29- تحقيق ان وجه تقدم الخاص على العام هو (اظهريته) وليس (ان العام موضوعه الشك فالخاص وارد عليه) خلافاً لمصباح الاصول
الاحد 9 صفر 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(29)
وجوه تقديم الخاص على العام
الكلام في انه تقديم الخاص على العام وكل قرينة على ذيها هل هو مطلق كما ذهب إليه جمع من الأعلام؟ أم انه مقيد بما إذا كان أظهر كما هو الأكثر، اما لو تساويا في الظهور فيتعارضان ويندرجان حينئذٍ في اخبار الترجيح والتخيير والتوقف، أو كان العام أظهر فيقدم، كما هو المنصور، لكن ذلك يعتمد على وجه تقدم الخاص على العام فان الوجوه التي ادعي أو يمكن ان يدعى انها الوجه والسبب في التقدم مختلفة:
1- كون الخاص أظهر، وعليه يتعارضان لو كان الخاص ظاهراً كالعام
فقد ذهب البعض إلى ان الوجه هو كون الخاص نصاً أو أظهر، وحيث كان كذلك دار الحكم مداره فان كان نصاً أو أظهر تقدم أو العام أظهر تقدم أو تساويا في الظهور فمتعارضان إذ المراد مبهم والدالان مختلفان وذلك لوضوح ان العلل التي تذكر في المنطق أو الأصول أو سائر العلوم هي علل وليست كعلل الشارع حِكَما حسبما استظهرناه من ان الأصل فيها انها حِكَم لكون الغالب بل شبه المستوعب من علله حِكَماً حسبما دلت عليه الأدلة مما يورث الاطمئنان بحال الباقي، كما فصلناه في محله.
وحيث علَّل الشيخ تقديم الخاص على العام بكونه نصاً أو أظهر ألزمه (المصباح) بلزوم الالتزام بالتفصيل وان تقدمه عليه متوقف على كون الخاص أظهر والعام ظاهره، وسيأتي كلامه والمناقشة فيه.
2- لكون موضوع حجية العام هو الشك فالخاص وارد أو حاكم
وقد ذهب بعض الاعلام إلى ان الوجه في تقدم الخاص على العام هو ان العام موضوع حجيته الشك وبورود الخاص يرتفع موضوعه وهو الشك فالخاص وارد على العام إن كان قطعياً وحاكم إن كان ظنياً – على تفصيل وخلاف بين القائلين بذلك ونقاش لنا فيه كما سيأتي – فلا يعقل ان يعارض العامُّ وإن كان أقوى ظهوراً، الخاصَّ وإن كان في أدنى درجات الظهور لانتفاء موضوعه بورود الخاص فكيف يعارضه مع كونه من السالبة بانتفاء الموضوع؟
قال في مصباح الأصول: (ولا يتوقف تقديم الخاص على العام على كون الخاص أظهر والعام ظاهرا، على ما يظهر من كلام الشيخ u فإنه علّل تقديم الخاص على العام بكون الخاص نصا أو أظهر، فيقدم على الظاهر وهو العام. وذلك لما، ذكرناه من أن موضوع حجية العام هو الشك، وبورود الخاص يرتفع الشك فيسقط العام عن الحجية ولو كان في أعلى مرتبة من الظهور، فيقدم الخاص عليه وان كان في أدنى مراتبه، وكذا الامر في كل قرينة من ذيها، فان القرينة مع إحراز قرينيتها مقدمة على ذي القرينة. ولو كان ظهوره أقوى من ظهور القرينة)([1])
مناقشة دعوى ان موضوع حجية العام هو الشك
أقول: كلامه هنا وما سبقه ويلحقه([2]) متأمل فيه من جهات عديدة:
فمنها: قوله (لما ذكرناه من ان موضوع حجية العام هو الشك) – وهذا هو مبنى كلامه كله – وذلك لأن ظرف حجية العام هو الشك وليس موضوعه الشك، فكما ان الامارات حجة في ظرف الشك وليس موضوعها الشك عكس الأصل الذي موضوعه الشك، كذلك الظواهر كلها ومنها العام فان ظرفها الشك وليس موضوعها، وذلك لأن الظواهر هي من الأدلة والحجج على الواقع فان حجيتها هي من باب إيراثها الظن النوعي بمراد المتكلم – وهو الواقع – وحكمه وهو المنكشف به، وليست من الأصول اللفظية العملية التي موضوعها الجهل والشك في الواقع.
وبعبارة أخرى: إذا شككت في الحكم الواقعي فان الظواهر كالأوامر والنواهي والعمومات تعد لدى العقلاء دليلاً عليه كاشفاً عنه فبها يرتفع الشك حقيقة أو مع متمم الكاشفية كما ان خبر الثقة كذلك، اما الأصول العملية الحكمية – وكذا الظواهر لو قلنا بانها من الأصول العملية اللفظية – فموضوعها الشك فلا يعقل ان تزيله حقيقة أو بمتمم إذ هي مبنية عليه متفرعة عنه فكيف ترفعه؟ أي ان الحكم في الأصول هو حكم الشك في الواقع أي انه حيث شككت في الواقع وحيث استقر جهلك به فان وظيفتك هي البراءة مثلاً.
والحاصل: ان موضوع البراءة مثلاً هو (ما لا يعلمون) وحكمه الظاهري هو الرفع وعدم الإلزام بما شككت في وجوبه مثلاً فاصل البراءة مبني على حدوث الشك وبقائه ثم إثبات الحكم الظاهري له، عكس ما لو جهلت حكم اكرام زيد وعمرو وسائر العلماء فورد اكرم العلماء فانه بيان للحكم الواقعي لا للوظيفة الظاهرية.
معنى أصالة الحقيقة وأصالة الجد
لا يقال: الظهور موقوف على اصالة الحقيقة وأصالة الجد وهما اصلان لفظيان موضوعهما الشك فالظهور ليس بكاشف ولا ظرفه الشك بل موضوعه الشك؟
إذ يقال: ان الأصل اللفظي وهو اصالة الحقيقة أو اصالة الجد لا يراد به الأصل العملي اللفظي الذي موضوعه الشك([3]) بل يراد به الظهور النوعي الأماري الذي يزيل الشك أي ان المراد من اصالة الحقيقة هو ظهور لفظ الأسد في معناه الموضوع له بحسب ظاهر حال اللافظ استناداً إلى ان بناء العقلاء وارتكازهم وعليه سيرتهم أيضاً على انه لو استعمل الأمر أو النهي أو العام أو شبه ذلك دون قرينة على الخلاف فانه كاشف نوعي عن الواقع ويرون إيراثه الظن النوعي المستقر بان الوجوب من الأمر والشمول من العام مثلاً هو المراد.
وكذلك المراد من اصالة الجد في مقابل الهزل أو الامتحان أو التمرين أو التلقين أو شبه ذلك، وليس المراد انه حيث جهل المراد من (جئني بأسد) أو (جئني بعالم) وحيث استقر الجهل والشك ولم يُعرف المراد واقعاً ولم يُعلم به لا وجداناً ولا بتتميم الكاشفية فان وظيفتك الظاهرية هي ان تأتيه بأسد مفترس أو ان تأتيه بعالم بالفعل لا بعالم بالقوة من باب المجاز بالأوْل أو المشارفة، من دون كاشفية للأمر عن الوجوب ولا للاسد عن المفترس ولا للعلماء عن العموم للأفراد أصلاً بل من باب ان الوجوب وظيفة ظاهرية والعموم للعلماء ظاهري كما كان رفع ما لا يعلمون حكماً ظاهرياً.
والحاصل: ان الظواهر تزيل الشك عرفاً لا انها حكم للشك نفسه أي ان الظواهر تعتبر رؤية للواقع، اما ما موضوعه الشك فانه يقول: حيث لا رؤية للواقع أبداً فالحكم الظاهري كذا أو كذا.
موضوع حجية العام هو أمثال الجمع المحلى، لا الشك
ان قلت: ان لم يكن الشك هو موضوع حجية العام فما هو موضوعه؟
قلت: موضوع حجية العام هو العام نفسه أي امثال الجمع المحلى بأل فانه المتصف بالحجية بمعانيها إذ يقال (العلماء) حجة في العموم (في ظرف الشك) أي انه كاشف عن العموم وانه المنجز ان اصاب والمعذّر ان اخطأ.
نعم لتوهم الأصل اللفظي العملي في (المطلق)([4]) مجال بدعوى ان انعقاده متوقف في مرحلة المقتضي على عدم القرينة على الخلاف، لكنه غير تام كما سيأتي وعلى أي فانه لا إطلاق حينئذٍ([5]) والقرينة واردة عليه، ولا مجال لتوهم الإطلاق كأصل عملي فتدبر. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
الاحد 9 صفر 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |