69- كلام المحقق الاصفهاني عن (مدرك حجية الظواهر) وانه بناء العقلاء عملاً ـ نتائج هذا المبنى ـ الوجوه الأخرى المحتملة
الاحد 19 جمادى الأولى 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(69)
ابتناء البحث كله على مبحث الوجه في حجية الظواهر
ثم ان هذا البحث بأكمله يبتني على بحث آخر به يتم تحقيق الحق في المقام من ان الخاص حاكم على العام أو وارد أو متقدم بالأظهرية أو بالتخريج أو ان مورده خارج تخصصاً، كما ان على هذا المبحث المبنائي تترتب الكثير من الثمرات الأصولية الهامة جداً في هذا المبحث (مبحث التعارض) وغيره أيضاً.
الاصفهاني: مدرك حجية الظواهر هو البناء العملي للعقلاء
فلنبدأ بما عده المحقق الاصفهاني مقتضى التحقيق فقال في بحث الظواهر: (والتحقيق أن مدرك حجية الظواهر بما لها من الخصوصيات كما مر مرارا بناء العرف والعقلاء عملاً، فهو المتبع في أصل الحجة وخصوصياتها)([1]).
وقال في مبحث التعارض (وهذا([2]) إنما يعقل فيما إذا كانت حجية الحجة بعموم أو إطلاق لفظي كالخبر الثابت حجيته بالآيات أو الروايات. وأما الدلالة فلا دليل على حجيتها إلاّ بناء العقلاء عملاً، ولا يعقل بناءان منهم عموماً وخصوصاً، إطلاقاً وتقييداً، ليكون أحد البناءين مخصصاً أو مقيداً للآخر)([3]).
وتحقيق المقام بما به يظهر به المقصود ويتضح به وجه النقاش معه في ضمن أمور:
أ- مدرك حجية الحجج ومدرك حجية الظواهر
الأول: ان الكلام تارة يكون عن مدرك ومستند حجية الحجج وأخرى يكون عن مدرك حجية الظواهر، والأول أعم من الثاني إذ يشمل مثل مدرك حجية خبر الثقة النص في المقصود ومثل الشهرة والإجماع المنقول ونص اللغوي، على القول بحجيتها، والحاصل: ان الظواهر من مصاديق الحجج، ومورد البحث هنا عن الأخص([4]).
ب- أنواع الظواهر
الثاني: ان البحث يعم كل الظواهر كظهور الأمر في الوجوب أو غيره على المباني، وظهور النهي في الحرمة وظهور العام في الشمول بالوضع وكذا المطلق بمقدمات الحكمة أو غيرها وظهور اللفظ في ان معناه الحقيقي الموضوع له هو المراد لا غيره.
ج- البحث كبروي
الثالث: ان الكلام كبروي وليس صغروياً؛ إذ ليس الكلام، في مبحث التعارض وفي مدرك حجية الظواهر، في ظهور اللفظ في معناه كالأمر في كالوجوب مثلاً؛ فان مدرك هذا هو الوضع أو التعهد أو غيرهما على المباني، بل الكلام، بعد الفراغ عن ظهور اللفظ بحسب الوضع أو غيره في معناه، يقع في ان هذا الظهور حجة أم لا؟ أي انه هل يصح الاحتجاج به على مراد المولى الجدي أم لا؟
بل نقول: انه ليس الكلام عن ظهور الكلام فيما قال بل عن ظهوره فيما أراد وعن مدرك حجية هذا الأخير، أي ليس الكلام عن مدرك حجية الإرادة الاستعمالية بل الكلام عن مدرك حجية الإرادة الجدية؛ إذ لا تلازم بينهما فانه قد يكون اللفظ ظاهراً، وضعاً، في معنىً وقد استعمله فيه لكن المتكلم لا يريده فيستعان حينئذٍ بأصالة الجد والجهة ونظائرهما، ولكن ما هو مدرك حجية أصالة الجهة والجد ونظائرهما؟
وبعبارة أخرى: ههنا مباحث ثلاثة: 1- ظهور اللفظ في معناه، وهو منوط بالوضع أو كثرة الاستعمال.
2- ظهور حال اللافظ([5]) في انه استعمله في الموضوع له، وهو المعبر عنه بأصالة الحقيقة.
3- ظهور حاله في انه اراده، وهو المعبر عنه بأصالة الجد، والكلام في هذا الأخير على ان الثاني أيضاً بحاجة إلى مدرك ودليل.
والحاصل: ان المراد بـ(مدرك حجية الظواهر) هو مدرك حجيتها، ومراده (قدس سره): صحة الاحتجاج بها في دلالتها على المراد الجدي وانه هو المقصود للمتكلم.
وقوله (واما الدلالة) يراد بها دلالة العام على العموم أي على انه مراد بالإرادة الجدية، لا ظهوره فيه ودلالته عليه بحسب الدلالة التصورية بل ولا إرادته بحسب الإرادة الاستعمالية، فتدبر.
ثمرات المبحث على المباني
الرابع: ان الدليل على ذلك هو أحد وجوه بنى الاصفهاني على أحدهما وهو (بناء العرف والعقلاء عملاً).
ولكن نتيجة هذا المبنى كبيرة جداً على مستوى الكثير من مباحث علم الأصول، لكون مبحث الظواهر مما يشكل واحداً من أهم مباحث الأصول وأكثرها تداولاً وفائدة لابتناء الاستدلال بأكثر الآيات والروايات عليها.
والجامع: ان المدرك لو كان هو البناء العملي للعقلاء والعرف لكان دليلاً لبياً يقتصر فيه على القدر المتيقن، مما له نتائج عديدة هامة:
لا دليل في عالم الإثبات على حجية العام المعارَض بالخاص
فمنها: ما أشار إليه بقوله (ومن البيّن كما مر أنه ليس من العقلاء بناءان أحدهما على اتباع الظاهر مطلقا ، والآخر على أمر آخر بحيث يكون أحد البنائين مقيدا للآخر. بل العمل على الظاهر الذي ليس على خلافه ما هو أقوى منه كشفا ، فمع عدم الكاشف الأقوى يكون العمل على طبق الظاهر ، ومع وجوده يكون العمل على طبق الأقوى كشفا)([6]).
وعليه: لا يكون العام، في مرحلة المقتضي في عالم الإثبات، الذي قابله الخاص حجةً إذ ليس مشمولاً لدليل الحجية وهو البناء العملي للعقلاء والعرف، فإذا لم يكن فيه مقتضي الحجية فكيف يعارض الخاص؟ بل يكون خروجه عن المعارضة بالتخصص أو بما هو كالتخصص بمعنى انه لا يكون، على هذا المبنى، مشمولاً لأصالة الجِدّ أصلاً لا انه يكون مشمولاً لها وللدليل على الحجية ثم يتقدم عليه الخاص بالحكومة أو الاظهرية أو الورود([7]).
لا يشمل دليل الحجية العامين المتعارضين
ومنه يظهر: انه على هذا المبنى فان العامين المتعارضين أيضاً لا يشملهما دليل الحجية، وهو البناء العملي للعقلاء، بل هو خاص بالأقوى منهما فان تساويا لم يشملهما، نعم على مبنى البعض، كالسيد الخوئي، فان دليل الحجية لا يشمل المتعارضين مطلقاً وإن كان أحدهما أقوى من الآخر، وعليه بنى معارضة رأي غير الأعلم للأعلم وسقوطها، وقد نقلنا كلامه وناقشناه مفصلاً في آخر كتاب (شورى الفقهاء).
الأدلة على حجية الظواهر
الخامس: ان الأدلة على حجية الظواهر متعددة:
فمنها: سيرة المتشرعة.
ومنها: سيرة العقلاء وبناؤهم العملي.
ومنها: بناء العقلاء.
ومنها: حكم العقل.
ومنها: الإطلاقات، وسيأتي الكلام حولها جميعاً بإذن الله تعالى.
عمومات لزوم التمسك بالكتاب والسنة
فلنشر الآن إلى الوجه الأخير الذي نراه، كبعض الأدلة الأخرى تاماً، فقد قرره في دروس في علم الأصول بـ(الوجه الثالث: التمسك بما دل على لزوم التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بهما بتقريب ان العمل بظاهر الآية أو الحديث مصداق عرفاً لما هو المأمور به في تلك الأدلة فيكون واجباً، ومرجع هذا الوجوب إلى الحجية)([8]).
وناقشه بـ(الوجه الثالث بحاجة إلى تمامية دليل على حجية الظهور ولو في الجملة لأن مرجعه إلى الاستدلال بظهور الأحاديث الآمرة بالتمسك وإطلاقها، فلا بد من فرض حجية هذا الظهور في الرتبة السابقة)([9]) وبعبارة أخرى: لا يصح الاستدلال على حجية الظواهر بالظواهر، وبعبارة ثالثة ان ما هو بحاجة إلى إثبات حجيته كيف يستدل به على حجية غيره؟ فهل هذا النقاش تام؟ وما حال سائر الأدلة؟ سيأتي بإذن الله تعالى.
مدى أهمية هذا البحث
تنبيه: مبحث الوجه في حجية الظواهر هو من أهم مباحث الأصول فان عليه تبتني الثمرات السابقة وغيرها، ومع ذلك لم يبحث إلا إشارة عابرة جداً مع انه البحث الكبروي وانه هو المسألة الأصولية حقاً بينما أفردت للمباحث الصغروية([10]) المئات من الصفحات رغم انها من المبادئ التصديقية لعلم الأصول وهي جديرة بها حقاً، فكان مقتضى القاعدة ان تفرد للبحث الكبروي مسألة مستقلة مستوعبة بل رسالة مستقلة،
وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
الاحد 19 جمادى الأولى 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |