد عام يأمر بإكرام العلماء مثلاً وخاص ينهى عن إكرام زيد العالم لما أمكن ان يكون أكرم العلماء شاملاً لإكرام زيد؛ وإلا للزم التناقض في التشريعين، وعليه: فلا تصلح هذه الآية للاستدلال بها على حجية العام المعارض رداً على مختار المحقق الاصفهاني.
الجواب: (مَا آتَاكُمْ) غير شامل للعام فعلا وشامل اقتضاءً
والجواب: ان المحذور المذكور ناشئ من الشمول الفعلي دون الشمول الاقتضائي، والاقتضائي هو المطلوب؛ فان من يقول بشمول أدلة الحجية للعام المعارض لا يرى حجيته الفعلية لوضوح التزامه بحكومة الخاص عليه أو وروده عليه أو اظهريته منه أو خروج مورده عنه تخصصاً أو تخريجاً، والحكومة وأخواتها تعني حجية المحكوم عليه اقتضاءً، مما ينفي كلا طرفي عدم الحجية أصلاً والحجية فعلاً؛ إذ الحجية فعلاً بمعنى لزوم الإتباع فعلاً أو المنجزية والمعذرية فعلاً تنافي كونه محكوماً أو موروداً عليه، وعدم الحجية أصلاً تنافي كونه محكوماً أو موروداً عليه إذ ما ليس بحجة أصلاً لا معنى لأن يكون دليل آخر حاكماً عليه أو وارداً أو متقدماً عليه بالاظهرية؛ فان الحكومة والورود وأخواتها هي بين دليلين لا بين دليل ولا دليل.
والحاصل: ان (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ) يشمل العام المعارض اقتضاءً ويرفع اليد عنه بورود الخاص لتقدمه عليه فعلاً بالاظهرية أو الحكومة أو غيرها؛ لوضوح ان العرف يرى تقدم الخاص على العام وان (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) إذا كان عاماً معارضاً بنهي خاص كان المورد محكوماً بـ(وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )لا العكس.
الاستدلال بـ(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ)
وقد يستدل بقوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)([1]) استناداً إلى ان إتباع ظواهر أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) من أوامر ونواهي وعمومات ومطلقات إتباعٌ له عرفاً، بل قطعاً للصدق بالحمل الشائع الصناعي عرفاً قطعاً، وإلى ان استثناء الظواهر، وهي الأعم إن لم تكن شبه المستغرق، استثناء للأكثر وهو قبيح.
الإشكال: بعدم معقولية وجود إتّباعين للعام والخاص
لكن يرد على هذا الوجه: ان مداره على الإتباع وهو لا يزيد شيئاً على ما التزمه المحقق الاصفهاني من بناء العقلاء عملاً ولا يدفع إشكاله؛ إذ يرد على هذا الاستدلال ما أورده على الاستدلال ببناء العقلاء العملي فانه لا يعقل بناءان عمليان للعقلاء على إتباع العام والخاص المعارض معاً في مورد الخاص إذ معنى ذلك وجود عملين متناقضين([2]) أو متضادين([3]) في وقت واحد، وهو محال.
وهذا الإشكال بعينه يجري في الاستدلال بقوله تعالى: (يَتَّبِعُونَ) إذ لا يعقل ان يتبع العقلاء العامَّ والخاصَّ المعارَض الصادرين من الرسول (صلى الله عليه وآله) في وقت واحد بل اتباعهم هو لأحدهما فقط لا غير جزماً، وحيث ان الخاص أقوى فهو المتّبع، فلم يشمل هذا الدليل([4])، وليس له ان يشمل، العام المعارض.
تخريجان للاستدلال بالآية الكريمة
اللهم إلا يراد بـ(يَتَّبِعُونَ) الإتباع الأعم من الفعلي والشأني، والعام يُتّبع اما شأناً واما فعلاً: فإن لم يكن معارضاً ففعلاً وإلا فشأناً، ومعنى الاتباع الشأني انه من شأنه ان يُتَّبع لو لم يكن له معارض أخص لكنه حيث وجد فلا.
وفيه: ان تفسير الإتباع بالأعم من الفعلي والشأني أو بالشأني، خلاف الظاهر لظهور الألفاظ في الفعلية.
نعم: يمكن تتميم الاستدلال بتتمة الآية الكريمة وهي (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ) بنفس ما وجّهنا به الاستدلال بشقي آية (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فتدبر
وهم ودفع: ليس الخاص من الظن الشخصي على الخلاف
ثم انه البحث يدور عن حجية العام وعدمه في صور ثلاثة: إذا لم يكن الظن الشخصي على الوفاق، وإذا كان الظن الشخصي على الخلاف، وإذا كان الخاص على الخلاف، والعام في الأولين حجة عكس الأخير، فقد يتوهم ان الثالث من مصاديق الثاني فكيف التفكيك بينهما في الحكم فان الخاص من مصاديق الظن على الخلاف فانه مورث للظن الشخصي على الخلاف؟
ولكن هذا الوهم يرتفع بأدنى إلتفات؛ فان الخاص ظن نوعي على الخلاف والثاني هو الظن الشخصي على الخلاف، والنسبة بين الخاص وبين الظن الشخصي على الخلاف هو العموم والخصوص من وجه إذ قد يكون الخاص على خلاف العام لكن الظن الشخصي لا يكون على وفقه بل يكون موافقاً للعام، وقد يوافقه، كما قد لا يكون للفرد ظن شخصي بأحد الطرفين أصلاً، كما قد يكون ظن شخصي على الخلاف لا لوجود خاص على الخلاف.
هذا كله على الانفتاح، واما على الانسداد فلا ظنون نوعية والمدار الظن الشخصي، وعليه: لو كان الظن الشخصي على خلاف العام – سواء أكان ما يسمى "خاصاً" على الانفتاح أم غيره – تقدّم على العام ولو انعكس انعكس حسب قاعدة باب الانسداد، لكن فيه تأمل بيّناه في محله وقد سبقت في بحوث العام الماضي إشارة إليه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
السبت 9 جمادى الآخرة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |