52- تتمة محتملات كلام النائيني ونقدها وكفاية كون العوض والمعوض مالاً بعد البيع
الاحد 5 جمادى الأولى 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(52)
هـ - أي بذاتي باب البرهان
هـ - ويحتمل ان يكون مراد المحقق النائيني من قوله (ان المراد من المال هو ما كان كذلك في حد نفسه) هو مرحلة الذات وذاتياتها في باب البرهان وليس ذاتياتها في باب الكليات الخمس، والذي ذكرناه كمحتمل أول وأشكلنا عليه بما مضى؛ فان ذاتيات باب البرهان ثابتة للماهية في حد نفسها مع قطع النظر عن الوجود والعدم، كزوجية الأربعة مثلاً، فيحتمل ان يريد الميرزا من ان المراد بالمال ما كان كذلك – أي مالاً – في حد نفسه أي ان كونه مالاً، ككون الذهب مالاً عكس التراب، وكونه ذا مالية هو لازم ذاته كلزوم الزوجية للأربعة وإن لم يكن جنساً للذهب وغيره ولا فصلاً.
المناقشة:
لكن هذا الوجه أيضاً غير تام لوجهين:
المال والمالية منوطان باحد أنحاء الوجود الثلاثة
الأول: ان كون الذهب ونظائره مالاً وذا مالية، منوط بأحد أمور ثلاثة على سبيل البدل: 1- وجوده الفعلي 2- وجوده في ظرفه المستقبلي أي انه مال بلحاظ وجوده وتحققه في ظرف التسليم مثلاً في باب السَّلَم وغيره 3- وجوده الاعتباري.
فلو جردنا الذهب ونظائره عن الوجودات الثلاثة لما كان مالاً ولا ذا مالية.
وبعبارة أخرى: المال والمالية ثابتة لوجوده وليست لوازم لماهيته كي يدعى انه ذاتي باب البرهان، ويشهد لذلك العرف بل انه مقتضى دقيق النظر.
المال والمالية منوطان بالعرض والطلب لا الماهية والوجود
الثاني: للانفكاك بين كل ما عد مالاً في حد نفسه كألف منّ من الحنطة أو كيلو من الذهب وبين المالية بل وبين كونه مالاً؛ فان دقيق النظر وعرفِيَّةُ يقضيان بأنّ المال والمالية منوطان بالقاعدة الاقتصادية المعروفة من العرض والطلب فانه كلما قلّ الطلب وزاد العرض انخفضت القيمة وكلما زاد الطلب وقلّ العرض ارتفعت القيمة، فإذا عدم الطلب تماماً فقد الشيء قيمته وماليته ولا يعد حينئذٍ مالاً بالفعل ولا بالنظر إلى منشأ وصفه واتصافه بالمالية لغةً وعرفاً وهو كون النفس مما تميل إليه؛ ألا ترى ان الذهب لو كان كثيراً بوفرة التراب وكان التراب محتاجاً إليه بشدة للزراعة وغيرها وكان قليلاً بقلة الذهب، كانت قيمتاهما متعاكستين؟ وألا ترى أن الذهب لو كثر جداً فصار بكثرة الحشائش الضارة، مضراً مؤذياً مزعجاً يبذل المال لإخراجه من أرض الدار والمزرعة وطرحه بعيداً، لكان حاله حال التراب الآن لا يعد مالاً ولا ذا مالية أي كان حاله كما عبر الميرزا نفسه عن التراب بـ(كمنّ من التراب مثلاً لا مالية له عند العرف)؟ فتأمل([1]).
ومن ما مضى يظهر الإشكال في قوله: (ولا اشكال في أن ألف مَنّ مِن الحنطة مال عرفا إلا أنه لم يكن له اعتبار الوجود قبل البيع لا أنه ليس بمال قبل اعتبار وجوده و انه كمنّ من التراب مثلا لا مالية له عند العرف)([2])
إذ ظهر ان ما لا اعتبار لوجوده (ولا هو موجود فعلاً أو مستقبلاً أو بالقوة) ليس بمال عرفاً ولا عقلاً ودقة.
التفريق بين اعتبار الوجود قبل البيع واعتباره بعده
نعم لو كان ملاك تفريق الميرزا هو (اعتبار الوجود قبل البيع) و(اعتباره بعد البيع) وان الأول غير مشترط والثاني كافٍ، لكان له وجه، لكنه عدول عن ظاهر قوله (في حد نفسه) إلى بشرط اعتبار وجوده ولو بعد البيع.
وعلى أي فلو أراده كما هو ظاهر عبارته وصريح لاحقها: (والمعتبر في البيع ليس إلا مالية العوضين بحيث كانت المبادلة بين المالين وأما كون الطرفين مما لهما اعتبار الوجود قبل البيع فليس بمعتبر ولا دليل على اعتباره أصلا)([3])، لما ورد عليه إشكال تقدم الشيء على نفسه وان ما يكون مالاً بالبيع، أي بسببه، كيف يكون متعلقا للبيع؟ فان متعلق البيع سابق عليه رتبة وما يكون بالبيع مالاً متأخر عنه رتبةً فكيف يكون ما هو متأخر عن البيع رتبة مأخوذاً متعلقاً للبيع السابق رتبة عليه؟
وذلك([4]) لأن الميرزا ينكر وجود دليل على اشتراط ان يكون متعلق البيع مالاً قبل تعلق البيع به كما ان صاحب العروة انكر ذلك([5]) وذلك لعدم الدليل عليه بل يكفي ان يكون متعلق البيع مالاً في أحد الأزمنة: إما قبل البيع أو بعده، هذا على حسب ما نميل إلى توجيه عبارته به، إلا ان ظاهر عبارته غير ذلك وهو: ان مالية العوضين شرط وهما مال في نفسهما (أي مثل الحنطة والذهب) اما اعتبار وجودهما قبل البيع فليس بشرط بل يكفي اعتبار وجودهما بعد البيع. فتأمل
بحثان: اشتراط اعتبار الوجود وكونه مالاً
وعلى أية حال – ومهما كان مقصوده - فهنا بحثان: هل يعتبر في المبيع ان يكون مالاً قبل البيع؟.
الثاني: هل يعتبر ان يكون له اعتبار الوجود قبل البيع؟ ولا تلازم بينهما([6]) إلا على ما صرنا إليه في الجملة([7]) فتدبر. وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
الاحد 5 جمادى الأولى 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |