31- توضيح الصور السابقة في وجه حجية الظواهر واضافة صور اخرى ـ معنى اصالة الظهور وان مصبها الارادة الجدية لا الاستعمالية اي تطابقها معها
الاثنين 2 ربيع الاول 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(31)
التعبد مطلقاً أو مقيداً بأحد النحوين
الوجه الخامس الى السابع: التعبد مطلقاً، او مقيداً بعدم قيام القرينة المعتبرة على الخلاف، أو مقيداً بعدم قيام القرينة مطلقاً – معتبرة كانت أم لا- على الخلاف، نظير الوجوه الثاني الى الرابع السابقة بل ويجري الفرضان[1] السابقان هنا أيضاً، فتكون ههنا خمس صور أيضاً فيكون مجموع الصور أحد عشر وجهاً فتدبر.
معنى التعبد ووجهه
ومعنى (التعبد) أن العقلاء بنوا على العمل بالظهورات، لا لكاشفيتها النوعية عن الواقع (وهو المراد الجدّي للمتكلم) بل لمجرد تنظيم شؤون الحياة واستقرارها، فتكون كالوظيفة في الاصول العملية: كالبراءة مثلاً او كالاستصحاب بناءاً على كونه اصلاً تعبدياً لا امارة نوعية مورثة للظن ببقاء ما كان على ما كان.
بعبارة أخرى: - على التعبد – فان العقلاء لا يرون العام مثلاً مع وجود احتمال[2] القرينة المنفصلة كاشفاً ظنياً ونوعياً عن الواقع بل ولا يرون نفيها بالأصل مجدياً في ايراثه (أي العام المحتمل وجود قرينة على خلافه وان نفيت بالاصل) الظن النوعي المعتبر لديهم بكشفه عن المراد الجدي، لكنهم لأجل ان تمشي امور حياتهم يبنون على اصالة الظهور اي يبنون على لزوم العمل بهذا العام – المحتمل فقط ارادة المتكلم به منه العموم بالإرادة الجدية لا ذو الظن النوعي فيه – ويبنون على عدم وجود القرينة المخالفة، ويلزمون المتكلم والمخاطب بذلك كي لا تختل امور حياتهم اذ رأوا أنه لا يستقر حجر على حجر لو لا ذلك، اذ في كل عام ومطلق ولفظ ذي معنى حقيقي ومجازي، فان للمتكلم به لو لا هذا البناء، ان يقول انني لم أقصد به العموم والإطلاق والحقيقة فليس لكم إلزامي بإقراري مثلاً[3].
والحاصل: ان بناءهم على الالتزام بالعموم والالزام به رغم عدم ايراث العام الظن النوعي به – هذا.
من الادلة على التعبد بظهورات الشارع
ويؤكده في عمومات الشارع وظواهره، ما ثبت من أن كثيراً من الكتب بل ومن الأصول الأربعمأة قد أغرق أو أحرق أو دفُن أو ضاع بوجهٍ، فإنه وإن لم يعلم كونها في الإلزاميات فلا تسقط الظواهر عن الحجية حينئذٍ بدعوى العلم الاجمالي[4]، لكنه – أي كونها في الإلزاميات – محتمل وجداناً، ومع ذلك فقد أمر الشارع بالرجوع الى هذه الظواهر فالرجوع إذاً – حسب هذا المبنى – تعبدي أمر به الشارع نظير أمره باتباع الأصول العملية، وعليه تندرج الأدلة الاجتهادية، إلا ما أحرز عدم وجود مخصص أو مقيد أو شبههما له، في الأدلة الفقاهتية بالمعنى الأعم.
وقد يستدل لهم بمثل قوله (عليه السلام) (العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان)[5] فإنه يفيد لزوم الرجوع الى كلامهما مع وضوح احتمال نسيانهما أو غفلتهما أو حتى عدم سماعهما – نظراً لتدرجية بيان الاحكام – المخصص أو المقيد، ومع ذلك أمر الشارع بالرجوع إليهم وإلى سائر الثقات.
هذا غاية ما يمكن به تقرير وتوجيه مسلك التعبد، إلا انه لا يخفى ما فيه مما لعلّه لا يحتاج الى تجشم مؤونة استدلال[6].
وجه كون الخاص وارداً على العام أو حاكماً عليه
الأمر الرابع: في بيان حقيقة ما صار إليه الاعلام من ورود الخاص[7] على أصالة الظهور في العام، أو حكومته عليه، أو خروج مؤدى الخاص عن مفاد أصالة الظهور في العام بالتخصص، أو كون تقدمه بالأرجحية، على الأقوال الأربعة، وإنه كيف تنسجم هذه الدعاوى الأربعة مع كون الخاص والعام قسيماً للحاكم والمحكوم عليه والوارد والمورود عليه والتخصص؟، فكيف أدرج الأعلام تقدّم الخاص على العام بكونه لحكومته عليه او وروده او غير ذلك؟
معنى أصالة الظهور ومصبّها
وبيان ذلك يعتمد على تحقيق موقع أصالة الظهور (او قاعدة الظهور كما اخترناه) مثل أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق وبيان مصبها، فنقول: إن مصب اصالة الظهور هو الارادة الجدية و اما مصب الظهور فهو الارادة الاستعمالية.
وبعبارة اخرى: ان العام كـ (العلماء)، إنما يكون ظاهراً في العموم لأجل وضعه فيه مع علم السامع بالوضع، فبذلك توجد الدلالة التصورية المعبر عنها بالارادة الاستعمالية فبمجرد سماع السامع لفظ (العلماء) فإنه مع علمه بالوضع ينقدح في ذهنه معنى (كل العلماء) فالعلماء اذاً ظاهر في العموم، بحسب الدلالة التصورية الناشئة من العلم بالوضع.
لكن يتبقى بعد ذلك السؤال عن إن المتكلم في قوله (أكرم العلماء) هل أراد حقيقيةً هذا العموم (الذي اللفظ ظاهر فيه) أي هل اراده بالإرادة الجدية أم لا؟ فان ذلك مما لا يتكفل به الظهور نفسه[8] بل يتكفل به ظاهر حال المتكلم لفظاً ولافظ بعد فرض كونه حكيماً فإن مقتضى الحكمة أن يستعمل المولى – وكل متكلم حكيم – اللفظ في الموضوع له وانه اذا عدل عنه الى المجاز فلا بد من ان يقيم القرينة على ذلك أي ان الحكمة تقتضي مطابقة الارادة الجدية للإرادة الاستعمالية وإلا لكان مغريا بالجهل مضلّلاً لعبيده في الإنشائيات، أو لسامعيه المستخبرين في الاخباريات، اذ كيف يأمر بـ (أكرم العلماء) مثلاً ويريد بعضهم فقط بدون قرينة حتى اذا ما أكرم عبدُه العلماَء من ماله، عاقبه بـ: لم ضيعت أموالي في إكرام كل العلماء مع انني قصدت اكرام بعضهم فقط؟
والحاصل: ان الظهور (والارادة الاستعمالية) قائم باللفظ[9]، وأما أصالة الظهور (والارادة الجدية) فقائمة باللافظ.
وبعبارة أخرى: يقصد من أصالة الظهور حجيته[10].
بعبارة ثالثة: أي يقصد منها دلالة حال المتكلم الحكيم بالنظر لحكمته على أنه أراد بالإرادة الجدية مفاد كل لفظ ظاهر في معنى وقد جعله[11] حكمه[12] أو موضوع حكمه[13] أو شطره أو شرطه أو شبه ذلك، أي يقصد منها تطابق مراده الجدي مع مراده الاستعمالي أو فقل تطابق الدلالة التصديقية مع الدلالة التصورية.
وبذلك يتضح وجه ذهابهم الى ورود الخاص على العام أو حكومته عليه أو شبه ذلك – حسب الصور الاربعة الآتية، وعلى الاقوال- إذ يراد به ورود أصالة الظهور في الخاص على أصالة العموم في العام أي على انه مراد بالإرادة الجدية، لا على أصل ظهور العام الذي كان الخاص خاصاً بالنسبة له، وسيأتي مزيد توضيح له غداً بإذن الله تعالى،
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
=============================
الاثنين 2 ربيع الاول 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |